الفَصلُ السادِس المُخَلِّصُ الباحِث - يسُوعُ ورَئيسُ العشَّارين
يسُوعُ ورَئيسُ العشَّارين ((لوقا 19: 1- 10)
عندما نقرَأُ الإصحاحَين الثامِن عشر والتاسِع عشر من إنجيلِ لُوقا، سنكتَشِفُ قِصَّتَين إضافِيَّتَين عن رجالٍ أغنِياء. بإمكانِنا أن نعتَبِرَ المُقابَلة بينَ يسُوع ورئيس العشَّارين بمثابَةِ مسرَحِيَّةٍ مُؤلَّفَة من ثلاثَةِ مشاهِد. المشهَدُ الأوَّلُ هو حيثُ ألقَى يسُوعُ التحيَّةَ على زكَّا. المشهدُ الثاني يجري في بيتِ زكَّا، حيثُ قضى يسُوعُ يومَهُ الكامِل في الحديثِ والتعاطي معَ هذا الرَّجُل الذي كانَ مكروهاً من الجميع في أريحا.
عندما يُرفَعُ الستارُ عن المشهَدِ الثالِث، يخرُجُ يسُوعُ وزكَّا من بيتِ زكَّا، بعدَ أن يكُونا قد قضَيا طوالَ النَّهارِ معاً. الكَلماتُ الأُولى نُطِقَ بها من قِبَلِ زكَّا. فلقد دَعا يسُوع "الربّ" وأعلَنَ أنَّهُ سوفَ يُعطي نِصفَ أموالهِ للفُقَراء، والنصف الآخر سيَستَخدِمُهُ ليَرُدَّ أربَعةَ أضعافٍ للذين كانَ قد غشَّهُم في أريحا. (لو لم يكُنْ قدْ غَشَّ أحداً، لما إفتَرَضَ أنَّهُ يتوجَّبُ عليهِ توزيع نِصف أموالهِ ليَحُلَّ المُشكِلَة.)
أهمُّ مشهدٍ بين هذه المشاهدِ الثلاثة، هو المشهدُ الثاني. لا نعرِفُ شيئاً عمَّا حدَثَ في المشهَدِ الثاني، أي في بيتِ زكَّا. فعمَّ تكلَّما طِوالَ النهار؟ لابُدَّ أنهما تحدَّثا عَنْ معنى التوبة، والغُفران وإتِّباع يسُوع. ولا بُدَّ أنَّ هذا الحِوار تضمَّنَ المال، لأنَّ كلمات زكَّا الأُولى كانت تتَعلَّقُ بالمال. فعِندما سمِعَ يسُوعُ هذه الكلمات من أكبَرِ خاطِئٍ في أريحا، أعلَنَ يسُوعُ زكَّا كإبنٍ لإبراهِيم، وأعلنَ أنَّ الخلاصَ حصلَ في بيتِهِ في ذلكَ اليوم.
إنَّ الجزءَ المُفضَّلَ عندي في هذا القصَّة هو عندما ذهبَ يسُوعُ ليقضِيَ يومَهُ الوحيد في أريحا معَ هذا اللِّصّ القَصير القامَة، وكانَ الجميعُ يتذمَّرونَ مُمتَعِضينَ من هذا. أودُّ لو أستطيعُ أن أُفوِّضَ فنَّاناً ليرسُمَ يسُوع، الذي كانَ بحَسَبِ المُؤرِّخِ اليَهُوديّ يُوسيفُوس رَجُلاً كبيرَ القامَةِ، وهو يمشي نحوَ بيتِ زكَّا واضِعاً يدَهُ على كتفِهِ، بينَما ينظُرُ جميعُ الناس ذَوي البِرّ الذاتِي بإمتِعاضٍ لأنَّ يسُوعَ كان يقضِي يومَهُ الوحيد في أريحا معَ رئيسِ العشَّارين.
إنَّ الكلمات الجميلة التي تنتَهي بها هذه القصَّة يُمكِنُ أن تُنقَشَ على لَوحَةٍ نُحاسِيَّةٍ نضعُها تحتَ رسمِ يسُوع واضِعاً يدَهُ على كتِفِ زكَّا: "لأنَّ ابنَ الإنسانِ قد جاءَ لكَي يطلُبَ ويُخلِّصَ ما قد هلك." إنَّ هذه الكلمات هي أحد الأعداد الحاسمة في هذا الإنجيل الثالِث، وتُعطينا تصريحاً مُلخَّصاً لرسالَةِ أعظَمِ حياةٍ عاشَها أحدٌ على الأرض (19: 10).
نحنُ أيضاً نرى ستراتيجيَّة يسُوع في هذه المُقابَلة. فهُوَ كانَ يمُرُّ عبرَ أريحا، وكانت ستراتيجيَّتُهُ بِوُضُوح أن يُبَشِّرَ ويؤُثِّرُ على كُلِّ أريحا ويربَحها للمسيح بعدَ أن يكُونَ قدِ إجتازَ إلى ما وراء حُدُود المَدينة.
حاوِل أن تتصوَّرَ التأثيرَ على المدينة عندما بدأَ زكَّا يدعُو إلى داخِلِ بيتِهِ الناس الذين كانَ قد سلبَهُم أموالاً إضافِيَّةً على الضرائب، كما كانَ يفعَلُ العشَّارُونَ عادَةً. تصوَّر مُفاجَأَتَهُم، وفرحَهُم، ورهبتَهُم عندما وجدوا أنَّهُ بدلَ أن يمُدَّ يدَهُ إلى أعماقِ جُيُوبِهم ليأخُذَ مالَهم، إكتَشَفُوا أنَّ كُلَّ ما أرادَهُ زكَّا هو أن يُعيدَ لهُم أربَعَةَ أضعاف عن أموالِهم التي إختَلَسَها منهُم، وكُلُّ ذلكَ نتيجَةً لكونِهِ إلتَقَى معَ يسُوع! أتصوَّر أنَّ هذا كانَ الحدثَ الأكبَر الذي جرى هُناكَ منذُ سُقُوطِ أسوارِ أريحا أيَّامَ يشُوع.
- عدد الزيارات: 11090