الفصلُ السابِع إنجيل يُوحنَّا لُغَةُ الرُّمُوز عندَ يُوحنَّا
سوفُ نُقدِّمُ في سِتَّةِ كُتَيِّباتٍ أُخرى مُلاحظاتٍ لمُستَمِعينا الذين سبقَ لهُم وسَمِعُوا مائةً وثلاثينَ بَرنامجاً إذاعِيَّاً تتمحوَرُ حولَ تعليمِ إنجيلِ يُوحنَّا آيَةً بعدَ الأُخرى. في هذا الكُتَيِّب، أودُّ أن أُقدِّمَ بِضعَةَ مُلاحظاتٍ لأُولئِكَ الذينَ سَمِعُوا البرامِجَ الإذاعِيَّة التي تُعطي فكرةً مُوجَزة عن الإنجيلِ الرابِع، كجُزءٍ من الدراسة الشامِلَة للعهد الجديد.
نحنُ الآن بِصدَدِ الإقتِراب من الإنجيل المُفضَّل بينَ الأناجيل الأربَعة. فإنجيلُ يُوحنَّا هو الإنجيلُ المُفضَّلُ عندَ الملايين، لأنَّ اللهَ إستخدمَهُ ليأتي بهم للإيمانِ بالمسيح. يُعجِبُني الأُسلُوبُ الأدبيُّ المُوحَى الذي كتبَ بهِ يُوحنَّا إنجيلَهُ. ولقد أصبَحَ هذا إنجيلي المُفضَّلَ أيضاً، لأنَّ الأهدافَ التي من أجلِها كتبَ يُوحنَّا إنجيلَهُ هذا، والحُجَّةَ المُنظَّمة التي يُقدِّمُها من خِلالِ إصحاحاتِهِ الحادِية والعشرين، تُخبِرُني أنَّ هذا الإنجيل يتكلَّمُ بمُجمَلِهِ عن يسُوع المسيح. هذا هُوَ إنجيلي المُفضَّل، لأنَّ يُوحنَّا لا يُظهِرُ لي فقط كيفَ أخلُص، بل ويقُودُني من خِلالِ قراءَةِ إنجيلِهِ إلى التعرُّفِ على المُخلِّص الذي خلَّصني.
إنَّ الرسُول يُوحنَّا نفسُهُ الذي هُوَ كاتبُ سفر الرؤيا، هُوَ كاتِبُ هذا الإنجيل. إن كُنتَ أليفاً معَ السفرِ الأخير في الكتابِ المقدَّس، ستُكوِّنُ فِكرَةً عن الأُسلوبِ الأدَبيّ الذي كتبَ فيهِ يُوحنَّا. عندما كتبَ يُوحنَّا سفرَ الرُّؤيا، إستَخدَمَ كَلِمَةً تُساعِدُنا على فَهمِ أسلُوبِهِ الأدَبِي وطريقَةَ كتابَتِه. وإذ يبدَأُ بكتابَةِ السفرِ الأخير في العهدِ الجديد، يقُول: "إعلانُ يسوع المسيح الذي أعطاه إيّاه الله ليُرِيَ عبيدَهُ ما لابُدَّ أنْ يكونَ عنْ قريبٍ وبيّنَهُ مُرسَلا بِيَدِ ملاكِهِ لعبدِهِ يوحنا".
إن هذه الكلمةُ المُثيرة للإهتِمام: "بيَّنه،" إستَخدَمها يوحنا عندما كتبَ الرؤيا والإنجيل في "لغةٍ رمزيَّةٍ جميلةٍ" مِنَ المَجازِ أو الإشارات.
أخبَرنا الرسولُ بولس في الإصحاح الأوّل مِنْ كورنثوس الأولى أنَّ "اليونانيين يطلبونَ حكمة"، لهذا كانَ الإنجيلُ لهم جَهَالة. ثمّ يخُبرُنا في الإصحاح نفسِهِ، أنَّ "اليهودَ يسألون آية" أي إشارَةً أو رمزاً. قصدَ بولس الرسول بهذا أنَّ اليهودَ يَطلبونَ علامةً مِنَ الله كبرُهانً أنَّه هو مَنْ يَقودُهم في الطريق (متَّى 12: 38- 42). قَصَدَ بولس الرسول أيضا أنَّ اليهود فكّروا وتعاملوا بواسطة لُغةٍ رمزية محُكَمَةٍ.
سفر الرؤيا المُوحَى والعَميق، مبني بكامله على أساس رمزِيَّةِ اللغة العبرية.رُغمَ أنَّ لُغَةَ الرُّمُوز ليسَت واضِحَةً تماماً، ولكنَّ يُوحنَّا يستَخدِمُ هذا الأسلوب عينَهُ في هذا الإنجيل.
مفاتِيح إنجيل يُوحنَّا
عندما ساهَمَ الرسول يوحنا بإضافَةِ هذين السفرين المُوحَى بهما إلى العهدِ الجديد (أي إنجيل يُوحنَّا وسفر الرُّؤيا)، كانَ في الغالب كأنَّهُ يَكتبُ رسالةً لشعبِ الربِّ على شكلٍ رمزي جميل مُوحَىً بهِ من الله. ولفَهْمِ هذه الرسالة، يَحتاجُ شعبُ الربِّ إلى المفتاح لحلِّ هذه الرموز المتَُضَمِّنَةِ في الرسالة. وإليكُم الآن بعضَ المفاتيح، التي ستُساعدُكُم على فَهْمِ رمزية هذه اللغة الجميلة التي استخدَمَها يوحنا في هذا الإنجيل.
المِفتاح رقَم واحد
المِفتاحُ الأوَّلُ لفَهمِ هذا الإنجيل هُوَ لنُدرِكَ أنَّ تِسعين بالمائة من مُحتَواهُ ليسَ مَوجُوداً في الأناجيلِ الثلاثَةِ الأُولى. بينَما نقرَأُ هذا الإنجيل، علينا أن نُدرِكَ أنَّ يُوحنَّا لديهِ وُجهَةُ نظَرٍ يُشارِكُنا بها عن حياةِ المسيح، والتي لا نَجِدُها في متى، مرقُس ولوقا. لهذا علينا أن نتوقَّعَ أن نقرَاَ سيرَةَ حياة يسوع بِشكلٍ مُختَلِفٍ تماماً في هذا الإنجيل عمَّا هو في الأناجيل الثلاثَةِ الأُولى.
المِفتاحُ رقم إثنان
مفتاحٌ ثانٍ سيساعدُكَ على فهمِ ذلك الرّمزِ المتَُضمِّنِ في الرسالة الفريدةِ لهذا الإنجيل، هو أنْ تَعرِفَ أنَّهُ السفرُ الوحيدُ بين أسفار الكتابِ المقدسِ الذي تَتَوجَّهُ رسالتُهُ لغير المؤمن، لكَي تأتي بهِ إلى الإيمان والحياة الأبديَّة.
قالَ الرسولُ بولس أنَّ الهدفَ مِنَ الكتاب المقدسِ كَكُل، هو أنْ "يكونَ إنسانُ الله كاملا مُتأهبا لكلِّ عملٍ صالح". (2تيمُوثاوُس 3: 16، و17). فإذاً الكتابُ المقدس لم يُعطَ بشكلٍ عامٍّ لغير المؤمنين، بل للمؤمنين.
لدى الله رسالةٌ واحدةٌ في الكتابِ المقدَّس لغير المؤمنين: وهي أنْ يؤمنَ الإنسانُ بالإنجيل ويَتوبَ. وإذ سيتوبُ غيرُ المُؤمِنين ويُؤمِنُون، أعطانا الربُّ ستةً وستين سفرا مُقدَّساً مُوحىً بها من قِبَلِهِ، لأنَّهُ يُريدُ المؤمنينَ أنْ يكونوا كاملين ناضجين مُتأهِّبينَ لكُلِّ عملٍ صالِحٍ يُريدُ أن يعمَلَهُ من خِلالِهم. يُريدُنا اللهُ أنْ ننموَ ونتكمَّلَ روحيا لنُصبِحَ ذلكَ الشعب الذي أوجدنا وخلصنا لنكونَهُ. (أفسُس 2: 10؛ 4: 12).
إنَّ إنجيلَ يُوحنَّا هو تِلكَ الرِّسالة من الله لغَيرِ المُؤمِن، لِكُلِّ ما يُريدُ أن يقُولَهُ لهُم في الأسفارِ الخمسة والستّين الباقِية في الكِتابِ المُقدَّس. ورُغمَ أنَّهُ هُناكَ الكثيرُ من الحَقيقَةِ العميقة في الإنجيلِ الرَّابِع الذي يُكمِّلُ المُؤمن، فإنَّ هذا السفر هُو الوحيدُ في الكتابِ المُقدَّس الذي يُعتَبَرُ مُوجَّهاً بِوُضُوح لِغَيرِ المُؤمِنين، بهدَفِ رِبحِهم للإيمانِ بِيَسُوع المَسيح.
يُخبِرُنا يوحنا عن سبب كِتابَتِهِ لهذا الإنجيلِ العميق: "وآياتٌ أُخَرُ كثيرةٌ صَنَعَ يسوعُ قُدَّامَ تلاميذِهِ لم تُكْتَبَ في هذا الكتاب. وأمَّا هذهِ فَقد كُتِبَتْ لِتُؤمنوا أنَّ يسوعَ هو المسيح ابنُ الله، ولكي تكونَ لكم إذا آمنْتُم حياةٌ باسمه" (يُوحنَّا 20: 30، 31).
تقُولُ إحدَى الترجمات الحديثة في حاشِيَتِها لهذا المقطَع: "الآيَةُ هي بُرهانٌ عجائِبيٌّ يُشيرُ إلى قُوَّة الله بالنعمَةِ الفادِيَة." فالآيَةُ إذاً هي مُعجِزَةٌ تُبرهِنُ أنَّ يسُوعَ كانَ المَسِيَّا، المسيح، إبن الله، ومُخلِّص العالم.
في العددِ الأخير من هذا الإنجيل، كتبَ يُوحنَّا أنَّهُ لو دُوِّنَت كُلُّ الآيات التي صَنَعَها يسُوع، لما كانَ العالمُ بأسرِهِ سيتَّسِعُ للكُتُب التي كانت ستُكتَبُ عنهُ. حاوِلْ أن تكتَشِفَ كم من الأسفار كُتِبَت عن حياةِ وأعمال وتأثير يسُوع المَسيح، وسوفَ تُقدِّرُ الحقيقَةَ التي ختمَ بها يُوحنَّا إنجيلَهُ.
أرادَنا يُوحنَّا أن نتفحَّصَ سِجلَّهُ عن هذه الآيات التي تُبرهِنُ ما قالَهُ عن يسُوع. وجوهَرُ ما قالَهُ هُوَ التالي: "مِنْ كلِّ الأعمالِ العجائبية التي صَنَعَها يسوعُ، تأمَّلوا – بِذهنٍ مُنفَتِح- بتِلكَ التي دَوَّنتُها في هذا الكتاب. ولا بُدَّ أنَّ هذه الآيات ستُقنِعُكُم أنَّ يسُوعَ من الناصِرة كانَ المسيَّا، إبن الله. أُريدُكُم أن تُؤمِنُوا، لأنَّكُم إنْ آمنتُم بهذه الحقائقِ عنْ يسوعَ المسيح، سوفَ تَتَجدَّدُونَ وستَختبرون الحياة الأبدية" (20: 30، 31؛ 1: 12، 13)
عندما يسألُ أحدُهُم راعي الكنيسة عنْ سفرٍ يمكنُ أنْ يبدأَ بِهِ قراءةَ الكتابَ المقدس، يسألُهُ الراعي: "هل أنتَ مُؤمنٌ بالمسيحِ؟" وبما أنَّ يُوحنَّا كتبَ للشخصِ الذي لم يُؤمن بعد، فعندما يُجيبُ: "كلا، ولكنّني مُهتمٌ بالأمر"، غالبا ما سيَنصَحُهُ الراعي: "يمكنُكَ أنْ تبدأَ مِنْ إنجيلِ يوحنا". غالِباً ما يُعطي الرُّعاةُ هذه النَّصِيحة، لأنَّ يُوحنَّا عبَّرَ صراحَةً عن هدَفِهِ من كتابَةِ إنجيلِهِ، وهو أن يُصبِحَ غيرُ المُؤمِنِ مُؤمِناً ويختَبِرَ الحياةَ الأبديَّة.
المِفتاح رقم ثلاثَة
مِفتاحٌ آخر لفَهمِ إنجيل يوحنا، هو أن نُدرِكَ أنَّه يَعرِضُ مادَّتَهُ على شكل حُجَّةٍ لاهُوتيَّةٍ عن يسُوع. يُقدِّمُ كُلٌّ من إنجِيلَي متى ولُوقا خدمةَ وستراتيجيَّةَ يسُوع، بينما يُسجِّلانِ سيرَةَ حياة المسيح المُوحَى بها. ولكنَّ الحُجَّةَ المَنطِقِيَّةَ المُنظَّمة التي يُقدِّمُها يُوحنَّا في إنجيلِهِ هي مُحَدَّدَةٌ، مُستَمِرَّةٌ، ومُتناسِقة في كُلٍّ من إصحاحاتِهِ الواحد والعشرين.
إن قصدَ الأناجيل الأربَعَة هو أن تُخبِرَنا أنَّ يسُوعَ جاء. وبينَما قدَّمَ متَّى يسُوعَ كمَلِك ملكوت السماوات، قدَّمَهُ مرقُس كالخادِم، وكإبنِ الإنسان، وشدَّدَ لُوقا على لاهُوتِهِ، وأرادَ يُوحنَّا أن يُخبِرَنا أنَّ يسُوعَ هو الله.
إنَّ حُجَّةَ يُوحنَّا المُنظَّمَة هي أنَّ يسُوعَ هو المسيح، المَسيَّا المَوعُود بهِ، إبن الله. تَتَبَّعْ تِلكَ الحقيقة عبرَ إنجيلِ يُوحنَّا، إبتِداءً من الإصحاح الأوَّل، ووُصُولاً إلى آخرِ الإنجيل، وسوفَ تَجِدُ أنَّ يُوحنَّا يُشدِّدُ، إصحاحاً بعدَ الآخر، على هذه الحُجَّة: أنَّ يسُوعَ التاريخ الذي من الناصِرة، هو المسيح، إبن الله ومُخلِّص العالم.
لم يكنْ لدى يسُوع المسيح إِسمَان، إِسمٌ أول واسمُ العائلة، كأيِّ إنسانٍ آخر. بل كانَ اسمُه يسوع، وكان لقبَهُ المسيحُ. عندما نقولُ يسوعَ المسيح، فهذا يعني: إنَّ يسوعَ الذي كانَ فعلا مِنَ الناصرة، هو المسيحُ. الكلمةُ اليونانيةُ "المسيح،" هي اللفظَةُ اليُونانيةُ للكلمةِ العبريةِ "المسيا"، فعندما يقولُ يوحنا إنَّ يسوعَ هو المسيحُ، يعني بذلك إنَّ يسوعَ الذي نُقابِلُهُ في العهدِ الجديد هو نفسُهُ المسيا الذي تَنبّأَ عنه العهد القديم.
في سفرِ أعمالِ الرسل، نَقرأُ عَنْ بولسَ الرسول الذي كان قبلا مُعلِّما عندَ اليهود، أنَّهُ خلالَ رحلاتِهِ التبشيريةِ كانَ يُجادلُ اليهودَ في مجامعِهم مِنَ الكتبِ المقدسة، أنَّ يسوعَ هو المسيحُ. (أعمال 17: 2، 3). وفي رسائلِهِ، يُعلِّمُنا الرسُول بُولُس أنَّ الأساس العقائديّ للشركة في كنائسِ العهدِ الجديدِ كانَ: "يسوعُ هو الرب". (1كُورنثُوس 12: 3)
ثمّ نحو نهايةِ العهدِ الجديد، في رسالةِ يوحنا الأولى، يَكْتُبُ الرسولُ يوحنا أنَّ القاعدةَ العقائديةَ للشركةِ في كنيسةِ العهدِ الجديد هي: "يسوعُ هو المسيحُ". (1يُوحنَّا 2: 22؛ 5: 1). إنَّ الحُجَّةَ التي يُعَبِّرُ يُوحنَّا عنها في عدَدَينِ قصيرين في رسالتِهِ الأُولى، هي نفسُ الحُجَّةِ التي يُقدِّمُها بشكلٍ نِظاميٍّ عقائديٍّ في إنجيلِه.
المِفتاح رقم أربَعة
إستناداً إلى المفاتِيح الثلاثة الأولى لفهمِ هذا الإنجيل، أعتقدُ أنها الطريقةُ للوُلُوجِ إلى إنجيل يوحنا. لابُدَّ لنا أنْ نمرَّ على كلِّ إصحاحاتِ هذا الإنجيلِ الأحد والعِشرين، بحثاً عَنْ أجوبةٍ لثلاثةِ أسئلةٍ هي: مَنْ هو يسوع؟ ما هو الإيمان؟ وما هي الحياة؟
كَتَبَ يُوحنَّا إنجيلَهُ ليُعطيَنا سِجلاً بالآيات أو بالعَلامَاتِ العجائبيةِ، التي اجْتَرحَها يسوع، والتي إختارَها هُوَ ليُقنعَنا أنَّ جوابَ السؤالِ الأولِ هو أنَّ يسوعَ هو المسيحُ، المَسيَّا، ابنُ الله الوحيد. وسيُخبرُنا يُوحنَّا بهذه الحقيقةَ الأساسيَّة في إصحاحاتِ إنجيلِهِ الأحد والعشرين بطُرقٍ مُختلفةٍ.
لهذا عليكَ أنْ تَبحثَ في كلِّ إصحاحٍ عَنْ جوابِ هذا السؤال: ما هو الإيمان؟ قال يوحنا: "أنا سأُخبِرُكَ هذه الأمور عن يسوع، فإذا آمنتَ بهذه الحقائِق عن يسُوع، سَوفَ تُولَدُ ثانِيَةً وتنال الحياة الأبديَّة." (20: 30، 31؛ 1: 12، 13). في كلِّ إصحاحٍ، لنْ يُطالبَنا يوحنا بأنْ نقنعَ بحُجَّتِهِ حَوْلَ يسوع وحسب، بلْ وسيُظهِرُ لنا ماذا يعنيهِ بالإيمان، عندما يَدعونا للتسليمِ بحُجَّتِهِ بشأن مَنْ هو يسوع.
فما هو الإيمان على أيَّةِ حال؟ الإيمانُ مصطَلَحٌ يصعُبُ تعريفُهُ والتركيزُ عليه. لهذا سيُريْنا يُوحنَّا في كلِّ إصحاحاتِ إنجيلِهِ، واحِداً بعدَ الآخَر، مُوضِحاً وبطرقٍ متنوعةٍ مَنْ هو يسوع، ويُرينا ما معنى أنْ نُؤمِنَ أنَّ يسوعَ هو المسيح.
وسوفَ يُخبِرُنا يُوحنَّا أيضاً في كُلٍّ من إصحاحاتِهِ ماذا يقصُدُ بالحَياةِ الأبديَّة. فالحياة الأبدية التي يَتحدّثُ عنها ليسَ مقصُوداً بها فقط الحياة الخالِدَة. فرُغمَ أن يوحنا يستخدمُ المصطلحَ نفسَهُ، ولكن المقصُود بالحياة الأبدية هو ليسَ الكَمِّيَّة بمقدار ما هو النوعيَّة. كتبَ يوحنا أن يسوع قال: " أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل" (يوحنَّا 10: 10.) فأيُّ نوعٍ من الحياة حضَّرها الله، ويتوقَّع من الكائنات البشريَّة أن تختَبِرَها؟
هذ هي نوعِيَّةُ الحياة التي تحدَّثَ عنها يوحنا عندما استخدم مصطلح "الحياة الأبدية". فالحياةُ الأبديَّة هي أبديَّةٌ على صعيدَي النوعيَّة والكَمِّيَّة. الحياةُ الأبديَّةُ هي نوعِيَّةٌ فائِضَةٌ من الحياة، تبدَأُ في هذه الحَياة، وتستَمِرُّ إلى الحالَةِ الأبديَّة.
يقولُ يوحنَّا إنَّنا لا نخَتبرُ هذا النوعَ مِنَ الحياةِ كنتيجةٍ لولادتِنا الجسدية، ولكنْ إنْ اختبْرنا ما يُسمّيهِ "الولادةَ الجديدةَ" أو "الولادةَ الروحيةَ"، كنتيجةٍ لِتلكَ الولادة الروحية الجديدة، سنعيشُ حياةً فيَّاضَةً رفيعَةَ المُستَوى ، أو سيَكونُ لنا حياةٌ أبديةٌ فيَّاضَة.
في إصحاحاتِ هذا الإنجيل لن يكتَفِي يوحنا بإخبارِنا، بلْ سيشرحُ ما قَصدَ باستخدامِهِ "الحياة الأبدية"، لهذا ستَسألُ نفسَكَ خلال قراءتك للإنجيل: ما هي الحياة الأَبَدِيَّةُ في هذا الإصحاح يا يُوحنَّا؟ في كلِّ إصحاحٍ، إسأل بِروحِ الصلاة: "أخبرني يا يوحنا مَنْ هو يسوعُ في هذا الإصحاح؟ وما هو الإيمان؟ وما هي الحياة؟" ولاحظ أنَّ يوحنا سيُجيبُ بِعُمقٍ على هذه الأسئلةِ في كلِّ إصحاح في إنجيلِهِ.
المِفتاح رقم خمسة
مِفتاحٌ آخَر لفهمِ إنجيلِ يُوحنَّا، هو تِلكَ اللغُة المُوحاة الجميلة التي كتبَ بها يُوحنَّا. لقد كُتِبَ إنجيلُ يُوحنَّا على مُستَوَيَين. يستطيعُ طِفلٌ أن يفهَمَ المُستَوى الأوَّل. بإمكانِكَ أن تستَخدِمَ هذا الإنجيل لتُعلِّمَ أولادَكَ أن يقرَأُوا، لأنَّ يُوحنَّا يستَخدِمُ كلِماتٍ بَسيطَة أكثَر من تِلكَ التي يستَخدِمُها كُتَّابُ الأناجيل الأُخرى. فبإمكانِ طفلٍ أن يقرَأَ ويفهَمَ إنجيلَ يُوحنَّا على المُستَوى الأوَّل. ولكن، هُناكَ دائماً مُستَوىً آخَر أكثَرَ عُمقاً في هذا الإنجيل. والقدِّيسُ الأكثَرُ نُضجاً وتقوى لن يستطيعَ أي يسبُرَ أقصى أعماقَ المُستوى الثاني لهذا الإنجيل الثاني.
إنجيلُ يُوحنَّا هو المُفضَّلُ عندي، بسبب هذا المُستوى الثاني للمعنى الذي يكتُبُ عنهُ يُوحنَّا بهذه اللُّغة الجميلة المُوحاة الرُّوحِيَّة والمجازِيَّة. أُخبِرتُ أنَّنا قد نحتاجُ على الأقلّ إلى شهادَةٍ بالماجيستير في اللاهُوت والفلسفة لكي نفهَمَ المُستَوى الأعمق لمعنى هذا الإنجيل. ولكنِّي لا أُوافِقُ هذا الرأي. أنا أُؤمِنُ أنَّنا نحتاجُ إلى الرُّوحِ القُدُس ليُريَنا هذا المعنى الأعمَق، بيَنما نقرَأُ إنجيلَ يُوحنَّا. وإذ نقرَأُ هذا الإنجيل، أطلُبْ من الرُّوحِ القدُس أن يُريَكَ هذا المُستَوى الأعمق لمعنى كُلِّ إصحاح.
المِفتاح رقم ستَّة
هُناكَ وُجهَةُ نظَرٍ أُخرى أُريدُ أن أُشارِكَكُم إيَّاها، بينَما نقرَأُ إنجيلَ يُوحنَّا معاً. في يوحنَّا 12، أَتى بعضُ الرجالِ اليونانيين إلى الرسولِ فيلبس يسألونَهُ: "يا سيدُ نُريدُ أنْ نرى يسوعَ". إجعَلْ طَلَبَ هؤلاء اليُونانِيِّين صلاتَكَ الشخصيَّة والتعبُّدِيَّة بينَما تقرَأُ هذا الإنجيل. إنَّ المِفتاحَ الأخير الذي يكشِفُ أسرارَ اللغةِ الرمزِيَّةِ في إنجيلِ يُوحنَّا هو التحدي الذي يُوضَعُ أمامَكَ أن تقرأَ هذا الإنجيل وأنتَ تُصَلِّي، "أيُّها الآب، أُريدُ أن أرى يسُوع."
إذا فعلتَ هذا، ستَكتشفُ أنَّ إنجيلَ يوحنا يُشبهُ مَعْرِضاً روحياً، كلُّ إصحاحٍ منه أشبهُ بغرفةٍ في صالةِ المعرض، مُعَلَّقٌ على جُدرانهِا "آياتٍ"، كلُّ واحدةٍ مِنْ هذه الغُرفِ "الإصحاحات" ستَجدُ عليها لوحاتٍ رائعةِ الجمالِ عَنْ يسوعَ المسيح. في كلِّ إصحاحٍ مِنْ إنجيلِ يوحنا، سيُقدِّمُ رسولُ المحبةِ بواسطةِ الكلماتِ لوحاتٍ جميلةً عنْ يسوعَ المسيح.
لقد وجدْتُ خمسَ عشرةَ لوحةً في الإصحاحِ الأول، وأربعَ عشرةَ في الإصحاحِ الرابع. إبحثْ كم ستجدُ بينما تقرأُ هذا الإنجيل، ثمّ احفظْ لوحةً واحدةً مِنْ كلِّ إصحاح. وتصوَّر أنَّ هُناكَ عُنواناً محفُوراً على قِطعَةٍ من نُحاس في أسفَلِ كُلِّ لَوحة. إحفَظ عن ظهرِ قَلب عناوين اللوحات الإحدى والعشرين، بِحَسَبِ عددِ إصحاحاتِ إنجيلِ يُوحنَّا. وبينَما تخلُدُ إلى النَّوم في كُلِّ ليلَة، أُعبدِ الربَّ مِنْ خلالِ إنجيلِ يوحنا بالتأملِ في تلك اللوحاتِ، التي اخترتهَا مِنْ كلِّ إصحاح.
هذهِ هِيَ "العناوينُ النُّحَاسيَّة" تحتَ اللوحات التي حَفِظتُها عن شخصِ المسيح من كُلِّ إصحاح: من الإصحاح الأوَّل إلى الإصحاحِ السابِع؛
حمل الله – الذي يقدِرُ أن يُحوِّلَ ماءَكَ نبيذاً – المُخَلِّصُ الوحيد المُرسَل من الله – الماءُ الحَيّ – مفتاحُ الأسفارِ المُقدَّسَة – خُبزُ الحياة – المُعلِّمُ الآتي من عندِ الله.
وفي الإصحاحات 8 إلى 14؛
الإبنُ الذي يجعَلُنا بالحقيقَةِ أحراراً – نُورُ العالم – راعي الخِراف العظيم – القِياَمَةُ والحَياة – حبَّةُ الحِنطَة التي تقَعُ في الأرضِ وتمُوت لتُمجِّدَ الآب – الخادِم ُالذي إئتَزَرَ بمنشَفَةٍ – الطريقُ والحَقُّ والحياة.
وفي الإصحاحات 15 إلى 21؛
الكَرمة التي تبحَثُ عن الأغصان – مُرسِلُ الرُّوح القدُس – رَئيس الكَهَنة الذي يُصلِّي – الشاهِدُ الكامِل – المسيحُ المَصلُوب – المَسيحُ المُقام، والمسيحُ المُرسِل.
هذه هي لوحاتي المُفَضَّلة عن المسيح في الإصحاحات الأحد والعشرين لإنجيلِ يُوحنَّا. فبينما تدرُسُ إنجيلَ يُوحنَّا هذا، سجِّل كُلَّ اللوحات التي تجِدُها في كُلٍّ من هذه الإصحاحات، لأنَّ لوحاتِكَ الخاصَّة عن المسيح ستعني لكَ أكثَر جداً مما تعنيهِ لوحاتي لكَ.
لقد وضعَ شُيُوخُ كَنيستِي على لَوحَةٍ نُحاسِيَّةً داخِل المنبَر الذي أعِظُ منهُ الآيةَ التالية التي يُريدُونَني أن أراها صباحَ كُلِّ أحَدٍ قبلَ أن أبدَأَ الوعظ: "نُريدُ أن نَرى يسُوع." فهُم لم يُريدوني فقط أن أرى هذه الكلمات عندَما أعظ، بل أيضاً عندما يكُونُ لدَينا واعِظٌ ضيف، أرادُوهُ هُوَ أيضاً أن يرى هذه الكلمات: "نُريدُ أن نرى يسُوع." لقد كانَ هؤلاء الشيُّوخ يقُولون، "نُريدُ أن نرى يسُوع في كُلِّ مرَّةً تُقدَّمُ كلمةُ اللهِ من هذا المنبَر."
أطلُبْ من الرُّوحِ القُدُس أن يُعطيَكَ إعلاناً مُتَكامِلاً عن يسُوع المسيح بينَما تقرَأُ إنجيلَ يُوحنَّا. ثُمَّ أَجِبْ على هذين السُّؤالين: "ما هُوَ الإيمان، وما هي الحياةُ الأبديَّة؟" وعندما ترى يسوع، بإمكانِكَ أن تُؤمِنَ بِه، وأن تُولَدَ ثانِيَةً، وأن تقبَلَ الحياةَ الأبديَّة!
- عدد الزيارات: 18015