تأملات يومية

سلّم فتتعلم

سلّم فتتعلم"لست تعلم أنت الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد" (يوحنا 7:13). من علية أورشليم، حيث اجتمع الرب يسوع مع تلاميذه، قبل أن يذهب إلى صليب الجلجثة، بدأت أحداث وأحاديث الرحيل، هناك جلس يسوع مع تلاميذه بجلسة دافئة وفتح قلبه وتحدث معهم وعبّر عن مكنونات حبه، وأشواق روحه، هناك فاضت المشاعر العميقة، وتجلّت العواطف، لتكشف للتلاميذ ولنا من بعدهم أعماق جديدة عن قلب المسيح الرائع، فكان حبه يلهب العواطف ويحرك الإرادة ويغمر الكيان، ويسبق الأزل ويتعدى الأبد وينتصر على كل الشدائد والمعوّقات، فلا يفتر ولا يضعف بل هو الكمال بعينه هو حب لا مثيل له.

يسوع العالم بسلطانه المطلق المعطى له من الله والذي دفع كل شيء إلى يديه، وهو يعلم تماما مركزه السامي العظيم أنه من عند الله خرج وأنه إلى الله يمضي، يسوع وهو يعلم سمو الماضي وسلطان الحاضر ومجد المستقبل، هو بنفسه خلع ثيابه العادية، ولبس منشفة، ترك العشاء وجلس تحت الأقدام، ليغسل أقدام التلاميذ، فيا لهذا التواضع الكبير الذي من خلاله يريدنا أن نتعلم كيف:

1- نسلّم: قال يسوع لبطرس "لست تعلم الآن ما أنا أصنع، ولكنك ستفهم فيما بعد" وكأنه يريد أن يقول له ولنا، لست تعلم أيها الإنسان العاجز والقصير النظر، ومحدود الإدراك، لا تتصور أنك تعلم أعماق الأفعال الإلهية، لست تعلم أنت ما أنا أصنع، فأنا الرب وأنت المخلوق ومن عرف فكر الرب ومن صار له مشيرا؟ لست تعلم أنت الآن، فانت الجسد الضعيف المحدود. ولأنك تعلم بعض الأشياء وتعرف بعض المعرفة، إياك أن تظن أنك الآن قادر على معرفة أسرار الله. لكنك ستفهم فيما بعد، لأننا ننظر الآن في مرآة، في لغز ولكن حينئذ وجها لوجه. إن ما يعزينا في حياتنا الروحية أننا سنعرف في يوما ما، لكن ليس الآن إنما نعلم شيئا واحد أنه يحبنا، فنسلم، ونخضع، ونطيع.

2- فنتعلم: بعد أن نسلّم سنتعلم، في تعاملاتنا مع بعضنا البعض، نريد أن نعرف أولا، ومن ثم نطمئن فنتعلم ونعلم ومن ثم نسلّم، ومشكلة الناس أنهم يريدون التعامل مع الله كما يتعاملون مع الإنسان، وهذا هو الخطأ والخطر، عندما نتعامل مع الله يجب أن نطيعه أولا، ومن ثم يعلمنا بعد الطاعة دروسا ويدخلنا في اختبارات رائعة تنعش قلوبنا وعقولنا، فعلينا أن نثق ونطيع ونسلم أولا ثم نتعلم.

عزيزي القاريء: نحن كثيرا نجتاز في ظروف لا نفهمها وتحيرنا كثيرا وتثير تساؤلاتنا أو نجد أنفسنا في مواقف لا نجد تفسيرا لها، يجب علينا جميعا أن نعترف بعجزنا وبأننا محدودين التفكير والمعرفة، لهذا علينا أن نسلّم ونطيع ومن ثم نتعلّم.