الفصل السادس: المسيحيون واللاهوت العربي الدفاعي

اللاهوت العربي هو إيماننا وإيمان أجدادنا ونتاجهم الفكري وأسلوبهم في فهم الذات الإلهية، الذي عبروا عنه بلغة الضاد، اللغة التي طوعوها لتبليغ الرسالة الإنجيلية. وهكذا فإن اللاهوتيين العرب هم الذين ألّفوا وكتبوا أعمالهم باللغة العربية، من عرب أقحاح أو من قوميات أخرى.

وقد شهدت القرون الأولى للإسلام العديد من اللاهوتيين العرب، بينما اختفى أثرهم من العصور السابقة له، رغم انخراط العرب القوي آنذاك في الحياة والخدمة المسيحية والكنسية. فيقول الدكتور جواد علي: "ولم يترك رجال الدين من النصارى العرب لنا أثراً كتابياً ينبئ عن مدى اشتغالهم في علم اللاهوت". [251] أما السبب في ظهورهم بعد الإسلام فيعود إلى إدراكهم مدى خطورة إهمال اللغة العربية والثقافة الجديدة، وأن التقوقع داخل القوميات الأصلية قد يؤدي إلى انكماش الرسالة الإنجيلية في بيئة عربية مسلمة.

لقد استعربت البلدان والشعوب ولم يكن بد للمسيحية من أن تحذوا حذوهم لكي تتواصل مع الثقافة والدين الجديد، وتصل إلى عقول غير المسيحيين بلغة يفهمونها، لغة غير بعيدة عن تعابيرهم وثقافتهم. ومن هنا كانت الأهمية أن يقدم المسيحيون على صياغة لاهوت ناطق "بلسان عربي مبين"، استدعت الأوضاع إلى خلقه. فكان لاهوتا عربيا امتزجت فيه الحقائق الكتابية مع الفلسفة اليونانية واللغة القرآنية.

وقد طغى على الفكر العربي المسيحي منذ نشأة الإسلام هاجس إثبات صحة العقائد المسيحية في مواجهة الفكر الإسلامي الرافض لها. ولمّا كان المسلمون يشككون في توحيد المسيحيين ويتهمونهم بالشرك، كان من اللازم تنزيه المسيحية عن هذه التهم، وتوضيح عقائدها. فركّز الكتّاب العرب المسيحيون أكثر ما ركّزوا على البعد الإلهي لشخصية المسيح والثالوث الأقدس وحقيقة الفداء، وهي المواضيع التي أخذت حيزا كبيرا في كتاباتهم، وما زالت إلى اليوم تحتل موقع الصدارة.

والذين أقدموا على محاورة المسلمين في القرون الأولى للإسلام هم كثر جدا، لعل أقدمهم يوحنا الدمشقي، وتعود مؤلفاته في هذا الشأن، ومنها "حوار مع المسلمين" و "ينبوع المعرفة" إلى سنوات الفتح الأولى، إلاّ أن يوحنا لم يضع كتاباته بالعربية، بل باليونانية.

وإني أختصر هنا ذكر المدافعين عن الإيمان المسيحي على البعض ممن وضعوا مؤلفاتهم باللغة العربية: [252]

1 - يحيى بن عدي التكريتي.

كما مر بنا، هو من آلت إليه رياسة علم المنطق في زمانه. وقد ألف يحيى مقالات لاهوتية ودينية دفاعية كثيرة، فيها يشرح ماهية  الوحدانية  المسيحية وحقيقة  الثالوث  الأقدس  وإمكان  تجسد  الله  واتصاله بخلائقه، "وإذا كان اتّصاله بنا ممكنًا، وكان لنا فيه غاية الشرف وله فيه كمال الجود، فلا يمنعه إلاّ العجز أو البخل. وهما من صفات النقص، فهو يتعالى عنهما. فيجب اتّصاله بنا".[253]

-------------------------------

251 - المفصل في تاريخ العرب، الدكتور جواد علي، فصل 82

252 - المعلومات مستقاة من: 1 - تاريخ سوريا، المطران يوسف الدبس 2 - المسيحية والحضارة العربية، الأب الدكتور جورج شحاته قنواتي 3 - التراث العربي المسيحي القديم، المعهد الاكليريكي اللاتيني الاورشليمي

253 -  الأب سمير خليل، التراث العربيّ المسيحيّ القديم والإسلام، أيضا: المسيحيّة والإسلام مرايا متقابلة، مركز الدراسات المسيحيّة الإسلاميّة،  ص 84-85

لعل أعظم مؤلفاته شأنا "مقالة في التوحيد"، ويعتبرها اللاهوتيين أول بحث شاف كامل في وحدانية الخالق، في تاريخ الفكر العربي. هي بحثا فلسفيا في ذات الله وطبيعة وحدانيته، وتوضيحا لمعاني الوحدانية، وردا على الآراء التوحيدية الرائجة. جزء من المقالة يبيّن غلط أبي يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي في "مقالة في الرد على النصارى". ولم يكن يحيى أول من كتب في التوحيد بين الفلاسفة لكنه أول من أفرد بحثا شاملا في هذا الموضوع.

هنا لمحة في غاية الإيجاز لموضوع المقالة:

يبيّن يحيى فساد الآراء المختلفة في ذات الله، ويضع توضيح معنى "الواحد" أساسا لفهم الثالوث. الاختلاف الأول هو في معنى الوحدانية، إذ قال بعضهم، إنما نصف البارئ بأنه واحد، لننفي عنه معنى الكثرة، لا لنثبت له معنى الوحدة. وقال آخرون، أن معنى الواحد في البارئ هو أنه لا نظير له. الاختلاف الثاني: هل هو واحد، أم واحد وكثير ؟ فقالوا: إن الخالق واحد من كل حين، لا يتكثر من جهة من الجهات. وقال غيرهم: هو واحد من جهة وكثير من جهة.

ويفصح يحيى بأن الغرض من مقالته "الفحص عن واحدٍ واحدٍ من هذه الاعتقادات وإيضاح بطلان باطلها وإبانة حقيقة محقها، بالبراهين الصحيحة والحجج الواضحة". هنا البعض مما جاء فيها:

"وإن قيل: إن اسم الواحد هو اسم مشتق للمسمى من اسم معنى موجود في ذاته، فيكون إنما نُعت الخالق  بأنه واحد من قِبَل وجود الوحدة له، التي  اشتق من اسمها اسم الواحد، لزمهم أولاً: الإقرار بما أنكروه، من وجود معنى الكثرة في الواحد بوجه من الوجوه، والاعتراف  بوجود ذلك، مع وضعهم استحالته وامتناعه ثم يلزمهم ذلك إما أن يُوجبوا معنَيين قديمَين أحدهما الذات التي اشتقّ لها الاسم، والآخر الذات التي اشتق من اسمها، وإما أن يقولوا إن ذات العلّة لم تكن واحدة، ثم صارت واحدة، إن أبَوا أن يبيّنوا معنَيَين قديمين؛ أو أن يُبطلوا ذات العلّة والوحدة فأما كيف يلزمهم إحدى هذه الشناعات، فإن ذلك على ما أنا واصف ... وأقسام الواحد ستة وهي: واحد هو جنس، وواحد هو نوع، وواحد هو نسبة، وواحد هو متّصل، وواحد هو حدّ، وواحد هو غير منقسم، من شأنه أن يحدث عنه ما هو منقسم... وإذ كان الكثير، إنّما يحتاج في قوامه إلى وجود ذات الواحد، لا إلى أن تكون ذات الواحد لا يوجَد معها شيء آخر غيرها،  وذلك أن العشرة الأفراس، إنّما تحتاج، في أن توجَد عشرة أفراس، إلى أن توجد ذات الفرس التي هي في نفسها واحدة، لا إلى أن لا توجَد مع ذات الفرس شيء غيرها؛ فإنه لا يمنع وجودها، مع لونٍ وفراهةٍ، وعظم جثة أو صغرها، أن تكون، إذا اجتمعت مع فرسين أو أكثر، أن يتقوّم  منها أفراس كثيرة فقد تبيّن أنه ليس يلزم، من وجود غير الواحد مع الواحد، امتناع وجود الكثرة بل لازم، بحسب  هذا القول، وجود الكثير وذلك أنّه قد تضمّن وجود أشياء بعضها مع بعض وهذا هو معنى الكثير".[254]

2 - حبيب أبو رائطة التكريتي:

عاش في أواخر القرن الثامن وبدايات القرن التاسع، وهو أسقف السريان على مدينة تكريت. يعد أبي رائطة من فلاسفة المسيحية البارزين، وفي طليعة من كتبوا حول الإيمان المسيحي باللغة العربية، إذ انبرى للدفاع عن المسيحية أمام هجمات الفكر الإسلامي على عقائد التوحيد والتثليث والتجسد والفداء.

وضع أبي رائطة عشرات من المقالات في التوحيد والتثليث، لعل أهمها: "رسالة في الثالوث الأقدس"، و "رسالة في التجسد"، و "توضيح حقيقة الدين المسيحي". وقد نشر له جورج غراف إحدى عشر وثيقة بالعربية والألمانية وهي تتضمن مجمل هذه المواضيع. [255]

في أحد النصوص بحسب رواية المؤتمن بن العسال جاء:

--------------------------------

254 - التراث العربي المسيحي، فصل 3

255 - نشرها سنة 1951 في تاريخ الآداب العربية المسيحية. عن التراث العربي المسيحي، فصل 11

"لا تخلوا النصرانية من أن تكون إما حقًا وإما باطلا والذين قبلوها من أن يكونوا إما عقلاء وإما جهلاء، والعقلاء لا يقبلون ما لا يصح بالقياس المعقول إلا بالقهر، والجهال لا يمتنعون من الانهماك في اللذات الدنيوية إلا بالقهر، والقهر قهران إما قهر بالسيف وإما قهر من الله بالآيات. ولم نرى العقلاء ممن قبل دين النصرانية، قهر بالسيف فيقلبون ما لا يصح بالقياس المعقول. ولا الجهال قهروا بالسيف فيمتنعون من الانهماك في لذات الدنيا، وقد قبلها العقلاء بما لا يصح بالقياس المعقول وقبلها الجهال وهي تصد عن الانهماك في لذات الدنيا، فقد قهر الجميع بالآيات لا بالسيف والآيات أدل دليل على أن الدين الذي تكون فيه هو الدين الصحيح عند الله عز وجل والشريعة تطابق هذه المقدمات". [256]

3 - ساويرس بن المقفع،

ولد نحو 915 وهو من أعظم الشخصيات القبطية ومن أشهر لاهوتيي عصره. جمع ساويروس بين العلوم الدينية والدنيوية، واشتهر بمعرفته الفائقة للكتاب المقدس، فحق فيه بجدارة لقب "الكاتب". يقال بأنه قد يكون أول من نشرا كتبا مسيحية باللغة العربية، لكن الأصح أن ثاودرس أبو قرة وابو رائطة التكريتي والشيخ يحيى بن عدي سبقوه إلى ذلك. وعليه يكون القول الأدق ما جاء عن الأب الدكتور جورج شحاتة قنواتي: "هو من أول المؤلفين الأقباط الذين استعملوا اللغة العربية في كتب لها أصالة مرموقة".[257]

اشتهر ساويروس بمجادلة المسلمين، ومن مؤلفاته الكثيرة كتاب "مصباح العقل"، وفيه شرحاً  للأيمان  المسيحي  بمنهجية فلسفية. فالله هو "الآب والابن والروح القدس... فاعل، قائم بذاته، أزلي، باق، سرمدي... حي ناطق. فنطقه كلمته، وحياته وروحه". أما في طبيعة المسيح فيقول: "من جهة إنسانيته وتأنسه قابل الآلام والموت، ومن جهة أزليته ولاهوتيته غير ملموس ولا محسوس ولا متألم ولا مائت... فمن يشنع علينا بأننا نقول إن الإله قتل وصلب ومات فهو جاهل بأقاويلنا غير عالم بغرضنا". [258]

4 - ثاودورس أبو قرة،

أسقف حران، الذي عاش في القرن الثامن. هو أول مفكر مسيحي عربي يتناول القضايا اللاهوتية باللغة العربية، ويستخدم لغة الضاد للتعبير عن الإيمان المسيحي. وأبا قرة لا يرضى بإيمان لا ينظر العقل في مكنوناته، فعنده كل العقائد تكون موضوع نظر العقل قبل أن تصير من المسلمات.

من مؤلفاته "مجادلة مع المتكلمين المسلمين في مجلس الخليفة المأمون"، وهنا بعض سطورها:

" تقدم إليه رجل من بني هاشم وقال له: أخبرني ياأبا قرة: المسيح صلبته اليهود بهواه أم بغير هواه؟ ...فإن كان اليهود قد صلبوه بهواه فلا ذنب عليهم، وإن كان بغير هواه فهو رب ضعيف... قال أبو قرة للهاشمي: تقول يا مسلم  أنا نحن افترينا على الله... بهواه أم بغير هواه؟ فإن قلت أنا افترينا عليه وكفرنا به بهواه فليس لنا عنده ذنب ولا عقوبة وإن قلت أنه بغير إرادته ولا هواه فقد صح عند الحاضرين أنه إله ضعيف حيث لم يهدنا إلى الإيمان الصحيح.

فصاحوا الجماعة وقالوا: ليس هذا نظير قول صاحبنا ولا جواب مقنع إلا أن الله هداك ولم نهتدي.

قال أبو قرة: رسولك يشهد عن ربك أنه قال: من أضللناه فلا مهدي له ومن هديناه فلا مضل له.

قال ابو قرة: ...فإذا غزوت أنت وأخيك ... فلقيكم علج اقترب منكم فضرب أخاك ضربة أذته وجعله قريبا للموت...أليس أنك تنتقم منه؟

قال الهاشمي: كنت أقتله...

قال أبو قرة: ...ذلك العلج سبب دخول أخيك الجنة فقتله ما هو واجب...

قال الهاشمي: إن العلج لم يطلب من أخي غير قتله ولم يريده يدخل الجنة...

-------------------------------------

256 - التراث العربي المسيحي، الفصل 11

257 - المسيحية والحضارة العربية، الأب الدكتور جورج شحاته قنواتي، ص 199

258 - التراث العربي المسيحي، فصل 16

قال أبو قرة: أعقل هذا وميزه: إن اليهود لما صلبوا السيد المسيح لم يريدوا موافقته وإتمام ما تنبأت عليه الأنبياء وإنما كان يقينهم هلاكه واطماس اسمه ومحو ذكره من العالم فهو يدينهم ويكافئهم".[259]

5 - البطريرك طيموثاوس الأول النسطوري.

ولد في بلدة الحزة الواقعة في شمال الموصل سنة 727 . تعلم اللغة العربية واليونانية والطب والمنطق والترجمة وأصبح أسقف على باجاس حوالي سنة 770.هو أبرز شخصية قامت في كنيسة المشرق في العهد العباسي الأول. وصف بالمحنك والديناميكي والإداري والمنفتح. له بالعربية محاورة دينية جرت بينه وبين الخليفة المهدي، فعرض عليه الخليفة 27 سؤالا عن النصرانية، فأجاب عليها. [260] وكثيرا ما كان الخليفة يدعوه إلى البلاط للمناقشات العلمية أو الدينية مع الفلاسفة الآخرين. هنا جزء من حواره مع الخليفة:

"حينئذ قال لي الملك: هل ينفصل الكلمة والروح القدس من الله؟

فجاوبناه: حاشا وكلا. فكما أن الأشعة والحرارة لا تنفصلان من الشمس قطعا، هكذا كلمة الله وروحه لا ينفصلان منه أبدا. وكما أنه، إذا انفصلت أشعة الشمس وحرارتها منها، يزول نورها وحرارتها، ولا يمكن أن تدعى شمسا، هكذا الله سبحانه، إذا انفصل منه الكلمة والروح، يكون لا ناطقا ولا حيا. وأما الناطق لا يقال عنه إنه معدوم الحياة والروح...ثم كما أن الرائحة والذوق يصدران من التفاحة، فليس الرائحة تصدر من جزء منها والذوق من جزء آخر، بل كلاهما يصدران من التفاحة كلها؛ فالذوق لا يكون الرائحة، ولا الرائحة تكون الذوق؛ هكذا يتلد الابن من الآب ويصدر منه الروح، بنوع غير محدد، أعني الأزلي يخرج من الأزلي، وغير المصنوع يصدر من المصنوع.

ثم قال لي ملكنا: إن كان الأقانيم لا ينفصلون ولا يفترقون من بعضهم بعض، فإذا الآب والروح القدس تجسدا مع الكلمة.

فجاوبنا قائلين: كما أن كلمة الملك، إذا اتحدت ( أي سطرت في القرطاس)، ليس يقال عن نفسه وذهنه إنهما اتحدا(أي رسما في القرطاس) مع أن نفسه وذهنه لا ينفصلان من الكلمة؛ هكذا كلمة الله اتخذ جسداً، من دون أن ينفصل ويفترق من الآب والروح القدس. ولا يقال عن الآب والروح القدس إنهما اتخذا جسدا".[261]

6 - حنين بن اسحق:

لم يعرف فقط بمساهمته في النهضة العلمية بل أيضا في مؤلفاته الدينية الدفاعية المبنية على العقل والمنطق. وله في هذا الشأن مقالة عنوانها "كيفية إدراك حقيقة الديانة"، وفيها رد على صديقه ابن المنجم، الذي يدعوه إلى الإسلام. هنا موجز لها:

"... ثم اتبعتَ ذلك باقتصاص أمر نبيك ...وادعيت أنه كان أذكى أهل الأرض وألطفهم حيلة وأدقهم فهما ومعرفة، وأن قومه كانوا أجهل الناس وأغباهم، أي العرب، ولعمري ما تتهيأ الحيلة لأحد على قوم إلا أن يكون حالهم الحال الذي وضعت قوم صاحبك، أي أنك جعلت النبي محمد من أذكى الناس والعرب من أجهل الناس، فوضعته موضع المحتال... وعجبت أيضا في القول الذي زعمت أنه برهان عليّ، وأنت تعلم أن البرهان لا يقام على أحد إلا من إقراره. وأنا لم أقر لك قط أن الكتاب الذي جاء به صاحبك حق ولا شيء مما وصفت فيه...

فأقول ان صحة كل واحد من الأقاويل المقبولة بالخبر يعرف حقه من باطله من الأسباب التي دعت من أول الأمر الى قبوله لأنها مباينة لأسباب الباطل. لأن أسباب الباطل هي ستة:

أولها: أن يضطر القابل لمخاطبه إلى أن يقبل منه ما يقول من غير إرادته ولا اختياره.

والثاني: أن يكون الإنسان في ضيق وشدة فينتقل منهما إذ لم يقدر على احتمالهما إلى ما يرجو منه السهولة والسعة.

والثالث: أن يؤثر العز على الذل، والشرف على الضعة، والقوة على الضعف، فينتقل من دين إلى غيره.

------------------------------

259 - تقديم وتحقيق الارشمندريت اغناطيوس ديك سنة 1999

260 - المخطوطات العربية، لويس شيخو، 140، 141 ، عن معجم المؤلفين، عمر رضى كحالة ج 5، ص 46 . جرى الحوار سنة 785 م. ويعتبر من أقدم المخطوطات التي وضعت في بداية العصر العباسي. والمهدي هو الخليفة العباسي بن العادي ثالث خلفاء العباسيين، الذي اتسم حكمه بالانفتاح والتفاهم.

261 - دفاعيات مسيحية في العصر العباسي الأول، نداء الرجاء، ص 11 - 18

والرابع: أن يكون صاحب الكلام خبيثاً محتالاً في القول، فيموه به ويطغي من يدعوه إليه.

والخامس: أن يكون بين قوم كثيري الجهل فيستعين بجهلهم وقلة آدابهم على ذلك.

والسادس: أن يكون بين المدعو وبين غيره نسب طبيعي، فلا يجب قطع  ذلك النسب  فيما  بينهما فيوافقه  في دينه... فأنا مبين أمر ديننا وانه قبل من الأسباب التي بها يقبل الحق وليس فيه شيء من أسباب الباطل. فأقول:

أولها: أنه ما قبل بقوة من الملوك ولا حرب من السلطان، بل جميع ملوك الأرض قاوموه ...

والثاني: أنه لم يدعو من أمر ضيق إلى أمر واسع سهل ...

والثالث: أنه لم يدعو من الذل إلى العز ... لكن بالعكس من العز إلى الاتضاع ومتاركة الدنيا ...

والرابع: أن الدعاة إليه لم يكونوا أصحاب حيل وتموه بالكلام ...

والخامس: أن القابلين له لم يكونوا أغبياء وجهلاء لكن بلغاء في المنطق وهم فلاسفة العالم وأصحاب البحث...

والسادس: أن القابلين له أيضا لم يكن قبولهم له ليصلهم بأصدقائهم وأحبائهم، لكن كانوا يفصلونهم ويقطعونهم عن ذوي أرحامهم...

وان احببت أن ازيدك خلة سابعة: ... أن مقالة المسيحيين من أصعب ما يمكن ورغم ذلك قبلت المسيحية وانتشرت".[262]

أيضا من بين الذين كتبوا بالعربية: إيليا النُصيبي، مطران نصيبين (975 ـ 1046) صاحب كتاب "المجالس"، وفيه دوّن إيليا الحوارات الدينية التي دارت بينه وبين الوزير أبي القاسم بن علي المغربي. وبولس الصيداوي من القرن الثاني عشر المعروف بالإنطاكي، وله نص يحتوي على خمس مقالات في العقيدة المسيحية. وأبو زكريا دنحا، وفيه قال المسعودي: "متفلسفا، جدالا، نظارا. جرت بيني وبينه مناظرات كثيرة ببغداد".[263] وعمار البصري صاحب كتاب "المسائل والأجوبة" و كتاب "البرهان على سياقة التدبير الإلهي"، وهو جواب على نقائض الإسلام للمسيحية. وأبو الحسن بن المحرومة من مدينة ماردين في القرن الثالث عشر، له كتاب "الحواشي"، للرد على اليهودي ابن كمونة. وإبراهيم الطبراني الذي حاور الأمير عبد الرحمن بن عبد الله الهاشمي حوالي سنة 820. وعبد الله بن الفضل صاحب "كتاب البرهان في تثبيت الإيمان"، وغيرهم.

-------------------------------

262 - التراث العربي المسيحي القديم، الفصل 14

263 - التراث العربي، الفصل الخامس