المعمودية ومائدة الرب (كسر الخبز)

لقد ترك لنا الرب فريضتين أساسيتين وهما المعمودية ومائدة الرب وكلتاهما ترمزان إلى موت ودفن وقيامة.

ففي فريضة كسر الخبز يقول الكتاب بأن الرب يسوع "أخذ خبزاً وشكر وأعطاهم (التلاميذ) قائلاً هذا هو جسدي الذي يبذل عنكم، اصنعوا هذا لذكري. وكذلك الكأس أيضاً بعد العشاء قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم". (لوقا 22: 19 _ 20).

وبولس الرسول يكتب لنا بنفس المعنى ويقول: "لأنني تسلمت من الرب ما سلمتكم أيضاً أن الرب يسوع في الليلة التي أسلم فيها أخذ خبزاً وشكر فكسر وقال خذوا كلوا هذا هو جسدي المكسور لأجلكم، اصنعوا هذا لذكري. كذلك الكأس أيضاً بعد ما تعشوا قائلاً هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي، اصنعوا هذا كلما شربتم لذكري. فإنكم كلما أكلتم هذا الخبز وشربتم هذه الكأس تخبرون بموت الرب إلى أن يجيء" (1 كورنثوس 11: 23 _ 26).

ففي العشاء الأخير نجد ذكرى لموت المسيح ودفنه وقيامته إلى أن يجيء. لكن في فريضة المعمودية نجد رمزاً لموت المؤمن ودفنه وقيامته "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة. لأنه إن كنا قد صرنا متحدين معه بشبه موته نصير أيضاً بقيامته" (رومية 6: 3_ 5).... "مدفونين معه في المعمودية التي فيها أقمتم أيضاً معه بإيمان عمل الله الذي أقامه من الأموات". (كولوسي 2: 12).

فالعشاء الأخير هو ذكرى لموت المسيح ودفنه وقيامته. أما المعمودية فهي رمز لموت المؤمن ودفنه وقيامته. فعندما يعترف المؤمن بعمل المسيح النيابي على الصليب لأجله ويعترف أيضاً بعمل نعمة المسيح المخلصة، وليس لأي شيء فيه، ويقول مع بولس الرسول: "وأما من جهتي فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح الذي به قد صلب العالم لي وأنا للعالم". (غلاطية 6: 14) ثم يعتمد بالتغطيس في الماء (والتغطيس هنا رمز للدفن) لأنه عندما تغمر المياه المؤمن وهو تحت الماء فكأنه مدفون في قبر مياه المعمودية ثم ينهض من الماء وكأنه قد قام من الموت ليسلك في جدة الحياة، أي في الحياة الجديدة. "إذاً إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديداً". (2 كورنثوس 5: 17).

المعمودية وكيفية ممارستها

اختلفت الطوائف المسيحية حول الكيفية التي يجب أن تمارس بها المعمودية فالبعض قالوا بالتغطيس والبعض الآخر بالرش وآخرون قالوا بطريقة السكب. وبما أن كلمة الرب هي المرجع الرئيسي الذي يفصل الحق عن الباطل فلنذهب إليها لنجد الجواب الصريح والمريح لأنفسنا وبذلك نضع حداً لمثل هذه الممارسات المخالفة لكلمة الله.

وزيادة في الإيضاح عن موضوع المعمودية نقرأ في سفر أعمال الرسل عن فيلبس وهو يقاد بالروح القدس لكي يتلاقى مع وزير مالية كنداكة ملكة الحبشة الذي كان راجعاً من أورشليم وجالساً على مركبته وكان يقرأ فصلاً من سفر أشعياء النبي. فتقدم فيلبس بإيحاء من الروح القدس ورافق المركبة واخبر الوزير من نفس الإصحاح الذي كان يقرأه، ولم يفهم معناه، عن الرب يسوع وعن موته النيابي على الصليب من أجله. "وفيما هما سائران في الطريق أقبلا على ماء، فقال الخصي هوذا الماء، ماذا يمنع أن اعتمد. فقال فيلبس إن كنت تؤمن من كل قلبك يجوز. فأجاب وقال أنا أومن أن يسوع المسيح هو ابن الله. فأمر أن تقف المركبة فنزلا كلاهما إلى الماء فيلبس والخصي فعمده. ولما صعدا من الماء خطف روح الرب فيلبس فلم يبصره الخصي أيضاً، وذهب في طريقه فرحاً". (أعمال 8: 36 _ 39). هنا نرى كيف أنهما نزلا معاً إلى الماء وصعدا منه أيضاً.

ثم نقرأ في انجيل يوحنا "وكان يوحنا (المعمدان) أيضاً يعمد في عين نون بقرب ساليم لأنه كان هناك مياه كثيرة وكانوا يأتون ويعتمدون". (يوحنا 3: 23) وهنا يأتي السؤال المنطقي والذي لا مفر منه ألا وهو: إن كانت المعمودية بالرش فلماذا إذاً المياه الكثيرة؟

والإجابة على مثل هذا السؤال تأتي واضحة من خلال شواهد متعددة في الكتاب المقدس كما في رومية 6: 3 _ 4 "أم تجهلون أننا كل من اعتمد ليسوع المسيح اعتمدنا لموته، فدفنا معه بالمعمودية للموت حتى كما أقيم المسيح من الأموات بمجد الآب هكذا نسلك نحن أيضاً في جدة الحياة". وفي كولوسي 2: 12 "مدفونين معه في المعمودية..."، فليس من المعقول أن تدفن ميتاً بأن ترش عليه حفنة من التراب، بل تدفنه كلياً في باطن الأرض.

فعندما يعتمد المؤمن يعلن بمعموديته أنه يؤمن بموت المسيح (البديلي على الصليب من أجل خطاياه) ودفنه ومن ثم قيامته لأجل خلاصه.

ربما تقول بما أن المعمودية هي رمز فسواء كانت بالتغطيس أو بالرش فلا خلاف على ذلك. ولكن هذا الرمز مهم جداً لأن المؤمن عندما يعتمد بالتغطيس يعلن بهذا أنه يؤمن بموت المسيح ودفنه وقيامته وهذا الإعلان هو أهم شيء في العقيدة المسيحية.

ففي العهد القديم عندما عطش الشعب في حوريب طلب الرب من موسى أن يذهب ويضرب الصخرة فيخرج منها ماء ليشرب الشعب. فذهب موسى وضرب الصخرة فخرج من الصخرة ماء وشرب الشعب (خروج 17). ولكن في المرة الثانية عندما انتقلوا إلى قادش خاصم الشعب موسى لأنه لم يكن هناك ماء للشرب فأمر الرب موسى أن يذهب ويكلم الصخرة بأن تعطي ماءها. فذهب موسى وضرب الصخرة بعصاه بدلاً من أن يكلمها كما أمره الرب، فغضب الرب على موسى وعلى هرون أخيه وحرمهما من أن يدخلا الشعب إلى أرض الموعد (عدد 20)، وهذا ثمن باهظ يدفعه المؤمن عندما يخالف مشيئة الله.

يقول لنا بولس الرسول في العهد الجديد بأن الصخرة كانت ترمز إلى المسيح. فكتب لنا وقال: "وجميعهم شربوا شراباً واحداً روحياً، لأنهم كانوا يشربون من صخرة روحية تابعتهم والصخرة كانت المسيح". (1كورنثوس 10: 4). وبما أن الصخرة كانت رمزاً للمسيح، فالمسيح كما يقول عنه أشعياء النبي بأنه "ضرب من أجل ذنب شعبي" (أشعيا 53: 8) وكاتب الرسالة إلى العبرانيين يقول: "لأنه بقربان واحد قد أكمل إلى الأبد المقدسين" (عبرانيين 10: 14).

فالإنسان الخاطئ يأتي أولاً إلى المسيح المضروب، أو الذي صلب من أجل خطاياه، لكي ينال الخلاص على أساس عمل المسيح النيابي على الصليب. ولكن الحقيقة المؤسفة أن المؤمن طالما يعيش في الجسد لا بد وان يخطئ لأنه "إن قلنا أنه ليس لنا خطية نضل أنفسنا وليس الحق فينا". (1 يوحنا 1: 8). فعندما يخطئ المؤمن لا يأتي إلى المسيح المضروب من أجل ذنبه بل يأتي إلى المسيح الشفيع والجالس عن يمين الآب ليشفع فيه فيتكلم معه معترفاً بخطاياه لأنه "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1 يوحنا 1: 9).

ففي هذا العدد نرى كلمتان هامتان وهما أمين وعادل.

فالمسيح أمين لا يفشي بالسر وعادل لأنه دفع أجرة خطايانا بموته النيابي على الصليب "لأن أجرة الخطية هي موت،...." (رومية 6: 23). فبموت المسيح على الصليب استوفت العدالة الإلهية حقها وعلى هذا الأساس يقدر الله أن يغفر خطايانا لأن ثمنها قد دفعه المسيح بموته النيابي على الصليب. لذلك يقول بولس الرسول مقتبساً من كلمات داود النبي عن تطويب الإنسان الذي يحسب له الله برًّ بدون أعمال. "طوبى للذين غفرت آثامهم وسترت خطاياهم، طوبى للرجل الذي لا يحسب له الرب خطية". (رومية 4: 7 _ 8) ثم يقول في رسالته الثانية إلى أهل كورنثوس. "أي إن الله كان في المسيح مصالحاً العالم لنفسه غير حاسب لهم خطاياهم، وواضعاً فينا كلمة المصالحة". "لأنه جعل الذي لم يعرف خطية (ذبيحة) خطية لأجلنا لنصير نحن بر الله فيه" (2 كورنثوس 5: 19 و 21).