الفصلُ الرابِع نُبُوَّةُ إرميا "مُسَلسَلُ النحيب" - رجُلٌ مَكرُوهٌ
رجُلٌ مَكرُوهٌ
عندما بدأَ حصارُ أورشليم، كرزَ إرميا برسالةٍ لم تكُنْ محبوبةً أبداً من الشعب، فأصبحَ مَكرُوهاً. كانَ لرسالةِ إرميا وجهان. الوجهُ الأوَّلُ كان أنَّ الإحتلالَ والسبيَ آتِيين. والوجهُ الثاني كانَ رسالةَ رجاء. فعلى خِلافِ سبي المملكة الشمالية، كانَ لدى الأنبياء الذين تنبَّأوا بالإجتِياحِ البابِلي وسبي المملكة الجنوبيَّة، كانَ لدى هُؤلاء الأنبياء رسالة رجاء ليكرزوا بها: "بعدَ سبعينَ سنةً من سبيِكُم إلى بابِل سوفَ ترجِعون إلى أرضِكُم."
ولقد آمنَ إرميا وكرزَ برسالةِ الرجاء هذه بإسهاب، لدرجةِ أنَّهُ عندما بدأت جُيوشُ بالبابِليين بحصارِ أورشليم، بدأَ إرميا بالوعظِ برسالةِ الرجاء: "إنَّها خطَّةُ الله التي لا تُنقَض. وليسَ بوسعِكُم أن تعمَلوا شيئاً حِيالَها، لهذا فالأفضلُ لكُم أن تخرُجوا وتستسلِموا لنبوخذنصَّر. إذهبوا إلى بابِل، لأنَّكُم بمقدارِ ما تُسرِعونَ بالذهابِ، ستُسرِعونَ بالرجوع."
ولأنَّ إرميا وعظَ أن شعبَ يهوذا ينبَغي أن يستسلِموا، لهذا كرِهَهُ شعبُ يهوذا. وقالوا أنَّ رسالةَ إرميا كانت خِيانةً، وبمعنىً ما كانتَ كذلك. فألقوا بهِ في زنـزانةٍ، ثُمَّ في بئرٍ فارِغ من المياه ولكن مليء بالأوحال. وتركوهُ هُناكَ يجوع ويعيش مع الجرذان.
كانَ إرميا وبعضُ الأنبياءِ نظيرَه سيفعلونَ أيَّ شيءٍ لكي يُعبِّروا عن رسالتِهم. ولقد كانَ الأنبياءُ يُعبِّرونَ أحياناً بطريقةٍ تمثيليَّة حياتيَّة بما يُسمُّونَهُ "عمل الوعظ الرمزي." فمثلاً، نجدُ عملَ وعظٍ رمزي عظيم في إرميا 18، حيثُ نجدُ عظةَ إرميا العظيمة عن "إعادةِ صُنعِ الوعاء الآخر." لقد وعظَ إرميا أنَّ اللهَ قالَ لهُ أن ينـزلَ إلى مصنعِ الفخَّار، فنـزل. وبينما كانَ هُناك راقبَ الفخَّاري يصنعُ إناءً. ولقد كان الفخَّاريُّ يُحاوِلُ أن يصنعَ إناءً جميلاً، ولكن إناءَ الفخَّارِ لم يكُن طائعاً بينَ يدي الفخَّاري كما ينبَغي، ولم يخرُج من يديهِ كما أرادَه. فاشمأزَّ الفخَّاريُّ من الإناء، وطرحَهُ أرضاً وكسَّرَهُ وصنعَ منهُ إناءً آخر.
عندما كرزَ إرميا برسالتهِ هذه، كانَ يحاوِلُ أن يقولَ للناس التالي: "أنتُم مثل ذلكَ الإناء الذي كانَ يُحاوِلُ صُنعَه الفخَّاريُّ السماويُّ، أي الله. ولكن لم تكونوا طائعين لتخرُجوا من بينَ يديهِ كما أرادكم. لهذا فاللهُ يُؤدِّبُكُم، ويدينُكُم، مما يعني أنَّهُ يأخُذَكُم إلى بابِل، وسوفَ يُعيدُ صناعتكُم، وسيُعيدُكم من بابِل كإناءٍ آخر جديد."
لا تكونُ حياتُكَ وحياتِي أحياناً كما خطَّطَ لها اللهُ. لهذا، فاللهُ يُعيدُ صناعةَ حياتِنا. هل تشعُرُ وكأنَّ إناءَ حياتِك طُرِحَ أرضاً وسُحِق فوقَ كُومةٍ من الفخَّارِ المُحطَّم؟ وكأنَّكَ طُرِحتَ على كُومةِ الفخَّار وأُعيدَ صناعتُكَ كإناءٍ جديد؟ قد يكونُ الإنتقالُ من الإناءِ القديمِ إلى الجديد نـزاعاً مريراً، ولكن بعدَ أن يُشكَّلَ هذا الإناءُ الجديد، يُصبِحُ مجيداً. كما كتبَ بُولُس يقول: "إن كانَ أحدٌ في المسيح فهو خليقةٌ جديدةٌ." (2كُورنثُوس 5: 17).
علينا أن نُفتِّشَ عن التطبيقات الشخصيَّة للمواعظِ العميقة التي ألقاها هذا النبيُّ العظيم. هناكَ أوقاتٌ يحتاجُ اللهُ فيها أن يُؤدِّبَنا ويُعيدَ صِناعتِنا إناءً جديداً. عندما تُصبِحُ عواقِبُ خطايانا لا مفرَّ منها، وعندما تُصبِحُ آثارُها في حياتِنا لا يُمكِن إصلاحُها، نحتاجُ أن تُعادَ صِناعتُنا كإناءٍ جديد، تماماً كما حدَثَ في قصَّةِ الإناءِ الفخَّاري التي وعظها إرميا. للأسف، مُعظَمُنا لا نطلُبُ من الله أن يُغيِّرَ حياتَنا، تماماً كما رفضَ الشعبُ كِرازَةَ إرميا.
- عدد الزيارات: 12055