Skip to main content

الفَصلُ الثَّانِي أُمُورٌ غير إعتِيادِيَّة عبرَ أشخاصٍ إعتِيادِيِّين

بالإضافَةِ إلى التَّحذِيراتِ ضدَّ الإرتِداد في سفرِ القُضاة، تُوجَدُ الكَثيرُ منَ الحقائِقِ التَّعَبُّدِيَّة التي يُمكِنُ تَعَلُّمُها من سِيَرِ حياةِ القُضاة الشَّخصيَّة. ويُعتَبَرُ هؤُلاء القُضاة من أكثَرِ شخصيَّاتِ الكتابِ المُقدَّس إثارَةً للإهتِمامِ من ناحِيَةِ دراسَةِ سِيَرِ حياتِهم.

كانَ عُثنِيئيلُ أوَّلَ القُضاة. وبِحَسَبِ كلمةِ الله، كانَت مُؤَهِّلاتُهُ الوحيدة أنَّهُ كانَ إبن أخ كالِب الأصغَر. والمُؤهِّلاتُ الوحيدَةُ التي تمتَّعَ بها القاضِي الثَّانِي، إهُود، كانت أنَّهُ كانَ أعسَرَ. ونقرَأُ أيضاً أنَّ قاضِيَةً أُخرى إسمُها دَبُّورة، كانت أُمَّاً في إسرائيل. لقد كانَت لديها صُعوبَةٌ بجعلِ القائد العَسكَرِيّ، باراق، بأن يتشجَّعَ ويذهَبَ معها إلى الحَرب. وعندما دُعِيَ جِدعَون، قالَ، "آه يا رَبّ، كيفَ يُمكِنُني أن أُخَلِّصَ شَعبَ إسرائيل؟ ها عَشيرتِي هي الذُّلَّى... وأنا الأصغَرُ في بَيتِ أبي." (قُضاة 6: 15) هُناكَ مَوضُوعٌ يستَمِرُّ عَبرَ كُلِّ الصِّفاتِ الشَّخصِيَّةِ لهَؤُلاء القُضاة، وهُوَ أنَّهُم كانُوا جميعُهُم أشخاصاً إعتِيادِيِّين.

هل تعتَبِرُ نفسَكَ شَخصاً إعتِيادِيَّاً؟ وهل تعتَقِدُ أنَّ اللهَ لا يُريدُ أو حتَّى لا يستَطيعُ أن يستَخدِمَكَ، لكَونِكَ شخصاً غيرَ مَوهُوبٍ جدَّاً وغَيرَ مُحَقِّقٍ للإنجازاتِ؟ إنَّ سِفرَ القُضاةِ هذا سيُظهِرُ لكَ أنَّ اللهَ يُسَرُّ بإنجازِ أُمُورٍ غير إعتِياديَّة من خلالِ أشخاصٍ إعتِيادِيِّين مثلَكَ ومِثلِي.

لقد كانَ عُثنِيئيلُ إبنَ الأخِ الأصغَر لكالِب. ويَقُولُ الكتابُ المُقدَّسُ عنهُ ما معناهُ: "فكانَ عليهِ رُوحُ الرَّبِّ، فأصلَحَ وطهَّرَ إسرائِيل، حتَّى أنَّهُ عندَما قادَ جُندَ إسرائيل ضِدَّ جَيشِ العَدُوّ، ساعَدَهُ الرَّبُّ لينتَصِرَ على أعدائِهِ إنتِصاراً ساحِقاً."

اللهُ يُسَرُّ بأن يأخُذَ أشخاصاً إعتِيادِيِّين وأن يعمَلَ من خِلالِهم أعمالاً غير إعتيادِيَّة، وذلكَ لأنَّ رُوحَهُ يمتَلِكُهُم. هذا ما يُسمِّيهِ العهدُ الجديدُ بالحياةِ المُمتَلِئة بالرُّوحِ القُدُس.

نرى هذا في حياةِ قاضٍ إسمُهُ إهُود، الذي كانَت أهلِيَّتُهُ الوحيدَةُ أنَّهُ كانَ أعسَر. وكانت شعبُ إسرائيل مهزُوماً من قِبَلِ المُوآبِيِّين، الذين كانَ مَلِكُهُم عجلون قد إنتَصَرَ على إسرائيل. في تلكَ الأيَّام، عندما كانت أُمَّةٌ تنتَصِرُ على أُخرى، كانت تضعُ عليها ضرائِبَ وأعباءَ لا تُحتَمَل. فقادَ إهُود مجمُوعةً منَ شعبِ اللهِ إلى عاصِمَةِ مُوآب ليُؤَدُّوا الجِزيَةَ عن إسرائيل. فدخلَ إهُود إلى قصرِ عجلون ودفعَ الجِزيَة. ولكنَّهُ قبلَ أن يذهَبَ في هذه المُهِمَّة، صنعَ لِنفسِهِ خنجَراً طُولُهُ حوالي الثَّلاثِينَ سنتِيمتراً.

وعندما وقفَ في حضرَةِ المَلِكِ السمين عِجلُون، قالَ، "لدي كلامٌ منَ اللهِ لأقُولَهُ لكَ." نقرأُ أنَّ إهُود إستَلَّ بيُسراهُ القوِيَّة خنجَرَهُ الطَّويل وقتلَ بهِ الملك. وهكذا بدأَ إهُود ثورَةً أدَّت إلى الإطاحَةِ بحُكمِ المُوآبِيِّين. الأمرُ الوحيدُ الذي نعرِفُهُ عن إهُود، هُوَ أنَّهُ كانَ أعسَرَ. مِنَ المُمكِنِ أنَّ يُسرَاهُ كانَتِ الشَّيءَ الوحيد الذي كانَ لدى إهُود ليُقَدِّمَهُ للهِ. ولقد إستَخدَمَ اللهُ ذلكَ بِقُوَّةٍ. فهل قدَّمتَ مواهِبَكَ، صَغيرَةً أم كَبيرَةً، لله؟ إذا وضَعتَ مواهِبَكَ ومُؤهِّلاتِكَ الصَّغيرَة بينَ يدي الله، فسيستَخدِمُها تماماً كما إستَخدَمَ يدَ إهُود اليُسرَى.

إحدى القِصَصِ المُفضَّلة لهؤُلاء المُنقِذِين، هي قصَّةُ دبُّورَة، التي كانت أُمَّاً في إسرائيل. كانت لدى دَبُّورَة موهِبَةً رُوحِيَّةً خاصَّة. لقد كانت نَبِيَّةً. فجَلَست تحتَ شجرَةِ نَخيلٍ وتنبَّأَت، وكانَ الشعبُ يأتي إليها من كُلِّ أقطابِ إسرائيل ليسمَعُوا منها كلمةَ الله.

وذاتَ يَومٍ قالَت لرَجُلٍ إسمُهُ باراق، "اللهُ نفسُهُ لديهِ رسالَةٌ لكَ. عليكَ أن تجمَعَ جَيشاً من عشرَةِ آلافِ رَجُلٍ وأن تُهاجِمَ جيشَ القائد سِيسَرا، الذي كانَ قائِدَ جيشِ الكنعانِيِّين، والذي كانَ لديهِ تسعمائة عربَة حديديَّة وكانَ يقُودُ جَيشاً جَرَّاراً. هاجِمْهُ وحَرِّرْ إسرائيل من يدِ الكنعانِيِّين." (قُضاة 4: 5، 6).

فقالَ باراق، "إذا ذهبتِ معي أذهب، وإن لم تذهبي معي فلن أذهب." (قُضاة 4: 7- 9) لقد علِمَ باراقُ أنهُ إن كانَ اللهُ هو الذي يقولُ بالحربِ بواسطة دبُّورة، فلا بُدَّ أن اللهَ سوفَ ينصُرُهُ في المعركة. ولربَّما لكي يمتحنَ دبُّورة، ولكَي يرَ ما إذا كانت هي تُؤمِنُ فعلاً أن الحربَ كانت بأمرٍ من الله، قال لها، "تعالي وسيري في الحربِ معي." فوافقت دبُّورة على هذا ولكنَّها قالت،"ولكن إحذرْ. فإذا ذهبتُ معكَ سوفَ ينزلُ إسمي في التاريخ أن إمرأةً حرَّرت شعبَ إسرائيل من المديانيين." (قُضاة 4: 8- 10) وعندما خرجَ باراق وبدأَ بتشجيع الرجال للذهاب إلى المعركة، إنخرطَ معهُ عشرةُ آلاف رجل، تماماً كما أخبَرتْهُ دبُّورَة بما سيحدُثُ معَهُ.

وهكذا خاضوا معركَتَهم على جبلِ طابور. فلقد عرقبَ اللهُ مركباتِ سيسرا. فأَرعَبَ اللهُ جيشَ الكنعانيين. وهكذا إرتفعت عليهِم يدُ رجالِ باراق. فخرجَ سيسرا من المعركة وحاولَ الهروب. فعَرَضَت عليهِ إمرأَةٌ إسمُها ياعِيل أن تُخَبِّئَهُ في خَيمَتِها. ونقرَأُ أن سيسرا وقعَ بِسُرعَةٍ في سُباتٍ عميق. وبينما كانَ نائماً، أخذت ياعيل وتدَ الخيمةِ الطويل، وأخذت مِطرَقةً، وغرست الوتد في رأسِهِ حتى وصلَ الوتدُ إلى الأرض.

تذكَّرْ أن رسالةَ سفر القُضاة الأساسيَّة هي الإرتداد، والعواقب الوخيمة التي تنتجُ عن الإرتداد. ولكنَّنا نتعلَّمُ أيضاً من حياةِ القُضاةِ أنفُسِهم، أنَّ اللهَ يستخدِمُ الناس البُسطاء العاديين. فاللهُ يُحِبُّ أن يستخدِمَ أشخاصاً إعتياديين مثلي ومثلك، وأن يعملَ بواسطتِهم أُموراً غير إعتياديَّة. اللهُ يعمَلُ أُمُوراً غير معقُولَة من خلالِ أشخاصٍ إعتِيادِيِّين، لكونِهم مَملُوئينَ منَ الرُّوحِ القُدُس.

  • عدد الزيارات: 2928