Skip to main content

الفصل الحادي عشر: أولية القداسة في صفات الله (2)

عندما ننظر إلى الصليب نرى محبة الله الآب الذي نظّم تدبير الفداء ومحبة الابن الذي قام بفدائنا في جسده وذك بموته على الصليب, ومحبة الروح القدس الذي يُطبّق عمل المسيح ي قلوبنا. وكما كتب أحد علماء اللاهوت الأتقياء:

"الله محبة. ومن ثم من هذه المحبة الفيّاضة والمنبعثة من ذاته والكائنة أبدياً بيم أقانيم الثالوث الأقدس, برزت هذه المحبة إلى عالم الخطية هذا. إن محبة الجلجثة (أي المحبة التي نراها في صليب المسيح) تندفع من داخل محبة الله العظيمة والأبدية, تلك المحبة الخارجة من قلب الثالوث الأقدس. وكما وردت في رسالة بولس الرسول إلى أهل الإيمان في أفسس: "إذ قد اختارنا فيه قبل إنشاء العالم لنكون قديسين وبدون لوم أمامه. وسبق فعيّننا في المحبة, للتبني لنفسه بيسوع المسيح, حسب رضى مشيئته, لمدح مجد نعمته التي أنعم بها علينا في المحبوب, الذي فيه لنا الفداء بدمه, مغفرة الذنوب, على حسب غنى نعمته, التي أسبغها علينا بكل حكمة وفطنة, إذ عرّفنا سر مشيئته, حسب مرضاته التي قصدها فيه". (1: 4 – 9). وهكذا نقول أن الابن الأزلي أتى بمحبة السماء إلى هذا العالم المليء بالبغضاء فنهضه إلى ارتفاع تلك الرابية المدعوة بجلجثة (أي جمجمة) وهكذا تُشاهد كل أمة نور الصليب ويُصبح كل عصر متأثراً بلمعان الصليب".

ونجد التعليم الأساسي عن عقيدة الكفّارة في الفصل الثالث من رسالة بولس الرسول إلى أهل الإيمان في مدينة رومية. فقد كتب الرسول عن هذا العصر أي عصر الإنجيل (أي أيام النظام الجديد) قائلاً:

"وأما الآن فقد ظهر برّ الله بدون الناموس (أي بدون الشريعة الإلهية: وهذا يعني أن الطريقة الإلهية للمصالحة بين الله والإنسان غير مبنية على إتمام الإنسان لكل نصوص ومطاليب الشريعة, وذلك لعدم مقدرة الإنسان على العيش حسب مطاليب الشريعة الإلهية إذ صار الإنسان عبداً للخطية منذ ثورته على الله في شخص آدم) مشهوداً له من الناموس والأنبياء (وكلمتا الناموس والأنبياء تشيران هنا إلى الكتاب الذي كان يُقسَم في أيام ما قبل الميلاد إلى قسمين أو ثلاثة أقسام: إذ كان يُدعى أحياناً بالناموس والأنبياء وأحياناً أخرى بالناموس والأنبياء والكتب). بِرّ الله بالإيمان بيسوع المسيح إلى كل وعلى كل الذين يؤمنون لأنه لا فرق, إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله. متبررين مجاناً بنعمته بالفداء الذي بيسوع المسيح, الذي قدّمه الله كفّارة بالإيمان بدمه لإظهار بِرّه من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله. لإظهار بِرّه في الزمان الحاضر ليكون بارّاً ويُبرر من هو من الإيمان بيسوع". (21 – 26).

نتعلم من هذا الوحي الإلهي ما يلي:

1- قدّم الله المسيح كفّارة فعّالة.

2- يخلص الإنسان من خطيته وشره عندما يُمارس الإيمان بآلام المسيح النيابية وبموت المسيح النيابي أو البدلي.

3- كان الله في أيام ما قبل الميلاد قد خلّص المؤمنين بدون أن يعاينوا فدية كافية أو قصاصاً وافياً لخطاياهم وذلك على أساس التطلع مسبقاً إلى قدوم المسيح يسوع. أما وقد جاء المسيح وقام بتقديم نفسه كذبيحة كفّارية, فإننا نرى بكل وضوح عرضاً كافياً وجهارياً لعقاب الخطية.

4- إن غاية هذه الذبيحة (أي موت المسيح الكفّاري على الصليب) هي أن يكون الله في نفس الوقت مُظهراً لبرّه الذاتي وصافحاً عن خطايا الخطاة ومُخلّصاً إياهم. في أيام ما قبل الميلاد أي في أيام العهد أو النظام القديم لم تكن الذبائح الحيوانية كفّارات حقيقية بل كانت رموزاً وعلامات وإشارات للكفّارة التي سيقوم بها السيد المسيح في ملء الزمن أي لدى تتميمه لقصد الله في إنقاذ البشرية من براثن الخطية والشياطين. فلا بدّ لنا من القول استناداً إلى التعاليم الكتابية التي استقيناها من رسالة بولس الرسول إلى رومية بأن النتيجة الأولى والأساسية للكفّارة هي بأن الله ذاته استطاع بواسطتها أن يبقى بارّاً وأن يُقدّم في نفس الوقت العفو التام عن الخاطئ, أو كما قال الرسول: "ليكون بارّاً ويبرر من هو من الإيمان بيسوع".

فيما أن المسيح حمل على جسده العقاب الذي استوجبته خطايانا العديدة فإن الله القدّوس يبقى بارّاً وهو في نفس الوقت عينه يمنح غفراناً وحياةً أبديةً رائعة للذين يضعون ثقتهم وايمانهم في المخلّص المسيح. وقد لخّص أحد الشعراء هذا التعليم في الأبيات التالية التي نترنّم بها عن برّ المُخلّص, فقال:

بِرّكَ يــا ربُّ ردا

 

عِـز وثوب يلمـعُ

ألبسه بـين العـِدا

 

وفيـه رأسي أرفـعُ

في يـوم بعثي أقفُ

 

في موقف الحقّ المبين

وفي احتجاجي أهتفُ

 

الحي من أجل دفين

هذا الردا خير الحِلى

 

من كل ثوبٍ أطهَرُ

ليس فيه عيـب ولا

 

في لونــه تغـيير

ستسمع الموتى نـِدا

 

ربُّ البرايـا القادرِ

ويرتدي أهل الهدى

 

بِرُّ المسيح الناصري

  • عدد الزيارات: 3042