Skip to main content

إصحاح 5، آية 6

6-"قمت لأفتح لحبيبي لكن حبيبي تحول وعبر. نفسي خرجت عندما أدبر. طلبته فما وجدته دعوته فما أجابني".

ان محبة الرب لنا ليست متغيرة بل ثابتة وأبدية، ولكن قد يحدث أحيانا عندما يرى الرب تباطؤ قلوبنا وتهاوننا في الشركة معه وفي التلذذ به وبمحبته، أنه يحرمنا إلى حين من إظهار ذاته لنا ومن الفرح به، فنشعر بالجفاف الروحي في صلواتنا وفي سجودنا وترنيماتنا. واختبار كهذا، وان كان مؤلما للغاية ولكنه لازم ونافع لنا. ألم نختبر كيف صرفنا وقتا في حياتنا حرمنا فيه من التلذذ بحضرة الرب المقدسة سواء في حالتنا الفردية أو في اجتماعاتنا؟ "ولكن حبيبي تحول" فإذا لم نصغ لصوته الرقيق اللطيف _ صوت النعمة، فأنه يستعمل وسائل أخرى كهذه لندرك قيمة وغلاوة الشركة معه. أنه يريدنا ان نختبر ان محبته غالية وثمينة ولا يليق ان تقابل من جانبنا بالتهاون والرخاوة. على ان محبته لنا لا تضعف حينما يسمح لنا بان نجتاز في مثل هذه التدريبات الأليمة، بل ان هذه التدريبات هي بالحري وليدة محبته التي لن تنتهي.

* * *

ولكن لا يفوتنا هذا الحق الجوهري أنه وان كان الرب يجيز المسيحي الحقيقي في مثل هذه التدريبات، إلا ان هذا ليس معناه ان الرب يحجب وجهه عنه أو أنه يرفضه. ان فكرا كهذا باطل ولا أساس له في تعليم العهد الجديد. صحيح ان معاملات الله مع شعبه الأرضي في القديم تختلف عن ذلك كل الاختلاف، فان في عهدكم كان الله يسكن في الضباب، وكان الطريق إلى الأقداس لم يعلن بعد، إذ لم تكن الذبيحة الكاملة قد قدمت، ولم يكن ضمير الإسرائيلي قد تطهر تماما، ومن أجل ذلك لم يكن له سلام كامل، ولكن الحال قد تغير فيما يتعلق بمركز المسيحي في زمان النعمة الحاضر حيث مكتوب "الظلمة قد مضت والنور الحقيقي الآن يضيء"(1يو2: 8) فقد أصبحنا مقبولين في المحبوب لان خطايانا قد أبطلت جميعها بذبيحة المسيح الواحدة. ويوم نفذ الله قضاءه ضد الخطية في صليب ابنه انشق الحجاب ومن ثم فتح الطريق إلى الأقداس، ونحن الأموات بالخطايا، إذ مات المسيح من أجل خطايانا، فقد أحيانا الله معا وأقامنا معا وأجلسنا معا في السماويات "في المسيح يسوع" وقد حضر الروح القدس من السماء كالشاهد على وحدتنا مع المسيح المقام والممجد. إذا فمجرد الفكر بان الرب يخفي وجهه عن أولئك الذين اتحدوا به كأعضاء في جسده، هو فكر غريب كل الغرابة عن تعليم الكتاب المقدس عن الكنيسة، ولو أننا كثيرا ما ننسى _ بكل أسف _ أننا بوركنا في المسيح يسوع، وأننا متحدون معه كمن أقيم من الأموات ومضى إلى الأعالي، وان حياته هي حياتنا، وان مسراته يجب ان تكون مسراتنا، وإذ ننسى هذا جميعه ننحرف عنه ونخطى إليه _ ويجب ان لا يغيب عن البال أنه لا توجد خطية ممقوتة لدى الله أكثر من خطية المؤمنين الحقيقيين وذلك لأنهم وصلوا إلى حالة القرب الوثيق في حضرته، على أننا إذا سقطنا في الخطية فلا بد ان نكون في هذه الحالة منحرفين عنه إذ لا يمكن لأحد ان يخطئ في حضرته، ولكن تبارك اسم إلهنا من أجل المعدات الإلهية التي أعدها لمواجهة مطالب وأعواز طريق سياحتنا وغربتنا، فان شفاعة المسيح المؤسسة على البر والكفارة ضمان لتطهير أدناسنا وحفظنا بلا عيب ولا دنس أمام وجه الله "ان أخطأ أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار وهو كفارة لخطايانا"(1يو2: 1و2) وهذه حقيقة تتعارض معها الفكرة القائلة بان الله قد يخفي وجهه عن أولاده خلف سحابة عندما يخطئون أو أنه يتحول عنهم ويرفضهم صحيح أننا قد نفشل في التمتع بهذا الحق المبارك، أو قد يكون البعض جاهلين أياه، إلا ان هذا لا يؤثر على الحقيقة الجوهرية وهي ان مركز الكنيسة قدام الله ثابت جدا كثبات المسيح رأسها الممجد أمام الله.

* * *

"قمت لأفتح لحبيبي لكن حبيبي تحول وعبر" وأننا لنرى صورة رمزية لهذه الحقيقة في يوسف قديما، وذلك عندما حاول بكل الطرق الممكنة ان يستثير قلوب أخوته بسبب جريمتهم في حقه، وهذا ما سيعمله يوسف الحقيقي حين يدرب قلوب أخوته اليهود تدريبات عميقة في آخر الأيام بسبب حالتهم قدام الله. على ان محبة يوسف لأخوته لم تضعف حينما سمح لهم بان يجتازوا تلك التدريبات الشاقة والمذللة، بل كان قلبه مليئا بالمحبة وعلى استعداد ان يفيض بأحر العواطف متى جاءت اللحظة المناسبة، وكم ارتاحت نفسه حينما استقامت محبة قلبه التي انحنت طويلا. هكذا سيكون الرب مع شعب الرب الأرضي قبل ان يعلن ذاته بالقوة والمجد لخلاصهم، ويظهر محبته لهم كمسيحهم. أنه سيسمح بان تجوز تلك البقية في تدريبات أليمة وقاسية ليقتادهم إلى الاعتراف بخطيتهم الشنيعة _ خطية رفض المسيا وقتله، غير ان هذا التدريب المر سيكون في جو النعمة "وأفيض على بيت داود وعلى سكان أورشليم روح النعمة والتضرعات فينظرون إلى الذي طعنوه وينوحون عليه كنائح على وحيد له ويكونون في مرارة عليه كمن هو في مرارة على بكره"(زك12: 10).

* * *

"نفسي خرجت عندما أدبر" (أو عندما تكلم ( * ) ) وهنا نرى آثار محبة العريس في قلب العروس التي تحبه، فقد خارت نفسها عندما سمعت كلامه ولكنها لم تبصر شخصه. لقد تهاونت وتراخت ولم تفتح قلبها له حينما كان واقفا ويقرع متوسلا إليها بان تفتح له، وإذ هو البار القدوس فلم يسعه إلا ان يغادر المشهد لكي يؤثر بذلك على عواطفها المتبلدة، ولكنه لما عبر ومضى لم تكن محبته لها قليلة أو ضعيفة عن ذي قبل، ولئن كانت العروس قد أحست في أعماق قلبها فأنه بعيد عنها، فأنه تبارك اسمه أحس بذلك أكثر منها كثيرا. ان قلب يوسف لم يشتغل بالمحبة لأخوته قدر اشتغاله وقت ان أخفى نفسه عنهم، لكن يوجد من هو أعظم من يوسف "يسوع المسيح هو هو أمسا واليوم وإلى الأبد". ليتنا ندرك هذه الحقيقة ونستوعبها جدا فلا نرتاب في محبته مهما تكن الظروف التي تلم بنا، ولا نسيء الظن في نعمته التي لن تفشل أبدا بل بالحري تزداد ثقتنا فيه.

* * *

"طلبته فما وجدته دعوته فما أجابني" لا ريب ان "الرب قريب من الذين يدعونه الذين بالحق. يعمل رضى خايفيه ويسمع تضرعهم فيخلصهم"(مز145: 18و19) فمتى كان القلب في حالة النقاوة وممتلئا من مخافة الرب فأنه يختبر قرب الرب إليه وسماعه طلباته "فأعلموا ان الرب قد ميز تقيه. الرب يسمع عندما أدعوه"(مز4: 3. أنظر أيوب22: 21-27) أما إذا انحرف المؤمن عن سبيل القداسة فأنه يحرم نفسه من هذا الامتياز المبارك "ان راعيت أثما في قلبي لا يستمع لي الرب"(مز66: 18) وذلك لكي يوقظ القلب المتغافل ليسترد شركته مع الرب. ليتنا نحيا باستمرار حياة القداسة العملية فنختبر قرب الرب إلينا واستجابته لسؤل قلوبنا.

* * *

غير ان كلمات العروس هذه تنطبق بصفة خاصة على البقية من الشعب الأرضي مستقبلا. أنها ترينا بكيفية واضحة ان عروس النشيد ليست هي الكنيسة، وان هذا السفر النبوي يدور حول معاملات المسيا مع شعبه الأرضي، وكيف أنه سيجيز تلك البقية في التدريبات تأديبية مؤلمة جزاء على خطاياها وذلك لتنقيتها وتزكية إيمانها، أما الكنيسة _ عروس المسيح السماوية فليست لغتها هذه الكلمات "طلبته فما وجدته دعوته فما أجابني" تبارك اسم ربنا وسيدنا من أجل وعده الكريم "اسألوا تعطوا. اطلبوا تجدوا. اقرعوا يفتح لكم. لان كل من يسأل يأخذ. ومن يطلب يجد. ومن يقرع يفتح له. . أبوكم الذي في السموات يهب خيرات للذين يسألونه"(مت7: 7-11).


( * ) كلمة "أدبر" في بعض الترجمات بمعنى "تكلم" (أنظر الحاشية السفلية للكتاب المقدس ذي الشواهد).

  • عدد الزيارات: 3027