تأملات يومية

عبور إبراهيم نحو النجاح

عبور إبراهيم نحو النجاحمن حوالي 4000 عام وقف ذلك الرجل الأمين صاحب الصفات المتنوعة من أمانة وتواضع وإندفاع وتسليم وطاعة هو بالطبع إبراهيم الذي خرج من أرضه ومن عشيرته بناء على أمر الرب له "وقال الربّ لإبرام اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التي أريك" (تكوين 1:22). ولكن هذه المرة تغيّر أمر الرب ليدخل في صميم قلب إبراهيم كسهم جارح.

إنه اسحق ابنه الذي يحبه جدا والذي إنتظر سنين عديدة هو وسارة إمراته ليحتضنوه، كان الطلب غال جدا وهو تقديم اسحق ذبيحة حية على جبل المرّيا "فقال خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق الى أرض المريّا وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك" (تكوين 2:22). وقف ابراهيم في تلك اللحظات متحيّرا من هذا الأمر الذي شعر به بأنه يفوق فكره وقلبه ويفوق قدراته، فنكس رأسه أمام الله وقبل وأطاع وذهب بقلب منكسر وحزين ولكنه ذهب.

وفي الصباح الباكر جدا لم يبطىء ابراهيم بل إتخذ هذا الأمر على محمل الجد والمسؤولية الكبرى فأعدّ كل شيء، الحطب والغلمان والأهم من ذلك ابنه اسحق الذي رافقه في هذه الرحلة الحزينة، فكل خطوة كانت مليئة بالتفكير العميق والحزن الكبير ولكنه وجّه نظره نحو المكان الذي أخبره عنه الرب "وفي اليوم الثالث رفع ابراهيم عينيه وأبصر الموضع من بعيد" (تكوين 4:22)، وأخيرا وبعد جهد كبير وصل الجميع وكان الحدث الكبير "إسحق سيقدم ذبيحة".

أخذ ابراهيم صاحب القلب المنكسر ابنه اسحق ووضع عليه الحطب، وحمل بيده السكين وذهبا بإتجاه المكان منفردين دون خروف المحرقة فسأل اسحق أبيه "فقال هذا النار والحطب ولكن أين الخروف للمحرقة؟" (تكوين 7:22)، فكان جواب إبراهيم إن الله عالم بكل شيء وهو يحضّر الأمر.

ربط ابراهيم ابنه بالحبال استعددا لذبحه ورفع السكين عاليا فبدت الطبيعة كئيبة والأزهار منحنية والأشجار تتلفت وكأنها ضائعة تنظر إلى ذلك المشهد الرهيب، الأب يريد أن يذبح ابنه ليكون فدية أمام الله الذي أحبه كثيرا‘ فمدّ ابراهيم يده ولكن رحمة الله الكبيرة تفوق عقل الإنسان البشري، نادى الملاك من السماء بصوت عظيم هزّ الصخور "فقال لا تمدّ يدك إلى الغلام ولا تفعل به شيئا" (تكوين 12:22). نجح إبراهيم بهذا الإمتحان الرهيب فطاع الله إلى النهاية. لقد أحضر الرب الكبش ليكون هو الذبيحة بدل اسحق.

ففي هذا التحدي الكبير والصعب يعلمنا الكتاب المقدس عن مدى أمانة ابراهيم ومحبته الكبيرة لله وكيف أنه عبر إلى النجاح في الحياة مع الله، عسانا نتعلم درسا روحيا أن نضع أفضل ما لدينا بين أيدي الله القدير. فهل ننجح في الإمتحان؟