Skip to main content

الفصل التاسع - السبعون أسبوعاً - في صلاة دانيال وجه وجهه إلى الله السيد

الصفحة 2 من 5: في صلاة دانيال وجه وجهه إلى الله السيد

في صلاة دانيال وجه وجهه إلى الله السيد.

لقد نسي كل ما حوله، وركز نظره كله في الله، ويسميه هنا "الله السيد" اعترافاً بسيادته على الكون كله وعلى كل أحداث التاريخ.

وكانت صلاته طلبات، وتضرعات، ارتبطت بالصوم للتفرغ التام لها، والمسح للإذلال والاتضاع، والرماد للندم والحزن على الخطية.

"وصليت إلى الرب إلهي واعترفت وقلت أيها الرب الإله العظيم المهوب حافظ العهد والرحمة لمحبيه وحافظي وصاياه" (دانيال 9: 4).

إن صلاة دانيال في هذا الإصحاح هي إحدى الصلوات الفريدة التي سجلت كلها في الإصحاح التاسع من كل سفر ذكرت فيه. فهنا في الإصحاح التاسع نقرأ صلاة دانيال، وفي الإصحاح التاسع من سفر عزرا، في الإصحاح التاسع من سفر نحميا نقرأ صلاة نحميا.

لم تكن صلاة دانيال كمعظم صلواتنا.. مجرد طلبات من الله وإنما كانت صلاة تميزت بكثير من المميزات التي يجب أن تتصف بها صلواتنا.

ففيها نجد اعترافاً بعظمة وهيبة الله (عدد 4)

وفيها نجد اعترافاً بأمانة الله وحفظه لعهوده (عدد 4)

وفيها نجد اعترافاً بأن أمانة الله في حفظه لعهوده ورحمته تتجه إلى محبيه وحافظي وصاياه. (عدد4)

"أخطأنا وأثمنا وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك. وما سمعنا من عبيدك الأنبياء الذين باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل شعب الأرض" (دانيال 9: 5 و 6)

لقد تميزت صلاة دانيال بعلاقته الخاصة بإلهه فهو يقول "صليت إلى الرب إلهي"، فقد كان الله العظيم إلهه... كانت له شركة خاصة معه. وكان الدافع وراء صلاة دانيال لا أن يعرف الحساب الزمني لمدة السبي، بل أن يطلب الرحمة من الله لشعبه المرتد الأثيم. وفي عددي 5 و 6 نرى خطية الشعب القديم في مجموعها "أخطأنا" أي تعدينا على وصاياك "لأن الخطية هي التعدي" (1 يوحنا 3: 4) "وأثمنا" أ يتصرفنا بحسب طبيعتنا الساقطة ولوثنا حياتنا (مزمور 51: 2) "وعملنا الشر وتمردنا وحدنا عن وصاياك وعن أحكامك" وسر عمل الشر هو التمرد على الله والحيدان عن وصاياه وأحكامه "وما سمعنا من عبيدك الأنبياء الذين باسمك كلموا ملوكنا ورؤساءنا وآباءنا وكل الشعب" (دانيال 9: 6) وهنا لا عذر لأحد فالجميع من الملك إلى رجل الشارع قد سمعوا رسالة الله بواسطة الأنبياء. وهنا نجد اعترافاً بأن كلام الأنبياء هو كلام الله، وكم من مرات نسمع النبي يقول "وكان إلى كلام الرب قائلاً" (حزقيال 25: 1)

إن دانيال يضع نفسه بين الخطاة، فهو لا يتعالى عنهم، بل يعترف بخطيته معهم، فالمؤمن المكرس للرب يعرف مدى شر طبيعته في الداخل.

"لك يا سيد البر. أما لنا فخزي الوجوه كما هو اليوم لرجال يهوذا ولسكان أورشليم ولكل إسرائيل القريبين والبعيدين في كل الأراضي التي طردتهم إليها من أجل خيانتهم التي خانوك إياها. يا سيد لنا خزي الوجوه لملوكنا لرؤسائنا ولآبائنا لأننا أخطأنا إليك. للرب إلهنا المراحم والمغفرة لأننا تمردنا عليه، وما سمعنا صوت الرب إلهنا لنسلك في شرائعه التي جعلها أمامنا عن يد عبيده الأنبياء. وكل إسرائيل قد تعدى شريعتك وحادوا لئلا يسمعوا صوتك فسكبت اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله لأننا أخطأنا إليه. وقد أقام كلماته التي تكلم بها علينا وعلى قضاتنا الذين قضوا لنا ليجلب علينا شراً عظيماً ما لم يجر تحت السموات كلها. كما أجرى على أورشليم. كما كتب في شريعة موسى قد جاء علينا كل هذا الشر ولم نتضرع إلى وجه الرب إلهنا لنرجع من آثامنا ونفطن بحقك. فسهر الرب على الشر ولم نتضرع إلى وجه الرب إلهنا لنرجع من آثامنا ونفطن بحقك. فسهر الرب على الشر وجلبه علينا لأن إلهنا بار في كل أعماله التي عملها إذ لم نسمع صوته" (دانيال 9: 7 - 14).

في هذا الجزء من صلاة دانيال نجد أن دانيال يعترف بأن الله بار في كل أفعاله مع شعبه "لك يا سيد البر"، وقد ظهر بر الله في إرساله الأنبياء لتحذير وإنذار شعبه من السير في طريق الخطية، كما ظهر في إرساله إياهم إلى السبي عقاباً لخطاياهم.

ويعلن استحقاقه وشعبه لخزي الوجوه، أي للخجل والحيرة. ويبدأ الخزي من المناصب العليا ويتدرج إلى المناصب الأدنى "لملوكنا لرؤسائنا ولآبائنا".. وإن الخزي والخجل والحيرة كانت نتيجة منطقية "لأننا أخطأنا إليك".

ويعود دانيال فيعلن أن الله له المراحم والمغفرة "فالمغفرة للرب وحده. لأن عندك المغفرة لكي يخاف منك" (مزمور 13: 4) ويستطرد دانيال في صلاته فيقول أن الشعب القديم لم يسمع لصوت الرب ليسلك شرائعه، وأن كل إسرائيل قد تعدي على شريعة الله وحادوا لئلا يسمعوا صوته، كما يقول إرميا النبي "لأن شعبي عمل شرين. تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا لأنفسهم آباراً مشققة لا تضبط ماء" (إرميا 2: 13).

ويعلن دانيال أنه بسبب جيدان شعب الله عن وصاياه أنه سكب عليهم اللعنة والحلف المكتوب في شريعة موسى عبد الله. اللعنة التي نجدها في الكلمات "لا يشاء الرب أن يرفق به بل يدخن حينئذ غضب الرب وغيرته على ذلك الرجل فتحل عليه كل اللعنات المكتوبة في هذا الكتاب ويمحو الرب اسمه من تحت السماء" (تثنية 29: 20) (اقرأ تثنية 28: 15 – 68 و 29: 1 - 28) ونجدها أيضاً في الكلمات "لكن إن لم تسمعوا لي ولم تعملوا كل هذه الوصايا. إن رفضتم فرائضي وكرهت أنفسكم أحكامي فما عملتم كل وصاياي بل نكثتم ميثاقي.. أصير مدنكم خربة ومقادسكم موحشة ولا أشتم رائحة سروركم.. وأذريكم بين الأمم وأجرد وراءكم السيف فتصير أرضكم موحشة ومدنكم تصير خربة" (لاويين 26: 14 و 15 و 31 و 33).

إن ذكر دانيال لشريعة موسى عبد الله يؤكد إيمانه المطلق بوحي كلمة الله وبحرفية هذا الوحي.

ويكرر دانيال استحقاق الشعب القديم للعقاب "لأننا أخطأنا إليك".. ويعلن أن الله عادل في إقامة كلماته كما سجلها موسى عبده. وأنه رغم هذا العقاب الفظيع الذي أوقعه الله على الشعب المرتد "لم نتضرع إلى وجه الرب إلهنا لنرجع من آثامنا ونفطن بحقك" فالشعب استمر في ارتداده وتمرده، ولم يرجع عن آثامه، ولم يعد إلى كلمة الرب ليتعلم منها كيف يميز بين الطاهر والنجس، وهذه هي الفطنة الحقيقية كما قال كاتب المزمور "أكثر من الشيوخ فطنت لأني حفظت وصاياك" (مزمور 119: 100).

ويختتم دانيال هذا القسم من صلاته فيقول "فسهر الرب على الشر وجلبه علينا لأن الرب إلهنا بار في كل أعماله التي عملها إذ لم نسمع صوته" (دانيال 9: 14).

لم ينطق دانيال بكلمة تذمر ضد تصرفات الله كما يفعل الكثيرون حين يقعون تحت التأديب الإلهي، ولكنه أعلن أن الله سهر على الشر، أي رصد الشر ليوقع قصاصه على الشعب العاصي في الوقت المناسب، وهو تعبير مأخوذ من إرميا 1: 12 "فقال الرب لي أحسنت الرؤية لأني أنا ساهر على كلمتي لأجريها".

ويعلن دانيال مرة ثانية أن الله بار في كل أعماله. بار في عقابه الرهيب الذي أنزله على شعبه بسبب عصيانهم لكلمته.

"والآن أيها السيد إلهنا الذي أخرجت شعبك من أرض مصر بيد قوية وجعلت لنفسك اسماً كما هو هذا اليوم قد أخطأنا عملنا شراً. يا سيد حسب رحمتك اصرف سخطك وغضبك عن مدينتك أورشليم جب قدسك إذ لخطايانا ولآثام آبائنا صارت أورشليم وشعبك عاراً عند جميع الذين حولنا. فاسمع الآن يا إلهنا صلاة عبدك وتضرعاته وأضئ بوجهك على مقدسك الخرب من أجل السيد. أمل أذنك يا إلهي واسمع افتح عينيك وانظر خربنا والمدينة التي دعي اسمك عليها لأنه لا لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أمام وجهك بل لأجل مراحمك العظيمة. يا سيد اسمع يا سيد اغفر يا سيد أصغ واصنع. لا تؤخر من أجل نفسك يا إلهي لأن اسمك دعي على مدينتك وعلى شعبك" (دانيال 9: 15).

في هذا القسم من صلاة دانيال نرى مدى معرفة هذا الرجل بأسفار العهد القديم، واستخدامه لكلمة الله في الصلاة. فهو يعرف أن الله سيد الأرض كلها كما يدعوه "والآن أيها السيد".. هو الذي أخرج شعبه من أرض مصر بيد قوية، ويعرف أنه بهذا الفعل العظيم جعل الرب لنفسه اسماً كما قال لفرعون عن يد موسى "ولكن لأجل هذا أقمتك لكي أريك قوتي ولكي يخبر باسمي في كل الأرض" (خروج 9: 16).

ويعترف مكرراً بخطيته وخطية شعبه "قد أخطأنا عملنا شراً" ويلجأ إلى رخمة الله كما لجأ داود عندما أخطأ خطيته المعروفة (المزمور 51: 1) فيقول "يا سيد حسب كل رحمتك اصرف سخطك وغضبك عن مدينتك أورشليم".

ومدينة أورشليم سميت "مدينة الله" (مزمور 87: 3) و"مدينة الملك العظيم" (متى 5: 35) و"المدينة المقدسة" (رؤيا 11: 2) و"المدينة العظيمة" (رؤيا 16: 19).

ويقول دانيال للرب "اصرف سخطك عن مدينتك أورشليم" وأورشليم هي مدينة الله لأنها المكان الذي اختاره الرب ليحل اسمه فيه كما يقول موسى "فالمكان الذب يختاره الرب إلهكم ليحل اسمه فيه تحملون إليه كل ما أنا أوصيكم به محرقاتكم وذبائحكم وعشوركم ورفائع أيديكم وكل خيار نذوركم التي تنذرونها للرب" (تثنية 12: 11) وكما نقرأ في سفر زكريا "لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم" (زكريا 3: 2) [اقرأ أيضاً تثنية 16: 11 و 16 و 26: 2].

ويعلن دانيال أنه بسبب خطايا الشعب القديم وآثام آبائه صارت أورشليم والشعب القديم عاراً عند جميع الذين حولهم "البر يرفع شأن الأمة وعار الشعوب خطية" (أمثال 14: 34).

ويصل دانيال إلى نهاية وهدف صلاته فيطلب من الله أن يسمع صلاته وتضرعاته، وأن يضيء بوجهه على مقدسه الخرب بمعنى أن يبارك هذا المقدس كما قال الرب لموسى "كلم هارون وبنيه قائلاً هكذا تباركون بني إسرائيل قائلين لهم. يباركك الرب ويحرسك. يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاماً، فيجعلون اسمي على بني إسرائيل وأنا أباركهم" (عدد 6: 23 - 27) وهو يطلب استجابة صلاته "من أجل السيد" (عدد 17) فهل كان يعني من أجل اسمك؟ أو كان يعني "من أجل السيد" أي الرب يسوع الذي قال عنه داود في المزمور "قال الرب لربي اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك" (مزمور 110: 1) والذي رآه دانيال في رؤياه الأولى آتياً مع سحب السماء (دانيال 7: 13 و 14) والذي نقرأ عنه في زكريا 3: 2 "فقال الرب للشيطان لينتهرك الرب يا شيطان. لينتهرك الرب الذي اختار أورشليم". في اعتقادنا أن دانيال قد رفع صلاته هنا باسم المسيح الذي كان عتيداً أن يتجسد في ملء الزمان.

ودانيال يتوسل إلى إلهه أن يمي أذنه، معلناً مرة ثانية علاقته الشخصية وشركته القوية معه "أمل أذنك يا إلهي"، وأن يسمع، ويفتح عينيه، لينظر خراب المدينة التي دعى اسمه عليها.

لقد جاء هذا الخراب كعقاب لشر الشعب القديم كما يقول إرميا "ها إنكم متكلون على كلام الكذب الذي لا ينفع. أتسرقون وتقتلون وتزنون وتحلفون كذباً وتبخرون للبعل وتسيرون وراء آلهة أخرى لم تعرفوها. ثم تأتون وتقفون أمامي في هذا البيت الذي دعي باسمي عليه وتقولون قد أنقذنا. حين تعلمون كل هذه الرجاسات. هل صار هذا البيت الذي دعي باسمي عليه مغارة لصوص في أعينكم. هأنذا قد رأيت يقول الرب. لكن اذهبوا إلى موضعي الذي في شيلوه الذي أسكنت فيه اسمي أولاً وانظروا ما صنعت به من أجل شر شعبي إسرائيل. والآن من أجل عملكم هذه الأعمال يقول الرب وقد كلمتكم مبكراً ومكلماً فلم تسمعوا ودعوتكم فلم تجيبوا. أصنع بالبيت الذي دعي باسمي عليه الذي أنتم متكلون عليه وبالموضع الذي أعطيتكم وآباؤكم إياه كما صنعت بشيلوه. وأطرحكم من أمامي كما طرحت كل أخوتكم نسل أفرايم. وأنت فلا تصل لأجل الشعب ولا ترفع لأجلهم دعاء ولا صلاة ولا تلح عليّ لأني لا أسمعك" (إرميا 7: 8 - 16) [اقرأ 1 يوحنا 5: 16].

أما الآن فقد انتهت مدة السبي التي عينها الرب لكمالة سبعين سنة، ولذا فإن دانيال يصلي ويتوسل قائلاً "لا لأجل برنا نطرح تضرعاتنا أمام وجهك بل لأجل مراحمك العظيمة" فالله يستجيب الصلاة من أجل مراحمه العظيمة.

ويستطرد متوسلاً "يا سيد اسمع يا سيد اغفر يا سيد أصغ" فهل نجد في تكرار كلمة "يا سيد" ثلاث مرات إشارة للثالوث العظيم؟؟ (أشعياء 6: 3). ويستمر دانيال فيقول "اصنع لا تؤخر من أجل نفسك يا إلهي لأن اسمك دعي على مدينتك وعلى شعبك" (دانيال 9: 19).

ولقد كان اسم الله هو الحجة التي على أساسها طلب رجال الله طلباتهم. وهاهو يشوع يقول للرب "فيسمع الكنعانيون وجميع سكان الأرض ويحيطون بنا ويقرضون اسمنا من الأرض، وماذا تصنع لاسمك العظيم" (يشوع 7:9).

وها هو الرب يقول للشعب القديم "هكذا قال السيد الرب. ليس لأجلكم أنا صانع يا بيت إسرائيل بل لأجل اسمي القدوس" (حزقيال 36: 22).

وفي ختام صلاة دانيال نجد الصلة الدائمة بينه وبين الله إذ يدعوه "يا إلهي".. لقد اختبر دانيال إلهه، وذاق حلاوته، وعرف سعادة وفرح المتكلين عليه.

وقد استجاب الله صلاة دانيال ورد سبي شعبه كما نقرأ في سفر عزرا، وكما قال أحدهم "إن وراء سفر عزرا ظل رجل يصلي" هذا الرجل هو بكل يقين "دانيال".

مدة القضاء الإلهي
الصفحة
  • عدد الزيارات: 24689