Skip to main content

الأصحاح الثامن عشر

ما من حقيقة يعلمها لنا الكتاب أكثر وضوحاً من حقيقة الحاجة إلى الانفصال بين الطاهر والنجس؟ بين من يحب الحق ومن يسلك ضده. فالانفصال عن الشر أمر لابد منه؟ وكل من يود أن يكرم الله لابد وأن يسلم بهذه الخطوة؟ سواء أكان الانفصال عن إخوان الشر؟ أم عن الشر التعليمي. والكلمة واضحة «أخرجوا من وسطهم واعتزلوا يقول الرب ولا تمسوا نجساً فأقبلكم» (2كو6: 17). والسلوك بالانفصال عن كل ما هو نجس؟ ورفض الشركة مع الأشخاص الذين يشتركون في خطايا الآخرين؟ هو المسلك الوحيد الجدير بكل مسيحي يرغب في التمتع برضى الرب أكثر من أي شيء آخر.

على أن هنالك انفصالاً أو اعتزالاً يختلف عما أشرنا إليه؟ وهذا الاعتزال تدينه كلمة الله؟ هو ما في العدد الأول:

1  المعتزل يطلب شهوته. بكل مشورة (أو بكل حكمة صحيحة) يغتاظ.

فارق كبير بين شخص يعتزل عن الشر في طاعة وتواضع وخضوع لله؟ وآخر تدفعه الكبرياء والاستعلاء للانفصال عمن يرفضون الشر؟ وذلك ليطلب شهوته وملذاته. مثل أولئك الذين نقرأ عنهم في رسالة يهوذا «هؤلاء هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيون لا روح لهم (أي ليس لهم الروح القدس)» (يه19). أناس من هذا الصنف هم «مدمدمون متشكون سالكون بحسب شهواتهم وفمهم يتكلم بعظائم يحابون بالوجوه من أجل المنفعة» (يه16). وإنه لمن المحزن حقاً - كما هي الحال في كثير من الأحيان - أن يقع مسيحيون حقيقيون في نفس طرق هؤلاء المعترفين المزيفين. وهكذا نجد مؤمنين؟ هم بلا ريب مولودين من الله؟ وبلا ريب أيضاً موهوبون؟ ولكنهم بالطبيعة جامحون عنيدون. أمثال هؤلاء يسيرون مع إخوتهم طالما سلّموا بأقوالهم واعترفوا بسلطانهم؟ أما إذا وُجدت هناك نية لعدم اتباع مشورتهم؟ عندئذ تأبى كبرياؤهم أي محاولة لرفض مشورتهم. فإما أن يكون ما أشاروا به؟ وإما أن يتركوا الجماعة؟ ويبدأوا في مشروع أكثر ملاءمة لميولهم. هذه هي الطبقة التي تعتزل؟ ليس لمجد الرب؟ بل لملذاتهم. وإذ يفعلون ذلك؟ تثور فيهم عاطفة الغضب ضد كل حكمة؟ والافتراء على أولئك الذين لا يجعلون المكانة الأولى لآرائهم.

إن الاعتزال؟ أو الانفصال عن الشر بأنواعه؟ صواب وبحسب كلمة الله. غير أن الاعتزال عما هو من الله؟ إنما هو بدعة وهرطقة. معناه إعطاء الحرية للإرادة البشرية في أن تختار؟ متجاهلة سلطان كلمة الله؟ وروح الله.

كما أنه حتى في حالة وجود أمور لا تطيّب الخاطر بين أولئك الذين يطلبون أن ينقادوا حسب كلمة الله؟ أمور من الصعب إصلاحها؟ الأمر الذي يجعل الإخوة الأتقياء والحريصين يتحركون ببطء؟ فإن التحول عما أقامه الله؟ خطأ عظيم. فهي غلطة كبرى أن أعزل نفسي لأنني أزعم أن فلاناً يجب أن تؤدبه الجماعة. على أن مثل هذه الأمور إنما هي؟ حيث تتوفر الروح المتواضعة؟ فرصة طيبة لانتظار الرب؟ وتدريب ضمائر القديسين رفقائي. إنما الأشخاص العنيدون هم الذين يتناولون الأمور بأنفسهم؟ وإذ يعجزون عن التأثير على الضمائر الحساسة؟ يعزلون أنفسهم؟ ويهتاجون على إخوتهم. ولقد كان اسكندر النحاس رجلاً من هذا الصنف؟ إذ كان؟ كما يبدو؟ شريكاً لهيمينايس المذكور في 1تيموثاوس1: 20؟ وإذ ترك الحق؟ أصبح يقاوم المدافعين عن الحق في أشد مرارة (2تي4: 14؟15).

2. الجاهل لا يُسرّ بالفهم بل بكشف قلبه.

اقرأ ملاحظاتنا عن 15: 14. ما من شيء يميز الجاهل مثل ازدرائه بالتأديب؟ وعدم اهتمامه بالفهم. فهو يكشف؟ حتى لمجرد الأشخاص العابرين؟ عن الجهالة التي في قلبه؟ وذلك بالكلمات التافهة التي تتساقط من شفتيه. لاحظ توبيخ الرب للفريسيين الذين لا يسرون بالفهم (مت 23: 17-19).

3. إذا جاء الشرير جاء الاحتقار أيضاً. ومع الهوان عار.

إن التمرد على القيود والتصرف بموجب الإرادة الذاتية؟ ينشئ خزياً وتعييراً. ومن يعتز بثقة إخوته؟ وباحترام أصدقائه؟ لابد أن يظهر روح الخضوع من جانبه. الروح التي تنبئ عن ذهن صاحٍ؟ وشخصية مفكرة؟ تقدّر قيمة الكمال. وعكس هذه الروح تخلق الهوان آخر الأمر؟ مهما ارتفعت الرأس إلى حين. انظر فشحور (إر20: 1-6).

4. كلمات فم الإنسان مياه عميقة. نبع الحكمة نهر مندفق.

القلب هو النبع الذي تفيض منه هذه المياه. على أن تدبيرنا المسيحي يمتاز بسكنى الروح القدس في كل مؤمن؟ حيث يخلق ينبوعاً عجيباً للحكمة أكثر مما حصل عليه أحكم رجال العهد القديم. فالروح القدس هو الذي تكلم عنه سيدنا يوم قال «إن عطش أحد فليقبل إليّ ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حيّ» (يو7: 37؟38). لقد حاول المفسرون عبثاً أن يفتشوا عن فصل الكتاب الذي يشير إليه سيدنا المبارك؟ ولكن أليس من المحتمل أن الفقرة التي نتأمل فيها الآن؟ هي (وربما غيرها أيضاً) كانت في أفكار سيدنا وهو يتكلم؟ إن النفس العطشى تجد في المسيح «حكمة الله». وإذ تثق به تحصل على تلك السكنى الإلهية التي تجعل الحكمة؟ كنهر ماء يندفق من الكيان كله؟ لإنعاش وفرح الآخرين المساكين.

إن ربنا يسوع كان يلفت النظر إلى شهادة الكتاب بوجه عام؟ ولكن في هذا المثل نجد أن التشبيه المستعمل هنا هو عينه الذي استخدمه سيدنا لتصوير الحق الذي كان يعلنه له المجد. انظر استفانوس (أع 6: 8؟10).

5. رفع وجه الشرير ليس حسنا لأخطاء الصديق في القضاء.

كم من مرة نرى الديان العادل يشدّد على محاباة القضاء من جانب أولئك القائمين على تمثيله تعالى في محاكم الناس؟؟! وإذا كان تعالى يعلن نفوره من الأحكام الزائفة المغرضة التي تصدر من محاكم العالم؟ فكم بالحري تكون غيرته مضاعفة إزاء أحكام قديسيه! انظر كلمته بفم موسى والإعلانات المعطاة لنا بواسطة رسوله بولس (تث1: 16؟17؟16: 18-20؟1كو6: 1-7).

6. شفتا الجاهل تداخلان في الخصومة وفمه يدعو بضربات. 7. فم الجاهل مهلكة له. وشفتاه شرك لنفسه 8. كلام النمام مثل لقمة حلوة وهو ينـزل إلى مخادع البطن.

(انظر ص26: 20-22). إن الجاهل على استعداد دائماً أبداً للخصام؟ وفمه يتفوه بأقوال طائشة مُرّة؟ متعللاً بأشد التعليلات تفاهة؟ كما أن شفتيه تطلبان التعنيف الصارم؟ وستكونان مهلكة له إذا لم يندم. إنه يُسرّ بالوشاية والفضائح؟ ينشر أقاصيص شريرة؟ وكأنها أطعمة مختارة تحت لسانه؟ وملأ قلبه بما هو نجس وملتوٍ. يعطي آذاناً مصغية للنمام الهامس ويقلد أساليبه. ومن هذا النوع كان قورح وداثان وأبيرام (عد16).

9. أيضاً المتراخي في عمله هو أخو المسرف.

الأول يضيع وقته؟ والآخر يضيع مقتنياته؟ وكلاهما إلى الفقر؟ كما فعل الابن الضال والابن غير المطيع (لو15؟مت21: 30).

10. اسم الرب برج حصين يركض إليه الصديق ويتمنع.

«اسم الرب»؟ كناية عن الرب نفسه. فإذ تركض إليه؟ كما إلى حصن منيع؟ معناه الثقة فيه وقت الضيق. وهذا هو امتياز كل قديس حقيقي. «لاتهتموا بشيء بل في كل شيء بالصلاة والدعاء مع الشكر لتعلم طلباتكم لدى الله. وسلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ (أي يحرس ويحمي) قلوبكم وأفكاركم في المسيح يسوع» (في4: 6؟7). نعم فإن كل ما يحيرنا ويضايقنا يجب أن نضعه في أذني إلهنا؟ وحينئذ تستطيع النفس أن تدع الكل بين يديه؟ واثقة في محبته. وهكذا يكون القلب في سلام؟ محروساً؟ كما في حصن منيع؟ مهما يكن هياج العدو. انظر صورة لهذا المثل في حصن أو برج تاباص (قض9: 50-57).

11. ثروة الغني مدينته الحصينة ومثل سور عال في تصوره.

كم يختلف حصن الإنسان هذا عن برج الرب. الإنسان؟ الذي إذ يجهل اسم الرب؟ يثق في ثروته؟ زاعماً في تصوره؟ أنه إلى الأبد في أمان. غير أن الغنى سرعان ما يزول؟ ويترك ذاك الذي جعله معتمده وموضوع ثقته؟ مهجوراً وحيداً. وكم من مرة وبّخ المخلص الكريم أولئك الذين يعتمدون على الغنى غير المضمون! (انظر بوجه خاص لو6: 24؟مر10: 24).

12. قبل الكسر يتكبر قلب الإنسان وقبل الكرامة التواضع.

راجع ملاحظات ص 16: 18. من الضروري جداً للأشخاص الذين يستسلمون للكبرياء؟ أن يتذكروا دائماً نتائج الكبرياء المرعبة. فهي النذير المحقق للكسر. ومن الجهة الأخرى؟ ترى أن التواضع بشير الكرامة. والله يسر أن يرفع المتواضعين. يقال أن الترجمة الهندية للكلمة "تواضع" هي "التراب". فهناك المثل السائر عندهم "سر أبداً على التراب؟ إنه لن يرد جواباً" فالتواضع معناه نسيان الذات؟ معناه روح الوداعة؟ الذي هو قدام الله كثير الثمن. ادرس جيداً كلمته لباروخ (إر45: 5)؟ وانظر كيف أن الشق الأول من العدد الذي أمامنا ينطبق على عزيا (2أي26: 16)؟ كما يتمثل الشق الآخر في ابنه يوثام (2أي6:27).

13. من يجيب عن أمر قبل أن يسمعه فله حماقة وعار.

إن الأحكام الطائشة القائمة على دليل من وجه واحد؟ أو التى تم التوصل إليها بالقفز إلى النتائج؟ تعرّض غير الحكيم للعار عند فحص الأمر فحصاً دقيقاً؟ فيظهر أنه تكلم دون أدلة كافية. ومثل هذه الأحكام ليست قليلة؟ حتى بين المؤمنين الذين يجدر بهم أن يتعلموا من هذا العدد. ولكن ربما كان الشاب أكثر تعرضاً لهذه المصيدة؟ وبوجه خاص عندما لا توجد حدود للثقة في الذات. انظر حكم داود الخاطئ فيما يتعلق بصيبا ومفيبوشث (2صم16؟19).

14. روح الإنسان تحتمل مرضه أما الروح المكسورة فمن يحملها؟!

حينما أقام يهوشافاط مغنيين للرب في طليعة الجيش؟ أخذت النصرة ترفرف على أجناده. أجل؟ وعندما تملأ روح التسبيح أرجاء النفس يقدر الإنسان أن يرتفع فوق ضعفات الجسد وتجارب الطريق. أما إذا ضاعت البهجة وانكسرت الروح؟ فالهزيمة محققة. ويستطيع القديس أن يفرح في الرب مهما كانت الظروف؟ هذا إذا لم تنقطع الشركة؟ وكان الضمير حراً. وحينئذ يصير الضعيف بطلاً وينتصر في الميدان. انظر كلمات نحميا للبقية الراجعة (نح8: 10).

15. قلب الفهيم يقتني معرفة وأذن الحكماء تطلب علماً.

شدّد النبرة على الكلمتين "يقتني" و"يطلب". إن الحكيم الفهيم إذ يطلب المعرفة ساعياً إليها؟ يحصل عليها ويقتنيها؟ على أن المعرفة ليست عبارة عن جمع كمية من المعارف والمعلومات؟ بل هي تفتيش يومي عن العلم الصحيح؟ أي الحق المطلق؟ كما هو معلن في كلمة الله؟ الحق الذي ينشئ إنارة للإنسان النـزيه في تقواه. (انظر عزرا7: 10).

16. هدية الإنسان ترحب له وتهديه إلى أمام العظماء.

وازن هذا مع ص 25: 14. أما العدد الذي أمامنا فيمكن معالجته من زاويتين؟ الطبيعية والروحية. أما أولاً؟ فالمعنى واضح. فالإنسان الذي يمنح أفضالاً للمرؤوسين؟ يمهد طريقه بسهولة إلى حضرة الرئيس. هذه طريق مألوفة من جانب الذين يريدون مقابلة العظماء؟ حيث لا تتوفر لهم حظوة القبول. ولا حاجة بنا إلى التأمل طويلاً في هذه الناحية.

أما إذا تفكرنا في الهدية؟ أي العطية؟ بالمعنى المستعمل في الرسائل؟ العطية أو العطايا التي يمنحها المسيح المُمجَد لخدامه لبنيان جسده؟ فهذا يأتي بنا إلى درس خطير فإن صاحب الموهبة ليس بحاجة أن يقحم نفسه. أن موهبته ترحب له؟ تفسح له المجال؟ تماماً كما يحدث في الميدان الطبيعي إزاء الهدية المادية. وبمعنى آخر؟ أن المؤمن الذي استودعه الرب خدمة؟ لا يجب أن يكون متزلفاً؟ بل ليواصل طريقه بأمانة؟ والسيد الذي يخدمه لابد أن يقوده إلى الطليعة في الوقت المعين؟ إذا كان هذا بحسب مشيئة الرب. أما الثقة في الذات؟ فيجب أن تتلاشى تماماً في خادم المسيح. بل إن طاعة الوداعة للسيد؟ مقترنة بشوق المحبة للخدمة لأجل اسمه الكريم ومن أجل خاطره؟ هي ما ينبغي أن يميز صاحب الموهبة أكثر من أي شيء آخر. (انظر عاموس7: 14؟15).

17. الأول في دعواه محق. فيأتي رفيقه ويفحصه.

(انظر ع13). وإنه ليس من الحكمة في شيء أن تسمع قضية من جانب واحد؟ خاصة إذا كان الأمر يتعب ويزعج قديسي الله؟ ثم تعطي رأيك أو حكمك بناء على المعلومات المقدمة إليك. فمهما يكن مصدر تلك المعلومات؟ ومهما يكن محايداً؟ فهو إنما يحدثك جزئياً ومن جانب واحد. ومن هنا كانت حكمة الاستماع؟ ليس فقط من الطرفين بل - إذا كان ميسوراً - سماعهما معاً في مواجهة أحدهما الآخر. فإن معظم الناس يعرضون قضاياهم سليمة الأركان؟ إذا كانوا وحدهم؟ لأنه قد أصبح شيئاً طبيعياً للإنسان الساقط أن يبرر نفسه؟ وذلك منذ حاول آدم أن يلقي اللوم في خطيته على الله. ولذلك فإن القطع برأي في قضية ما على أساس شهادة من طرف واحد؟ أمر لابد أن ينتج عنه إسقاط العدالة. انظر شاول وصموئيل (1صم15: 13؟14).

18. القرعة تبطل الخصومات وتفصل بين الأقوياء.

(انظر ملاحظاتنا عن 16: 33). قديماً حين كان يتجلى عدم جدوى النقاش؟ وفي الخلافات التي تصعب تسويتها كانوا يلجأون إلى القرعة بوصفها الإجراء النهائي للتسوية. وهذا كان وقت لم تكن كلمة الله قد اكتملت بعد؟ ولم يكن الروح القدس قد سكن في أولاد الله بعد. فالكلمة مستخدمة في قوة الروح القدس؟ هي التي أُعطيت لنا بدلاً من دار القضاء؟ وهي الملجأ الأخير في تدبير النعمة الحاضر. إن أورشليم بسبب خطيتها؟ تُركت وليس لها من يلقي حبلاً أو قرعة للفصل في الخصومات؟ ديس العدل ولم يعد موجوداً (ميخا2: 5). وفي هذا تحذيراً لنا نحن المؤمنين لئلا نتجه إلى كلمة الله للإرشاد عبثاً؟ إذا كانت طرقنا غير بارة. ومكتوب «يدرب (يهدي) الودعاء في الحق ويعلم الودعاء طرقه» (مز25: 9).

19. الأخ أمنع من مدينة حصينة والمخاصمات كعارضة قلعة.

(انظر ملاحظاتنا عن 17: 14). ليس هناك عقدة أشق وأصعب حلاً من تلك التي تتصل بالاخوة الذين كانوا مرة مرتبطين برباط المحبة الصادقة. فإذ تحاول أن تربح أخاً مساءاً إليه؟ فذلك أصعب منالاً من إخضاع مدينة ذات أسوار. ذلك أن كل واحد من الطرفين يحاول أن ينظر إلى ما يفعله الآخر بعين الارتياب وسوء الظن؟ نتيجة انعدام الثقة بين النفوس. وإذ يحتمي كلاهما خلف عوارض (أو قضبان) الكبرياء المجروحة؟ ولا يريد أن يواجه الأمر بالنسبة إلى الله؟ فإنه من المستحيل لكلاهما أن يرضى بأن تتغلب عليه النعمة والاتضاع.

ولكن ما أيسر أن يذلل القديس نفسه من أول الأمر؟ من أن يحاول ذلك بعد فوات شهور وسنوات من بدء الخصام! هنالك عدد من الخصومات كان يمكن تسويتها في وقت قصير جداً؟ لو أن كلا الطرفين كانا على استعداد للاجتماع في هدوء قدام الرب للنظر فيما بينهما من اختلاف. على أن اللحظة المناسبة متى فاتت فقد لا تتكرر فترة طويلة من الزمن. وليتنا حينما نكون عرضة لإطالة مدى الخصومة؟ أن نتذكر الإهانة التي تلحق اسم الرب من وراء ذلك. وليكن لنا إنذار كاف من هذا المثل الذي لا يمت للمحبة بشيء؟ مثل النـزاع الذي كان بين رجال يهوذا وإسرائيل؟ مع ما خلّفه من نتائج محزنة (2صم19: 41-43).

20. من ثمر فم الإنسان يشبع بطنه. من غلة شفتيه يشبع. 21. الموت والحياة في يد اللسان وأحباؤه يأكلون ثمره.

من يزرع بشفتيه يحصد غلة وفيرة؟ إما من الخطية للموت؟ أو من البر للحياة. فالأقوال قلما تقع على الأرض بلا ثمر. قد تنطق بها عن تفكير أحياناً؟ لكنها تتأصل في التربة؟ ولابد أن تثمر على غير انتظار. فكم من كلمات عابرة صدرت من شفاهنا لغريب؟ كانت وسيلة لبركة لا تقدر. لذلك ليكن هذا مشجعاً لإنسان الله على متابعة طريقه بمثابرة؟ ملقياً بذار إنجيل الله الثمينة وله اليقين بأنه «من غلة شفتيه يشبع».

أما إذا كانت الأقوال شريرة؟ فالحصاد مؤكد أيضاً. ومعروف جيداً أن الحشائش والنباتات السامة تزدهر حيث لا تكتمل الحنطة والثمار المغذية. والرجل ذو الشفاه النجسة يحصد نتائج وافرة من أقواله الجامحة؟ ولابد أنه «من ثمر فمه يشبع» أيضاً. وازن بين المعلمين الكذبة (2بط2)؟ وبين سفراء المسيح (2كو5)؟ فإن كلا الفريقين سينال بحسب ما زرع.

22. من يجد زوجة يجد خيراً وينال رضى من الرب.

ليست المصادفة العمياء هي التي توجد شريكين متجانسين في رباط الزواج المقدس. فإن الزوجة من الرب؟ وهي برهان رضا محبته. وإذا كان الأمر كذلك؟ فمن الأهمية بمكان أمام الشاب؟ قبل أن يسمح لعاطفته أن تتجه نحو عذراء؟ أن يطلب إرشاد الرب نفسه فيمن يتجه إليها. ولو أن الشبان المسيحيين طلبوا معرفة فكر الرب؟ وتخلوا عن قيادة أهوائهم ونـزعاتهم؟ لقلّ عدد الزيجات المتنافرة غير الموفقة. فلينظر إذاً اخوتنا ما إذا كانت زيجاتهم ستكون نيراً متخالفاً أو عائقاً لتقدمهم الروحي؟ عوض أن تكون معيناً لهم. انظر بوعز وراعوث (را4: 9-12؟ ثم انظر الفقرة الأخيرة من 19: 14).

23. بتضرعات يتكلم الفقير. والغني يجاوب بخشونة.

إن صاحب الثروة الكبيرة يتصف بذكاء غير مقدس؟ يمكن أن يجفف العواطف ويقسي القلب ضد المعوزين؟ إذا لم يحرص الغني على اتجاه هذا النوع من الذكاء. فليت أولئك الذين وضعهم غناهم الزمني في مركز معونة الفقراء؟ يتذكرون أن أذن الله تستمع إلى كل صرخة من المساكين؟ وأن عينه تعالى تلاحظ كل تصرف غير كريم من جانب أولئك الذين في مقدورهم أن يخففوا عنهم ولكنهم لا يفعلون. انظر مثل العبد الذي لا يرحم العبد رفيقه (مت18: 23-35).

24. المكثر الأصحاب يخرب نفسه. ولكن يوجد محب ألزق من الأخ.

إن الأصحاب؟ مهما كثروا؟ لا يمكن الاعتماد عليهم؟ ولا يجب انتظار العون منهم في وقت الشدة والضيق؟ لأنهم بسبب عجزهم يقفون من بعيد. ولا يوجد أقسى على النفس من أن يجد الإنسان نفسه وحيداً في وقت تجربته؟ وقد تخلى عنه جميع أصحابه الذين وضع ثقته فيهم. هكذا يرثي أيوب حاله؟ بعد أن خارت نفسه؟ قائلاً «أقاربي قد خذلوني والذين عرفوني نسوني» (أي19: 14). ويشكو النبي مرارة هذا الاختبار «أحبائي وأصحابي يقفون تجاه ضربتي وأقاربي وقفوا بعيداً» (مز38: 11).

«ولكن يوجد محب ألزق من الأخ»... الصديق الذي يحب في كل حين؟ ولا يمكن أن تتأثر محبته... الصديق الحقيقي؟ الذي لا يتغير قلبه بسبب إهانات من هم غرض قلبه؟ وهو دائماً يظهر المحبة والنعمة في عالم ابتعد فيه الجميع عنه وأبغضوه بلا سبب.

في هذا الصديق يجب أن تتركز ثقة قلوبنا؟ وإليه وحده يجب أن نركض في وقت شدتنا وضيقنا؟ ومنه وحده يجب أن ننتظر العون والخلاص؟ أما من يتحول عنه؟ ولو أكثر الأصحاب؟ فهو «يخرب نفسه».

  • عدد الزيارات: 4045