Skip to main content

الفصل العاشر - حرب الملائكة - الرجل اللابس الكتان

الصفحة 2 من 3: الرجل اللابس الكتان

الرجل اللابس الكتان

"وفي اليوم الرابع والعشرين من الشهر الأول إذ كنت على جانب النهر العظيم هو دجلة. رفعت ونظرت فإذا برجل لابس كتاناً وحقواه متنطقان بذهب أوفاز. وجسمه كالزبرجد ووجهه كمنظر البرق وعيناه كمصباحي نار وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول وصوت كلامه كصوت جمهور" (دانيال 10: 4 - 6).

يبدو أن دانيال كان مغرماً بالوجود إلى جوار الأنهار، فرؤياه الثانية رآها عند نهر أولاي (دانيال 8: 2)، وهذه الرؤيا رآها وهو على جانب نهر دجلة... وشواطئ الأنهار هي أماكن الهدوء والعزلة، والانفراد مع الله (1 ملوك 17: 2 و 3).

عند جانب نهر دجلة رأى دانيال رجلاً لابساً كتاناً، ولبس الكتان يشير إلى أن اللابس زائر سماوي كما نقرأ في سفر حزقيال "وصرخ في سمعي بصوت عال قائلاً. قرب وكلاء المدينة كل واحد وعدته المهلكة بيده. وإذا بستة رجال مقبلين... وفي وسطهم رجل لابس كتان وعلى جانبه دواة كاتب" (حزقيال 9: 1 و 2).

فمن هو الزائر السماوي؟

قرر كثيرون من المفسرين أن الرب يسوع متجلياً لدانيال قبل تجسده، وبنوا تفسيرهم على أساس أن الوصف المرهب لا يمكن أن ينطبق على أحد سوى الرب يسوع المسيح.

"حقواه متنطقان بذهب أوفاز".. أنقى أنواع الذهب. "وجسمه كالزبرجد" (حزقيال 1: 16).

"ووجهه كمنظر البرق"

"وعيناه كمصباحي نار"

"وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول"

"وصوت كلامه كصوت جمهور"

ويقول أصحاب هذا التفسير أن تصرف دانيال عند رؤيته للرجل اللابس الكتان يؤكد أن هذا الزائر السماوي هو الرب المسيح.

فدانيال يقول "بقيت أنا وحدي ورأيت هذه الرؤيا العظيمة ولم تبق في قوة ونضارتي تحولت إلى فساد ولم أضبط قوة. وسمعت صوت كلامه ولما سمعت صوت كلامه كنت مسبخاً على وجهي ووجهي إلى الأرض" (دانيال 10: 8 و 9).

وإحساس دانيال بالخوف والضعف والفساد يشبه إحساس الكثيرين من الذين رأوا الرب.

فأيوب الرجل الذي قيل عنه أنه "كان كاملاً ومستقيماً يتقى الله ويحيد عن الشر" (أيوب 1: 1) صرخ عندما رأى الرب قائلاً "بسمع الأذن قد سمعت عنك والآن رأتك عيني. لذلك أرفض وأندم في التراب والرماد" (أيوب 42: 5 و 6).

وأشعياء يذكر لنا اختباره عندما رأى الرب فيقول "فقلت ويل لي إني هلكت لأني إنسان نجس الشفتين وأنا ساكن بين شعب نجس الشفتين لأن عيني قد رأتا الملك رب الجنود" (أشعياء 6: 5).

وحزقيال يسجل ما فعله حين رأى منظر شبه مجد الرب فيقول "ولما رأيته خررت على وجهي" (حزقيال 1: 28).

ويوحنا الرسول يصف ما فعله عند رؤيته للرب في جزيرة بطمس فيقول "فلما رأيته سقطت عند رجليه كميت" (رؤيا 1: 17).

ومع تقديرنا لرأي القائلين بأن الرجل اللابس الكتان هو الرب يسوع المسيح متجلياً لدانيال في إحدى ظهوراته المتعددة التي ذكرها العهد القديم، إلا أننا نواجه عدة عقبات قوية أمام هذا التفسير.

العقبة الأولى: أن الرجل اللابس الكتان كان مرسلاً إلى دانيال فهو يقول له "لأني الآن أرسلت إليك" (دانيال 10: 11). ثم يعود فيقول "وأنا أتيت لأجل كلامك" (دانيال 10: 12) وهو بهذا يقف على ذات مستوى جبرائيل الملاك الذي يقول لدانيال "في ابتداء تضرعاتك خرج الأمر وأنا جئت لأخبرك" (دانيال 9: 23).

والعقبة الثانية: أن هناك ملائكة ظهروا بذات الأوصاف التي وصف بها الرجل اللابس الكتان. وقد رأى حزقيال ستة رجال "وفي وسطهم رجل لابس الكتان" (حزقيال 9: 2). ومريم المجدلية ومريم الأخرى عندما جاءتا لتنظرا القبر "إذا زلزلة عظيمة حدثت. لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر.. وكان منظره كالبرق ولباسه أبيض كالثلج. فمن خوفه ارتعد الحراس وصاروا كأموات" (متى 28: 2 - 4). ويوحنا الرسول يقول "ثم بعد هذا رأيت ملاكاً آخراً نازلاً من السماء له سلطان عظيم واستنارت الأرض من بهائه" (رؤيا 18: 1).

العقبة الثالثة: وهي في نظري الأهم هي أن ذلك المرسل السماوي لم يستطع وحده أن يهزم "رئيس مملكة فارس" الذي وقف مقابله واحتاج إلى معونة الملاك ميخائيل. ونستبعد أن يقف الرب يسوع موقف الضعف في الأجواء السماوية أمام رئيس مملكة فارس.

على أساس هذه العقبات نعتقد أن الرجل اللابس الكتان هو كائن ملائكي من رتبة عالية أرسل إلى دانيال في شبه رجل، وقد ظهر الملائكة في شبه الرجال في العهد القديم فقد ذهب الملاكان إلأى سدوم في أيام لوط في هيئة رجلين "فجاء الملاكان إلى سدوم.. وقبلما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة رجال سدوم.. فنادوا لوطاً وقالوا له أين الرجلان اللذان دخلا إليك الليلة" (تكوين 19: 1 و 4 و 5).

ويتابع دانيال حديثه فيقول "فرأيت أنا دانيال الرؤيا وحدي والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم فهربوا ليختبئوا. فبقيت أنا وحدي ورأيت هذه الرؤيا العظيمة" (دانيال 10: 7 و 8).

لقد ارتعد الرجال الذين كانوا مع دانيال لا لأنهم رأوا بروقاً أو سمعوا رعوداً لكن لأن هذا الكائن السماوي كان في الموضع فأشاع فيه الرهبة. ووجود الملائكة يشيع الرهبة والخوف (لوقا 2: 8 و 9).

وفي قدرة العلي أن يعطي رؤاه لشخص ويحجبها عن شخص آخر في ذات المكان. تماماً كما حدث مع شاول الطرسوسي حين ظهر الرب له في طريق دمشق (أعمال 9: 3 - 8) و(أعمال 22: 6 - 9) فالرجال الذين كانوا مع شاول رأوا النور، وسمعوا صوت بولس يرد على الرب يسوع، ولكنهم لم يسمعوا صوت الرب يسوع.

والرجال الذين كانوا مع دانيال هربوا ليختبئوا.

ويستطرد دانيال فيقول "وسمعت صوت كلامه ولما سمعت كلامه كنت مسبخاً على وجهي ووجهي إلى الأرض" (دانيال 10: 9) وكلمة "مسبخاً" معناها أنه كان نائماً نوماً عميقاً وكان وجهه إلى الأرض.

"وإذا بيد لمستني وأقامتني مرتجفاً على ركبتي وعلى كفي يدي" (دانيال 10: 10).

بالتدريج عاد دانيال إلى وعيه، واليد التي لمسته هزته لإفاقته وهذا ما تعنيه الكلمات "أقامتني مرتجفاً"، وهكذا أصبح دانيال على ركبتيه وعلى كفي يديه.

"وقال لي يا دانيال أيها الرجل المحبوب أفهم الكلام الذي أكلمك به وقم على مقامك لأني الآن أرسلت إليك. ولما تكلم معي بهذا الكلام قمت مرتعداً" (دانيال 10: 11).

لقد تكلم هذا الزائر السماوي مشجعاً دانيال، مؤكداً أنه "رجل محبوب"، وهو اسم تفرد به دانيال، وذكر ثلاث مرات في هذا السفر (دانيال 9: 23 و 10: 11 و 19)، وطلب منه أن يفهم الكلام الذي سيكلمه به، وأن يقوم على مقامه أي يقف منتصباً، وعرفه أنه جاء مرسلاً إليه. وقد قام دانيال واقفاً، لكنه كان مرتعداً. ولعل سر ارتعاده هو خوفه مما سوف يسمع.

كانت رؤيا دانيال هذه وسط صراع روحي شديد ورهيب، وكان الجو المحيط به وهو يسمع كلمات الرجل اللابس الكتان جواً مرهباً دفعه إلى الارتعاد.

حرب الملائكة
الصفحة
  • عدد الزيارات: 17240