Skip to main content

الفصل الرابع عشر: مع سيدتين

خرجت من الكهف وقد رافقني أحد رجال باراباس، سار معي في طريق لم أره طريقاً، وقال لي إن برية يهوذا لغز، كم ضلَّ فيها رجال الأمن. وكان رجال الحكم يجدون من أرسلوهم لاقتحام معاقلنا قتلى على الطريق. وقال لي إن باراباس جبار... سيكون ذا نفع كثير للناصري ولرسالته. وعند رأس الطريق أشار إلى طريق أورشليم ونصحني أن لا أنخدع بالطريق الجانبي الناعم، بل أظل سائراً باستقامة، مهما بدا الطريق المستقيم خشناً، ومهما أغراني الطريق الناعم بالسير فيه. ولما ودعني حاولت أن أقدّم له بعض المال فرفض بلطف، وان يكن بإصرار، وقال: "يسرني أن تكون الهدية قُبلة". فقبلته وهو قبَّل يدي وانصرفت!

وصلت إلى أطراف المدينة. لقد تغيَّرت. ما من مرة أتيت إليها إلا وكانت صورتها تختلف عن الصورة السابقة. تذكرتُ المرة الأولى التي تلاقيت فيها مع سمعان الشيخ... والمرة الثانية التي جئت أسأل عن الملك... والمرة الثالثة التي تلاقيتُ فيها مع الرئيس نيقوديموس.

ما أكثر ما حملت مدينة أورشليم من أحداث. والآن ها أنا أجيء لأبحث عن الناصري الذي انتصر على الموت!

لقد سبق أن بحثت عن الصبي... ثم عن المعلم... وها أنا أبحث عن الله الذي خرجت أبحث عنه. وقد وجدته أو على الأصح قد وجدني. وأنا اليوم أبحث عنه لكي أراه بالعيان.

أحسست أن المدينة تغلي. الطرقات غاصة بالرجال والنساء من كل الطبقات. الحديث هامس ولكن كثرته جعلت منه أزيزاً كأزيز طيران مئات الألوف من النحل. اقتربت من المجتمعين هنا وهناك. وصلت إلى أذني هذه الكلمات:

-هل سمعت ما قاله الجنود الذين كانوا يحرسون قبر المعلم الناصري؟ هل سمعت أنهم قالوا وهم قائمون على حراساتهم حدثت زلزلة شديدة وظهرت خلائق عجيبة ملأت المكان بنور أشد لمعاناً من مئات الشموس، وأنهم سقطوا صرعى كموتى، وأنهم لما استيقظوا وجدوا القبر مفتوحاً وخالياً.

-هل سمعت أن بعض النساء ذهبن إلى القبر وأنهن وجدن القبر خالياً، وأن ملاكين ظهرا لهن وقالا: "لا تخفن. نحن نعلم أنكن تطلبن يسوع الناصري المصلوب. ليس هو ههنا. هلم انظرن المكان الذي كان فيه. لقد قام كما قال"!!

وقال أحد الملاكين: "لماذا تطلبن الحي بين الأموات؟ اذهبن وأخبرن تلاميذه أنه قد قام. اذهبن إلى الجليل وهناك ترونه"!

-هل سمعت أن الجنود لما أخبروا عمّا حدث، اضطرب رؤساء الكهنة وقالوا إن هذا الخبر أسوأ خبر سمعوه. ثم قدموا نقوداً للجنود وطلبوا منهم أن يقولوا إنهم ناموا من كثرة التعب، وان التلاميذ جاءوا ليلاً وسرقوا الجسد؟

-سمعت أن الرؤساء وعدوا أن يتوسَّطوا لدى الوالي فلا يحاسبهم على النوم.

-لكن كيف عرف الجنود أن التلاميذ جاءوا أثناء نومهم وسرقوا جسد يسوع؟

-هل سمعت أن المجدلية ذهبت إلى القبر باكراً، ولما لم تجد جسد الناصري عادت مولولة إلى بعض تلاميذه وقالت: سرقوا الجسد، ولست أعلم أين وضعوه!

كانت المدينة تغلي وقد تناقلت الكلمات من مكان إلى مكان. قال البعض إن قصة القيامة قصة موضوعة افتعلها التلاميذ. وقال البعض الآخر: وما مكسب التلاميذ من تأليف قصة مكذوبة؟ لماذا يعرّضون أنفسهم للاضطهاد والضرب والحبس والاحتقار والموت؟

لقد أكَّد لي باراباس أن السيد قام حقاً. لقد تحقق هو من ذلك. وأنا متيقن أنه قام حقاً. ولكن الأحاديث المتناقضة بلبلت أفكاري، بحيث تطرَّق قليل من الشك في ذهني. قليل جداً لم يستطع أن يجد مكاناً ثابتاً في قلبي. لكن لماذا أقف لأستمع لكلام الناس؟ لماذا لا أفتش عن الأشخاص الذين نقلوا الخبر؟ لقد ذكر باراباس اسم المجدلية ونساء معها، وقال أيضاً عن تلميذين.... ما اسمهما يا ترى؟ نعم إني أذكر أنه قال إن أحدهما اسمه كليوباس، وذكر اسم يعقوب، واسم سمعان بطرس.... سأبدأ بالبحث عن المجدلية. قيل لي إن الكثيرين يعرفونها. سألت أول رجل قابلته عن امرأة اسمها مريم المجدلية، فلم يتكرم عليّ حتى بلفتة، وسألت آخر وآخر... وتجاسرتُ وسألت امرأة، فنظرت إليّ بشيء من الشك وقالت: "وماذا تريد منها؟ انك بالطبع لا تريد بها شراً". قلت: "حاشا لي! حاشا أن أريد شراً بامرأة فاضلة. ولكني مهتم بالسؤال عن المعلم الناصري". وإذ ذاك أشرق وجهها وقالت: "تعال معي إذاً، لأني ذاهبة إلى هناك"... ووصلنا إلى البيت ووجدت المرأة الفاضلة ومعها سيدات أخريات. قدمت نفسي لهن. وقالت المجدلية إنها كانت قد سمعت أني خرجت من أهلي ومن عشيرتي أبحث عن الله، فقلت إني وجدته في الناصري من سنين طويلة، ولكني لم أره بالعيان. كنت أذهب إلى حيث أخبروني، فأجده قد ترك المكان قبل وصولي بقليل وقد وقعت بين يدي رجال باراباس، وظللت حبيساً مقيداً في كهوفه في برية يهوذا، ولكنه جاء بالأمس وقصَّ لي روايته مع الناصري وإيمانه به.

وقد ذكر لي اسم المجدلية وآخرين شاهدوا المسيح بعد قيامته. وقد جئت إليك يا سيدتي لترشديني إلى المكان الذي يمكن أن أراه فيه.

قالت المجدلية: "إذن أنت المصري الذي قابلك العديد من أخوتنا، وقد سمعت من الحبيبة مرثا أنك قضيت جانباً من الليل تستمع إلى قصة لعازر". قلت: "نعم. نعم". وفي أثناء حديثها ألمحت إلى آيات أخرى كثيرة صنعها يسوع.

قالت انه قابل عشاراً اسمه لاوي بن حلفى قلب حياته رأساً على عقب، أو على الأصح عدل حياته. أخرجه من الطين وألبسه الخلاص، ووضع في يده عصا الرعاية وجعل من العشار رسولاً. كما ذكرت لي عن امرأة أخرى قال لها: "ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضاً"... وان السيد أكرمها لأنها أحبت كثيراً!

كما ذكرت لي اسمك يا سيدتي. ومع أني لا أريد أن أكون فضولياً، إلا أني أرغب أن أسمع دائماً عن عظائم الناصري. لكن أول ما أطلبه أن أرى الناصري. أرى وجهه وأجثو عند قدميه "!

وقالت المجدلية: "إن السيد لا يقيم في مكان محدد. انه يظهر لنا فجأة. وسأذكر لك قصتي معه وكيف رأيتُه عند القبر. أما عن المرأة التي ذكرت، التي أحبت كثيراً فهي هذه المرأة التي تجلس أمامك. وربما قبلت هي أن تحكي لك قصتها، لأنها لا تمل من تقديم الشكر للسيد الذي رفعها... كما رفعني من المزبلة وأجلسها وأجلسني على عرش. تقدمي يا رفقة وحدِّثي هذا المصري، أو كائناً من يكون، فانه حبيب يسوع".

وتقدمت المرأة ووجهها كتلة من الدم من شدة الخجل، وقالت: "نعم يا سيدي، أنا المرأة الخاطئة التي أُمسكت في ذات الفعل. أنا لا أريد أن أبرِّر نفسي، ولا أن أخفف جريمتي. لقد سقطت. لا أريد أن أضع لوماً على الرجل الذي خدعني، ولا أريد أن أتحدث عن الدسيسة الخسيسة التي رتَّبها مع قوم من ذوي الشأن لكي يوقعوا الناصري في أحبولة. لم أكن أنا يا سيدي هدف الدسيسة، كان الهدف، الناصري نفسه. لا أريد أن أقول لك إن الجوع... جوع ابني إلى كسرة خبز وجوعي.

لا أريد أن أقول لك إن الرجل الذي ظننتُه نبيلاً وهو يهتم بالأرملة البائسة ويقدم لها الطعام مرة ومرتين "لوجه الله" وإذا به يرتب دسيسته فيقاضيني ثمن ما أعطى، أغلى ما تملك المرأة. ويرتب الكمين، ويسهل القوم له الهروب ويقبضون عليّ.

"كلا، يا سيدي لا أريد أن أبرر نفسي أو أخفف من شناعة جريمتي أنا الخاطئة المسكينة البائسة، وقد وقفت عارية أمام الجمهور كله، ولكن الناصري غطاني وستر عاري. كان المشتكون عليّ شيوخاً وشباباً وقد جرُّوني بعد أن مزقوا ثيابي وكشفوا عن جسدي الجريح وأوقفوني أمام المعلم. "يا سيد هذه المرأة أمسكت وهي تزني في ذات الفعل، وموسى في الناموس أوصى أن مثل هذه تُرجم، فماذا تقول أنت؟". كانوا متأكدين أن السيد لا يمكن أن يتخلى عني، فهو صديق العشارين والخطاة. لكن كيف يمكنه أن يساعدني؟ إن الموقف دقيق. لو أنه قال إني أعفو عنها، لوقف موقف المناقض للناموس، بينما سبق هو وقال عدة مرات انه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمل. وهو بالطبع لا يريد أن يقول ارجموها، وإلا أثار السلطات الرومانية ضده، بعد أن أصدر الرومان تعليماتهم أن حكم الموت في يدهم وحدهم. لقد أشفقتُ عليه أنا الخاطئة. وتمنيت لو أن الأرض فتحت فاها وابتلعتني فينجو هو من مكيدتهم!!

"وصمت السيد طويلاً، وكرروا عليه الكلام مرة ومرتين وهو يتطلع إلى الأرض ويكتب على التراب. لم أعرف ماذا كتب. قالوا لي فيما بعد أنه كان يكتب خطايا المشتكين عليّ... ثم رفع وجهه وقال: "من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر "!!

نظرت إليهم من جانب عيني فرأيت كأن زوبعة عاتية تهب عليهم وتزعزع كيانهم، فخرجوا من المكان كأنهم هاربون من وحوش تطاردهم. وكان يمكنني أنا أيضاً أن أهرب، لكني أحسستُ أن شيئاً قوياً يقيدني، فان الناصري ليس إنساناً عادياً....

كلا، لا يمكن أن يكون إنساناً عادياً. ها هو يرفع وجهه نحوي ويقول: "يا امرأة" ولعلك لا تعرف أن هذا اللقب لا يُطلق إلا على الأنثى الفاضلة، الزوجة الفاضلة. كان اسمي وهم يجرونني "الزانية الآثمة الفاجرة... ال ال... "وهكذا من مختلف اللوثات. أما هو فيعيد إليّ كرامتي "يا امرأة، أما دانك أحد؟"- "كلا يا سيدي". واذ ذاك قال: "ولا أنا أدينك. اذهبي ولا تخطئي أيضاً "!

كم أبغضت الخطية وقتها- لقد صفح، ذاب قلبي وخرجت كل المفاسد التي فيه. هذه المحبة التي هي أقوى من الموت...

هل تصدق؟ لقد سامحت الرجل الذي خدعني، وسامحت الذين اشتكوا عليّ... لأني أحببت بكل قلبي السيد العظيم الذي ستر عاري وغفر اثمي ونقَّى قلبي!!

ولقد تسمع من البعض أنني أنا المرأة التي دخلت بيت سمعان الفريسي وجلست خلف السيد أدهن قدميه بالطيب وأمسحهما بشعر رأسي وأغسل قدميه بالدموع.

ومع أني تركت البقعة التي كنت أقيم فيها الى بقعة أخرى لا يعرفني فيها أحد، الا أن سمعتي طاردتني، والرجل الذي سبق أن خدعني لم يكف عن مطاردتي....!!

قد يقولون اني أنا تلك المرأة، وقد يقولون اني أنا المرأة التي سكبت قارورة طيب نادرين خالص كثير الثمن على رأس السيد. وان السيد انتهر الذين عذبوني بتوبيخهم: "كان يمكن أن يباع هذا الطيب بأكثر من ثلاث مئة دينار ويُعطَى للفقراء". قال السيد: "إن المرأة عملت بي عملاً حسناً، وانه حيثما يُكرز بالإنجيل في كل المسكونة يُخبَر أيضاً بما فعلته هذه تذكاراً لها"!

أقول لك: "قد أكون تلك المرأة وقد لا أكون، ولكن أرجو أن تثق أني أنا المرأة التي أحبت كثيراً لأنه سامحني بالأكثر... ومهما أحببت فاني أشعر أني لم أحب بعد بالكفاية، فهو يملأ كل قلبي. إني أعتز باني أحب مرثا ومريم، ومريم زوجة كلوبا، ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس... وكرامتي العظمى هي في أن العذراء المباركة أولتني التفاتها... وها هي المجدلية دعتني إلى بيتها، وقد رجوتُها أن تحدثني عن الناصري بعد أن رأته عند القبر... وقد دخلتَ أنت وهي تهمُّ بالكلام. أظن أنها لا تبخل برواية قصتها كلها. خصوصاً وأن الناصري هو الذي يبحث عمنَّ يطلبون أن يقابلوه "!!

واحمرَّ وجه المجدلية وقالت إن قصتها بسيطة جداً. كان بها شياطين كثيرة أخرجها السيد، فهي تحبه كثيراً. قلت: "لقد سمعت أشياء كثيرة عن حياتك. انك إذ تتذكرينها تمجدين المسيح وتتحدثين بفضله. لقد تقابلت مع الرجل الذي كانوا يدعونه "لجئون" وأخبرني السيد طلب منه أن يحدِّث بمراحم الله". قالت المجدلية إن القوم قالوا أكثر من الواقع، قلت: "لا بأس، إن الحقيقة وحدها هي التي تبقى... تكلمي. أرجوك تكلمي". فقالت:

"أنا أعلم أني ولُدت في بيت ميسور الحال. كنت أملك أو على الأصح أهلي يملكون شيئاً من المال... ونظير الفتاة التي تتربى في مهد الغِنى عشتُ مدللة، وكنت أهتم بجسمي وثيابي، وكنت أعيش حياة الترف والبطالة. ومن هنا بدأت متاعبي. وأنا فعلاً لا أعلم الحقيقة بالنسبة لي!!

"قالوا إني بدأت انحرف في سلوكي، وان إبليس الكبير انتهز فرصة انحرافي هذه وسلطَّ أبلسته الصغيرة عليّ، فدخلت واحداً بعد آخر فيَّ حتى اكتمل عددهم. لم يكن العدد سبعة يعني حقيقة العدد، بل كان يعني "كمال "العدد. كانت شياطين كثيرة فيّ. أُصبت بالجنون الكامل. لم أعش في البيت. خرجت أهيم في الشوارع مهلهلة الثياب أتكلم كلاماً بلا معنى، أقذف الناس بالأحجار وأمزق ثيابي. قيَّدوني ربطوني حبسوني... ذلك بعد أن استعملوا كل علاج وعقاقير وصلوات وأحجبة....

"وفي أحد الأيام قابلني يسوع....

"كان أهلي في أول الأمر يعالجونني لأني فرد منهم. كانوا يخافون من العار. وكانوا بعد ذلك يعالجونني اتّقاء لشرِّي. لم يكن أحد يهتم بي محبة لي. فلما لاقاني السيد نظر إليّ فأبصرت في عينيه فيضاناً من الحب القوي الجبار الذي أذاب القيود وفتح الأبواب وأخرج الشياطين. وإذ ذاك نظرت إليه بكل حبي وجثوت عند قدميه وكرست حياتي ومالي لخدمته، فأنا وبعض الصديقات نخدمه من أموالنا، لأنه هو الغني كل الغِنى لم يكن له أين يسند رأسه. وترنيمتي الدائمة: "أمشي معه دوماً كل حين".

"ما أكثر المرات التي تمنَّيت أن أملك كل مال الدنيا لأجنِّد حَرساً كبيراً يقوم على حمايته. وما أكثر الليالي التي قضيتها أبلل فراشي بدموعي وأنا أطلب أن الله يحرسه من الجماعة المنافقة التي تناوئه.

"لقد قالت لك صديقتي إنها تلك المرأة التي أحبت كثيراً- نعم هي كذلك لكن أنا، أنا المرأة التي أحبت أكثر أكثر أكثر.

"وقبضوا على سيدي....

" ربطوه بالحبال كأنه لص. لطموه على وجهه. ضربوه بالعصا. جلدوه بالسياط. وضعوا عليه الصليب... سمَّروا يديه ورجليه... وضعوا إكليل الشوك على رأسه. طعنوا جنبه بالحربة. آه يا صديقي. لقد تمزق قلبي. إني مندهشة أني استطعت أن أعيش بعد أن رأيت ما رأيت في سيدي....

"هل استطعت أن أراه يُلطم ويُضرب ويُجلد؟ كنت أسقط على وجهي بدون وعي وأنا أرى جسده الممزق من الجلد- سرت خلفه أولول وهم يجرُّونه إلى الصليب.

هجمتُ على الجنود ومزقت وجوهم بأظافري وهم يحاولون منعي من الاقتراب اليه. أما المسامير... كان كل مسمار يُدق في قلبي....

"ومات الحبيب......

"وأنزلوه من الصليب ووضعوه في القبر. مبارك أنت يا يوسف الرامي. لم يخش بأس الرؤساء ولم يعبأ بسخرية رئيس الكهنة. وأنت يا نيقوديموس لتحل البركة عليك وعلى بيتك.... وضع الاثنان شيئاً من الطِّيب، قضينا السبت في بيوتنا- وذهبنا صباح الأحد نضع الأطياب على الجسد. كنا قد نسينا أنه سبق وتنبأ بأنه سيقوم بعد ثلاثة أيام. كان موته صدمة قاتلة لجميعنا. مات السيد فانطفأ النور وأظلمت الدنيا في وجوهنا وضاع كل رجاء.... ولما كان حبنا لشخصه فائقاً حد المعرفة، كان حزننا لا حدَّ له. لقد ظللنا نبكي يوم الجمعة وطول يوم السبت. لم يتناول أحد منا كسرة خبز حتى صباح الأحد....

"وكنا في الطريق نتساءل: "ترى من يزحزح لنا الحجر؟" ووصلنا. لا أذكر بالضبط متى حدثت الزلزلة، أقصد متى بدأت، لأننا وصلنا وآثارها باقية. تزلزلت الأرض وجاء ملاك زحزح الحجر وجلس عليه. ورأينا الجنود منكفئين وقد بان الرعب واضحاً على وجوههم.

"لا أعلم كيف تجاسرنا وسرنا نحو القبر وألقينا نظرة داخله، فلم نجد الجسد.

وفيما نحن نحدّق النظر أبصرنا شابين في ثياب بيضاء... دعني أقول ملاكين. لم نرهما في أول الأمر، فقد كنا في حالة خوف وفزع. كنا في حالة الموت. البقعة التي لا تزال تحمل آثار الزلزلة. الجنود في حالة فزع. رجلان في ثياب براقة يظهران لنا، وقالا:

"لا تخفن. إنكن تطلبن يسوع المصلوب. ليس هو ههنا لأنه قام كما قال... هلما انظرا الموضع الذي كان الرب مضطجعاً فيه. لماذا تأتين إلى هذا المكان؟ لماذا تطلُبنَ الحي بين الأموات؟.

اذكُرنَ كيف كلَّمكن وهو بعد في الجليل قائلاً: انه ينبغي أن يُسلَّم ابنُ الإنسان إلى أيدي أناس خطاة ويُصلب، وفي اليوم الثالث يقوم....

"لم أقف مع النساء عندما تكلم الملاكان، ولكني عدتُ راكضة إلى المدينة وطرقت باب البيت الذي فيه سمعان بطرس ويوحنا، وقلت لهما: "أخذوا السيد من القبر، ولسنا نعلم أين وضعوه". قلت ذلك وعدت مرة أخرى إلى القبر. كان الجنود قد تركوا المكان إلى المدينة. وصلت إلى القبر وأنا أبكي وأولول. وفيما أنا أبكي ألقيتُ نظرة أخرى على القبر الخالي، فرأيت ملاكين بثياب بيض جالسين واحداً عند الرأس والآخر عند الرجلين حيث كان جسد يسوع موضوعاً، فقالا لي: "يا امرأة، لماذا تبكين؟" قلت لهما: "أخذوا سيدي ولست أعلم أين وضعوه". أنت ترى أننا لم نكن نفكر في القيامة... بل كنا من المنكرين لها في أول الأمر، لأننا عندما أخبرنا التلاميذ أن يسوع قام، وأن الملائكة أخبرونا أنه قام تراءى كلامنا لهم كالهذيان... لم تكن سرقة الجسد كما يقول اليهود من مصلحتنا، وفي نفس اللحظة أحسست بحركة خلفي فالتفتُّ لأرى إنساناً واقفاً. كان الواقف هو يسوع نفسه، ولكني لم أكن أعلم أنه يسوع، كانت عيناي مغرورقتين بالدموع، كما أن الصورة كانت مختلفة عن الصورة التي عرفتها، مختلفة شيئاً ما. وقد سألني: "يا امرأة، لماذا تبكين؟ من تطلبين؟" وقد ظننت أنه البستاني فقلت له:

"يا سيد إن كنت أنت قد حملتَه فقُل لي أين وضعته وأنا آخذه". وإذ ذاك قال لي: "يا مريم" هذا هو النداء الذي ناداني به يوم أخرج شياطيني. كانت النغمة المحببة التي كنت أحس أنها حياتي، كنت أرددها بين حين وآخر "مريم" إذ ذاك رأيتُه...... رأيته بقلبي، انطرحتُ عند قدميه أتشبَّث بهما لا أريد أن أفلتهما. كنت أقول: ها قد وجدتك، ولن أتركك تذهب عني. كلا، لن أتركك. فقال لي: "اتركيني، لا تتشبَّثي بي. سأبقى فترة. لم أصعد بعد إلى أبي، ولكن اذهبي إلى أخوتي وقولي لهم إني أصعد إلى أبي وأبيكم والهكم... فانطلقت راجعة إلى التلاميذ ورأيت النساء اللواتي كنَّ معي عند القبر ورأين معي الملائكة، يونا ومريم أم يعقوب وأخريات، وتحدثت معهن عن لقائي بالسيد، فذهبنا إلى التلاميذ وقلت لهم إني قد رأيت الرب....

"كم أشكر الله من أجل هذا الإكرام العظيم. المرأة التي يعتبرها اليهود "شيئاً" لا شخصاً... مريم المجدلية التي كانت بيتاً للشياطين يكرمها السيد فتكون أول من رآه بعد قيامته، وأول من حمل بشرى القيامة. ولمن؟ للتلاميذ، للرسل!

"اسمع يا صديقي نوسترداميس، أنا أشهد أن المسيح قام. هزم الموت. كان لابد أن يقوم، سمعته... رأيته بعيني... شاهدته... لمسته يدي. اذهب يا نوسترداميس وقُل لكل من تقابله إن المسيح قام حقاً. المسيح قام. وظهر أولاً لامرأة... للمجدلية، وكانت رسوله الأول للتبشير بالقيامة".

انتهت المجدلية من حديثها الحلو، فوقفتُ وقلت لها: "لم يكن للمرأة مكان في بيتي. لم يكن لها كرامة الإنسان. كانت أقل من الرجل. كنا نفرح يوم يُولد الولد وندق الطبول له، وكنا نحزن يوم تُولد البنت. اليوم أشكر الله أنه أكرم المرأة وأعطاها مكان التقدير. أشكر الله أنه أكرمك يا سيدتي، فهل تسمحين لي أن أقبّل يدك، مخالفاً بذلك كل التقاليد البالية؟ وقبّلتُ يدها بكل احترام، واستودعتها الله. خرجت أبجث عن يسوع راجياً أن أراه.

  • عدد الزيارات: 2630