Skip to main content

الفصل الحادي عشر - الملك المتعظم - زمن الإمبراطورية اليونانية

الصفحة 3 من 6: زمن الإمبراطورية اليونانية

زمن الإمبراطورية اليونانية

"ويقوم ملك جبار ويتسلط تسلطاً عظيماً ويفعل حسب إرادته. وكقيامه تنكسر مملكته وتنقسم إلى رياح السماء الأربع ولا لعقبه ولا حسب سلطانه الذي تسلط به لأن مملكته تنقرض وتكون لآخرين غير أولئك" (دانيال 11: 3 و 4)

إن كر مملكة اليونان في عدد 2 هو مفتاح تحديد شخصية الملك الجبار المذكور في عدد 3. فالنبوة تنتقل للحديث عن قيام ملك جبار، لكنها لا تذكر من هو ولا من أين هو.. لكن بربط عدد 2 بعدد 3 يتبين لنا أن الملك الجبار المذكور في عدد ليس 3 ليس ملكاً فارسياً بل ملك يوناني وهو باليقين "الاسكندر الأكبر" الذي رأينا مملكته في التمثال البهي الذي رآه الملك نبوخذ نصر وذكرت بالكلمات "بطنه وفخذاه من نحاس" (دانيال 2: 32) ورأيناه في "تيس المعز الذي جاء من المغرب" (دانيال 8: 5)

بعد حوالي قرن ونصف من الغزو الفارسي لليونان، قاد الاسكندر القوات اليونانية في هجوم ساحق وانتصر على الإمبراطورية الفارسية، وقد كان الاسكندر ملكاً جباراً تسلط على دول كثيرة، وتميز بعبقرية عسكرية، وفعل حسب إرادته إذ كان ملكاً أوتوقراطياً ويقال أنه بكى حين لم يجد أمامه أرضاً للغزو.

وتستمر النبوة فتقول "وكقيامه تنكسر مملكته".. وهنا نرى دقة النبوة وروعتها، وكلمة "كقيامه" تعني عندما يصل إلى قمة جبروته وسلطانه، كما نقرأ في دانيال 8: 8 "فتعظم تيس المعز جداً ولما اعتز انكسر القرن العظيم". وتعني كلمة "كقيامه" أيضاً مدى قصر مدة سلطان الاسكندر، فقد مات في بابل وهو في الثانية الثلاثين من عمره سنة 323 قبل الميلاد.

وتستمر النبوة فتقول "وتنقسم مملكته إلى رياح السماء الأربع ولا لعقبه ولا حسب سلطانه الذي تسلط به" (دانيال 11: 4)

بعد موت الاسكندر بسنوات قليلة انقسمت مملكته إلى أربع أجزاء، ولم يرث عرش الاسكندر أحد من نسله "ولا لعقبه" مع أن الاسكندر كان له ابنان الأول اسمه "هيركيولس Hercules" من زوجته برسين Barsine ابنة داريوس وقد اغتال بوليسبركون Polysperchon هذا الابن بعد موت أبيه بزمن قصير. والثاني وقد ولد بعد وفاة أبيه من زوجته روكسانا Roxana وقد أسمته أمه الاسكندر، وقد اغتيل هذا الابن مع حارسه سنة 310 قبل الميلاد، وهكذا تمت النبوة بحرفيتها إذ لم يرث الاسكندر أحد من بنيه.

انقسمت الإمبراطورية إلى أربعة أقسام سنة 301 قبل الميلاد بعد زمن من الفوضى والحروب بين أربعة من قادة الجيش يطلق عليهم التاريخ اليوناني اسم "الخلفاء" هؤلاء الأربعة هم: بطليموس، سيلقوس، ليسيماخوس، كاساندر.

وهكذا انقسمت مملكة اليونان إلى رياح السماء الأربع، ولكن لم يصل أحد هؤلاء القادة إلى سلطان الاسكندر كما تقول النبوة "ولا حسب سلطانه الذي تسلط به" وهذا ما سبق أن قرأنه في الكلمات "وإذا انكسر – أي الاسكندر الأكبر – وقام أربعة عوضاً عنه فستقوم أربعة ممالك من الأمة ولكن ليس في قوته" (دانيال 8: 22) وهكذا بهذا التقسيم للإمبراطورية اليونانية انقرضت هذه المملكة كإمبراطورية موحدة، وأعطيت في النهاية لآخرين غير هؤلاء القادة ونسلهم إذ أخذتها الإمبراطورية الرومانية.

"ويتقوى ملك الجنوب. ومن رؤسائه من يقوى عليه ويتسلط. تسلط عظيم تسلطه" (دانيال 11: 5)

انقسمت الإمبراطورية اليونانية إلى أربعة أجزاء كما ذكرنا في الفصل الثامن، أخذ بطليموس مصر، وهو ونسله من البطالسة هم ملوك الجنوب في النبوة، لأن مصر تقع جغرافياً في جنوب فلسطين.

وأخذ سيلقوس سوريا، وهو ونسله من السلوقيين وهم ملوك الشمال في النبوة.

ومن العدد الخامس الذي نحن بصدد تفسيره تتحدث النبوة عن العلاقات بين هاتين الأسرتين الملكيتين.

وتقول النبوة "ويتقوى ملك الجنوب" الذي هو بطليموس ملك مصر. "ومن رؤسائه من يقوى عليه ويتسلط تسلط. عظيم تسلطه" (دانيال 11: 5)

الرئيس المذكور هنا هو سيلقوس Seleucus الذي كان أحد قادة جيش الاسكندر والذي صار والياً على بابل، وقد اضطر إلى الهرب لأن أنتيجونس Antigonus أخذ منه بابل، فجاء بطليموس الذي عينه قائداً في الجيش واستطاع بعدئذ أن يستعيد لنفسه بابل سنة 312 قبل الميلاد، وهو التاريخ الذي يبدأ منه عصر السلوقيين. وهكذا تقوى سيلقوس، وتسلط تسلط عظيم.

وإنها لحقيقة تاريخية أن سلطة السلوقيين فاقت كثيراً سلطة البطالسة.

"وبعد سنين يتعاهدان وبنت ملك الجنوب تأتي إلى ملك الشمال لإجراء الاتفاق ولكن لا تضبط الذراع قوة ولا يقوم هو ولا ذراعه وتسلم هي والذين أتوا بها والذي ولدها ومن قواها في تلك الأوقات" (دانيال 11: 6)

بعد مرور سنين يتعاهد ملك الجنوب مع ملك الشمال، أي تقوم بينهما فترة هدنة حربية على أساس زواج بنت ملك الجنوب لملك الشمال. والمعاهدة المذكورة في هذا النص تمت بعد 35 سنة من موت سيلقوس. فقد جاءت "برنيس Berenice" بنت بطليموس الثاني وتزوجت انتيوخوس الثاني ملك الشمال، وكان القصد من هذا الزواج سياسياً وبشرط أن يطلق "أنتيوخوس ثيوس" المسمى بأنتيوخوس الإلهي زوجته "لاوديس Laodice" ولكن هذا الزواج السياسي الذي قصد به إيجاد السلام بين الملكين انتهى بكارثة لأن "برنيس" لم تستطع الاحتفاظ بقوتها باعتبارها زوجة الملك بعد موت والدها الذي حدث بعد زواجها بوقت قصير. فقد هجرها "أنتيوخوس ثيوس" الذي عرف بشخصيته المتقلبة، وأعاد زوجته الأولى "لاوديس". ومع أن لاوديس رجعت إليه لكنها لم تغفر له أبداً إبعادها ليكون حراً ويتزوج برنيس المصرية. وقررت في قلبها قراراً سرياً لتنتقم لنفسها. وفي أول فرصة سنحت لها قتلت زوجها أنتيوخوس وبرنيس. وهكذا تمت النبوة بحرفيتها "وسلمت برنيس" لهذه النهاية الشنيعة. وتحطم أنتيوخوس وقوته. (دانيال 11: 6)

ولما صار العرش شاغراً توجت لاوديس ابنها "سيلقوس كالينيكس Seleucus Callinicus" مكان أبيه.

"ويقوم من فرع أصولها قائم مكانه ويأتي إلى الجيش ويدخل حصن ملك الشمال ويعمل بهم ويقوى. ويسبي إلى مصر آلهتهم أيضاً مع مسبوكاتهم وآنيتهم الثمينة من فضة وذهب ويقتصر سنين عن ملك الشمال. فيدخل ملك الجنوب إلى مملكته ويرجع إلى أرضه" (دانيال 11: 7 - 9)

بعد أن عرف "بطليموس إيرجتس Ptolemy Euergetes" خبر قتل أخته برنيس قاد جيشاً قوياً متجهاً إلى شمال سوريا واستولى على ميناء إنطاكية، ونهب الهياكل، وحمل معه إلى مصر كميات ضخمة من الذهب والفضة، وأصنام السوريين. وبعد هذه الحملة الجبارة اقتصر ملك الجنوب عن ملك الشمال عدة سنين.

 "فيدخل ملك الجنوب إلى مملكته ويرجع إلى أرضه" (دانيال 11: 9) والترجمة الأفضل لهذا النص "فيدخل إلى مملكة ملك الجنوب ويرجع إلى أرضه" بمعنى أن ملك الشمال يدخل إلى مملكة ملك الجنوب لكنه يضطر للرجوع إلى أرضه.

وهذا ما تم تاريخياً إذ بعد سنتين من هجوم ملك الجنوب على ملك الشمال انتقاماً لأخته برنيس، استطاع سيلقوس كالينيكس أن يستعيد قوته، وأن يقود جيشه للهجوم على بطليموس ملك الجنوب، لكن بطليموس هزمه هزيمة ساحقة واضطر ملك الشمال أن يرجع إلى أرضه.

"وبنوه يتهيجون فيجمعون جمهور جيوش عظيمة ويأتي آت ويغمر ويطمو ويرجع ويحارب حتى إلى حصنه" (11: 10) بنو ملك الشمال يتهيجون، أي يمتلكهم الهياج وحب الانتقام، والإشارة هنا إلى بني ملك الشمال سيلقوس سيرانوس Seleucus Cenaunus وأنتيوخوس الأكبر. "ويأتي آت ويغمر ويطمو" هذه الكلمات تصف جمهور الجيوش العظيمة الآتية المتدفقة كطوفان غامر، وكلمة "يأتي آت" تشير إلى أنتيوخوس وحده لأن أخاه سيلقوس سيرانوس قتل في إحدى المعارك في آسيا الصغرى "يرجع ويحارب حتى إلى حصنه" وهذا يعني رجوع أنتيوخوس لاستئناف القتال ضد مصر، وبعد استيلائه على لبنان وفلسطين ثبت نفسه في غزة أو ربما في رفح وكانت تعتبر في ذلك الوقت حصناً لمصر.

"ويغتاظ ملك الجنوب فيخرج ويحاربه أي ملك الشمال ويقيم جمهوراً عظيماً فيسلم الجمهور في يده" (دانيال 11: 11)

يغتاظ ملك الجنوب، بطليموس ملك مصر بسبب الهجوم السوري، ويتجمع الشعب المصري وراء ملكه لينتقموا لأنفسهم من السوريين، ويتأهب جيش عظيم للسير نحو الشمال لمحاربة سوريا. ويقال أن جيش بطليموس كان مكوناً من 70000 من الجنود المشاة، و5000 فارس، و73 فيلاً. وعندئذ يخرج أنتيوخوس ملك الشمال وقد أعد جيشاً عظيماً لمواجهة الهجوم المصري، ولكن ملك الشمال أصيب بهزيمة ساحقة، ويقول جيروم Jerome أن أنتيوخوس خسر كل جيشه، وكاد يقع أسيراً في يد ملك الجنوب لولا أن بادر بالهرب إلى الصحراء، وهكذا تمت النبوة "فيسلم الجمهور في يده" أي أن جيش ملك الشمال الكثير العدد وقع في يد ملك الجنوب.

"فإذا رفع الجمهور يرتفع قلبه ويطرح ربوات ولا يعتز" (دانيال 11: 12)

عندما يهزم بطليموس ملك مصر، أنتيوخوس ملك سوريا، ويجرف جمهور جيشه أمام القوات المصرية وهذا ما تعنيه الكلمات "فإذا رفع الجمهور" أي إذا جرف الجيش وهزم "يرتفع قلبه" أي يرتفع قلب بطليموس فيتكبر بسبب نصرته "ويطرح ربوات" أي يهزم الألوف، وقد تم هذا حرفياً في معركة رفح التي هزم فيها بطليموس أنتيوخوس، ويقول بوليبيوس Polybius المؤرخ اليوناني "أن السوريين خسروا 10000 من الجنود المشاة، و300 من الفرسان، و5 فيلة، كما وقع في الأسر 4000 أسير".

لكن هذا النصر العظيم لم يكن سبباً في تقوية ملك الجنوب ولذا تقول النبوة "ولا يعتز" أي لا يصبح قوياً بهذا النصر، والسبب هو أن بطليموس كان رجلاً منغمساً في الملذات وقد احتفل بنصرته بالإغراق في شهواته ولم يستطع أن يجعل من نصرته الساحقة قوة لنفسه.

"فيرجع ملك الشمال ويقيم جمهوراً أكثر من الأول ويأتي بعد حين بعد سنين بجيش عظيم وثروة جزيلة" (دانيال 11: 13).

استطاع أنتيوخوس أن يجمع جيشاً كبيراً بسبب نجاحه في غزو الشرق، وهو الآن يعود لمحاربة ملك الجنوب "بعد سنين" بجيش عظيم وثروة جزيلة، ويمكن ترجمة عبارة "ثروة جزيلة" إلى "معدات حربية كثيرة"، وقد حدثت هذه الحرب بعد 13 سنة من هزيمة أنتيوخوس في رفح.

"وفي تلك الأوقات يقوم كثيرون على ملك الجنوب وبنو العتاة من شعبك يقومون لإثبات الرؤيا ويعثرون" (دانيال 11: 14).

"يقوم كثيرون" الإشارة هنا إلى أنتيوخوس الذي تحالف مع فيليب المقدوني، وربما تشير كذلك إلى المتمردين الذين ظهروا في مصر، وكل هؤلاء قاموا على "ملك الجنوب" ملك مصر وكان "بطليموس فيلوباتور"، وزوجته الملكة قد ماتا بطريقة غامضة، وخلفه ابنه الغلام الصغير بطليموس الخامس سنة 203 قبل الميلاد.

"وبنو العتاة من شعبك يقومون لإثبات الرؤيا ويعثرون" بنو العتاة هم الظالمون القساة، وفي ترجمة أخرى "اللصوص، The Robbers".. هؤلاء قاموا ضد ملك الجنوب خيانة وظلماً، رغم الإحسانات الكثيرة التي أغدقها ملوك البطالسة على اليهود – أي بني العتاة هنا "من شعبك" أي من اليهود شعب دانيال. وعبارة "يقومون لإثبات الرؤيا ويعثرون" قد تعني أحد معنيين، محاولتهم إثبات الرؤيا التي رآها دانيال بوقوفهم ضد ملك الجنوب، أو أن وقوفهم هذا أدى إلى "إثبات الرؤيا" إشارة إلى الاضطهاد الفظيع الذي أوقعه عليهم أنتيوخوس أبيفانس. ولكنهم "يعثرون" أي يفشلون في غرضهم وربما يسقطون في الحرب.

"فيأتي ملك الشمال ويقيم مترسة ويأخذ المدينة الحصينة قلا تقوم أمامه ذراعا الجنوب ولا قومه المنتخب ولا تكون له قوة للمقاومة" (دانيال 11: 15)

إذ تشجع المصريون بقوة روما المتزايدة، والتي هددت سوريا، قامت الجيوش المصرية بقيادة "سكوباس Scopas" لمحاربة ملك الشمال، ولكن ملك الشمال استطاع هزيمة سكوباس عند مدينة بانيس Paneas، قرب منابع مياه نهر الأردن، ومن ثم أرغم "أنتيوخوس" "سكوباس" على الاستسلام عند صيدون التي تسميها النبوة "المدينة الحصينة" وهي المدينة التي استولى عليها الملك السلوقي ما بين سنة 199 – 198 قبل الميلاد.

"فلا تقوم أمامه ذراعا الجنوب ولا قومه المنتخب ولا تكون له قوة للمقاومة" (دانيال 11: 15)

والذراع في الكتاب المقدس ترمز إلى القوة (مزمور 71: 8) فقوة ملك الجنوب لا تستطيع الصمود أمام قوات ملك الشمال، كما لا يستطيع أفضل جنوده الصمود، ولا تبقى لديهم قوة للمقاومة.

"والآتي عليه يفعل كإرادته وليس من يقف أمامه ويقوم في الأرض البهية وهي بالتمام بيده" (دانيال 11: 16) الآتي هنا هو ملك الشمال، أنتيوخوس الذي تسيطر عليه نشوة النصر فيفعل كإرادته، وليس من يقف أمامه، ويستولي على الأرض البهية، الأرض المقدسة فلسطين، وتصبح تحت سيطرته التامة.

"ويجعل وجهه ليدخل بسلطان كل مملكته ويجعل معه صلحاً ويعطيه بنت النساء ليفسدها فلا تثبت ولا تكون له" (دانيال 11: 17)

إذ يشعر ملك الشمال بتهديد روما "يجعل وجهه" أي يقرر أن يقوم بعمل صلح سياسي مع ملك الجنوب، ويعطي أنتيوخوس ملك الشمال ابنته كليوباترا زوجة للملك الغلام الصغير بطليموس الخامس ملك الجنوب الذي كان في ذلك الوقت في السابعة من عمره.

و"كليوباترا" تسمى في النبوة بنت النساء على اعتبار أنها حوت في شخصيتها جمال وجاذبية وحيل النساء، وربما يكون المعنى أنها "بنت النساء" إذ تربت على أيدي مربيات من النساء. ونسبتها إلى "النساء" لا إلى أبيها يظهر تأثير النساء على حياتها.

ولقد كان غرض أنتيوخوس من تزويج ابنته كليوباترا للملك الغلام بطليموس الخامس غرضاً سياسياً. وكلمة "ليفسدها" قد تعني إفساد كليوباترا بإدخالها في اللعبة السياسية، وقد تعني إفساد المملكة المصرية بواسطة ولاء كليوباترا إلى أبيها.

ولكن أنتيوخوس فشل في هدفه السياسي لأن ابنته كليوباترا حين تم زواجها الفعلي بعد سنين من بطليموس وقفت دائماً إلى جانب زوجها ضد أبيها وهكذا لم تثبت خطته ولم تكن ابنته في صفه.

"ويحول وجهه إلى الجزائر ويأخذ كثيراً منها ويزيل رئيس تعييره فضلاً عن رد تعييره عليه. ويحول وجهه إلى حصون أرضه ويعثر ويسقط ولا يوجد" (دانيال 11: 18 و 19)

يتجه أنتيوخوس ملك الشمال بعد فشل خطته في مصر بغزو جزر البحر الأبيض المتوسط وعلى الأخص جزر آسيا الصغرى "ويأخذ كثيراً منها".

"ويزيل رئيس تعييره فضلاً عن رد تعييره عليه" (دانيال 11: 18)

ابتدأ التيار في التحول ضد أنتيوخوس الأكبر، عندما جاء "رئيس" هو القنصل الروماني "لوسيوس سيسبيو أسياتيكوس Lucius Scipio Asiaticus" وهو الرجل الذي قال عنه يونج أنه تسبب في هزيمة أنتيوخوس وطالب أنتيوخوس بالتوقف عن توسعه، وكانت لهجة الرئيس الروماني شديدة أحس فيها أنتيوخوس نغمة التعبير، فبدأ في معاملة السفراء الرومان باستهزاء في اجتماع عقد في ليسماخيا Lysimachia وقال لهم بغرور وازدراء "إن آسيا ليست تحت سيطرة الرومان، وأنا لا أخضع لأوامرهم" وهكذا "رد تعييره عليه"

لكن غروره كان بداية انهياره

بعد أن هزم أنتيوخوس القوات المصرية، اتجه إلى مواجهة التهديد الآتي من الغرب وحاول غزو اليونان وفشل في غزوه فشلاً ذريعاً وهزم هزيمة منكرة سنة 191 ق.م. عند ثيرموبالي Thermopylae شمال أثينا، ثم سنة 189 ق.م. عند ماجنيسيا Magnesia جنوب شرق أفسس وكانت هزيمته بواسطة الجنود الرومان تحت قيادة الجنرال سيسبيو Scipio الروماني. وهكذا تمت النبوة "ويحول وجهه إلى حصون أرضه" إذ أنه فشل في غزو حصون الأراضي اليونانية، كان عليه أن يحمي حصون أرضه هو ولكنه فشل فشلاً نهائياً وتمت الكلمات "ويعثر ويسقط ولا يوجد".

"فيقوم مكانه من يعبر جابي الجزية في فخر المملكة وفي أيام قليلة ينكسر لا بغضب ولا بحرب" (دانيال 11: 20).

تتحدث هذه النبوة عن الملك السلوقي، الذي ملك في الحقبة ما بين زمن أنتيوخوس الأكبر وأنتيوخوس أبيفانس، وهو الملك "سيليكوس الرابع Selecus IV".. فبسبب تزايد قوة روما، اضطر إلى دفع جزية للرومان قدرها ألف وزنة كل سنة. ولكي يستطيع توفير هذا القدر الكبير من المال كان لابد لسيليكوس أن يضع ضرائب خاصة من اليهود تحصل منهم بواسطة "جابي الجزية" ويذكر السفر التاريخي سفر المكابيين أن اسم هذا الجابي كان "هيليودوروس رئيس الوزراء Heliodorus" وقد أخذ هذا الرجل كنوزاً من الهيكل في أورشليم. ويقول "زوكلر Zockler": "بعد تعيين هيليودوروس بوقت قصير جداً لنهب الهيكل انتهى سيليكوس فجأة وفي ظروف غامضة ربما عن طريق سم وضعه له هيليودوروس" وتمت النبوة بدقة رائعة.

هذا كله قاد إلى الاضطهاد العظيم الذي أوقعه أنتيوخوس أبيفانس على اليهود من الشعب القديم.

أنتيوخوس أبيفانس ووقت النهاية
الصفحة
  • عدد الزيارات: 23459