Skip to main content

الدرس الخامس عشر

"14فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ. 15لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. 16فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِنِّي أُصَادِقُ النَّامُوسَ أَنَّهُ حَسَنٌ. 17فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَا بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. 18فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ أَيْ فِي جَسَدِي شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. 19لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. 20فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. 21إِذاً أَجِدُ النَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي. 22فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ اللهِ بِحَسَبِ الإنسان الْبَاطِنِ. 23وَلَكِنِّي أَرَى نَامُوساً آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. 24وَيْحِي أَنَا الإنسان الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هَذَا الْمَوْتِ؟ 25أَشْكُرُ اللهَ بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ رَبِّنَا! إِذاً أَنَا نَفْسِي بِذِهْنِي أَخْدِمُ نَامُوسَ اللهِ وَلَكِنْ بِالْجَسَدِ نَامُوسَ الْخَطِيَّةِ" (رومية 7: 14-25).

نأتي الآن في دراستنا لرسالة الرسول بولس إلى الكنيسة المسيحية في رومية إلى قسم هام يتكلم فيه الرسول عن الحياة التي يحياها المؤمن الذي نال بره من الله بإيمانه بيسوع المسيح. وقد تعلمنا سابقا أن المؤمن هو ضمن نطاق النعمة وأنه قد تحرر نهائيا من الشريعة كطريقة لكسب الحياة الأبدية. ما هي الحياة التي يحياها المؤمن في هذه الدنيا؟ هل هي حياة خالية تماماً من الخطية ومن آثارها؟ أم هل على المؤمن الذي نال بره مجاناً والذي تخلص من عبودية الخطية أن يستمر في محاربة الإنسان العتيق أو الطبيعة البشرية الساقطة؟ أين تدور رحى الحرب الروحية التي يخوض غمارها؟ أضمن نفسه وفي العالم الخارجي أم فقط في العالم المحيط به؟ هذه أسئلة عملية يجب الإجابة عليها بالاستعانة ليس فقط بكلمات الرسول في هذا القسم من رسالته بل أيضاً بجميع أقسام الكلمة الإلهية في عهديها القديم والجديد.

لابد لنا من الإقرار بأن الرسول يتكلم عن اختبار في الزمن الحاضر لا في الماضي أو قبل اهتدائه إلى الإنجيل. وكذلك لابد من القول بأن هذا الاختبار الرسولي ليس فريداً في نوعه بل أن سائر المؤمنين يختبرونه ولو بدرجات متفاوتة.

1. يستعمل الرسول كلمة ناموس للإشارة إلى عدة شرائع أو مباديء أو قوانين. علينا أن نتذكر ذلك عندما نحاول تفسير كلماته المختصة بالحرب الروحية التي تستعر ضمن حياة المتبرر فهناك قبل كل شيء الناموس بمعنى الشريعة الإلهية التي أعطيت لموسى والتي لخصت في الوصايا العشر. وهناك أيضا الناموس بمعنى مبدأ أو الطريقة التي تسير بها أمور حياته الداخلية. وكذلك هناك ناموس أو قانون الخطية أي الطريقة التي تعمل بها الخطية ضمن حياة الإنسان.

2. يستعمل الرسول كلمة جسد وجسدي للدلالة على الطبيعة الإنسانية الساقطة ليس بمعنى أن الجسد الإنساني أو الجسم البشري هو منبع الخطية كما كان تعليم فلاسفة الوثنيين وكذلك بعض البدع التي نبتت ضمن المسيحية. لا يعرف الكتاب المقدس مطلقا نظرية نشوء الخطية من المادة أو من الجسم البشرى بل على العكس جرى السقوط قبل كل شيء في القسم الروحي من الإنسان عندما قرر العصيان على الله وتصديق كلمات الشيطان.

3. يجد المؤمن قوتين تعملان ضمن حياته: القوة الجديدة التي نالها من الله والتي تسعى للعمل على إرضاء الله وعلى عبادته وحده فقط وكذلك القوة القديمة التي يدعوها الرسول بالجسد (أي الطبيعة البشرية الساقطة) التي لا تختفي في هذه الحياة بل تظل عالقة بالإنسان المتجدد إلى آخر يوم من حياته.

4. ليست حياة المؤمن خالية من الخطية. هذا اختبار جميع المؤمنين من إبراهيم الخليل إلى موسى إلى داود وسائر الأنبياء والرسل إلى بولس المتكلم الآن عن اختباراته. ومع أن المؤمن يخطيء مرارا في حياته إلا أنه لا يسر بالخطية ولا يريد إلا الانتصار عليها. إنه يبغض الشر ويحاول الهرب منه ولكن مع الأسف الشديد فإنه أحياناً يفعل ما يبغضه.

5. ما هو تفسير هذا الأمر المقلق؟ كيف يقوم المؤمن بعمل ما يبغضه؟ الجواب هو أن الخطية التي تبقى ساكنة في قلبه تدفعه إلى عمل ما لا يحب. هناك ناموس أو قانون يسري مفعوله في حياته: وهو أنه عندما يريد أن يفعل الحسنى يلاحظ في نفس الوقت وجود الشر لديه. فحسب الطبيعة الجديدة التي نالها من الله عندما تبرر بالإيمان يسر المؤمن بشريعة الله ويسعى أن يكيف حياته حسب تعاليمها ولكنه ليس فقط تحت تأثير الطبيعة الجديدة إذ أن الطبيعة القديمة (أو الجسد بمعناه غير الجيد) يدفعه إلى العمل حسب قانون الخطية الذي هو معارض بشكل مستمر لشريعة الله.

6. تسبب هذه المعركة الروحية عدم اكتمال فرح المؤمن وكذلك تدفعه إلى اللجوء إلى الله الذي نال منه بداءة حياته الجديدة. يصرخ كل مؤمن مع الرسول: ويحي أنا الإنسان الشقي؟ من ينقذني من جسد هذا الموت؟

7. جواب الرسول هو أن الانتصار ممكن بواسطة يسوع المسيح. كما أن بداية الحياة المتجددة هي في المسيح هكذا أيضاً السير في هذه الحياة والوصول إلى غايتها ألا وهو الخلاص التام والكامل، هو أيضا بواسطة المسيح. إن الطبيعة الجديدة لها حليف قوي ألا وهو المسيح الذي انتصر على الخطية والشيطان ولكن على المؤمن ألا يتقاعس لأنه أيضاً ذو طبيعة قديمة التي تبقى دوما حليفة الخطية والشر. ليس هناك مفر من خوض المعركة الروحية. والنصر أكيد بالمسيح يسوع. شكرا لله الذي يعطينا الغلبة بمن أرسله ليكون مخلص العالم وفادى البشرية.

  • عدد الزيارات: 6680