Skip to main content

الدرس الثامن عشر

الفصل 11: 13-40

النص الكتابي

"13فِي الإيمان مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأرض. 14فَإِنَّ الَّذِينَ يَقُولُونَ مِثْلَ هَذَا يُظْهِرُونَ أَنَّهُمْ يَطْلُبُونَ وَطَناً. 15فَلَوْ ذَكَرُوا ذَلِكَ الَّذِي خَرَجُوا مِنْهُ، لَكَانَ لَهُمْ فُرْصَةٌ لِلرُّجُوعِ. 16وَلَكِنِ الآنَ يَبْتَغُونَ وَطَناً أَفْضَلَ، أَيْ سَمَاوِيّاً. لِذَلِكَ لاَ يَسْتَحِي بِهِمِ اللهُ أَنْ يُدْعَى إِلَهَهُمْ، لأَنَّهُ أَعَدَّ لَهُمْ مَدِينَةً. 17بِالإيمان قَدَّمَ إبراهيم إِسْحَاقَ وَهُوَ مُجَرَّبٌ - قَدَّمَ الَّذِي قَبِلَ الْمَوَاعِيدَ، وَحِيدَهُ 18الَّذِي قِيلَ لَهُ: «إِنَّهُ بِإِسْحَاقَ يُدْعَى لَكَ نَسْلٌ». 19إِذْ حَسِبَ أَنَّ اللهَ قَادِرٌ عَلَى الإِقَامَةِ مِنَ الأموات أيضاً، الَّذِينَ مِنْهُمْ أَخَذَهُ أيضاً فِي مِثَالٍ. 20بِالإيمان إِسْحَاقُ بَارَكَ يَعْقُوبَ وَعِيسُو مِنْ جِهَةِ أمور عَتِيدَةٍ. 21بِالإيمان يَعْقُوبُ عِنْدَ مَوْتِهِ بَارَكَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنِ ابْنَيْ يُوسُفَ، وَسَجَدَ عَلَى رَأْسِ عَصَاهُ. 22بِالإيمان يُوسُفُ عِنْدَ مَوْتِهِ ذَكَرَ خُرُوجَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَأَوْصَى مِنْ جِهَةِ عِظَامِهِ. 23بِالإيمان مُوسَى، بَعْدَمَا وُلِدَ، أَخْفَاهُ أَبَوَاهُ ثَلاَثَةَ أَشْهُرٍ، لأَنَّهُمَا رَأَيَا الصَّبِيَّ جَمِيلاً، وَلَمْ يَخْشَيَا أَمْرَ الْمَلِكِ. 24بِالإيمان مُوسَى لَمَّا كَبِرَ أَبَى أَنْ يُدْعَى ابْنَ ابْنَةِ فِرْعَوْنَ، 25مُفَضِّلاً بِالأَحري أَنْ يُذَلَّ مَعَ شَعْبِ اللهِ عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ تَمَتُّعٌ وَقْتِيٌّ بِالْخَطِيَّةِ، 26حَاسِباً عَارَ الْمَسِيحِ غِنًى أَعْظَمَ مِنْ خَزَائِنِ مِصْرَ، لأَنَّهُ كَانَ يَنْظُرُ إلى الْمُجَازَاةِ. 27بِالإيمان تَرَكَ مِصْرَ غَيْرَ خَائِفٍ مِنْ غَضَبِ الْمَلِكِ، لأَنَّهُ تَشَدَّدَ، كَأَنَّهُ يَرَى مَنْ لاَ يُرَى. 28بِالإيمان صَنَعَ الْفِصْحَ وَرَشَّ الدَّمَ لِئَلاَّ يَمَسَّهُمُ الَّذِي أَهْلَكَ الأَبْكَارَ. 29بِالإيمان اجْتَازُوا فِي الْبَحْرِ الأَحْمَرِ كَمَا فِي الْيَابِسَةِ، الأَمْرُ الَّذِي لَمَّا شَرَعَ فِيهِ الْمِصْرِيُّونَ غَرِقُوا. 30بِالإيمان سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أيام. 31بِالإيمان رَاحَابُ الزَّانِيَةُ لَمْ تَهْلِكْ مَعَ الْعُصَاةِ، إِذْ قَبِلَتِ الْجَاسُوسَيْنِ بِسَلاَمٍ. 32وَمَاذَا أَقُولُ أيضاً؟ لأَنَّهُ يُعْوِزُنِي الْوَقْتُ إِنْ أَخْبَرْتُ عَنْ جِدْعُونَ، وَبَارَاقَ، وَشَمْشُونَ، وَيَفْتَاحَ، وَدَاوُدَ، وَصَمُوئِيلَ، وَالأَنْبِيَاءِ، 33الَّذِينَ بِالإيمان قَهَرُوا مَمَالِكَ، صَنَعُوا بِرّاً، نَالُوا مَوَاعِيدَ، سَدُّوا أَفْوَاهَ أُسُودٍ، 34أَطْفَأُوا قُوَّةَ النَّارِ، نَجَوْا مِنْ حَدِّ السَّيْفِ، تَقَّوُوا مِنْ ضُعْفٍ، صَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْحَرْبِ، هَزَمُوا جُيُوشَ غُرَبَاءَ، 35أَخَذَتْ نِسَاءٌ أمواتهُنَّ بِقِيَامَةٍ. وَآخَرُونَ عُذِّبُوا وَلَمْ يَقْبَلُوا النَّجَاةَ لِكَيْ يَنَالُوا قِيَامَةً أَفْضَلَ. 36وَآخَرُونَ تَجَرَّبُوا فِي هُزُءٍ وَجَلْدٍ، ثُمَّ فِي قُيُودٍ أيضاً وَحَبْسٍ. 37رُجِمُوا، نُشِرُوا، جُرِّبُوا، مَاتُوا قَتْلاً بِالسَّيْفِ، طَافُوا فِي جُلُودِ غَنَمٍ وَجُلُودِ مِعْزَى، مُعْتَازِينَ مَكْرُوبِينَ مُذَلِّينَ، 38وَهُمْ لَمْ يَكُنِ الْعَالَمُ مُسْتَحِقّاً لَهُمْ. تَائِهِينَ فِي بَرَارِيَّ وَجِبَالٍ وَمَغَايِرَ وَشُقُوقِ الأرض. 39فَهَؤُلاَءِ كُلُّهُمْ، مَشْهُوداً لَهُمْ بِالإيمان، لَمْ يَنَالُوا الْمَوْعِدَ، 40إِذْ سَبَقَ اللهُ فَنَظَرَ لَنَا شيئاً أَفْضَلَ، لِكَيْ لاَ يُكْمَلُوا بِدُونِنَا."

لازلنا نقوم بدراستنا لموضوع الإيمان الحي وصفاته وتطبيقه في حياة العديدين من المؤمنين في العهد القديم. وقد ابتدأ كاتب الرسالة بالقول: "1وَأَمَّا الإيمان فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأمور لاَ تُرَى". وهو يريد من أهل الإيمان المتعرضين لمضايقة واضطهاد غير المؤمنين من اليهود، يود منهم أن يروا بأن جميع الذين أرضوا الله في أيام النظام القديم كانوا من المؤمنين بمواعيد الله وأنهم كانوا يسيرون في حياتهم لا حسب ما تراه عين الجسد بل مقتضى مواعيد الله تـلك المواعيد التي كانت ترى بواسطة عين الروح. وابتدأ كاتب الرسالة بإظهار حقيقة هذا المبدأ من الناحية العملية باستعراض سريع لسير أبطال الإيمان منذ أيام هابيل بن آدم. وسنعلق باقتضاب على النص الكتابي طالبين من الله تعالى أن يمن علينا جميعاً بنعمة الإيمان الحي لكي لا نكتفي باستحسان سيرة المؤمنين في الماضي بل لكي نحذو حذوهم في أيامنا هذه التي تتطلب أيضاً رجال ونساء الإيمان.

1. لا تتم مواعيد الله جميعها في هذه الحياة:

"فِي الإيمان مَاتَ هَؤُلاَءِ أَجْمَعُونَ، وَهُمْ لَمْ يَنَالُوا الْمَوَاعِيدَ، بَلْ مِنْ بَعِيدٍ نَظَرُوهَا وَصَدَّقُوهَا وَحَيُّوهَا، وَأَقَرُّوا بِأَنَّهُمْ غُرَبَاءُ وَنُزَلاَءُ عَلَى الأرض". هذا مبدأ هام يجب ألا ننساه عندما نبدأ بالبحث في حياة الإيمان. فإننا إن كنا نظن بأن كل مواعيد الله تتم في هذه الحياة فإننا نصاب بخيبة أمل عظيمة. فغلبتنا التامة والنهائية على الشر لن تتم إلا بعد موتنا كمؤمنين وسعادتنا العظمى لن تتحقق إلا متى قمنا من الأموات لدى عودة المسيح إلى الأرض أو لدى انتقالنا إلى ملاقاته إن كنا بعد أحياء لدى رجوعه إلى العالم. نشكر الله لأنه أعطانا أن نعيش في أوطاننا وأن نخدمها وندافع عنها ولكننا لا ننسى في نفس الوقت أن وطننا الدائم هو في السماء وأن الله تعالى قد أعد لنا مدينة دائمة وسماوية.

2. بالإيمان يقدر المؤمن أن يقوم بأعمال باهرة يصعب على غير المؤمن أن يفهم دافعها:

جرب إبراهيم في أعظم هبة قد نالها إذ أن الله طلب أن يقدم اسحق بالرغم من الوعد الإلهي له بأن تتبارك جميع أمم الأرض من نسله. لم يقدر إبراهيم أن يوفق بين وعد الله الصريح وأمره الصريح ولكنه آمن بأن الله كان قادراً أن يرجع إليه ابنه من الأموات وهكذا خرج إبراهيم من شدته ظافراً بواسطة الإيمان. ويمكن قول نفس الشيء عن موسى منذ ولادته إلى آخر يوم من حياته. إنه ابن الإيمان ورجل الإيمان. كل خطوة من حياة موسى كانت خطوة إيمان بالله وبمواعيده لآبائه وأجداده. عندمـا كان موسـى ينظر بعيـن الجسـد كان يـرى نفسه كابـن ابنة فرعون مرشحاً لأعظم المناصب الحكومية في أيامه ولكنه عندما كان ينظر بعين الإيمان كان يرى نفسه كفرد من شعب الله المضطهد. وقد انتصر الإيمان على العيان وقرر موسى بأن يذل مع شعبه عوضاً عن أن يكون له تمتع وقتي بالخطية. وكذلك يمكن القول عن انتصاراته بعد الخروج من مصر أنها كانت انتصارات الإيمان لا انتصارات الحكمة البشرية أو الدهاء البشري.

3. جميع أبطال الإيمان في العهد القديم لم ينالوا في حياتهم تحقيق مواعيد الله ولكن ذلك لم يمنعهم من أن يكونوا أمناء للذي دعاهم من الموت إلى الحياة:

إن الذين تعذبوا وتشردوا وقتلوا في سبيل الله إن كان من قبل الوثنيين أو الجاحدين من بني اسرائيل، جميع أبطال الإيمان في أيام النظام القديم لم ينالوا الموعد أي أنهم لم يحظوا بالعيش في عصر المسيح الذي كانت تشير إليه جميع نبوات العهد القديم. ومع كل ذلك نرى أن مؤمني العهد القديم لم يفضلوا حياة العيان على حياة الإيمان بل فضلوا الموت كمؤمنين على الحياة كجاحدين. أفلا ينتظر إذن من مؤمني العهد الجديد أن يظهروا إخلاصا مماثلاً لله ولمواعيده التي لن تفشل وذلك بالعيش بواسطة الإيمان؟

  • عدد الزيارات: 4036