الفَصلُ السادِس المُخَلِّصُ الباحِث
قِصَّةُ شفاءٍ جميلة (لُوقا 8: 26- 39)
أولئِكَ الذين عمِلُوا في المُستَشفيات العقليَّة قبلَ إكِتشافِ المُهدِّئات، بإمكانِهِم أن يُقدِّرُوا قيمَةَ هذهِ القصَّة. أيٌّ منَّا سبقَ وأخذَ واحداً من أفرادِ عائلتِه إلى مُستشفى الأمراض العقليَّة، أو أيَّ شخصٍ محبُوبٍ لديه، سيُضَحِّي بأيِّ شيءٍ لديهِ لكَي يرى هذا الشخص المحبُوب لديهِ في كامِلِ قواه العقليَّة من جديد. لهذا، ينبَغي أن يُعطيَ الخُبراءُ الصِّحِّيُّونَ الذين يعمَلُونَ معَ الذين نعتَبِرهُم مرضى عقليِّين، عليهم أن يبذُلوا الكثير ليعرِفُوا كيفَ حقَّقَ يسُوعُ هذا الشفاء العجائبِيّ.
عندما ذهبَ يسُوعُ وتلاميذُهُ إلى كُورَةِ الجدريِّين، إلتَقاهُم شخصٌ مسكُونٌ بالأرواحِ الشرِّيرة. فسألَ هذا الإنسانُ الذي يُرثَى لِحالِهِ يسُوعَ عندما إلتَقى به، سؤالاً يلمُسُ القلب: "مالي ولكَ؟" (لُوقا 8: 28). هُناكَ الكثيرونَ في العالَمِ اليوم الذين لديهم مشاكِلُ مُتَعَدِّدَة، لدرجَة أنَّهُم يظُنُّونَ أنَّ خلاصَ المسيح لا ينطَبِقُ على حالتِهم . إنَّهُم أسرى لمشاكِلهم الرهيبَة، لدرجَةِ أنَّهُم لا يستطيعُونَ أن يتصوَّرُوا أنَّ يسُوعَ سيهتَمُّ بهم أو يتعاطَى معَهُم ومعَ مشاكِلهم. في هذه القصَّة الجميلة، يكتَشِفُ الرجُل المسكون بالأرواح الشرِّيرة أن يسُوعَ وخلاصَهُ هُما متوفِّرانِ لهُ لتغيير ظُروفِ حياتِه.
هُناكَ رِسالَةٌ أُخرى هامَّة في هذا القصَّة الجميلة. فبعدَ أن شُفِيَ، وعندما كانَ يسُوعُ على وشكِ الرَّحيل، أرادَ هذا الإنسانُ أن يركَبَ السفينَةَ ويمضِيَ معَ يسُوع. بإمكانِنَا أن نَتَصوَّرَ لماذا كانَ يرغَبُ بتركِ هذا المكان حيثُ الجميعُ كانُوا يعرِفُونَ حالتَهُ المُزرِيَة في الماضِي. وبإمكانِنا أن نتفهَّمَ أيضاً لماذا أرادَ أن يكُونَ معَ المسيح.
ولكنَّ يسُوعَ قالَ لهُ، "إذهَبْ وأَخبِر بكَم صنعَ بِكَ الرَّبُّ ورَحِمَكَ." (8: 39) لقد تحوَّلَ هذا الرَّجُل إلى مُعجِزَةٍ تُخبِرُ عن عملِ المسيح، وإلى مُرسَلٍ ليسُوع إلى أهلِ بيتِهِ وقريتِهِ الذينَ يعرِفونَ ماضيهِ تماماً.
يُعطينا هذا تعريفاً للمُرسَل. فإن كانَ اللهُ قد عمِلَ أُمُوراً عظيمةً لكَ، عندها ستُصبِحُ مُرسَلاً. مثل تلكَ الشمعة الموضُوعة على الشمعدان، أو تلكَ المدينة الموضُوعة على جَبل ولا يُمكِن إخفاؤُها، علينا أن نُخبِر وأن نقُول ما هي الأشياء العظيمة التي عمِلَها اللهُ لنا. إن هذه المُهِمَّة الإرسالِيَّة ينبَغي أن تبدَأَ في المكانِ الأصعَب، الذي فيهِ يعرِفُنا الناسُ عن كثب، ونقصُدُ بذلكَ بيُوتَنا.
لقد كانت المُعجِزَةُ إخراجَ الأرواح الشرِّيرة من هذا الإنسان. واجَه يسُوعُ وخاطَبَ مُباشَرةً الشياطين في هذا الرَّجُل. فهل كانَ يسُوعُ سيتعامَلُ بشكلٍ مُختَلِف معَ رجُلٍ من هذا النوع لو كانَ يسُوعُ معنا بالجسد؟ هل كانَ سيُسمِّي هذا الشخص "مُصاباً بإنفِصامِ الشخصيَّة،" فيُدخِلهُ في مُؤسَّسَةٍ للأمراضِ العقليَّة، ويُعطيهِ المُهدِّئات لبَقِيَّةِ حياتِه؟ ماذا تَظُنُّهُ كانَ سيفعَل؟
الفَرِّيسيُّ والعشَّار (لُوقا 18: 9-14)
لدَينا هُنا إنسانان، صلاتان، موقِفان، وإعلانان. الأمرُ المُهِمُّ حولَ هذينِ الرَّجُلَين هو أنَّهُ في نِهايَةِ القصَّة، أُعلِنَ واحِدٌ منهُما مُبَرَّراً بيسُوع، أمَّا الآخرُ فلا – أو خلُصَ واحِدٌ منهُما أمَّا الآخَرُ فلا. بكلامٍ آخر أصبَحَ أحدُهُما في حالَةِ النِّعمة، أمَّا الآخرُ فلا.
تعني كلمة "مُبَرَّر" وكأنَّنا لم نُخطِئ سابِقاً. وعلاوَةً على ذلكَ، تعني أنَّ اللهَ أعلنَنا أبراراً. تُخبِرُنا الرسالَةُ إلى أهلِ رُومية بطريقَةٍ مُفصَّلة كيفَ عمِلَ اللهُ هذا. يُخبِرُنا يسُوعُ في هذا المثل الأخبارَ السارَّة أنَّ هذا التبرير هُوَ حقيقة. فبالنسبَةِ ليسُوع، الطريقَةُ التي بِها نتبرَّرُ هي عندما نُصلِّي كما صلَّى العشَّار: "اللهُمَّ إرحَمني أنا الخاطِئ."
نقرَأُ أنَّ الفرِّيسيَّ وقفَ "يُصلِّي في نفسِهِ". لقد بدَأت صلاتُهُ معَ نفسِهِ، وكانت عن نفسِه، وإنتَهَت بنَفسِهِ. ولم تَصِل إلى ما هُوَ أبعد من نفسِه. أن تُصلِّي يعني حرفِيَّاً، "أن تطلُب". بهذا التعريف، لم يُصلِّ الفرِّيسيُّ أبداً لأنَّهُ لم يطلُبْ أيَّ شيءٍ من الله.
لقد وُجِّهَ هذا المَثَلُ إلى أُولئكَ الذين وَثِقُوا بِنفُوسِهم أنَّهُ أبرارٌ وكانُوا يحتَقِرونَ الآخرين. فكيفَ يُمِكنُ أن يُصبِحَ الخاطِئُ بارَّاً؟ وكيفَ يُمكِنُ أن يُعلِنَ اللهُ خاطِئاً كبارّ؟ هل هذا نتيجَةٌ للمجهودِ الذاتيّ؟ وهَل أنا بارٌّ أو مُبَرَّرٌ بسب ثِقَتي بجُهُودي الشخصيَّة لأَكُونَ بارَّاً؟ إنَّ هذا المثل يقُولُ "لا!" فاللهُ سوفَ يُعلِنُ أنَّني "بارٌّ، وكأنَّني لم أُخطِء سابِقاً،" عندما أَعتَرِفُ أنَّني خاطِئ، وأنَّني لا أستطيعُ أن أُخلِّصَ نفسي، وأطلُبُ رحمةَ الله.
في هذا المثل، يُعلِنُ يسُوعُ الخَبَرَ السارَّ أنَّ هذا صَحيح. فكُلُّ رجُلٍ، إمرأة، شابٌّ، أو فتاة في هذا العالم يُمكِنُ أن يُبَرَّرَ إذا إتَّخذَ موقِف التواضُع والإنسِحاق والإعتِراف والتوبة، وصلَّى، "اللهُمَّ إرحمني أنا الخاطِئ." إنَّ الوضعِيَّةَ التي إتَّخذَها الفرِّيسيُّ كانت تماماً نقيضَ وضعيَّة الصلاة، التواضُع، الإنسحاق، الإعتِراف، والتوبة، التي تضعُنا وتحفظُنا في حالَةِ التوبة.
يعتَقِدُ أحدُ المُفسِّرينَ الأتقِياء أنَّ زكَّا، رئيس العشَّارين، والذي سنلتَقي بهِ في الإصحاحِ التالي، كانَ العشَّار الموصُوف في هذا المثل. إنَّ إعتِقادَهُ هذا مَبنِيٌّ على كونِ المسيح قد دَعاهُ بإسمِهِ، ممَّا يعني أنَّهُما إلتَقَيا بِبَعضِهما البعض سابِقاً. إنَّ هذا سَيَعنِي لاحِقاً أنَّ يسُوعَ ذهبَ إلى أريحا لكَي يُتابَعَ العملَ معَ زكَّا بعدَ "صلاتِهِ" – ولكي يشرَحَ لهُ ماذا تعني التوبَة، وكيفَ تَتَحَقَّقُ في هذه الحياة. يبدو أنَّ هذا كانَ يعني أن يُعطي زكَّا أموالَهُ للفُقراء، لأنَّهُ كانَ قد حصَّلها بطُرُقٍ غيرِ شريفة. رُغمَ أنَّ هذا هُوَ فقط من بابِ التَّخمِين، ولكنَّهُ يزيدُ من إهتِمامِنا بواحِدَةٍ من أجمَلِ القصص في العهدِ الجديد.
يسُوعُ ورَئيسُ العشَّارين ((لوقا 19: 1- 10)
عندما نقرَأُ الإصحاحَين الثامِن عشر والتاسِع عشر من إنجيلِ لُوقا، سنكتَشِفُ قِصَّتَين إضافِيَّتَين عن رجالٍ أغنِياء. بإمكانِنا أن نعتَبِرَ المُقابَلة بينَ يسُوع ورئيس العشَّارين بمثابَةِ مسرَحِيَّةٍ مُؤلَّفَة من ثلاثَةِ مشاهِد. المشهَدُ الأوَّلُ هو حيثُ ألقَى يسُوعُ التحيَّةَ على زكَّا. المشهدُ الثاني يجري في بيتِ زكَّا، حيثُ قضى يسُوعُ يومَهُ الكامِل في الحديثِ والتعاطي معَ هذا الرَّجُل الذي كانَ مكروهاً من الجميع في أريحا.
عندما يُرفَعُ الستارُ عن المشهَدِ الثالِث، يخرُجُ يسُوعُ وزكَّا من بيتِ زكَّا، بعدَ أن يكُونا قد قضَيا طوالَ النَّهارِ معاً. الكَلماتُ الأُولى نُطِقَ بها من قِبَلِ زكَّا. فلقد دَعا يسُوع "الربّ" وأعلَنَ أنَّهُ سوفَ يُعطي نِصفَ أموالهِ للفُقَراء، والنصف الآخر سيَستَخدِمُهُ ليَرُدَّ أربَعةَ أضعافٍ للذين كانَ قد غشَّهُم في أريحا. (لو لم يكُنْ قدْ غَشَّ أحداً، لما إفتَرَضَ أنَّهُ يتوجَّبُ عليهِ توزيع نِصف أموالهِ ليَحُلَّ المُشكِلَة.)
أهمُّ مشهدٍ بين هذه المشاهدِ الثلاثة، هو المشهدُ الثاني. لا نعرِفُ شيئاً عمَّا حدَثَ في المشهَدِ الثاني، أي في بيتِ زكَّا. فعمَّ تكلَّما طِوالَ النهار؟ لابُدَّ أنهما تحدَّثا عَنْ معنى التوبة، والغُفران وإتِّباع يسُوع. ولا بُدَّ أنَّ هذا الحِوار تضمَّنَ المال، لأنَّ كلمات زكَّا الأُولى كانت تتَعلَّقُ بالمال. فعِندما سمِعَ يسُوعُ هذه الكلمات من أكبَرِ خاطِئٍ في أريحا، أعلَنَ يسُوعُ زكَّا كإبنٍ لإبراهِيم، وأعلنَ أنَّ الخلاصَ حصلَ في بيتِهِ في ذلكَ اليوم.
إنَّ الجزءَ المُفضَّلَ عندي في هذا القصَّة هو عندما ذهبَ يسُوعُ ليقضِيَ يومَهُ الوحيد في أريحا معَ هذا اللِّصّ القَصير القامَة، وكانَ الجميعُ يتذمَّرونَ مُمتَعِضينَ من هذا. أودُّ لو أستطيعُ أن أُفوِّضَ فنَّاناً ليرسُمَ يسُوع، الذي كانَ بحَسَبِ المُؤرِّخِ اليَهُوديّ يُوسيفُوس رَجُلاً كبيرَ القامَةِ، وهو يمشي نحوَ بيتِ زكَّا واضِعاً يدَهُ على كتفِهِ، بينَما ينظُرُ جميعُ الناس ذَوي البِرّ الذاتِي بإمتِعاضٍ لأنَّ يسُوعَ كان يقضِي يومَهُ الوحيد في أريحا معَ رئيسِ العشَّارين.
إنَّ الكلمات الجميلة التي تنتَهي بها هذه القصَّة يُمكِنُ أن تُنقَشَ على لَوحَةٍ نُحاسِيَّةٍ نضعُها تحتَ رسمِ يسُوع واضِعاً يدَهُ على كتِفِ زكَّا: "لأنَّ ابنَ الإنسانِ قد جاءَ لكَي يطلُبَ ويُخلِّصَ ما قد هلك." إنَّ هذه الكلمات هي أحد الأعداد الحاسمة في هذا الإنجيل الثالِث، وتُعطينا تصريحاً مُلخَّصاً لرسالَةِ أعظَمِ حياةٍ عاشَها أحدٌ على الأرض (19: 10).
نحنُ أيضاً نرى ستراتيجيَّة يسُوع في هذه المُقابَلة. فهُوَ كانَ يمُرُّ عبرَ أريحا، وكانت ستراتيجيَّتُهُ بِوُضُوح أن يُبَشِّرَ ويؤُثِّرُ على كُلِّ أريحا ويربَحها للمسيح بعدَ أن يكُونَ قدِ إجتازَ إلى ما وراء حُدُود المَدينة.
حاوِل أن تتصوَّرَ التأثيرَ على المدينة عندما بدأَ زكَّا يدعُو إلى داخِلِ بيتِهِ الناس الذين كانَ قد سلبَهُم أموالاً إضافِيَّةً على الضرائب، كما كانَ يفعَلُ العشَّارُونَ عادَةً. تصوَّر مُفاجَأَتَهُم، وفرحَهُم، ورهبتَهُم عندما وجدوا أنَّهُ بدلَ أن يمُدَّ يدَهُ إلى أعماقِ جُيُوبِهم ليأخُذَ مالَهم، إكتَشَفُوا أنَّ كُلَّ ما أرادَهُ زكَّا هو أن يُعيدَ لهُم أربَعَةَ أضعاف عن أموالِهم التي إختَلَسَها منهُم، وكُلُّ ذلكَ نتيجَةً لكونِهِ إلتَقَى معَ يسُوع! أتصوَّر أنَّ هذا كانَ الحدثَ الأكبَر الذي جرى هُناكَ منذُ سُقُوطِ أسوارِ أريحا أيَّامَ يشُوع.
مُقابَلَة أُخرى معَ رجُلٍ غَنِيّ (لُوقا 18: 18- 27)
هُناكَ قِصَّةٌ أُخرى عن رجُلٍ غَنيّ في الإصحاحِ السابِق، التي كانَ ينبَغي أن تُوضَعَ إلى جانِبِ هذه القصَّةِ عن يسُوع وزكَّا. عندما تُقارِنُ وخاصَّةً تُناقِضُ بينَ هذين الرَّجُلَين الغَنِيَّين، لاحظ أوَّلاً القواسمَ المُشتَرَكَة بينَهُما:
لقد كانا كِلاهُما غَنِيَّين. وكانا كِلاهُما يهُوداً. وكانا كِلاهُما مُتَشوِّقَينِ ليريَا يسُوع. لقد تسلَّقَ زكَّا شجرَةً، بينَما الرجُل الذي نُسمِّيهِ الغَنيّ، والحاكِم الشابّ جاءَ راكِضاً نحوَ يسُوع وسجدَ أمامَهُ. لقد جاءا كِلاهُما إلى يسُوع علانيَةً. ولقد كانا كِلاهُما مُهتَمَّانِ بأن يعرِفا كيفَ يخلُصان، أو كيفَ يحصَلانِ على الحياةِ الأبديَّة. لقد أحبَّ يسُوعُ بالتأكِيد كُلاً منهُما، وقالَ لهُما أن يتوبا وأن يُظهِرا توبتَهُما بالتخلُّصِ من أموالِهما.
عندما تُقارِن بينَهُما بهَدَفَ المُبايَنة، لاحظ الفُروقات اللافِتَة بينَهُما: فالرجُلُ الشاب كانَ مُتدَيِّناً ذا أخلاقٍ حميدة، أمَّا زكَّا فلم يكُن مُتَديَّناً ولا ذا أخلاقٍ حميدة. الشابُّ الغَنيُّ كانَ موضِعَ إعجاب وتقديرِ المُجتَمَع، أمَّا زكَّا فنعرِفُ أنَّهُ لم يكُن كذلكَ بتاتاً.
الفرقُ الأَهَمُّ بينَ هَذَين الرَّجُلَين كانَ أنَّ زكَّا تابَ ووزَّعَ مالَهُ بينما الشابُّ الغَنيُّ المُتديِّنُ والأخلاقي لم يتُبْ. فحتَّى ولو أنَّ الشابَّ الغني كانَ صادِقاً، أخلاقِيَّاً ومُتَدَيِّناً، ولكنَّهُ لم يخلُص، أمَّا زكَّا فخَلُص. فإن لم يتُبْ الشابُّ الغَنيُّ لاحِقاً، بإمكانِنا أن نفتَرِضَ أنَّهُ ماتَ مُتَدَيِّناً وأخلاقِيَّاً، ولكن غَيرَ مُخَلَّص. هذا يعني أنَّهُ رُغم أنَّ زَكَّا كانَ لِصَّاً ولم يكُن مُتَدَيِّناً أو أخلاقِيَّاً قبلَ أن يَلتَقِيَ بيَسُوع، ولكنَّ زكَّا هُوَ في السماءِ اليوم، والشابُّ الغَنيُّ هُوَ في الجحيم!
علينا أن لا نُسيءَ فهمَ هذه القصَّة. فيسُوع لم يكُن يُخبِرُنا أنَّنا نخلُصُ بما نعمَلُهُ، أو بما نمتَنِعُ عن عمَلِه. بل كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ أنَّنا لكَي نخلُصَ بِحقّ، علينا أن نتُوبَ ونبتَعِدَ عن الخطايا. نحنُ نرى هذا مُوضَّحاً بشكلٍ حَيَويّ في التناقُضِ في كيفيَّةِ تجاوُبِ هذين الرجُلَين معَ يسُوع.
تبدَأُ قصَّةُ يسُوع وزكَّا معَ مثلَ الفرّيسيّ والعشَّار. عندما نقرَأُ خاتِمَةَ هذا المثل، نكتَشِفُ عددَاً آخر يُظهِرُ يسُوع بأنَّهُ المُخلِّص الذي جاءَ ليَطلُبَ الخُطاة. نرى هذه الصُّورة عن يسُوع وبيانِهِ للمرَّةِ الأخيرة عندما يُعطي لُوقا تصريحَهُ بالمأمُوريَّةِ العُظمى، في خاتِمَةِ هذا الإنجيل (لُوقا 24: 46- 49).
خاتِمَة
"تأمُّلاتٌ مسيحيَّةٌ"
لَقَد أعطَى يسُوعُ تعاليمَ كثيرة مِثْل "مَثَل الزارِع،" التي تُخبِرُنا كيفَ نقتَرِبُ من تعليمِهِ ونتجاوَبُ معَهُ. يُسجِّلُ لُوقا ثلاثَ إستِعارات إستَخدَمَها يسُوعُ لهذا الهَدَف (لُوقا 5: 36- 39؛ 7: 31- 35). المَثلانِ الأوَّلانِ هُما عن رُقعَةٍ من ثَوبٍ جديد على ثَوبٍ قديم، وعن خَمرٍ جديدٍ غيرِ مُختَمِر يُضافُ إلى قُربَةِ نبيذٍ قديمة.
الأشخاصُ الذين أصغُوا إلى يسُوع، فهِموا هذه الإستِعارات المجازِيَّة، لأنَّها كانت معرُوفَةً كُلَّ يَوم، وكانت إيضاحاتٍ عَميقَة. كُلُّ إمرَأَة سبقَ لها وخاطَت رُقعَةً على ثوب، تعرِفُ أنَّهُ لا يجوزُ أبداً أن تَخيطَ رُقعَةً جديدَةً على ثَوبٍ عتيق. لأنَّ الثوبَ الجديد القويّ سوفَ يتَمزَّقُ عن الثَّوب القديم ويجعَلُ رُقعتَهُ أوسَع ممَّا كانت من ذي قبل.
كثيرونَ من الذين إستمِعُوا ليسُوع، كانُوا قد إقتَرَفُوا هذا الخطأ، أي أن يسكُبُوا نبيذاً جديداً أو غيرَ مُختَمِر، في قربَةِ نبيذٍ عتيق. وبينما بدأَ النبيذُ الجديدُ يَختَمِرُ، لم تتحمَّل قِربَةُ النبيذ القديمة المُتَيَبِّسَة هذا الضغط الجديد في داخِلِها. وذاتَ يوم، سيسمَعُونَ ضجَّةَ إنفجارِ هذه القُربَةِ ويَرونَ النبيذَ يُهراقُ على الجِدار الذي كانت القُربَةُ مُعَلَّقَةً عليه. وسوفَ يُدرِكُونَ أنَّ خطأَهُم قادَهُم إلى إنفِجار – خراب القِربَةِ العتيقة، وخسارَةِ النبيذ.
التطبيقُ هُو أنَّ تعليمَ يسُوع (مثل رِقعَةُ الثوبِ الجديد والنبيذ الجديد) سوفَ يضغَطُ علينا عندما نُدخِلُهُ إلى أذهانِنا. أولئِكَ الذين هُم خلائِق جديدة نتيجةً للوِلادَةِ الجديدة، من الواضِحِ أنَّهُم "قِربَةُ الخمرِ الجديدة" التي فيها سيُسكَبُ "الخمرُ الجديد" لتعليمِ يسُوع (2كُورنثُوس 5: 17). وحدَها الخلائق الجديدة في المسيح هي التي ستقدِرُ على فهمِ، وقُبُولِ، وتطبيقِ تعليمِ المسيح. هذا ما يبدُو أنَّهُ تعليمُ هذا المثل المجازِيّ.
إن كُنَّا لا نستسلِمُ للضَّغطِ الذي يضعُهُ تعليمُ المسيحِ على إراداتِنا، فإنَّ أذهانَنا سوفَ تنفَجِرُ حرفِيَّاً. لِهذا يُحذِّرُنا يسُوع من أن نكُونَ مُنفَصِمي الشخصيَّةِ روحيَّا، وذلكَ بمُحاوَلتِنا أن نخدُمَ سَيِّدَين (متَّى 6: 24). إن لم نكُنْ نقتَرِب ونتجاوَب معَ تعليمِ يسُوع، معَ إلتِزامٍ بطاعَةِ تعليمِهِ، فإنَّ ما يُسمِّيهِ الرسُول يُوحَّنا بالإعتِرافِ "الفاتِر" بالإيمان بالمسيح، سوفَ يجعَلُنا مرضَى، ويجعَلُ المسيح المُقام مُنزَعِجاً عندما يُفكِّرُ فينا (رُؤيا 3: 15، 16).
لقد إستَخدَمَ يسُوعُ الصُّورَةَ المجازِيَّةَ الثالِثة ليُعلِّقَ على طريقَةِ رفضِ رجال الدين لتعليمِهِ، ورفضِهم لوَعظِ يُوحنَّا المعمدان (7: 31- 35). لقد لَعِبَ أولادٌ في السوق لُعبَةَ "العُرس،" ولُعبَةَ "الجنازة" لأنَّهُم كانُوا يُراقِبونَ كيفَ تجريِ هذه الأُمور في مُجتَمَعِهم. ولقد طَلَبُوا من التُّجَّار أن يتوقَّفُوا وأن يلعَبُوا بعضَ الألعابِ الصغيرَةِ معَهُم.
بهذه الإستِعارات، كانَ يسُوعُ يقُول أنَّ الكتبَةَ والفرِّيسيِّين كانُوا مثل الأولاد الصغار الذين يطلُبُونَ منهُ أن يلعَبَ معهم لُعبَةَ "الجنازة" لأنَّهُ قدَّمَ لهم صُورَةَ الإنسانِ المُبارَك السعيد. ولقد طَلَبُوا من يُوحنَّا المعمدان أن يلعَبَ لعُبَةَ "العُرس" لأنَّهُ كانَ جَدِّيَّاً للِغايَة، وعاشَ حياةَ الإنضِباط الرُّوحيّ في الصحراء، وكرزَ بالتَّوبَة.
النقطَة التي كانَ يسُوعُ يُظهِرُها كانت أنَّهُ هُوَ ويُوحنَّا لم يأتِيا ليلعبا هذه الألعاب الصغيرة. ولم يأتِ يسُوع ويُوحنَّا المعمدان ليُكيِّفا تعليمَهُما معَ تعليمِ الكتبة والفَرِّيسيِّين، بل جاءا ليُحدِثا ثَورَةً في نظامِ التعليم الدينيّ.
بعدَ أن تعرَّفَتَ الآن إلى بعضِ تعاليمِ يسُوع المسيح الدينامِيكيَّة، كَيفَ ستَتَجاوَبُ معَ ما تعلَّمتَهُ في هذه الدِّراسة المُختَصَرَة لإنجيلِ لُوقا؟ وماذا ستفعَلُ حيالَ ما تعرِفُهُ عن أهداف مُهِمَّة يسُوع المُقام، الذي يحيا فيكَ؟ فالمقصُودُ بتَعلِيمِهِ أن يُحدِثَ ثَورَةً في عقلِكَ، وحياتِكَ، وقِيَمِكَ. لقد حذَّرَنا يسُوعُ، بأنَّنا إذا لم نفعَلْ شيئاً حِيالَ تعليمِهِ، فإنَّ "رُؤيتَنا الرُّوحيَّة المُزدَوِجَة" ستُفجِّرُ عُقُولَنا حرفِيَّاً.
إنَّ إنجيلَ يُوحنَّا يُعطينا السجلّ الأكثر تفصيلاً عن موتِ وقِيامَةِ المسيح. وبما أنَّ لديَّ ستَّة كُتَيِّبات تُقدِّمُ تعليقاً على مائة وثلاثينَ برنامجاً إذاعِيَّاً حولَ إنجيلِ يُوحنَّا، فسوفَ أحتَفِظُ بِتفسيري أو تعليقي على حياةِ وخِدمَةِ المسيح حتَّى أصِلَ إلى تِلكَ الكُتيِّبات. النظرَةُ الأكثر تعبيراً عن موتِ المسيح، والتي نحصَلُ عليها من إنجيل لُوقا، هي حيثُ يقُولُ يسُوعُ للرُّسُل أنَّ الفِصحَ سيُتمَّمُ عندما سيَمُوتُ هُوَ على الصليب (22: 16). بإستثناءِ يُوحنَّا، يُخبِرُنا كُتَّابُ الأناجيل بالقول "فصلبُوهُ" عندما يتكلَّمون عن موتِ المسيح على الصليب.
إن لم تكُن تعرِف المسيح كمُخَلِّصٍ شَخصِيٍّ لكَ، وكخادِمٍ لإنجيلِ المسيح، أرجوكَ أن تُدرِكَ أنَّ يسُوعَ جاءَ لكي يمنَحَ بَصَراً لكَ في عماكَ الرُّوحيّ، ولكَي يُحرِّرَكَ من إدمانِكَ على أشكالٍ مُتعدِّدَةٍ من الخطيَّة. إنَّهُ يُريدُ أن يشفِيَ قلبَكَ المكسُور، وذلكَ عندما يُصبِحُ مُخلِّصَكَ الشخصيّ. ومن ثَمَّ يُريدُ أن يضعَ في حياتِكَ هدفاً عظيماً، بينما يجعلُكَ شريكاً معهُ في إرساليَّتِهِ العظيمة بطلبِ الضَّالِّينَ وخلاصِهم. ضعْ ثِقَتَهُ بِكَ ليكُونَ مُخَلِّصَكَ. إجعَلْ منهُ ربَّاً على حياتِكَ، ومن ثَمَّ إقضِ ما تبقَّى من حياتِكَ في علاقَةٍ معَ المسيح المُقام الحيّ، مُكمِّلاً أعظَمَ بيانٍ في العالم.
- عدد الزيارات: 11089