تأملات يومية

في ملء الزمان

في ملء الزمان"ولكن لمّا جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من إمرأة مولودا تحت الناموس، ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية 4:4و5). الله حضّر كل شيء إقتصاديا وجغرافيا والأهم من ذلك روحيا. الإمبراطورية الرومانية بثقافتها الممزوجة باليونانية كانت منتشرة بقوّة، فمن الناحية الجغرافية كان الوقت الأفضل لميلاد المسيح. واليهود يرممون الهيكل بعد أن دمّر ونجس، فتاريخيا أيضا كان الوقت الأنسب لميلاد يسوع. 

والخطية في النفوس كانت متفاقمة، الكبرياء والفتور والبعد عن الله كان في أعلى مراتبه. لهذا كان لا بدّ أن يتجسد المسيح ويولد من عذراء اسمها مريم لكي ينقذ العالم من مرض الخطية، فكان الوقت الرهيب والحاسم روحيا لميلاد المسيح فشٌق التاريخ إلى نصفين ما قبل وما بعد ميلاد الرب يسوع.

وفي زمن أوغسطس قيصر وبينما كانت مريم خاشعة أمام لله كعادتها ظهر الملاك جبرائيل فجأة بنور بهي فبدى المكان مضيئا ومدهشا, وقال لمريم "سلام لك أيتها المنعم عليها الرب معك. مباركة أنت في النساء" (لوقا 28:1)، انسكبت مريم بتواضع وإنسحاق امام الله واستعدت بكل طاعة لأخذ الهدية من السماء، إنه المسيح الرب عمانوئيل ابن الله الإزلي الذي به كان كل شيء ومن غيره لم يكن شيء مما كان سيولد وستكون هي أمه في الجسد. نعم يسوع المسيح الذي قال للآب "مجدّني أنت أيها الآب عند ذاتك بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم" (يوحنا 5:17)، هو بنفسه وفي ملء الزمان تجسد وولد في مزود حقير من أجل:

1- أن يرفع منكسري القلوب: "روح الرب عليّ لأنه مسحني لأبشر المساكين أرسلني لأشفي المنكسري القلوب لأنادي المأسورين بالإطلاق وللعمي بالبصر وأرسل المنسحقين في الحرّية وأكرز بسنة الرب المقبولة" (لوقا 18:4). ميلاد المسيح الرائع جلب معه سلام عميق في قلوب الكثيرين وبلسم جراح أصحاب القلوب المنكسرة ورفّع المساكين وجعلهم أغنياء روحيا، فميلاد المسيح أعطى الرجاء إلى المنسحقين وللعبيد ليجعلهم أحرار من الخطية. فهو بالحقيقية ميلاد مدهش.

2- أن يعزي الحزانى: "طوبى للحزانى. لأنهم يتعزّون" (متى 4:5). في ملء الزمان وفي وسط أحزان الناس عندما كان الجميع بلا رجاء والجميع بلا أمل، جاء المسيح فتعزى صاحب الهموم وتعزى الحزين الذي لم يجد من يقف إلى جانبه، فنعمة المسيح ظللّت على كل شيء فرفع الأمل رأسه كالبرعم من بين الأشواك. المسيح ولد ليغيّر إلى الأفضل فكان ميلاده مميّزا.

2- أن ينقذ النفوس من حتمية الدينونة: "الذي يؤمن بالإبن له حياة أبدية والذي لا يؤمن بالإبن لن يرى حياة بل يمكث عليه غضب الله" (يوحنا 36:3). الملاك كلّم يوسف في الحلم وأعلمه عن هوية المسيح بأنه سيخلص شعبه من خطاياهم. فكان الحدث العظيم أن ولد المسيح في منزل حقير وعاش فقيرا لكي يرفعنا روحيا. ففي تجسده بدأ العمل الإلهي يتوضّح بخلاص النفس البشرية من حتمية الدينونة. نعم في ملء الزمان جاء المسيح لينقذ الخطاة من أسرى الردى فيا له من ميلاد سام وعظيم.