Skip to main content

الأصحاح 1

في سفر التكوين نقرأ عن دعوة الله لإبراهيم واختياره له والشعب في صلب إبراهيم، وفي سفر الخروج نرى فداءهم على أساس دم خروف الفصح وخروجهم من مصر إلى البرية بذراع رفيعة ويد ممدودة، وفي سفر اللاويين نراهم حول خيمة الاجتماع للسجود والعبادة، وفي سفر التثنية نرى إعادة تذكير الشعب بالناموس، أما في سفر العدد فنراهم في البرية ونرى المحاربين والأبواق.

أقيمت خيمة الاجتماع في اليوم الأول من الشهر الأول في السنة الثانية لخروج الشعب من مصر (خر 30: 17)، وتبع ذلك إعطاء التعليمات التي وردت في سفر اللاويين (لاو 1: 1). وفي اليوم الأول من الشهر الثاني أعطيت التعليمات إلى موسى لكي يعد الشعب (عدد 1: 1) وهذا التعداد هو نفس التعداد الذي تم بالارتباط بدفع نصف شاقل فضة لكل من يجتاز إلى المعدودين والمشار إليه في خر 38: 25- 27 وبلغ عدد المعدودين 603550، كان الذين يخضعون للتعداد هم الذكور فقط من ابن عشرين سنة فصاعداً "كل خارج للحرب" (عدد 1،2) أي المستعدون للحرب، وهؤلاء يشيرون إلى المؤهلين للحرب الروحية، البالغين في النمو الروحي وفي معرفة المسيح، الأحداث الذين سكنت كلمة الله فيهم، الآباء الذين عرفوا الذي من البدء، أي عرفوا الرب يسوع له المجد (1 يو 2: 13) وقد يكون الشخص مؤمناً وله سنين عديدة في الإيمان، ولكنه لم ينم فيظل في حالة الطفولة الروحية، وسبب عدم نموه أنه جسدي، ويقول الرسول بولس للمؤمنين في كورنثوس "وأنا أيها الأخوة لم أستطع أن أكلمكم كروحيين بل كجسديين كأطفال في المسيح" (1 كو 3: 1)، ويقول للمؤمنين العبرانيين "كان ينبغي أن تكونوا معلمين لسبب طول الزمان تحتاجون أن يعلمكم أحد ما هي أركان بداءة أقوال الله وصرتم محتاجين إلى اللبن لا إلى طعام قوي" ( عب 5: 12) وقال لمؤمني غلاطية "واما الآن إذ عرفتم الله بل بالحري عرفتم من الله فكيف ترجعون إلى الأركان الضعيفة الفقيرة التي تريدون أن تستعبدوا لها من جديد. أتحفظون أياماً وشهوراً وأوقاتاً وسنين"(غلا 4: 9- 10).

والتوقف عن الحرب أو التراجع في القوة ليس وارداً في هذا الأصحاح لأنه لم يحدد للمحاربين سناً يتوقفون فيه عن الحرب وهذا يرينا أن المؤمن الروحي لا تتوقف صلاحيته للحرب عند سن محددة بل يستمر محارباً إلى النهاية، لقد قال "كالب": "والآن فها أنا اليوم ابن خمس وثمانين سنة. فلم أزل متشدداً كما في اليوم أرسلني موسى.... هكذا قوتي الآن للحرب وللخروج وللدخول" (يش 14: 10، 11).

وكانت تعليمات الرب أن الذين يفحصون المعدودين هم موسى وهرون ورؤساء الجماعة، لم يكن الأمر مجرد إحصاء بل تدقيقاً في انطباق الشروط المحددة من الله على الخارجين للحرب. كانت الهيئة التي يقف أمامها المعدودون هيئة عليا ذات هيبة ورهبة جديرة بالفحص والتدقيق في اختبار المؤهلين للحرب. وكل من يريد أن يكون مؤهلاً للحرب الروحية في العه الجديد لكي يحتمل المشقات كجندي صالح للرب يسوع المسيح يجب أن يخضع لوصايا الرب ويقول الرسول في 1 كو 14: 37 "إن كان أحد يحسب نفسه نبياً أو روحياً فليعلم ما أكتبه إليكم إنه وصايا الرب" إن الخضوع لوصايا الرب شيء أساسي في حساب المؤمن صالحاً للحرب وللخدمة ويمثل هرون المسيح في تميزه الكهنوتي- الأمر الذي مارسه الرب في سفر الرؤيا ص 2، 3 كان يرى الكنائس في حالتها الأدبية، وحدد الغالبين في هذه الكنائس وهؤلاء الغالبون هم الذين يشير إليهم المحاربون في سفر العدد، هم معروفون "كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم يا رب يا رب أليس باسمك تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين وباسمك صنعنا قوات كثيرة فحينئذ أصرح لهم أني لم أعرفكم قط. اذهبوا يا فاعلي الإثم" (مت 7: 22، 23) عملوا أشياء كثيرة باسمه ولكن كانت أعمالهم مرفوضة أمامه، كانوا يعملون لمسرة أنفسهم.

كان لرؤساء الجماعة نصيبهم في فحص المعدودين، ساروا مع أفراد الأسباط، كانت لهم النظارة والقيادة والإرشاد، ولم يكن في الإمكان تجاهل رأيهم، وهكذا نرى أن الذي يخرج للدفاع عن الحق خاضعاً لسلطان المسيح، حافظاً لوصاياه، ومعروف عنده وبأنه يعمل لمجد المسيح، فإنه لا يخشى حكم إخوته عليه وإذا كان هناك مؤمن لم يصل إلى بعد إلى حد البلوغ الروحي، وكانت له رغبة في ذلك مجتهداً في بنيان نفسه بدراسة كلمة الله، وكانت يسلك سلوكاً روحياً فلا بد أن يصل إلى غرضه سريعاً. وأحسن مثال لذلك مؤمنو تسالونيكي الذين يشهد عنهم الرسول بولس شهادة رائعة في الأصحاح الأول من رسالته الأولى لهم، ويحرضهم في ص 5: 8، 9 قائلاً "فلنصح لابسين درع الإيمان والمحبة وخوذة هي رجاء الخلاص" هؤلاء وصلوا إلى الدرجة التي تؤهلهم للحرب في مدة وجيزة.

ولكي يجتاز الفرد إلى صف المعدودين ينبغي أن يثبت نسبه إلى إسرائيل (ع 6- 18) ليس كافياً أن يثبت نسبه إلى إبراهيم، لأن أبناء إسماعيل يمكنهم أن يفعلوا ذلك، وكذلك أبناء قطورة، وليس كافياً أن يثبتوا نسبهم إلى إسحق لأن أبناء عيسو في إمكانهم أن يفعلوا ذلك، وإثبات النسب إلى إسرائيل يقابله الآن إثبات الانتساب إلى الله كأولاد "واما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً بأن يصيروا أولاد الله أي المؤمنون باسمه" (يو 1: 12).

وكان التعداد ضرورياً لتمييز المنتسبين انتساباً صحيحاً لإسرائيل إذ كان هناك أيضاً اللفيف الذين امتزجوا بهم (خر 12: 38) الذين اشتهوا شهوة في البرية (عدد 11: 4)، وكما أن المنتسبين لإسرائيل فقد هم الذين يستطيعون أن يتقدموا للحرب وينتصر عليهم، ونجد ثلاثة مواضيع في العهد الجديد تقدم لنا ثلاث صفات واضحة عن طبيعة المصارعة، ففي رو7: 7- 24 نجد إنساناً مؤمنا يصارع لكي يتمم الناموس بقوته الذاتية، وفي غلا 5: 10 يحرض الرسول الغلاطيين لكي يتحرروا من الناموس ويخرجوا إلى حرية النعمة، وفي (أف 6: 10- 19) لكي يلبسوا سلاح الله الكامل. وبذلك يثبتوا ضد مكايد إبليس.

وفي نهاية هذا الأصحاح نجد شيئاً مهماً، وهو استثناء سبط لاوي من التعداد (ع 47- 49)، لم يدُع للخروج للحرب وتعينت لهم خدمة الخيمة وحملها في البرية (ع 50) لكي تحمل بعناية كاملة ويكون الأمر لمسرة الله، ولا يكون سخط على جماعة إسرائيل لم يكن هذا الأمر خاصاً بالدفاع ضد هجوم الأعداء، بل خدمة الأمور المقدسة طبقاً لفكر الله ومشيئته.

إن كل البالغين من المؤمنين مدعوون للدفاع عن الحق المسيحي في وسط عالم شرير يريد تشويه هذا الحق بتعاليم مضلة، ومدعوون أيضاً لخدمة الرب في دائرة أضيق مطهرين ومنفصلين عن الشر بكل أشكاله، ليس الأمر مجرد خدمة بل يخدمون طِبقاً لما أعلنه الرب في كلمته بدون استحسان أو فلسفة بشرية، كل ما هو من الطبيعة يجب أن يُستبعد تماماً، لذلك نقرأ "والأجنبي الذي يقترب يقتل" (ع 51).

  • عدد الزيارات: 1586