Skip to main content

الدرس الخامس

"1لِذَلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإنسان كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا! 2وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّ دَيْنُونَةَ اللهِ هِيَ حَسَبُ الْحَقِّ عَلَى الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ. 3أَفَتَظُنُّ هَذَا أَيُّهَا الإنسان الَّذِي تَدِينُ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ وَأَنْتَ تَفْعَلُهَا أَنَّكَ تَنْجُو مِنْ دَيْنُونَةِ اللهِ؟ 4أَمْ تَسْتَهِينُ بِغِنَى لُطْفِهِ وَإِمْهَالِهِ وَطُولِ أَنَاتِهِ غَيْرَ عَالِمٍ أَنَّ لُطْفَ اللهِ إِنَّمَا يَقْتَادُكَ إِلَى التَّوْبَةِ؟ 5وَلَكِنَّكَ مِنْ أَجْلِ قَسَاوَتِكَ وَقَلْبِكَ غَيْرِ التَّائِبِ تَذْخَرُ لِنَفْسِكَ غَضَباً فِي يَوْمِ الْغَضَبِ وَاسْتِعْلاَنِ دَيْنُونَةِ اللهِ الْعَادِلَةِ 6الَّذِي سَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. 7أَمَّا الَّذِينَ بِصَبْرٍ فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ يَطْلُبُونَ الْمَجْدَ وَالْكَرَامَةَ وَالْبَقَاءَ فَبِالْحَيَاةِ الأبديةِ. 8وَأَمَّا الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ التَّحَزُّبِ وَلاَ يُطَاوِعُونَ لِلْحَقِّ بَلْ يُطَاوِعُونَ لِلإِثْمِ فَسَخَطٌ وَغَضَبٌ 9شِدَّةٌ وَضِيقٌ عَلَى كُلِّ نَفْسِ إنسان يَفْعَلُ الشَّرَّ الْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ الْيُونَانِيِّ. 10وَمَجْدٌ وَكَرَامَةٌ وَسَلاَمٌ لِكُلِّ مَنْ يَفْعَلُ الصَّلاَحَ الْيَهُودِيِّ أَوَّلاً ثُمَّ الْيُونَانِيِّ. 11لأَنْ لَيْسَ عِنْدَ اللهِ مُحَابَاةٌ. 12لأَنَّ كُلَّ مَنْ أَخْطَأَ بِدُونِ النَّامُوسِ فَبِدُونِ النَّامُوسِ يَهْلِكُ وَكُلُّ مَنْ أَخْطَأَ فِي النَّامُوسِ فَبِالنَّامُوسِ يُدَانُ. 13لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ. 14لأَنَّهُ الأُمَمُ الَّذِينَ لَيْسَ عِنْدَهُمُ النَّامُوسُ مَتَى فَعَلُوا بِالطَّبِيعَةِ مَا هُوَ فِي النَّامُوسِ فَهَؤُلاَءِ إِذْ لَيْسَ لَهُمُ النَّامُوسُ هُمْ نَامُوسٌ لأَنْفُسِهِمِ 15الَّذِينَ يُظْهِرُونَ عَمَلَ النَّامُوسِ مَكْتُوباً 16

فِي قُلُوبِهِمْ شَاهِداً أَيْضاً ضَمِيرُهُمْ وَأَفْكَارُهُمْ فِيمَا بَيْنَهَا مُشْتَكِيَةً أَوْ مُحْتَجَّةً 16فِي الْيَوْمِ الَّذِي فِيهِ يَدِينُ اللهُ سَرَائِرَ النَّاسِ حَسَبَ إنجيلي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ " (رومية 2: 1-16).

تعلّمْنا من الفصل الأول لرسالة بولس الرسول إلى رومية أن الحاجة الرئيسية لجميع أفراد البشر هي الخلاص من الخطية والحصول على رضى الله وبره. وقد اتخذ الله جميع الاحتياطات اللازمة لمداواة مرض البشرية المزمن وعمل الخلاص القوى في ابنه يسوع المسيح. هذا هو الإنجيل الخبر المسر للغاية في أن الإنسان يستطيع أن يتبرر ويتخلص من شروره وآثامه إذا آمن بما قام به ربه من أجله.

وكذلك تكلم الرسول عن ظلمة الابتعاد عن الله الظاهرة في حالة الوثنية المحزنة تلك الحالة التي تظهر شذوذاً لا يمكن أن يوصف بكلمات إلا ويقشعر لها جسم الإنسان.

1. الشذوذ الروحي والديني الظاهر في عبادة المخلوق دون الخالق تعالى اسمه.

2. الوقوع في أخطاء شنيعة في الحياة الأخلاقية كالشذوذ الجنسي المخالف للطبيعة البشرية الذي يلاحظ حيثما انعدمت معرفة الله الحقيقية.

نأتي الآن إلى الفصل الثاني حيث يوجه الرسول كلامه إلى الذين لم يكونوا قد سقطوا إلى تلك الدرجة السحيقة من الانحطاط الديني والأخلاقي. فلئلا يظن هؤلاء بأنهم ليسوا بحاجة إلى الإنجيل لأنهم لم يخطئوا حسب وصف الرسول، فإنه يوجه أنظارهم إلى هذه الحقائق الهامة السارية على جميع أفراد البشرية.

1. أن دينونة الله للخطية وللخاطيء أمر لا مفر منه. على الإنسان ألا ينظر إلى الآخرين ويقول عن نفسه أني أحسن حالاً منهم ولذلك فإن الله يقبلني نظراً لعدم وقوعي في أخطائهم. على الإنسان ألا يظن أنه نظراً لعلمه ولمعرفته في أمور الدين والأخلاق أن ذلك يعفيه من ضرورة القيام بمتطلبات الشريعة الإلهية. المعرفة العقلية في حدّ ذاتها غير كافية لأن الله يريد منا أن نحيا حسب شريعته لا أن نكتفي بالكلام عنها. وهكذا إن اتخذنا الشريعة كمقياس للحكم على الآخرين فإننا نكون بذلك قد اتخذنا أيضاً ذات المقياس للحكم على أنفسنا. الشريعة الإلهية سارية المفعول على جميع الناس لأنها وجدت لتسيير أمور البشرية جمعاء لا بعض الأفراد دون الآخرين.

2. إن كان الله لا يدين الإنسان حالاً بعد ارتكابه الخطايا فهذا لا يعني أن الله نسي أو تناسى متطلبات شريعته. كلا إن لطف الله وإمهاله وطول أناته إنما تشير إلى ضرورة التوبة إذ أن الله لا يرغب في موت الخاطيء بل في رجوعه إليه وفي توبته عن خطيته. ولكن إذا تماهل الإنسان ولم يعمل على الرجوع إلى الله فإنه يكون بذلك قد حول جميع خيرات الله وهباته إلى أصابع ستشهد ضده في يوم الدينونة الرهيب.

 

3. سيجازي الله كل إنسان حسب أعماله. هذا قانون ساري المفعول منذ بدء الخليقة إلى نهايتها. فإن الذين يعملون بمعونة نعمة الله الخلاصية على طلب المجد والكرامة فإنهم ينالون الحياة الأبدية وأما الذين لا يودون إطاعة الحق فإن نصيبهم الهلاك.

4. ولكن أفراد البشرية في أيام الرسول كانوا مقسومين إلى قسمين بالنسبة إلى ديانتهم. القسم الأعظم من الإنسانية كانوا يعبدون الأصنام وقسم صغير كان يعبد الله الواحد وكان أكثريتهم من اليهود. السؤال الذي ينبثق عن هذا الأمر وعن المباديء التي ذكرها بولس في القسم الأول من فصلنا هو: كيف يدين الله أولئك الذين لم يحصلوا على معرفة الشريعة الموسوية التي تُدعى أيضاً في اللغة الكتابية بالناموس؟ جواب الرسول هو: كل من أخطأ بدون الناموس أي بدون معرفة لشريعة موسى وخاصة للوصايا العشر فإنه بدون الناموس يهلك، وكل من أخطأ في الناموس أي من اليهود وسائر الدخلاء الذين نبذوا الوثنية والتصقوا بهم، فبالناموس يُدان. وإذا ثابرنا على السؤال: ولماذا ذلك؟ فإن الجواب هو: مع أن الأمم أي عأبدي الأصنام ليس عندهم ناموس موسى إلا أن ذلك لا يعني انهم بدون شريعة لأن الله وضع شريعته في قلب الإنسان منذ الخليقة. ومع أن الخطية قد شوهت قلب الإنسان بصورة مريعة إلا أنه لا يعيش بدون أية معرفة للشريعة. وذلك يظهر بكل وضوح عندما ندرس تاريخ الأمم الوثنية القديمة التي اشتهر بعضها بسن الشرائع والقوانين المختلفة لتنظيم حياة الإنسان. وضمير الإنسان إما يشهد مع هذه الشريعة المكتوبة على القلب بأن صاحبه مخطيء في ناحية ما وهو لذلك يستحق الإدانة أو انه بريء في تلك الناحية نظراً لعدم تعديه على أية شريعة. أما الذين يعرفون الشريعة الأدبية المعلنة للبشر بواسطة موسى النبي فإنه يتوجب عليهم عدم الاكتفاء بتلك المعرفة العقلية، وكذلك فإن الذين يسمعون الناموس وتفاسير الناموس عليهم ألا يخالوا بأنهم نظراً لذلك يصبحون أبراراً لدى الله، لأن ليس الذين يسمعون الناموس هم أبرار عند الله بل الذين يعملون بالناموس هم يتبررون. طبعاً ليس هناك أي مخلوق يستطيع القيام بذلك بشكل تام ولذلك فإننا بحاجة إلى طريقة أخرى للتبرير. نشكر الله أنه أظهرها لنا في إنجيله المقدس.

  • عدد الزيارات: 9357