Skip to main content

الأصحاح الرابع عشر

أمامنا في الأعداد الاستهلالية المرأة الحكيمة. والأخرى الجاهلة.

1. حكمة المرأة تبني بيتها والحماقة تهدمه بيدها.

إن المرأة الحكيمة، عن طريق التضحية والقدوة، تقود أهل بيتها إلى الطريق المستقيم، وتهدي خطواتهم بحسب كلمة الرب. وبذلك تثبِّت بيتها على أساس راسخ من البر. أما الحمقاء، فإنها بسلوكها السيئ وقدوتها الغبية، وتأثيرها الرديء، تذخر حزناً لنفسها ولذريتها مدى الأيام. قارن أم موسى مع أم أخزيا (خر2، 2أى2:22،3).

2. السالك باستقامته يتقي الرب والمعوج طرقه يحتقره.

الحياة العملية هي البرهان على أن الشخص سالك قدام الله أم لا. أما شهادة الشفتين فإنها بلا قيمة إذا تعارضت مع السلوك. فالشخص الذي يتقي الرب يتميز بالتقوى والأمانة «من قال أنه ثابت فيه ينبغي أنه كما سلك ذاك هكذا يسلك هو أيضاً» (1يو6:2). إذا كانت الطرق معوجة ومناقضة لمشيئة الله المعلنة في كلمته، فذلك برهان على أن الله لا يأخذ مكان التوقير في النفس وهي لا تتقيه، ذلك أن الله يطلب الحقيقة. فالكلام عن التوقير والاحترام بينما الإنسان يطيع ما تمليه عليه الطبيعة الجسدية الذاتية، ليس إلا نفاقاً ورياء. وهذا هو الشرك الذي وقع فيه شاول، فإن صموئيل أجاب على ذلك النفاق بقوله «هوذا الاستماع (أى الطاعة) أفضل من الذبيحة والإصغاء أفضل من شحم الكباش» (1صم22:15)، وشهادة الشعب نفسه برهان على أن النبي سار أمامهم في خوف الله (1صم2:12-6).

3. في فم الجاهل قضيب لكبريائه أما شفاه الحكماء فتحفظهم.

الجاهل يُدانْ بكلامه، وذلك بسبب افتخاره الباطل. أما أقوال الحكيم فتكشف حالة قلبه، فإذ هو قادر أن يعطي الجواب اللين الذي يصرف الغضب، وإذ هو مبطئ في التكلم ومسرع في الاستماع فإن حديثه يعلن الحكمة التي عنده. انظر جليات وداود (1صم41:17-49) وربشاقي وحزقيا (2مل19).

4. حيث لا بقر فالمعلف فارغ. وكثرة الغلة بقوة الثور.

إنه تصرّف مؤلم ومؤثر أن تذبح ما لديك من بقر لكي تجعل المعلف نظيفاً. قد تصل إلى غرضك من نظافة المعلف، ولكن ما أعظم الكلفة! إن قوة الثور تضاعف ثروة المزرعة، الأمر الذي يضفي قيمة على الوقت القليل الذي يصرف بانتظام في تنظيف المعلف. «ألعل الله تهمه الثيران أم يقول مطلقاً من أجلنا؟ إنه من أجلنا مكتوب». ومما يرثى له أن بعض الكنائس تلجأأحياناً إلى التخلص من القديسين الذين يتعبونهم، وبذلك يحرمون كثيراً من النمو والبركة التي كان يمكن أن تنشأ لو أن تلك الكنائس مارست الصبر والنعمة. وكثيراً ما رأينا بعض العقليات تتصور أن الغرض الأكبر من التأديب الكنسي هو التخلص من المذنب، بينما الحقيقة بعكس ذلك على خط مستقيم. لأن ما ينبغي أن يتجه إليه الفكر أولاً، هو محاولة علاج المخطئ ورد نفسه. ويصاحب ذلك - متى كنا قدام الله بخصوص هذا الأمر كما يجب - صراخ كثير إلى الله، واعترافنا بخطية من أساء التصرف كأننا شركاؤه. وأخيراً، إذا اتضح أن كل الجهود المبذولة لا تأتي بأثر، وأن فاعل الشر مستمر في خطيته، رافضاً أن يتوب، فإن العزل هو الخطوة الأخيرة المحزنة، وهو بمثابة إقرار منا بأن الأمر كله متروك بين يدي الله.

إن عرض الأمر على القديسين، واتخاذ تصرف سريع، قبل استخدام كل وسيلة ممكنة لإصلاح المذنب، قد يؤدي إلى تنظيف الجماعة، ولكن العملية تكون خسارة للجميع. فنحن نحتاج أحدنا إلى الآخر. ولنلاحظ أنه بواسطة فاعلية عمل كل جزء، بمؤازرة كل مفصل، تأتي البركة والنمو للمجموع. وإنه لمن الأفضل أن نحصل على التنظيف الذي نرومه عن طريق قيادة الأخ المخطئ للتوبة، وبذلك نستر الخطية، نعم ذلك أفضل من عزله قبل أن تُستنفذ كل الوسائل الممكنة في محاولة رد نفسه إلى الله. (انظر قض35:20-48؛ 1:21-3؛13-23).

5. الشاهد الأمين لن يكذب والشاهد الزور يتفوه بالأكاذيب.

إن حامل الشهادة الأمين ينطق بكلمات الصدق والصحو. أما الشاهد الباطل المزيف، فلا يمكن الاعتماد عليه لأنه سلّم نفسه للشهادة بما يعلم أنه غير صحيح. والمسيحي مدعو أن يكون تابعاً لذاك الذي هو بلا منازع «الشاهد الأمين الصادق» (رؤ14:3). وإذ هو يرفض أن يستخدم كلمة الله بغش (2كو17:2)، فلزام عليه أن يتكلم بما يعلم أنه مؤسَس على الحق الإلهي. أما تقديم أوهام العقل البشري وتخيلاته الباطلة، فمعناه التفوه بالأكاذيب عوضاً عن الصدق. انظر بولس أمام فستوس وأغريباس (أع 25:26) ولاحظ الفرق المحزن بينه وبين بطرس في ردهة دار الولاية (لو55:22-62).

6. المستهزئ يطلب الحكمة ولا يجدها. والمعرفة هينة للفهيم.

قد يتساهل المستهزئ، ولكنه لا يضع قلبه على الجواب. ولذلك يفشل في الحصول على الحكمة. أما الفهيم، الذي تحركه رغبة مخلصة في معرفة الحق، ولو أدى ذلك إلى الحكم على ذاته وطرقه بواسطة الحق، فالمعرفة هينة له أى سهلة عليه.

هكذا الحال باستمرار في أمر الحصول على إدراك الكتب المقدسة. فالمستهزئ لديه دائماً أسباب الاعتراض والمماحكة في كلمة الله. أما النفس المكرسة المستقيمة، فإنها لا تجد إلا نوراً، حيث لا يجد الآخرون سوى الظلام. وإذا ما كانت أمام إنسان صعوبة في قبول حق الكتاب، فذلك راجع إلى تعلقه وتمسكه ببعض الخطط غير المقدسة التي تدينها الكلمة. ومتى دان الخطية، وندم على الشر حينئذ تتضح له كل الحقائق. قديماً تساءل بيلاطس «ما هو الحق»، ولكن لم يكن لديه الاهتمام الكافي حتى ينتظر الجواب من الرب؛ مع أن ذاك، الذي هو الحق المتجسد، كان واقفاً أمامه (يو23:18-40). وقديماً أيضاً أثبت دانيال عملياً أن كل شيء واضح للذكي روحيأ (دا 2،5).

7. اذهب من قدام رجل جاهل إذ لا تشعر بشفتي معرفة 8. حكمة الذكي فهم طريقه وغباوة الجهال غش 9. الجهال يستهزئون بالإثم (أو ذبيحة الإثم) وبين المستقيمين رضى.

حين يتضح أن شخصاً ما متمسك بحماقته ولا يكترث بالبر، فالأفضل أن تتركه وشأنهح فإن مناقشة أو مجادلة مثل هذا الشخص هي بلا جدوى. علاوة على أنها تدنس الحكيم وتنفخ كبرياء الجاهل. يقول الرسول صريحاً «اعرض عنه» (تي3: 10،11).

أما الذكي، فقد أُعطيت له الحكمة لكي تقوده في الطريق المستقيم. وهو الأمر الذي لا يرغب فيه الجاهل، ذلك أن قلبه ضال كله، وعلى شفتيه الخديعة. إنه يستخف بالخطية ويسخر من ذبيحتها؛ لأنه لم يتحقق شناعة الأولى، ولا يرى ضرورة الثانية. لذلك فعبثاً تحاول زحزحته عن مسالك الإثم. أما المستقيمون فيجدون قبولاً عند الله لأنهم دانوا أنفسهم، وخضعوا لحكم الله العادل القدوس من جهة خطاياهم. وإذ اعترفوا بحقيقة حالهم، وجدوا ما هو أفضل. وإذ هم يسلكون بالطاعة لله، فإنهم مقبولون عنده.

ولكن لا يخطرن ببال أحد من هذا الكلام، أن الكتاب يعلّم بأن قبولهم أمام الله قائم على أساس الأعمال الناموسية، كلا. فما لم يتبرر الإنسان بالإيمان، نظير إبراهيم (تك15)، فإنه لا يقدر أن يعمل أعمال البر (تك22). والأعمال الصالحة ليست هي سبب الحصول على التبرير والولادة الجديدة، بل هي نتيجة تلك البركات العظمى والثمينة. وخذ مثالاً للجهال الذين يستهزئون بالخطية ويرفضون التعليم، ما جاء في إرميا44: 15-19، حيث نرى البقية في مصر تتحدى كلمة الرب التى تكلم بها نبيه إرميا.

10. القلب يعرف مرارة نفسه وبفرحه لا يشاركه غريب.

لكل قلب سره الخاص، في الغبطة والحزن، بحيث لا يشاركه آخر. فهناك في أعمق أغوار النفس، وبعيداً عن أنظار أقرب الناس وأعزهم، تكمن أحزان غاية في العمق، أو أفراح لا يمكن التعبير عنها بالكلام. وكم كان هذا صحيحاً، مع ربنا المبارك نفسه في أيام جسده، فمن ذا الذي أدرك أعماق حزن نفسه (مت26: 38)؟ ومن ذا الذي يقدّر فرحه حق التقدير (أع 2: 26)؟ لرئيس كهنة مثل هذا نستطيع أن نذهب بأثقل أحزاننا (يو11)، وأن نشركه معنا في أعمق بهجتنا ومسراتنا (يو2).

11. بيت الأشرار يخرب وخيمة المستقيمين تزهر. 12. توجد طريق تظهر للإنسان مستقيمة وعاقبتها طرق الموت. 13. أيضاً في الضحك يكتئب القلب وعاقبة الفرح حزن.

إذا كان الشاب الذي لا ينتبه إلى حكمة سليمان، في آخر المطاف يهلك لأنه ضل طريق الحياة، فذلك ليس لنقص في التحذير أو لانعدام التعليم. ومرة أخرى نرى الفريقين متعارضين أحدهما مع الآخر. فنقرأ أولاً عن بيت الأشرار وخيمة المستقيمين. والبيت كما هو معروف، أكثر ثباتاً واستقراراً من الخيمة، لكنه سيخرب، لأن أساسه سيهدم، إذ هو مقام على الرمال (مت7: 26،27) أما خيمة النـزيل الغريب، حيث يحل فيها المستقيم وهو متغرب في مشهد غريب عن طبيعته الجديدة، فإنها تبقى وتزدهر حتى تنتهي أيام إقامته في الخيمة.

يختار الإنسان، طبيعياً، طريقه الخاص؛ طريقاً قد تظهر في عينيه مستقيمة، لكنها تنتهي إلى الموت، إذ هي تتعارض مع حق الله. «تعب الجهلاء يعييهم لأنه لا يعلم كيف يذهب إلى المدينة» (جا15:10).

هنالك مدينة يتمنى أشر الخطاة ممن يعتقدون بحياة في المستقبل، أن يدخلوها؛ تلك المدينة التي رآها إبراهيم من بعيد ووصفها يوحنا كأورشليم الجديدة المقدسة، المدينة التي مركزها وسراجها الخروف الذي مات، ومنه يضئ كل مجد الله. والذي يقول بفمه الكريم «أنا هو الطريق»؛ فباسمه وحده أعلن الخلاص للخطاة الهالكين والمذنبين. وليس اسم آخر، ولا طريق أخرى، تؤدي إلى مدينة النور.

قد توجد طريق؛ نعم وما أكثر الطرق التي من هذه العينة ولكن ليس من بينها ما يمكن أن يوصف بأنه «الطريق» إلا الرب يسوع وحده. إن عاقبة الطريق التي تظهر مستقيمة، هي الموت؛ الموت الأدبي، والموت الروحي، والموت الأبدي!

والذين يرفضون المسيح كالطريق، ويطرقون طريقاً آخر بحسب اختيارهم، لا يجدون فرحاً ولا ثقة. «إذ كانوا يجهلون بر الله ويطلبون أن يثبتوا بر أنفسهم لم يخضعوا لبر الله» (رو10: 3). ولذلك فإن طريقهم هي طريق الشك وعدم اليقين. قد يضحكون، ولكن القلب غير مستريح، وعاقبة فرحهم الجنون. انظر ميخا (قض 17،18: 14-26). وطوبى للذين يرفضون كل طريق من صنع الإنسان، ويتحولون إلى ذاك الذي هو «الطريق والحق والحياة» (يو14: 6)!

14. المرتد في القلب يشبع من طرقه. والرجل الصالح مما عنده.

المرتد هو الشخص الذي يتخلى عن مركز كان قد اتخذه لله. وهناك كثيرون يتخلون عن مركزهم هذا في قلوبهم قبل أن يظهر ذلك في حياتهم العملية، فيتدنس الضمير، وإذا لم يسرع المؤمن بالحكم على الذات، فإن الحق يبدأ ان يفقد سطوته على القلب. ويتبع ذلك انحطاط الشهادة، إلى أن يمتلئ الشخص من طرقه الخاصة. على أنه من الأهمية بمكان أن نميز جيداً بين نوعين من الارتداد: أحدهما هذا الذي نجده في أصحاحنا، وهو إنسان ظهر فشله عملياً في تطبيق الحق، والآخر يتخلى تماماً عن الحق، حتى ينكر الرب الذي اشتراه، وبذلك يبرهن على بطله مهما يكن اعترافه قبلاً. ولمثل هذا يشير يوحنا في 1يوحنا2: 19، وبولس في عبرانيين 6،10. وهذا لا ينطبق على المؤمن الحقيقي، لأن المؤمن الحقيقي لن يرتد أبداً. «أما نحن (المؤمنين) فلسنا من الارتداد للهلاك بل من الإيمان لاقتناء النفس» (عب10: 39).

أما الرجل الصالح - أي الرجل الذي هو حقاً لله - فإنه يشبع مما في نفسه. ذلك أن شهادة الرب تسيطر على مقاليد كيانه، ولابد أن تكون حياته مطابقة لذلك.

كان بطرس مرتداً في قلبه قبل أن يسقط (لو22)، وهكذا كان داود (1صم11). على أننا نرى بالمباينة مع ذلك، الموقف الأمين الذي وقفه شدرخ وميشخ وعبدنغو (دا 3 )، فتية كانت قلوبهم تحت سيطرة المبادئ الإلهية وهم محجوبون، ولذلك فقد انتصروا علناً (دا 3).

15. الغبي يصدق كل كلمة. والذكي ينتبه إلى خطواته. 16. الحكيم يخشى ويحيد عن الشر. والجاهل يتصلف ويثق 17. السريع الغضب يعمل بالحمق وذو المكايد يُشنأ. 18. الأغبياء يرثون الحماقة والأذكياء يتوجون بالمعرفة 19. الأشرار ينحنون أمام الأخيار والأثمة لدى أبواب الصدّيق.

الأغبياء عرضة لتصديق كل ما يسمعونه من الأغبياء نظيرهم، بينما هم يعثرون بحقائق الإعلان الإلهي الواضحة. وليس من يؤمن بالسخافات أكثر من الشخص الذي يماحك في حق الله. وهوذا غير المؤمن، قد يصدق أنه سليل الحيوانات الدُنيا التي تبدأ من البروتوبلازم إلى النسناس (أو القرد) بينما هو يتهكم على المسيحي، الذي بالإيمان يقبل الحق الإلهي القائل «الله صنع الإنسان مستقيماً. أما هم فطلبوا اختراعات كثيرة» (جا7: 29). أما الذكي فلا يثق في نفسه، بل في كلمة الله الحية. وإذ هو يرتب خطواته بحسب تلك الكلمة، فإنه ينتبه جيداً إلى طريقه.

إن الرجل الحكيم يحيد عن الشر لأنه يخشى الرب. أما الجاهل الذي لا يكترث بأحد، وتقوده شهواته ونـزعاته، فيندفع واثقاً في ذاته ولهلاكه. وإن قاومته في حماقته، يتهيج، ولكنه يرى نفسه مبغَضاً من رفقائه بسبب مكايده. وإذ يسعى وراء مباهج الإثم، فإنه يزداد حماقة. وأخيراً إذ ينتهي دوره وتمضي سنوات تهوره، فإنه في بؤسه وفقره، سينحني لدى أبواب الصدّيقين، ويعترف رغم أنفه، أنهم قد اختاروا النصيب الصالح. نعم، لأنهم كرسوا أنفسهم لطلب الحكمة، فسوف يتوجون بالمعرفة، ويكرمون يوم يُحتقر الغبي ويزدَرى. وازن بين شاول وداود.

20. أيضاً من قريبه يبغض الفقير ومحبو الغنى كثيرون. 21. من يحتقر قريبه يخطئ ومن يرحم المساكين فطوبى له 22  أما يضل مخترعو الشر؟ أما الرحمة والحق فيهديان مخترعي الخير.

في عالم كهذا يحكمه الطمع، يجد الأغنياء كثيرين يحمدونهم ويعجبون بهم. بينما يُحتقر المسكين ويضطهد. ومثل هذا التصرف خطأ كبير. «أَمْا اختار الله فقراء هذا العالم أغنياء في الإيمان؟» (يع2: 5). إن عين الله تلاحظ الكل؛ وسيجازي الرحماء الشفوقين في معاملاتهم للمساكين. وسيرد على ما فعلوه بالرحمة والحق. وازن بين رؤساء يهوذا، وعبد ملك (إر38: 1-13؛ 39: 15-18).

23. في كل تعب منفعة. وكلام الشفتين إنما هو إلى الفقر.

العمل، أو التعب، نافع، وذلك بسبب الإنتاج. ثم لأن العمل يملأ اليدين ويشغل الذهن، فيقلل من خطر الاستسلام للطبيعة الفاسدة، غير أن مجرد الكلام، الافتخار الفارغ، والانتفاخ الأحمق، فإنما ينتهي إلى الفقر المادي والروحي. وما أنسب هذه الطلبة «اجعل يا رب حارساً لفمي. احفظ باب شفتي» (مز 141: 3) انظر مثل الابنين؛ أحدهما عمل للفائدة والآخر أبدى استعداداً لكنه لم يذهب، فقد كان استعداده مجرد كلام الشفتين (مت21: 28-31).

24. تاج الحكماء غناهم. تقدم الجهال حماقة.

إن الحكماء هم دائماً أغنياء، سواء كانوا فقراء أو أغنياء من حيث حاجات الزمان، وذلك لأنهم يمتلكون كنـزاً لا يفنى. أما الجاهل فمهما تكن مقتنياته، فهو مملوء حماقة ولا شيء يفيده. تقول أبيجايل عن نابال «نابال (أي أحمق) اسمه والحماقة عنده». وهي. كلمات تصدق على أمثاله. وأمنون مثل صحيح على هذه الرفقة التاعسة رفقة الحماقة للأحمق (2صم13:13). أما عن نصيب الحكماء الدائم فاقرأ دانيال 12: 3.

25. الشاهد الأمين (الصادق) منجي النفوس ومن يتفوه بالأكاذيب فغش.

في ع5 وجدنا الشاهد الأمين، وهنا الشاهد الصادق؛ ومثله ينجي النفوس. وسيدنا المبارك يقدم نفسه في الصفة المزدوجة "الشاهد الأمين الصادق". وفي يوم الفتور والتساهل، ليس سواه من يبقى شاهداً أميناً حريصاً على الحق، وشاهداً صادقاً ينجي كل الذين يأتون إليه تائبين. أما الشاهد المخادع، فهو على العكس من كل جانب، يتلاعب بتعليم الكتاب، وذلك يسبب خسارة لا تعوض للذين يقبلون أقوالهم الدنسة وأكاذيبهم الغاشة «إن كان أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حفرة» (مت 15: 14). وازن بين موسى وينيس ويمبريس (2تي 3: 8).

26. في مخافة الرب ثقة شديدة ويكون لبنيه ملجأ. 27. مخافة الرب ينبوع حياة للحيدان عن أشراك الموت.

إن غاية الروح القدس من وحي سليمان أن يكتب الأمثال، هي تعليم مخافة الرب. والذي يتعلمها يجد في الرب ثقة شديدة ومكان ملجأ. وهي ليست مخافة روح العبودية من عبد حقير لسيده، بل التوقير البنوي الذي يحب الأولاد أن يقدموه لأبيهم المحب. ومثل هؤلاء يفرحون إذ وجدوا في مخافة الرب ينبوع حياة، وتعليماً لطريقهم على الأرض حتى يتجنبوا أشراك الموت. ولاحظ أن كلمة «بنيه» هنا هي بمعنى أدبي، لأن الانتساب إلى الله كالآب كما نفهمه نحن، لم يعلن قبل مجيء ابن الله إلى العالم لإعلان الآب. أما أولئك الذين خافوا الرب بحق، فقد أظهروا كأولاده ولو أنهم لم ينالوا روح التبني الذي به يصرخون «يا أبا الآب» (رو8: 15). انظر كرنيليوس (أع 10).

28. في كثرة الشعب زينة الملك. وفي عدم القوم هلاك الأمير.

لا قيمة للأتعاب التي يتحملها الحاكم إذا انعدم الذين يعترفون بسلطانه. ولكن عند ظهور ربنا يسوع «الذي سيبينه في أوقاته المبارك العزيز الوحيد ملك الملوك ورب الأرباب» فإن الخليقة المعذبة كلها ستعترف بسلطانه الشامل. انظر داود واشبوشث (2صم3،4).

29. بطئ الغضب كثير الفهم. وقصير الروح معلي الحمق.

إن إنسان الله عنده المقدرة على التحكم في روحه، وإذ يضبط نفسه فإنه يكشف عن فهم كثير. أما من ينقصه ضبط النفس، فقلّما يستطيع أن ينفع الآخرين. فإن الروح المتسرعة إنما تعلّي الحماقة، وتحوْل دون قبول ما يعلن ولو كان مستقيماً وصحيحاً. والخلق الشرير هو علامة الضعف. أما الرجل الذي يعلم أن له فكر الرب فيستطيع أن ينتظر الرب ويصبر له بهدوء قارن بين ميخا وصدقيا بن كنعنة (1مل22).

30. حياة الجسد هدوء القلب ونخر العظام الحسد.

القلب السليم هو المنكسر قدام الرب، والذي تعلم ألا يفكر في نفسه أكثر مما ينبغي. أما الحسد فإنه يكشف فوراً عن انعدام الحكم على الذات. وفيما يتعلق بالمسيحي هو يكشف عن اقتراب تحطم تلمذته، إن هو فشل في أن يتواضع ويتذلل سراً. والحسد كان، كما نعلم، العلة الدفينة لشقاء آساف «حتى دخل مقادس الله» واكتشف الأمور على حقيقتها في نور الحضرة الإلهية (مز73).

31. ظالم الفقير يعير خالقه ويمجده راحم المسكين.

إن التصرف بعنف وقسوة مع الفقير، معناه تعيير الله الذي خلق الغني والفقير، والذي تسمح حكمته أن يقع البعض في الضيق بينما يكون البعض الآخر أكثر سعة. لكن الذي يمجد الله ينظر إلى المساكين باعتبارهم امتحاناً لقلوب الذين هم أكثر سعة، ويقدّر امتياز خدمتهم حسب طاقته وبذلك يظهر لهم إحسان الله. انظر مفيبوشث (2صم9).

32. الشرير يُطرد بشره. أما الصدّيق فواثق عند موته.

هنا مفارقة بين الأشرار والأبرار. فالشرير يؤخذ في آثامه، وبآثامه يمضي إلى أبدية البؤس، ليواجه سجل ذنوبه أمام محكمة العدالة الإلهية. أما المستقيم القلب، الذي في حياته واجه خطاياه في حضرة الله القدوس، فلا يخشى الدينونة بعد الموت، ولذلك يرقد وله الثقة التامة في رجاء البهجة والسعادة العتيدة. ولقد تمنى بلعام ميتة كهذه ولكنه وجد العكس (عد23: 10)، واستفانوس اختبر الثقة التي أشرنا إليها فاستطاع أن يجثو على ركبتيه ويموت، وهو يطلب المغفرة لقاتليه (أع7: 59،60).

33. في قلب الفهيم تستقر الحكمة. وما في داخل الجهال يُعرف.

إن فطنة الفهيم تكشف حكمة قلبه، بينما تصرف الجاهل يعلن ما فيه (انظر شرح ع24).

34. البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب الخطية.

التاريخ سجِل دائم لهذه الحقيقة. فالأمم والأفراد يدانون بحسب طرقهم. وما من أمة أفلحت طويلاً من تلك الأمم التي تخلت عن سبيل البر القومي. وحينما تتجلى الكبرياء والبطل، بالإضافة إلى الطمع والظلم، فإن ساعة التذلل ليست بعيدة. ولعل أمة إسرائيل هي الدرس العظيم لجميع الشعوب. فكلما كانوا يحترمون كلمة الله، ويكرمون مشيئته، كانوا ينجون. وكلما تغلبت الخطية ونسيان الله، يصبحون عاراً، وصدق من قال "إن إسرائيل هو عمود ملح لجميع الشعوب، منادياً الجميع، عبر الدهور، أن اذكروا"!

35. رضوان الملك على العبد الفطن. وسخطه يكون على المخزي.

ليس ما يحمل صاحب السلطان على تقدير خدمات خُدامه مثل إظهار الحكمة والتدبير، أما إذا كانت نصائحهم ضارة ينتج عنها الشر، فإن سخط الملك حينئذ لا يعرف حدوداً. فليت الذين يخدمون الملك الأعظم يتصرفون بتلك الحكمة التي تجعلهم ذوى قيمة حقة في العمل المعهود إليهم. انظر داريوس ودانيال مع أحشويرش وهامان (دا 6: 3؛ إس 7: 7-9).

  • عدد الزيارات: 4684