Skip to main content

الفصل الأول

القراءة من الكتاب المقدس

"مبارك الله أبو ربنا يسوع المسيح, الذي حسب رحمته الكثيرة وَلَدَنا ثانيةً لرجاء حي بقيامة يسوع المسيح من الأموات, لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل محفوظ في السماوات لأجلكم, أنتم الذين بقوة الله محروسون بإيمان لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير, الذي به تبتهجون مع أنكم الآن إن كان يجب تحزنون يسيراً بتجارب متنوعة, لكي تكون تزكية إيمانكم وهي أثمن من الذهب الفاني مع أنه يمتحن بنار توجد للمدح والكرامة والمجد عند استعلان يسوع المسيح, الذي وإن لم تَرَوهُ تحبّونه. ذلك وإن كنتم لا ترَونه الآن, لكن تؤمنون به فتبتهجون بفرح لا يُنطق به ومجيد,نائلين غاية إيمانكم خلاص نفوسكم. الخلاص الذي فتّش وبحث عنه أنبياء, الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم, باحثين أي وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح, الذي فيهم إذ سبق فشهد بالآلام التي للمسيح والأمجاد التي بعدها. الذين أُعلن لهم أنهم ليس لأنفسكم بل لنا كانوا يخدمون بهذه الأمور التي أخبرتم بها أنتم الآن بواسطة الذين بشّروكم في الروح القدس المرسل من السماء, التي تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها" (1بطرس1: 3-12).

عندما نقول أن الخلاص رائع فمعنى ذلك أن المخلّص رائع. فإن أحداً لا يعرف الخلاص إلاّ إذا عرف المخلّص. ومتى عرف المخلّص غمرته الدهشة والبهجة.

لقد مرّت مريم العذراء في هذا الاختبار, ولهذا قالت في تسبحتها الشهيرة: "تعظّم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلّصي." والرسول بولس لم يبتهج فقط بل شعر بالفخر والاعتزاز إذ قال: "لست أستحي بإنجيل المسيح لأنه قوة الله للخلاص لكل من يؤمن." وفي رسالة غلاطية قال: " حاشا لي أن أفتخر إلاّ بصليب ربنا يسوع المسيح." والمقصود بالصليب هنا ليس الخشبة التي صُلب عليها المسيح بل الصَلْب نفسه الذي بواسطته تم الخلاص. وفي الإصحاح الثاني من رسالة العبرانيين يقول الكاتب مشيراً إلى عظمة الخلاص وروعته: "كيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره", أي خلاصاً عظيماً بهذا المقدار. ويخبرنا الرسول بطرس, كما قرأنا في النص الكتابي في بداية الفصل, أنّ الخلاص أدهش الأنبياء وأثار فضول الملائكة. ولهذا قال: "نائلين غاية إيمانكم خلاص نفوسكم, الخلاص الذي فتّش وبحث عنه أنبياء... الذين تنبأوا عن النعمة التي لأجلكم, باحثين أيّ وقت أو ما الوقت الذي كان يدل عليه روح المسيح الذي كان فيهم." ثم يضيف إن هذه الأمور المتعلقة بالخلاص "تشتهي الملائكة أن تطّلع عليها".

أجل, الخلاص رائع وعظيم, وذلك لعدة أسباب سأذكر منها سببين تاركاً الباقي للفصل التالي.

أولاً, الخلاص رائع لأنه خلاص ربّاني.

ومعنى هذا القول ليس فقط أن الرب صنع الخلاص, بل بالأولى إن الرب بشخصه تدخّل مباشرة في إنجاز هذا الخلاص. فهو لم يستخدم البشر لإنجازه كما لم يستخدم الملائكة الذين هم أرفع رتبة من البشر. ففي بعض المناسبات استخدم الله الملائكة, كما فعل لمّا أعطى الناموس لموسى. وهذا واضح من كلام الإنجيل "الذين أخذتم الناموس بترتيب ملائكة ولم تحفظوه" (أعمال7: 53). "فلماذا الناموس. قد زيد بسبب التعديّات إلى أن يأتي النسل الذي قد وُعد له مرتّباً بملائكة في يد وسيط" (غلاطية3: 19). وفي مناسبات أخرى استخدم الله البشر, ولهذا قيل في عبرانيين إن " الله كلّم الآباء بالأنبياء بأنواع وطرق كثيرة." أما في موضوع الخلاص فلم يكلّمنا بالملائكة والأنبياء بل "كلّمنا في ابنه"- أي أنه تدخّل شخصياً في الموضوع. وبناءً على ذلك يقول كاتب العبرانيين مشيراً إلى الفرق بين الناموس والخلاص: "إن كانت الكلمة التي تكلّم بها ملائكة (أي الناموس) قد صارت ثابتة وكل تعدٍّ ومعصية نال مجازاة عادلة, فكيف ننجو نحن إن أهملنا خلاصاً هذا مقداره قد ابتدأ الرب بالتكلّم به؟" وهذا الخلاص لم يكن ارتجالياً بل وُضعت تفاصيله منذ الأزل. ولهذا السبب نقرأ في كلمة الله عن أمر يدعى "مشورة الله" وعن كون المسيح "مشيراً" والروح القدس "روح المشورة". فالمشورة هي تلك التي تمّت في الأزل بين الآب والابن والروح القدس, حيث تطوّع في أثنائها الأقنوم الثاني ببذل نفسه من أجل البشر. وإلاّ فما المقصود بقول الكتاب إن المسيح "قدّم نفسه لله بروح أزلي" وإن "دم المسيح... معروف سابقاً قبل تأسيس العالم", كما يخبرنا الرسول بطرس في رسالته الأولى.

من أجل هذا مهّد الله للفداء في التاريخ, وهيّأ لمجيء المخلّص من طريق الذبائح وسواها من الرموز والصُّوَرِ والشارات. "وعند ملء الزمان أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة." وقد عبّر المسيح عن غرضه من المجيء إلى العالم فقال: "إنّ ابن الإنسان قد جاء لكي يطلب ويخلّص ما قد هلك." وبالفعل تممّ المسيح الخلاص على الصليب إذ قال: "قد أكمل", وقوله "قد أكمل" معناه أن الخلاص كامل, ولا يمكننا أن نضيف عليه شيئاً. فالكامل لا يحتاج إلى تكميل, ولا إلى تجميل, ولا إلى تعديل. وخلاص الرب لا يحتاج إلى مال, ولا إلى أعمال, ولا إلى نضال, لأنه خلاص كامل ورائع وعظيم. وبما أنه رائع وعظيم فمن المخيف جداً إهماله أو رفضه (عبرانيين10: 28).

ثانياً, الخلاص رائع لأنه خلاص مجّاني.

وكونه مجانياً لا يعني أنه رخيص أو بلا قيمة, بل على العكس, إنه غالٍ وكريم. وهذا ما جعل الرسول بطرس يقول لقرّائه: "عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب...بل بدمٍ كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس, دم المسيح." فالخلاص مجّاني لكي لا يُحرم منه أحد حتى ولو كان فقيراً أو مريضاً أو أميّاً. وما دام الأمر كذلك فلا عذر لأحد إن رفض المسيح.

يتحدث الرسول بولس عن مجّانية الخلاص مستخدماً ثلاث لفظات. اللفظة الأولى هي النعمة. والنعمة معناها الهبة أو الهدية. ففي الإصحاح الثاني من الرسالة إلى أهل أفسس يقول رسول المسيح: "لأنّكم بالنعمة مخلّصون بالإيمان. وذلك (أي الخلاص) ليس منكم هو عطية الله." أجل, الخلاص عطية وهدية. والهدية لا تحتاج إلى جهود بل إلى قبول مقرون بالشكر للمعطي. وللخلاص جانبان: خلاصٌ من- أي من الخطية وعقابها, وخلاص إلى- أي إلى الحياة الأبدية. ولهذا يقول الكتاب المقدس: "أجرة الخطية هي موت, أمّا هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا."

اللفظة الثانية هي الرحمة. يقول بولس الرسول في الإصحاح الثالث من رسالته إلى تيطس إن الله "بمقتضى رحمته خلّصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس.". وبالمعنى عينه كتب الرسول بطرس في الإصحاح الأول من رسالته الأولى يقول, إن الله "من أجل رحمته الكثيرة ولدنا ثانية لرجاء حيّ بقيامة يسوع المسيح من بين الأموات." لذلك عندما يأتي الخاطئ إلى الرب يجب أن يقول له كما قال العشّار: "اللهم ارحمني..." ولماذا "ارحمني"؟ لأن الخلاص هو عطية لا نستحقها, فلولا رحمة الرب لما كان لنا أمل في الخلاص والغفران. فحذار تأجيل طلب الرحمة, وإلاّ فستقع في الخطأ عينه وستحصد المصير عينه الذي حصده الغني في إنجيل لوقا الإصحاح 16 حين شرع يطلب الرحمة بعد فوات الفرصة, فجاءه الجواب: "يا ابني اذكر أنك استوفيت خيراتك في حياتك...."

اللفظة الثالثة هي المحبة. يقول الرسول في الإصحاح الخامس من رسالته إلى رومية: "إنّ الله بيّن محبته لنا, لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا." وهذا يتفق مع قول المسيح في إنجيل يوحنا3: 16: "لأنه هكذا أحبّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به..." فهل آمنت به؟ اذكر أن الإيمان الصحيح مقرون بالتوبة. والتوبة الحقيقية مقرونة بالاعتراف بالخطية. والاعتراف بالخطية مقرون بالإقلاع عن الخطية. "فمن يكتم خطاياه لا ينجح, ومن يُقِرّ بها ويتركها يُرحم."

  • عدد الزيارات: 3986