عصمة البابا المنزه عن الخطأ

"لأن أباكم الذي في السماوات هو كامل"

(متى 5: 48)

الكائن الوحيد المنزه والمعصوم عن الخطأ هو الله. ولكن الكنيسة الكاثوليكية تقول أن البابا عندما يتكلم وهو جالس على عرشه عن أمور الإيمان والأخلاق يكون معصوماً من الخطأ.

إن مفهوم هذه العقيدة هو أن البابا لا يخطئ في أي كلمة يقولها في الإصدارات الرسمية المختصة بعقائد الكنيسة وبالأمور الأخلاقية، وكلامه حق، ولا يحتوي سوى الحق لأنه لا يستطيع أن يخطئ، ومن ثم فهو معصوم ومنزه عن الخطأ. والواقع أن كل نشاطات الكنيسة الكاثوليكية هي باسم الإيمان والعقائد والأخلاق، بغية تغطية أخطائها تحت ستر عصمة البابا في هذه الأمور الثلاثة.

يحاول المناصرون والمدافعون عن فكرة عصمة البابا بتعليل الاختلافات بين آراء بعض الباباوات في الأمور العقائدية، وذلك بالاستناد إلى أن لكل بابا وجهات نظره الخاصة به، آملين بتعليلهم هذا أن يغطوا الصعوبات الناتجة عن هذه الاختلافات. لكن يا له من تعليل سطحي! كيف أن شخصاً يشغل مركز البابا ويتكلم باعتباره معصوماً من الخطأ بأمور عقائدية، يأتي وقت يقال فيه إن أقواله لم تكن رسمية؟

إن الباباوات أنفسهم لم يعرفوا بأمر عصمتهم إلا بعد 1800عام، أي حين أعلن الأمر كقانون للإيمان في مؤتمر الفاتيكان المنعقد في روما عام 1870. وقد حدث في هذا المؤتمر نزاع وجدال طويل حول العقيدة التي نحن بصددها. وكان المطران ستروسماير Strossmeyer والمطران كندريك Kendrick والدكتور دولانكير Dollinger من بين الذين عارضوا قبول عقيدة عصمة البابا، وفي ختام المؤتمر عندما أعلن الأمر كقانون للإيمان، انسحب الأعضاء المذكورون ورئيس أساقفة أوترينت في هولندا، مع عدد غفير من الرهبان وأبناء الشعب، وكونوا لأنفسهم كنيسة كاثوليكية على النموذج القديم. وقد انتشرت هذه الكنيسة في معظم بقاع أوربا، ووصلت إلى أمريكا حيث تعرف الآن باسم الكنيسة الكاثوليكية الإنجيلية.

لسنا بحاجة إلا إلى قليل من التفكير المنطقي السليم لنعرف أنه لو كان واحد من الباباوات معصوماً، فهذا يعني أن جميع الباباوات معصومون أيضاً. ولو أنه ليس كل الباباوات معصومين فهذا يعني أنه لم يكن أي من الباباوات معصوماً. فبما أن عصمة واحد من الباباوات كاف للدلالة على أن كل الباباوات معصومون، وجب أن يتفقوا في الأمور الجوهرية. لأنهم لا يخطئون ولا يستطيعون أن يخطئوا. وعلى هذا الأمر ترتكز عقيدة عصمة البابا. ولكن التاريخ يرينا أن الباباوات اختلفوا في التعليم، وهذا يعني أن واحداً يكون معصوماً، والآخر غير معصوم، وإذا وجد واحد غير معصوم فهذا يعني أن كل الباباوات غير معصومين، إذ أنه لا يمكن أن يكون بعض الباباوات معصومين وبعضهم غير معصوم.

ونقدم أمثلة:

1. وافق البابا ليبريوس Liberius على إدانة أثناسيوس، ولكنه وقع أخيراً في البدعة الأريوسية التي تنكر لاهوت المسيح.

2. أدان المؤتمر السادس عام 680 البابا هونوريوس Honorius الأول واتهمه بأنه هرطوقي. وقد أيد الإدانة البابا ليو الثاني Leo II، والمؤتمرات التي تبعت.

3. أدان البابا فيكيليوس Vigilius عدة كتب ووضعها على اللائحة السوداء. ولكن فترة من الوقت سحب إدانته، وبعد فترة أخرى عاد فأدانها مرة ثانية.

4. كان البابا غريغوري الأول Gregory يعتبر كل شخص يسمي نفسه "أسقفاً للعالم" أنه ضد المسيح. ولكن كل الباباوات في هذا العصر يحملون هذا اللقب!

5. تجادل البابا باشال الثاني Paschal والبابا يوجينوس الثالث Eugenius ولم يتفقا، ولكن البابا يوليوس الثاني Julius II والبابا بيوس الرابع Pius IV منعاً هذه المجادلة ووبخاها.

6. طلب مؤتمر باسل Bastle من البابا يوجينياس الرابع إبقاء الكأس المقدس للكنيسة البوهيمية، لكن البابا بيوس الثاني ألغى هذا القرار.

7. أباح البابا هدريان الثاني Hadrian الزواج المدني واعتبره شرعياً، ولكن البابا بيوس الرابع أدانه.

8. نشر البابا سكستوس الخامس Sixtus V إحدى طبعات الكتاب المقدس وأقرها لأن تقرأ في الكنائس، ولكن البابا بيوس السابع أدان هذه الطبعة.

9. أبطل البابا كليمنت الرابع عشر Clement XIV قانون اليسوعيين الذي سمح به البابا بولس الثالث Paul، ولكن البابا بيوس السابع Pius أعاده.

لو أن الباباوات معصومون من الخطأ، فإنهم يتفقون بالتأكيد في تعاليمهم، ولكن التاريخ يظهر أنهم حالفوا وناقضوا بعضهم البعض.

هناك عامل آخر يثير السؤال حول عصمة البابا. فالتاريخ يظهر أنه ظهر في بعض حقبات الزمن أكثر من بابا واحد، وكلٌّ يرفض الآخر ويدّعي بأنه هو البابا الصحيح. فعلى سبيل المثال قاوم البابا فكتور الثالث Victor والبابا أوربان الثاني Urban II البابا كليمنت الثالث. فأيهم كان البابا الصحيح؟ مثل آخر: عندما كان البابا اسكندر الثالث على كرسي روما، كان في ذلك الوقت بابا آخر ملقب بالبابا كليمنت الخامس. رجلين في وقت واحد وكل يدعي أنه البابا. من كان البابا الحقيقي؟ ثم ماذا حدث لعصمة البابا عام 1378 عندما حدث الانقسام العظيم الذي استمر خمسون عاماً. فقد انتخب الإيطاليون البابا أربان السادس، بينما اختار الكرادلة الفرنسيون البابا كليمنت السابع.

وهذان الاثنان شتما بعضهما بعضاً سنة بعد الأخرى إلى أن عقد مؤتمر تم فيه عزلهما معاً واختير بابا جديد. من كان البابا الحقيقي خلال الخمسين عاماً؟ أين كانت عصمة البابا خلال ذلك التاريخ؟

إن الاختلافات والتناقضات التي يظهرها التاريخ بين الباباوات، تكاد لا تعد ولا تحصى من كثرتها. ولعل هذا يرينا أنه إذا تناقض اثنان من الباباوات، أفلا يكون أحدهما غير معصوم؟

يحتاج الإنسان إلى مرشد معصوم في هذه الحياة ليهديه إلى الحياة الآخرة. وهذا المرشد موجود في الكتاب المقدس، الذي هو كلمة الله المكتوبة لنا بواسطة رجال قديسين في العصر القديم، وهم منقادون بالروح القدس. وقد وجد الملايين من الناس طهارة الحياة، وسلام الضمير، وخلاص النفس بقراءة الكتاب المقدس. وإن أردنا معرفة حقيقة الله والرب يسوع المسيح، ومعرفة الأمور التي يجب أن يعملها الإنسان ليحيا حياة مسيحية، علينا قراءة كلمة الله المقدسة التي تقدم السلام والراحة والقوة للنفس والجسد معاً، وتشق طريقاً إلى الحياة الأبدية. لذا فعلى كل شخص أن يقرأ الكتاب المقدس يومياً، لأنه الدليل الوحيد إلى حياة أفضل.