Skip to main content

الأصحاح الثالث - عدد 14-15

الصفحة 13 من 15: عدد 14-15

وقال لا يُعلَم أن المرأة جاءت إلى البيدر. ثم قال هاتِ الرداء الذي عليك وأمسكيه. فأمسكته. فاكتال لها ستة من الشعير ووضعها عليها. ثم دخل المدينة ( ع 14و15)

لماذا هذه السرية؟ لقد كان أمراً غير مشرف لبوعز أن تتركه راعوث. لقد تركت من كان سيساعدها، حتى تعطي الفرصة لولي آخر، أقرب من بوعز، أن يأتي ليقضي لها حق الولي. بتعبير آخر لم يكن بوعز هو الكل بالنسبة لها.

إن الرب عمل كل شيء لنا، وإنها لإهانة له أن نتخذه كمساعد لنا فقط لحفظ الناموس وتهذيب أنفسنا. فهو قد جُعل خطية لأجلنا لأننا كنا في حالة لا يجدي معها إصلاح، وما كان عند الله من علاج لنا سوى القضاء والدينونة، ليس فقط بسبب خطايانا ولكن أيضاً بسبب طبيعتنا الشريرة الخاطئة. والآن، وبعد أن أكمل الرب العمل كاملاً فإن الكثيرين يحقِّرون - ربما عن عدم إدراك، ولكن هذا هو الواقع - الجانب الأهم من عمله. فهو قد احتمل القضاء الذي على طبيعتنا الشريرة الخاطئة، بينما هم يحاولون إصلاح هذه الطبيعة القديمة لكي يبقوا أمام الله كأحياء، متخذين الناموس وسيلة لذلك، وكل ما يطلبونه من الرب هو أن يعطيهم فقط المعونة والقوة لكي يتمموا الناموس.

ولكن الرب لا يستطيع أن يساعدنا في هذا الأمر، فهو يعلم أنه مستحيل، وهذا ما استلزم أنه يُجعل خطية لأجلنا، إذ كنا في حالة لا تقبل إصلاحاً. وهو الآن في السماء ليس لكي يمجد الناموس. لذلك فإن محاولة حفظ الناموس هي إنكار تام لضرورة عمل المسيح في الفداء، بل هي إنكار للعمل ذاته. فالرب قد أكمل كل ما هو لازم لعتقنا من سلطان الخطية والشيطان والعالم والموت. لذلك فهذه إهانة له عندما نظل في الموضع الموصوف في رومية 7 بالقول «ويحي أنا الإنسان الشقي، من ينقذني من جسد هذا الموت». فمن هو في مثل هذه الحالة لا يسمى مسيحياً في الكتاب. وإنما فقط بعد أن أُعتقنا وقبلنا الروح القدس صرنا مسيحيين بالفعل (رو 10:8). عندئذ ختمنا الله بالروح القدس (أف 13:1). لهذا السبب لا يذكر الروح القدس في الأصحاحات السبعة الأولى من الرسالة باستثناء القرينة الواردة في رومية 5:5. نعم لا يشرف الرب أن يعرف أن امرأة كراعوثقد أتت إلى البيدر. فهذا وضع يتناقض تماماً مع كمال عمله.

على أية حال، فإنه على الرغم من أن بوعز لم يستطع أن يعترف علانية براعوث كمن اتحدت به، إلا أن نعمته وإحسانه وصلاحه من جهتها لم تتغير أو تنقص «إن كنا غير أمناء فهو يبقى أميناً لا يقدر أن ينكر نفسه» (2تي 13:2). حقاً...

هل صديقٌ كيسوعَ قادرٌ بَـرٌّ أمين

فمتى وُجدنا في محضره لا يمكن أن ننصرف منه فارغين، بل يحمِّلنا بغنى خيراته وبركاته.

ولنلاحظ ما أعطاه بوعز لراعوث. ففي نهاية الأصحاح الثاني رأينا راعوث وقد اجتهدت في عملها حتى نهاية حصاد الحنطة وهي تلتقط. ورأينا في ذلك صورة للمؤمن وقد صارت له ذات طبيعة وكيان الرب يسوع (يو 24:12). وهذا ما يقوده إلى الاتحاد بالمسيح، وبالتالي بالكنيسة (أف 23:1، 6:3، 16:4). ولكننا هنا في الأصحاح الثالث نرى أن راعوث لم تكن قد بلغت هذا الحق عملياً. فعادة ما تكون معرفتنا أكبر مما نمتلكه عملياً. ولكن الرب ينظر إلى الواقع الحقيقي ويتعامل معنا بحسبه. لذلك فإن الأصحاح الثالث لا يكلمنا سوى عن الشعير ولا تذكر فيه الحنطة. فقد كان بوعز يذري «بيدر الشعير». ومنه أعطى راعوث. لاشك أنه أعطاها شعيراً خالصاً بلا تبن، لذلك لم يكن عليها أن تخبطه كما فعلت في أصحاح 2. والسبب فى أنه كان خالياً من التبن هو أن بوعز بنفسه قد قام بتذريته، إلا أنه كان شعيراً وليس حنطة. فالشخص الذي في رومية 7 لا يستطيع أن ينشغل بالكنيسة، إذ لابد له أن يعتق من سلطان الخطية والموت، ويجب عليه أن يتناول شعيراً صافياً، الذي سبق أن رأينا أنه يشير إلى حياة القيامة. فهو يمثل حياة قد اجتازت الموت، لذلك فهي لم تعد تحت سلطانه. فالشعير يأتي بنا إلى الضفة الثانية من الموت، حيث لا موت بعد، ولا خطية، ولا ناموس.

اكتال بوعز ستة من الشعير لراعوث، ولا نعلم ما هو المكيال الذي اكتال به. ولكننا نعلم أن بوعزنا لا يعطي بشح. ولا شك أن ما أخذته راعوث كان مؤونة كبيرة، إذ أن بوعز وضعها عليها. فلو كان ما أعطاها قليلاً لرفعته هي بنفسها. ولكن عدم ذكر المكيال يدعونا لأن لا نركز على سعته، وإنما على العدد. فالعدد "ستة" هو عدد أيام عمل الإنسان في أسبوع، فهو يشير إلى العمل المعين للخليقة. إن البركة التي يعطينا الرب إياها عملياً لن تتجاوز إطلاقاً حالتنا الفعلية، فلم يكن ممكناً أن يبارك الرب إسرائيل ببركات المسيحية ولا أن يعطي لمن لم يزل في رومية 7 فرحاً بكل البركات العجيبة التي تتكلم عنها رسالة أفسس، وإنما يعطيه بركات تتفق عملياً مع حالته الفعلية في محاولاته لتتميم الناموس. فمثل هذا لن يأخذ سوى ستة مكاييل وليس سبعة كما حدث مع راعوث. ولكنها ستأخذ المكيال السابع المخفي فيما بعد في الأصحاح الرابع، وما ذلك المكيال سوى بوعز نفسه. فمتى صرنا واحداً مع المسيح فإننا سنمتلك كل شيء، كل غناه، بل نمتلكه هو ذاته، كما يكتب الرسول يوحنا إلى الآباء «كتبت إليكم أيها الآباء لأنكم عرفتم الذي من البدء» (1يو 13:2و14) وهذا يشتمل على كل شيء.

فإن كنا نريد أن نمتلكه فعلينا أن نعمل الشيء الواحد الذي الحاجة إليه فقط، وهو أن نبقى عند قدميه (لو 38:10-42)، عندئذ سنأخذ سبعة مكاييل من الحنطة، وياله من نصيب عجيب أن نكون في حالة التمتع العملي بكوننا واحداً معه. ما ألذ أن تكون لنا الشركة مع الآب ومع ابنه، فهذا ما يمنحنا الفرح الكامل (1يو 3:1و4). ولكن إن كنا نريد التمتع بهذا النصيب فعلينا أن نضع في الاعتبار احتمالات أن يساء فهمنا من الجميع ماعدا الرب. سيساء فهمنا من مرثا أختنا، وربما من لعاذر أخينا، أو من يهوذا الرسول (يو 12)، بل أيضاً من جميع التلاميذ (مت 8:26). نعم، حتى زوجتي وأقاربي ربما يتحولون إلى أعداء لي (مت 36:10، لو 26:14،27).

فماذا تختار إذاً؟ أفليس هو بمستحق أن أتحمل من أجله كل هذه الأحزان والتجارب؟ أوليست الشركة معه أفضل من كل شيء؟ إن هذا فكر ثمين، فقد كانت تعزية الرب في كل أحزانه في أن يجد واحداً فقط قد طرح وراء ظهره كل شيء ليكون خالصاً له وحده (تك 67:24). لقد تحولت راعوث عن بوعز ودخلت المدينةكانت هذه مدينة شعب الله ولم تكن مكاناً مذموماً، ولكنها لم تكن ذاهبة إلى بوعز نفسه. فحتى الكنيسة قد تأخذنا منه. ومتى كانت هذه هي الحالة فإن بوعز لا يستطيع أن يعطي راعوث أكثر من ستة من الشعير.

عدد 16-17
الصفحة
  • عدد الزيارات: 26002