Skip to main content

الفصل الخامس: اختبار قيادة الله

أين يذهب المؤمن الحقيقي لطلب الإرشاد في ظروف الحياة العادية؟ وأين يذهب لحل مشاكله المعقدة؟ ومن يستشير حين يقدم على الزواج، أو على اختيار مهنة الحياة؟ هل يذهب إلى المنوم المغناطيسي، أو إلى ضارب الرمل، وقارئ الكف، وقارئة الفنجان؟ أو يلجأ إلى جلسات مناجاة الأرواح وأصحاب الجان والسحرة والمنجمين؟

لقد حرم الله في كلمته هذه الوسائط قائلاً "لا تتعلم أن تفعل مثل رجس أولئك الأمم لا يوجد فيك من يجيز ابنه أو ابنته في النار ولا من يعرف عرافة ولا عائف (أي متشائم) ولا متفائل ولا ساحر ولا من يرقى رقية ولا من يسأل جاناً أو تابعة ولا من يستشير الموتى لأن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب" تث 18: 19 – 22 ومن هذه الآيات نتعلم أن الله يحرم التشاؤم والتفاؤل من الأرقام، والأشخاص، وأصوات الطيور، كما يحرم السحر والرقية، وسؤال أصحاب الجان والتوابع واستشارة الموتى، لأن كل هذه الأعمال هي رجس الشيطان، وكل من يفعلها هو مكروه عند الرب،

ومن الجهة الأخرى ضمن الله قيادة أولاده في موكب الحياة الزاخر، فكان يرشد شعبه قديماً بالأحلام، والأنبياء، والأوريم والتميم "والأوريم والتميم" كلمتان عبريتان معناهما "الأنوار والكمالات" وكانا يوضعان في صدرة القضاء، وعنهما قال موسى للاوي "تميمك بالجان واصعدي لي من أقول لك " فالجلسة إذاً بدأت بواسطة الجان واستمرت تحت سيطرته وقيادته بحسب طلب الملك شاول.

3- منع الله استشارة الموتى في تث 18: 10 – 12 بقوله "لا يكن فيك ... من يستشير الموتى" وفي أش 8: 19 و 20 إذ قال "وإذا قالوا لكم اطلبوا إلى أصحاب التوابع والعرافين المشقشقين والهامسين ألا يسأل شعب إلهه، أيسأل الموتى لأجل الأحياء إلى الشريعة وإلى الشهادة إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر" فهل يمكن أن يخالف صموئيل وصايا الله بعد موته. وهو النبي التقي الذي اشتهر بالطاعة لله في حياته؟ وهل الممنوع على الأحياء مباح للموتى؟ أو هل القوى الشيطانية تقدر أن تجبر الأرواح الراحلة على عصيان مشيئة الله؟

4- في العددين الثاني عشر والثالث عشر نجد هذا المنظر الغريب، صرخت المرأة العرافة، وأرادت بهذه الصرخة أن تأخذ وعداً من شاول بالعفو عنها، لأنه كان قد أباد أصحاب الجان والتوابع من الأرض، ولا شك أنها عرفته من منظره وطول قامته، ومن معاملة حاشيته له، فلما أعطاها الملك الوعد، سألها: ماذا رأيت؟ قالت "رأيت آلهة يصعدون من الأرض؟" ومع أن المرأة تكلمت في صيغة الجمع فقالت "رأيت آلهة" إلا أن الملك الجائر المضطرب سألها سؤالاً بصيغة المفرد قائلاً: "ما صورته؟" وهنا أجابته العرافة بمكر فصورت له شخصية صموئيل التي كانت معروفة لها ولا ريب، ووصفت النبي بأنه مغطى بجبة، وليس يعقل أن الأرواح ترتدي ملابسها في عالم الخلود، وهكذا تولى الروح المضل الذي ظهر تمثيل الدور تمثيلاً متقناً.

5- قال الروح الذي ظهر لشاول "غداً أنت وبنوك تكونون معي" 1 صم 18: 19 وهذا دليل قوي على أن المتكلم هو الشيطان لأن شاول كان سيذهب إليه في اليوم التالي، إذ لا يصدق عاقل أن شاول المرتد عن الله، الذي انتهت حياته بالالتجاء إلى الجان، ومات منتحراً، يذهب إلى ذات المكان الذي ذهب إليه صموئيل؟ إذ ما هو الفرق بين البار والشرير وبين نهاية الأبرار ونهاية المتمردين الفجار؟

6- أشاع الروح الذي ظهر إحساس الخوف الشديد في قلب شاول وسلبه قواه المعنوية، وهذا عمل الشيطان للإنسان عدد 20 وهكذا ترينا القصة في وضوح أن هذه الجلسة التي تمت تحت ستار الظلام – تماماً كما يفعل أصحاب هذا المذهب الأثيم – قد سيطر عليها الشيطان، ومثل فيها دوره خير تمثيل حين قلد شخصية صموئيل "ولا عجب لأن الشيطان نفسه يغير شكله إلى شبه ملاك نور" 2 كو 11: 14. وهذا يحذرنا من الالتجاء إلى هذه الأرواح لأنها "أرواح شياطين صانعة آيات" والمؤمن المطيع الخاضع للرب له هذا الوعد الكريم "أذناك تسمعان كلمة خلفك قائلة هذه هي الطريق اسلكوا فيها حينما تميلون إلى اليمين وحينما تميلون إلى اليسار" أش 30: 21

من بين الاختبارات الملذة عن قيادة الله اختبار "أم الأيتام المصريين – مس ليليان تراشر" هذه الفتاة التي لمس الرب قلبها بمحبته الفائقة. وحرك أنامله الذهبية على أوتار ذلك القلب، فجعل منها أوتاراً تعزف أناشيد الرحمة والحب والحنان. فأسست هذه الفتاة المباركة ملجأ الأيتام بأسيوط، ذلك الملجأ الذي يأوي المئات من اليتامى والأرامل والعاجزين.

اسمعها تقص قصة حياتها فتقول "ذهبت في ليلة من ليالي الثالثة والعشرين من عمري إلى اجتماع كانت تتكلم فيه مرسلة أمريكية عقب رجوعها من الهند عن الحاجة إلى أشخاص يكرسون أنفسهم لخدمة الرب، وما إن سمعتها تتكلم حتى سمعت صوتاً في قلبي يناديني أن اذهب إلى إفريقيا، ولما كنت قد صرفت كل ما أمتلك استعداداً لحفلة زفافي التي كان ميعادها بعد عشرة أيام من تلك الليلة الخالدة في تاريخ حياتي، لم يكن لدي سوى جنيه واحد، وماذا يفيد هذا الجنيه؟ أصبحت في موقف دقيق، إذ كان علي أن أختار بين أن أفضل الزواج على إطاعة دعوة الله، أو أن أطيع أمر الله وأرفض الزواج. فعرضت على خطيبي أن يرافقني إلى إفريقيا فأبى فتركته وخضعت لأمر إلهي.

كنت أعمل في ذلك الوقت كمساعدة لمس ماتي بيري في ملجأها في ماريون بكارولينا. فلما جاءتني دعوة الله جهزت حقيبتي استعداداً للرحيل وأخبرت أصدقائي بعزمي على السفر، فساعدني بعضهم بمبلغ ثلثمائة وستين قرشاً، وأخبروني عن مؤتمر المرسلات المنعقد في بيتسبرج، ففكرت أن أذهب هناك لأجمع بعض المعلومات من المرسلات وقلت في نفسي: "عسى أن أهتدي هناك إلى أي جهة من أفريقيا يريدني الله أن أذهب"، ... أودعت نقودي عند المس ماتي بيري، وهذه حفظتها في درجها، ولما كانت أخت المس بيري مدينة بمبلغ لأحد الناس، وكانت تجهل أن هذه النقود تخصني، سددت دينها بنقودي، والغريب أنني لم أسمع بما حصل إلا ساعة استعدادي للسفر، لكن أصدقائي بذلوا ما في وسعهم لمساعدتي إلا أنهم لم يستطيعوا إحياء مبلغ الثلثمائة والستين قرشاً ....

تأهبت للرحيل، ولكن ثمن التذكرة كان ناقصاً ورأيت أنني سألقي حزناً على قلوب من حضروا لتوديعي إذا رأوني انثنيت عن عزمي، فرأيت أن أقطع المرحلة التي تكفيها نقودي، وسألت بعض الناس فعلمت منهم أنني أستطيع السفر بهذه النقود إلى واشجتون. كنت أجهل واشنجتون، ولا أعرف أحداً بها، ولكن المس بيري قالت إن لها صديقة هناك، وأعطتني خطاباً تقدمني به إليها. وقالت لي: "امكثي معها إلى أن أرسل لك النقود التي تكفيك للسفر إلى بيتسبرج" ... وصلت واشنجتون في الوقت المناسب، حيث وجدت صديقة مس بيري وسلمتها الخطاب وما أن قرأته حتى قالت "إنني أرثي لحالك، ولكنني لا يمكنني أن أقبلك كضيفة في بيتي، لأنني أقوم بضيافة عائلة مرسل من المرسلين في أسيوط بالقطر المصري ومع ذلك يمكننا أن نتناول الطعام سوياً" كان المرسل الضيف الذي قدموني إليه كمرسلة هو القس برلسفورد.

سألني "أي جهة تقصدين في إفريقيا؟" قلت "لست أدري" سألني "من أرسلك؟" قلت "لم يرسلني أحد" سألني "أطردك أبواك" أجبت "كلا، بل رحلتي هذه بالرغم منهم" سألني "أمعك أجرة السفر؟" قلت "ريال واحد منها".

لا يمكنني أن أتذكر كل ما قاله القس برلسفورد، وكل ما أذكره الآن هو صدى صوته يخترق عباب المحيط، ثم يأتي إلي متموجاً إلى أن يقرع أذني قائلاً "يحسن بك يا ابنتي أن تعودي أدراجك إلى أمك".

لم يثن ذلك عزمي، بل كانت كلماته المثبطة كأنها دوافع تدفعني إلى الأمام، إلى "إفريقيا" وما أنا إلا طائعة صاغرة، مؤمنة بالوعد الكريم "أمين هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضاً" 1 تس 5: 24

ضحت إحدى السيدات بغرفتها لي، ومكثت في ذلك البيت يومين، وقبل أن أرحل سألني القس برلسفورد أن أعاونه في عمله بأسيوط بالقطر المصري، فأجبته "بالحقيقة إنني لم أعزم قط على المجيء إلى واشنجتون، فيظهر أن رغبة الله قادتني إلى هنا لأقابلك" وفي الحال شعرت بصوت يناديني قائلاً "اقبلي الدعوة إلى أسيوط" وبطريق ما رتب الله لي أجر سفري وبعد أن صليت في غرفتي قبل الإبحار سألني أحدهم أن أفتح الإنجيل وأطلب من الله أن يبين لي إرادته فيه ففعلت، وإذا بالعدد الذي جذب عيني من أعمال 7: 47 وعجيب أن تسمع أن هذا العدد رأيته في تلك اللحظة لأول مرة في حياتي، وهذا نصه " "إني لقد رأيت مشقة شعبي الذي في مصر وسمعت أنينهم ونزلت لأنقذهم فهلم الآن أرسلك إلى مصر" وهكذا بهذه الطريقة الواضحة وضع الله ختمه النهائي على دعوته لي. وجئت إلى مصر.

وبمثل هذه الطرق العجيبة يقود الله أولاده الأمناء، فلنتقدم الآن إلى مقادس الكلمة الإلهية لندرس هذا الموضوع الجليل.


شروط التمتع بقيادة الله

يجدر بنا ونحن نطلب معرفة إرادة الله، أن نذكر أنه لا يستطيع كل واحد أن يحظى بهذه المعرفة، أو يتمتع بهذه القيادة، فالله يطلب شروطاً واضحة حتى يتنازل في محبته فيهدي الإنسان برأيه، ومشورته وحكمته، فما هي هذه الشروط:

1- الشرط الأول للتمتع بقيادة الله هو التكريس الكامل للحياة:

ويبدو هذا الشرط واضحاً في كلمات بولس الرسول حين قال "فأطلب إليكم أيها الإخوة برأفة الله أن تقدموا أجسادكم ذبيحة حية مقدسة مرضية عند الله عبادتكم العقلية ولا تشاكلوا هذا الدهر بل تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم لتختبروا ما هي إرادة الله الصالحة المرضية الكاملة" رومية 12: 1 و 2، وفي هذه الكلمات يطالبنا الرسول بتكريس أجسادنا على مذبح الصليب بدافع الإحساس بمراحم الله، وكذلك يطلب إلينا أن لا نشاكل هذا الدهر في تصرفاته العالمية الأثيمة. وحكمته الإنسانية الغاشمة، وعندئذٍ ستختبر في حياتنا ما هي إرادة الله، الصالحة، المرضية، الكاملة ... ونتعلم من هذا أن الله لا يعلن إرادته إلا للنفس التي تسلم له كل التسليم لأنها في هذه الحالة تكون مطيعة للقيادة الإلهية.

يحدثنا ف.ب ماير أنه أراد مرة أن يختبر قيادة الله، فصلى مسلماً حياته للرب ونام، وفي نومه رأى حلماً، رأى أن الرب في جمال شخصه جاء إليه، وسمع صوته يناديه "أعطني مفاتيح حياتك يا ماير" يقول ماير: كنت أعتز بمفتاح خاص في حلقة مفاتيحي، فظننت أني أستطيع أن أغافل السيد وانتزعه من الحلقة، وفعلاً انتزعت المفتاح وقدمت للسيد بقية المفاتيح، وأمسك السيد حلقة المفاتيح بأطراف أصابعه ثم نظر إلي نظرة موبخة وقال وهو يتجه بعيداً عني "المفتاح الأخير يا ماير" أحسست أن الرب قد طعنني في قلبي، وشعرت بألم لأني سأسلم آخر مفاتيحي، لكنني خشيت إذا لم أفعل أن يبتعد الرب عني، فأخرجت المفتاح الأخير من جيبي وأعطيته لسيدي. ولما تسلم السيد ذلك المفتاح الأخير العزيز بدأ يقودني في حياتي وأحسست بفرح لا ينطق به ومجيد.

2- الشرط الثاني للتمتع بقيادة الله هو الصلاة المسلمة لإرادته: 

إن العناد يتعارض مع طلب قيادة الله، أما الوداعة فترحب بها ولذا فإن الرب يحذرنا من العناد قائلاً "أعلمك وأرشدك الطريق التي تسلكها أنصحك عيني عليك. لا تكونوا كفرس أو بغل بلا فهم بلجام وزمام زينته يكم لئلا يدنو إليك" مزمور 32: 8 و 9، فقبل أن تشرع في طلب قيادة الله، دع قلبك يتفرغ من رغباته من جهة الأمر الذي تطلب القيادة فيه، ليستطيع الله أن يقودك برأيه وحكمته فهو "يدرب الودعاء في الحق ويعلم الودعاء طرقه" مزمور 25: 9

والعلامة الأكيدة على وجود روح الطاعة والتسليم هي الراحة الداخلية التي بها نواجه الصعاب التي تعترض حياتنا، فلا تنزعج منها بل نفرح لأننا نسير وراء عمود السحاب الذي أعده الله لنا.

تعلم جورج مولر رجل الإيمان هذا الدرس فقال: "لقد كنت أحس في داخلي بشعور خفي باللذة بسبب عظم الصعوبات التي كانت تعترضني، فهي لم تروعني أبداً بل كانت مبعث السرور لنفسي أليست هذه الصعاب مرتبة بمشيئة إلهي؟ وألست تواقاً لأن أعمل مشيئته وحدها؟ إذن فما الذي يزعجني ويشوش سلامي؟! إن كل من يجعل الرب أمامه في كل حين، وكل من يجد مسرته في علم إرادة الله، يفرح ويصير الفرح عادة في نفسه، ولا بد أن يقوده الرب بروحه لحل أصعب المشاكل وأعقد المعضلات، لأن إرادته ستكون متوافقة مع إرادة إلهه".

إن سر توقف السماء عن إرشاد أبناء الأرض، هو أنهم يعدون برامج حياتهم ثم يطلبون من الله أن يبارك هذه البرامج، وهذا هو الخطأ الأكبر في الحياة.

كم من شاب يذهب وراء عينيه، وعقله، وشهواته وهو يختار شريكة حياته، فيجذبه بريق الذهب، أو تخدعه المظاهر الخلابة فينطبق عليه ما قيل عن يشوع ورجاله عندما خدعهم سكان جدعون "فأخذ الرجال من زادهم ومن فم الرب لم يسألوا" يشوع 9: 14 وهكذا بعد أن يضع شروطه ويملي رغباته، ويجهز أثاثات بيته يطلب من الله البركة والسعادة لأسرته، مع أن الشرط الضروري لقيادة الله هو الصلاة المسلمة الخاضعة لإرادته، وهذا ما فعله عبد إبراهيم عندما ذهب ليخطب زوجة لإسحق إذ قبل أن يذهب وراء عينيه أو يثق في فهمه صلى للرب قائلاً "أيها الرب إله سيدي إبراهيم يسر لي اليوم واصنع لطفاً إلى سيدي إبراهيم ها أنا واقف على عين الماء وبنات أهل المدينة خارجات ليستقين ماء فليكن أن الفتاة التي أقول لها أميلي جرتك لأشرب فتقول اشرب وأنا أسقي جمالك أيضاً هي التي عينتها لعبدك اسحق وبها أعلم أنك صنعت لطفاً إلى سيدي" تكوين 24: 11 – 14 وبهذه الصلاة البسيطة المسلمة أرشد الله العبد الأمين إلى الزوجة التي عينها لابن سيده، وسهل قدامه الطريق فعاد برفقة إلى اسحق وكان زواجهما زواجاً سعيداً موفقاً .... وهذا ذات ما فعله موسى أكبر قائد عرفه تاريخ البشر، إذ أدرك عظم المسؤولية الملقاة على عاتقه في قيادة جماعة غير منظمة مكونة من عبيد نالوا حريتهم حديثاً، فتوسل إلى إلهه قائلاً "إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فعلمني طريقك حتى أعرفك" خروج 33: 13 وقد استجاب الله صلاته المتواضعة فنقرأ في مزمور 103: 7 "عرف موسى طرقه وبني إسرائيل أفعاله" فموسى عرف طرق الله في معاملاته، أما بنو إسرائيل فعرفوا أفعال الله فقط، وخفيت عن إدراكهم المبادئ التي كانت تسير عليها هذه الأفعال، حتى جاء اليوم الذي فيه نسوا أعمال الله العظيمة مزمور 78: 11 لأنهم لم يطلبوا معرفة إرادته.

ولقد كاد آساف يبعد عن طريق الله، وكادت مشيئة الله تغيب عن عينيه عندما رأى نجاح الأشرار، وكادت تزل قدماه، ولكن الرجل في عمق حيرته يقول "دخلت مقادس الله وانتبهت إلى آخرتهم حقاً في مزالق جعلتهم أسقطتهم إلى البوار" مز 73: 17 و 18 ففي المقادس الإلهية حل لجميع المشاكل، وعن طريق الصلاة المسلمة يقودنا الله قيادة حكيمة.

وقعت أثناء الحرب العالمية الأولى حادثة لرجل من رجال الله، اعترض حياته مشكلتان معقدتان، فركع الخادم أمام الله وصلى في حرارة طالباً قيادة سماوية لحل هاتين المشكلتين، وكانت إحداهما تتعلق بطبع كتاب، فصلى الخادم للرب قائلاً "يا إلهي إني أخشى أن لا يوافق الناشر على طبع كتابي" فأتاه جواب الله "اترك هذا بين يدي" أما المشكلة الثانية فعرضها أمام الله وطلب إليه أن يرشده لحلها، وحالاً هدى الرب فكره إلى رجلين يقدمان له الحل المطلوب ولكن ذلك الخادم المصلي قال: "يا رب إن واحداً من هذين الرجلين يعيش شمالاً، والآخر جنوباً، والمسافة بعيدة بينهما، والمشكلة يجب أن تحل اليوم" فأتاه جواب الرب الطيب "اترك هذا بين يدي" .. وقام الخادم من صلاته مطمئن القلب، وركب القطار المعتاد قاصداً مدينة نيويورك، وإذ وصل إلى هناك وبلغ العمارة التي كان مكتبه فيها التقى بالناشر في مصعد العمارة، وإذ قدم إليه مسودة الكتاب الذي كان ينوي طبعه أقره الناشر على طبعه فامتلأ الرجل سروراً إذ استجاب الرب صلاته، ثم مضى إلى اجتماع لجمعيات الكنائس التي كانت تنظر شؤون الحرب، وهناك صرف ساعات الصباح، وفي نحو الساعة الثالثة بعد الظهر داخله اقتناع قوي بأن يقفل راجعاً إلى مكتبه بأول فرصة، فخرج متجهاً إلى المكتب، وإذ وصل إلى المصعد وجد فيه الرجلين الذين أوحى إليه وقت الصلاة أن يستأنس برأيهما فكانت هذه أول مرة عرف فيها أن الرجلين يقطنان معاً مدينة نيويورك فلو اتفق أنهما دخلا المصعد قبل ذلك الوقت أو بعده بدقائق قليلة لما أمكنه أن يلتقي بهما إذ لم يكن في نيتهما مقابلته، فدعاهما إلى مكتبه وأصغى إلى نصحهما وبعد وقت قصير انحلت مشكلته الثانية، وهكذا عن طريق الصلاة يقودنا الله في وسط مشاكل الحياة.

3- الشرط الثالث للتمتع بقيادة الله هو العطاء بسخاء:

اصغ إلى كلمات الرب في سفر أشعياء "إن أنفقت نفسك للجائع وأشبعت النفس الذليلة يشرق في الظلمة نورك ويكون ظلامك الدامس مثل الظهر ويقودك الرب على الدوام" أش 58: 10 و 11 فالسخاء في الإنفاق على الجائع، والتضحية في كساء الجسد العاري، والعمل على إطلاق المسحوقين في الحرية، هذه كلها شروط ضرورية في سبيل التمتع بقيادة الله، فبعد أن نتممها عملياً في حياتنا "يقودنا الرب على الدوام" ... إن في قلب كل مؤمن عاطفة جياشة بالحنان، وهذه العاطفة لا تنضح إلا إذا أضفينا عليها الألوان التي تظهرها، فالمثال يختار ألوان لوحته من الزيت، والشاعر يختار ألوان شعره من الكلمة. والموسيقى يختار ألوان لحنه من النغمة، ولكن عاطفة المسيحي الحقيقي لا تظهرها هذه الألوان متفرقة أو مجتمعة، فإن لونها المختار هو الفضة، والذهب، ومعادن العملة المتداولة، وهذه العملة وحدها هي التي تجعل العاطفة المسيحية طاقة ذرية، تحول البؤس سعادة، واليأس أملاً، والظلام نوراً، ويوم تظهر فيك هذه العاطفة "يقودك الرب على الدوام".

4- الشرط الرابع للتمتع بقيادة الله هو الانتظار بصبر:

ليس شك في أن الوقت الذي حدده الله ليعمل فيه عمله، هو أفضل وقت لنا، لكننا كثيراً ما نتسرع بعدم صبرنا فنفقد السير في طريق إلهنا، ولنا في حياة شاول الملك مثل رائع، فقد كان موقفه غاية في الحرج عندما تجمع الفلسطينيون بعددهم الهائل وقوتهم المروعة وأوشكوا أن يبدأو القتال، وعندئذ تفرق رجال شاول عنه، وحتى صموئيل تأخر في ا لمجيء إليه ليقرب المحرقة ويسأل من الله عوناً له، ولم يشأ شاول أن يحارب دون معونة الله، ولكنه لم ينتظر حتى يحين وقت الرب، فعمل شيئاً لإنقاذ الموقف، وكان العمل الذي عمله تطاولاً منه على ما ليس من وظيفته، فقد قدم المحرقة وهو ليس كاهناً لله قبل أن يحين موعدها، وبعد ذلك دنت ساعة الله، وجاء خادم الله. وكثيراً ما تأتي اللحظة التي عينها الرب، بعد اللحظة التي عيناها نحن بقليل. فتعلم أن تنتظر بصبر أمام الله، لئلا تخسر كشاول الملك الذي خسر بتسرعه سلطانه ومركزه ورضي الرب عنه، وأطع الكلمة القائلة "انتظر الرب ليشدد وليتشجع قلبك وانتظر الرب" مز 27: 14 وعندئذٍ ستردد مرنماً "يحفظني الكمال والاستقامة لأني انتظرتك" مز 25: 21 لأنه "طوبى لجميع منتظريه" أش 30: 18

5- الشرط الخامس للتمتع بقيادة الله هو وضع الأمور الروحية في المرتبة الأولى:

لقد أوصانا السيد له المجد أن نطلب أولاً ملكوت الله وبره مت 6: 33، وهذا يعني أن نعطي لله ومطاليبه المكان الأول في حياتنا، فلا نتصرف في شيء يعارض مع هذا المبدأ المبارك.

ذهب أخ مسيحي تقي إلى ج.هـ. لانج طالباً نصيحته بخصوص قبول مركز ممتاز في مدينة لندن، عرض عليه دون أن يسعى وراءه كان الأخ يعول أسرة كبيرة، وكان المنصب الجديد سيضمن له ربحاً مادياً وفيراً يريح أولاده وزوجته ويمتعهم برفاهية أكثر في معيشتهم! يقول الأخ لانج: قدمت لهذا الصديق المسيحي هذه الأسئلة: هل هذا المنصب الجديد يعني دخولك في معاملات جديدة قد يأباها ضميرك المسيحي؟ وهل ما يتطلبه هذا المنصب من زيادة في الجهد. وقلة في ساعات الفراغ، وإرهاق للأعصاب، من شانه أن يعطل خدمتك المسيحية ويضعف صحتك الجسدية؟ وإلى أي مدى تؤثر الزيادة في دخلك وأعبائك في حالتك الروحية؟ وهل إذا قبلت هذا المنصب يكون لله المركز الأول في حياتك؟! وعندما فحص ذلك الأخ المسيحي الموضوع في نور هذه الأسئلة وضحت له إرادة الله فرفض ذلك المنصب الكبير.

فإذا كنت تطلب القيادة الإلهية، فينبغي عليك أن تضع الله وعمله أولاً، ولا شك أنه سيقودك بعد ذلك بحكمته


وسائط القيادة الإلهية

1- الواسطة الأولى للقيادة الإلهية هي الكلمة المقدسة:

"إلى الشريعة وإلى الشهادة إن لم يقولوا مثل هذا القول فليس لهم فجر" أشعياء 8: 19 و 20، فالشريعة والشهادة هما الواسطة الأولى لإرشادنا وقيادتنا "كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتأديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكل عمل صالح" 2 تي 3: 16 و 17 "فتح كلامك ينير يعقل الجهال" "سراج لرجلي كلامك ونور لسبيلي" وهذا يعني أن الكتاب المقدس هو وسيلة قيادتنا، ويجدر بنا أن نضع في أذهاننا هذه الحقيقة: إن كل موضوع قد أعلن الكتاب المقدس رأى الله فيه بوضوح لا يجب الصلاة من أجل معرفة إرادة الله فيه بل يجب طاعته ... فالله قال "لا تكونوا تحت نير مع غير المؤمنين لأنه أية خلطة للبر والإثم وأية شركة للنور مع الظلمة وأي اتفاق للمسيح مع بليعال وأي نصيب للمؤمن مع غير المؤمن" 2 كو 6: 14، 15 وهذا إعلان إلهي صريح يأمرنا بالابتعاد عن أية شركة عالمية فإذا تقدم إليك شخص غير مؤمن يريد أن يدخل معك في شركة تجارية فحاذر أن تصلي لأجل هذا الموضوع، إذا أن الصلاة لن تفيدك، والله لن يقودك، لأنه سبق وقال "لا" في كلمته "وليس الله إنساناً فيكذب أو ابن إنسان فيندم"، وستكون صلاتك إذا جربك الشيطان أن تصلي كصلاة بلعام بعد أن قال له الله "لا تذهب مع رجال بالاق" لكنه عاد وصلى لله وسأله عن إرادته تحت إغراء الذهب والربح القبيح مع أن الله سبق أن أعلن له مشيئته. وكما في الشركات التجارية والعالمية، كذلك في شركة الزواج، احترس من أن تصلي حتى يعطيك الرب فتاة جميلة غير متجددة يكون قلبك قد انجذب بجمالها، وحاذري أيتها الأخت أن تصلي حتى يرتب الرب زواجك من شاب غير مؤمن أحبه قلبك، فإن هذه الصلاة تكون بمثابة كلمات مشبعة بالأوهام، ومغلفة بالغيوم، لن يسمعها ساكن السماء ... وهكذا الأمر في كل موضوع قد قال فيه الكتاب المقدس قوله الفصل، سواء أكان يمس الحياة الشخصية، أو يتعلق بالعقائد الدينية، فهنا يتحتم الطاعة لكلمة الله إن كنت تريد أن تسير في نور قيادته، ولأجل هذا قال السيد له المجد "إن شاء أحد أن يعمل مشيئته يعرف التعليم هل هو من الله أم أتكلم أنا من نفسي" يو 7: 17

تجدد أحد الشبان في اجتماع ما، وظل يواظب على هذا الاجتماع أكثر من سنة، فتقدم إليه الراعي وسأله: هل أنت متجدد؟ أجاب: نعم، بنعمة الله. سأله: ولماذا لم تشترك على مائدة الرب؟ أجاب: لأن الله لم يرشدني!! ابتسم الراعي وقال: اسمع يا ولدي الطيب، إن الله لا يرشدنا بأشياء أعلن مشيئته فيها في الكتاب، لا تتوقع هذا إطلاقاً، إنه قال "اصنعوا هذا لذكري" لوقا 22: 19 وليس علينا إلا أن نطيع.

وما دمنا بصدد الحديث عن القيادة بالكلمة المقدسة، فلا بد لنا أن ننبر عن ضرورة درس الكتاب المقدس دراسة شخصية بفهم وإدراك، فبدون هذه الدراسة الدائمة، كيف يتسنى للرب قيادتنا في موكب مشيئته؟ بحق قال أحد القديسين "يوجد أعظم رجاء لأعظم خاطيء يقرأ الكتاب المقدس، ويوجد أعظم خطر على أعظم قديس يهمل دراسة الكتاب المقدس" فطوبى للإنسان الذي في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهاراً وليلاً.

2- الواسطة الثانية للقيادة الإلهية هي صوت الروح القدس:

تكلم رب المجد لتلاميذه قائلاً "إن لي أموراً كثيرة لأقول لكم ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن، وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق لأنه لا يتكلم من نفسه بل كل ما يسمع يتكلم به ويخبركم بأمور آتية" يو 16: 12 و 13، ومن كلمات ربنا نتعلم أن الروح القدس يقودنا ويرشدنا في أمور الحياة كما يقول بولس الرسول "لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله" رو 8: 14 لكننا ينبغي أن ننتبه إلى حقائق هامة بخصوص قيادة روح الله ... وأول هذه الحقائق هي أن الروح القدس لا يقودنا بشيء ضد كلمة الله، فالقياس الوحيد الذي به نميز إرشاد الروح القدس هو كلمة الله وفي سفر الملوك الأول قصة رائعة لتوضيح هذا الحق الثمين، فقد أرسل الرب نبياً من يهوذا إلى بيت إيل للتنبؤ ضد يربعام، فأوصاه ألا ينتظر في بيت إيل ولا يأكل خبزاً ولا يشرب ماء، ولا يرجع في الطريق الذي جاء فيه، وبعد أن أتم النبي الذي من بيت إيل مهمته، سمع القصة نبي شيخ كان ساكناً هناك، فأسرع وراء النبي الذي من بيت يهوذا حتى إذا وجده قال له "سر معي إلى البيت وكل خبزاً ... فقال لا أقدر أن أرجع معك ولا آكل خبزاً ولا أشرب ماء في هذا الموضع لأنه قيل لي بكلام الرب لا تأكل خبزاً ولا تشرب هناك ماء ولا ترجع سائراً في الطريق الذي ذهبت فيه" 1 ملو 13: 15 – 17 لكن النبي الشيخ قال له "أنا نبي مثلك وقد كلمني ملاك بكلام الرب قائلاً ارجع به معك إلى بيتك فيأكل خبزاً ويشرب ماء. كذب عليه فرجع معه وأكل خبزاً في بيته وشرب ماء" 1 ملو 13: 18 و 19 فماذا كانت نتيجة عصيان كلمة الرب التي أعطاها لنبي يهوذا وتصديقه للكلام الكاذب الذي قاله النبي الشيخ باسم الرب؟؟ لقد كانت النتيجة مخيفة بالنسبة للنبي الذي من يهوذا فقد جاءه كلام الرب قائلاً "من أجل أنك خالفت قول الرب ولم تحفظ الوصية التي أوصاك بها الرب إلهك فرجعت وأكلت خبزاً وشربت ماء في الموضع الذي قال لك لا تأكل فيه ... لا تدخل جثتك قبر آبائك" ... وانطلق النبي العاصي فصادفه أسد في الطريق وقتله 1 ملوك 13: 39 – 24 فلنحذر إذن من أي إعلان يقال إنه من الروح القدس وهو يخالف الكتاب المقدس، لأن الروح القدس لا يمكن أن يخالف المكتوب فلنتمسك بكلمة الرسول يوحنا "أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح بل امتحنوا الأرواح هل هي من الله لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم" 1 يو 4: 1، ولنسمع وصية الرسول بولس "إن بشرناكم نحن أو ملاك من السماء بغير ما بشرناكم فليكن أناثيما (أي محروماً)" غلا 1: 8

وهناك حقيقة ثانية بخصوص قيادة الروح القدس وهي أن هذه القيادة تطلب جواً خاصاً يستطيع فيه الروح أن يقودنا ويرشدنا، ونحن نقرأ في سفر الأعمال هذه الكلمات "وبينما هم يخدمون الرب ويصومون قال الروح القدس افرزوا لي برنابا وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه فصاموا حينئذٍ وصلوا ووضعوا عليهما الأيادي ثم أطلقوهما فهذان إذ أرسلا من الروح القدس انحدرا إلى سلوكية" أع 13" 2 – 4 ونتعلم من هذا كيف يقود الروح القدس أولاد الله قيادة حكيمة واضحة، وكما أفرز برنابا وشاول للخدمة كذلك يفرز اليوم خداماً أمناء لخدمته، لكنه يتطلب جواً مقدساً حتى يتمكن من قيادتنا، وهذا الجو هو جو الخدمة الأمينة "بينما هم يخدمون الرب"، وهو جو الصوم والبعد عن العالم والأفكار العالمية وتركيز العقل في الرب "ويصومون"، في هذا الجو السماوي يهمس الروح القدس همساته الإلهية ويرشد شعبه بحكمته التي لا تخطيء، لكن السر في عدم تمتع أولاد الله وبناته بقيادة الروح، هو كثرة مشغولياتهم واهتماماتهم العالمية، وتعجلهم للأمور، وعدم إدراكهم أهمية الهدوء في محضر الله حتى تصدر الإشارة الإلهية بالعمل ....

وتوجد حقيقة ثالثة بخصوص قيادة الروح القدس، هي أن الروح القدس قد يمنعنا من أعمال مقدسة لم يحن وقت عملها ونحن نقرأ في سفر الأعمال هذه الكلمات "وبعد ما اجتازوا في فريجية وكورة غلاطية منعهم الروح القدس أن يتكلموا بالكلمة في آسيا فلما أتوا إلى ميسيا حاولوا أن يذهبوا إلى بثينيه فلم يدعهم الروح" أع 16: 6 و 7، فالتكلم بالكلمة أمر مقدس ولكن الروح منعهم أن يتكلموا بالكلمة في آسيا، والذهاب إلى بثينية أمر مقدس لكن الروح لم يدعهم يذهبون، لأن وقت الكلام، ووقت تبشير بثينية لم يحن بعد. فقيادة الروح تتطلب إحساساً ممتازاً وتوجيهاً للعقل نحو الله وكما يوجه المرء مؤشر جهاز الاستقبال إلى المحطة المطلوبة بتدقيق كذلك يجب أن نوجه قلوبنا بإخلاص إلى الله حتى يمكن أن نسمع هذا الصوت المنخفض الخفيف وإلا فلن نسمع سوى ضوضاء أصوات العالم.

والكتاب المقدس مليء بالحوادث التي تؤكد حقيقة قيادة الروح، فقد قاد الروح فيلبس أن يكلم الخصى الحبشي "فقال الروح لفيلبس تقدم ورافق هذه المركبة" أع 8: 29، ولما أطاع فيلبس وجد نفساً مستعدة، ووجد فصل الكتاب الذي يبدأ منه رسالته الخلاصية لهذه النفس، وكما أرشد الروح فيلبس كذلك أرشد بطرس لمعرفة قلب حنانيا وسفيرا فلما دخل الرجل وقال كذبته الرهيبة قال له بطرس "لماذا ملأ الشيطان قلبك لتكذب على الروح القدس وتختلس من ثمن الحقل" أع 5: 3، ولما دخلت سفيرا وكذبت هي الأخرى قال لها "ما بالكما اتفقتما على تجربة روح الرب" وهكذا يقود الروح القدس أبناء الله بطرق متنوعة وعجيبة.

حدثتنا الأخت أبيجايل لوف عن اختبار مثير يؤكد قيادة الروح القدس قالت " كنت حاضرة في اجتماع صباح الأحد لكسر الخبز وكان حضور الرب واضحاً عميقاً وقد شبعت به النفوس، وفي وسط الهدوء الذي يسود الحجرة التي عقد فيها الاجتماع سمعت صوتاً منخفضاً خفيفاً يهمس داخلي قائلاً: أبيجايل اذهبي إلى البيت واحضري كل ما عندك من مال، فأنا أريدك أن تعطي الكل. كنت أضع في حقيبتي دولارين، وكان عندي في البيت ثلاثة دولارات وكان الصوت واضحاً أن أذهب وأحضر الباقي، تعجبت في نفسي لماذا يطلب الرب هذا الطلب؟! ولكنني تعودت أن أطيعه، ولذلك غادرت الاجتماع في هدوء وذهبت في سيارة من السيارات العامة إلى منزلي وأحضرت كل ما عندي وخرجت لأعود إلى الاجتماع ....

وقفت في الطريق أنتظر السيارة، وإذا بي أرى سيدة مسنة متعبة تقف في ذلك الصباح البارد في ظلال أحد الأبواب، وقد أغمضت عينيها كأنما هي ترفع صلاة إلى الله ... تقدمت إليها وقلت لها: إنك تبدين متعبة يا أماه، فما الذي أخرجك في هذا اليوم البارد المطير؟ أجابت: لقد كنت مريضة يا ابنتي لكنني قد أصبحت الآن أحسن حالاً مما كنت. سألتها: هل تعرفين الرب يسوع المسيح كمخلص شخصي لك؟ أجابت: بكل يقين يا ابنتي ولقد وقفت في ظلال هذا الباب حتى أستطيع أن أصلي إلى أن تأتي السيارة التي ستقلني. سألتها: ولأي شيء كنت تصلين؟ أجابت: لو أخبرتك يا ابنتي لاعتقدت إنني أسألك إحساناً!! قلت: حاشا يا أماه. وشرعت السيدة العجوز تحدثني بقصتها، لقد مات زوجها وتركها فقيرة مسكينة ولها ابنة تقطن في بلد بعيد، وقد أرسلت إليها أن تبيع أثاث منزلها وتسافر بثمنه إليها لتعيش معها، ولكنها بعد أن باعت الأثاث وجدت أن القيمة المطلوبة تنقص خمسة دولارات ... وسكتت العجوز لحظة ثم استطردت "وقد وقفت في هذا المكان أطلب إلى مخلصي أن يرسل لي الخمسة دولارات".

قفزت من فرط الفرح، وأخبرت الأم الطيبة كيف قادني الروح القدس بصوته الهادئ أن أخرج من الاجتماع لأحضر باقي ما عندي من مال، وكيف تعجبت من طلب الرب لكنني أطعته وها هو يريني لماذا قادني!! ... ثم سلمتها الخمسة دولارات ومضيت في طريقي أطفر من فرط السرور ....

3- الواسطة الثالثة للقيادة الإلهية هي الظروف المجهزة من الله:

عندما ذهب عبد إبراهيم ليحضر زوجة لاسحق، وصلى للرب، وفقه الله بكيفية واضحة، وقاده إلى بيت إخوة سيده، وإلى الفتاة المعينة، وسارت الظروف سهلة هينة بلا تعقيد، حتى أنه لما أراد أهل الفتاة أن يبقوها أياماً قال لهم العبد التقي "لا تعوقوني والرب قد أنجح طريقي". أجل! فلما تكون مشيئة الله في جانبنا تسير الأمور في هوادة وسهولة ويسر.

حدثنا الأخ لانج قال: حدث مرة أن وعدت مسيحياً حديث ألسن بمساعدته في أمر صعب، ولكنني في صباح اليوم الموعود مرضت بالحمى، وكان يجب أن أبقى في البيت، إلا أنني لم أشأ أن أخذل ذلك الصديق. كما لم أكن قد تعودت أن أجعل جسدي يتحكم فيّ، ولذا تحاملت على نفسي وخرجت حسب الموعد، وبدا لي أن كل شيء يسير على ما يرام، فقد نجحت في تدبير الأمر، ولكن لم يمض طويل وقت حتى ندمت جداً إذ تبينت أن ذلك الشاب لم يكن أهلاً للمساعدة، وأصابني لوم كبير لأنني تصديت لمعونته. فلو أنني كنت مرهف الحس، لأدركت أن ذلك المرض الفجائي الذي ألم بي، كان صوتاً إلهياً يمنعني من الخروج لهذا العمل. لقد قال أرمياء النبي "سيج طرقي بحجارة منحوتة" مرائي 3: 9 وإذا كان الرب قد سيج الطريق بالحجارة فمن الغباء أن نتسلق هذا الطريق!

ويلذ لنا ونحن بصدد الحديث عن الظروف المجهزة من الله، أن ننتبه إلى حقيقة هامة، وهي أن هذه الظروف لا تكون من الله إلا إذا اتفقت مع نور كلمته الوضاح، وقيادة روحه في إقناع صريح، أما إذا انفتح الباب ضد المكتوب، وضد قيادة الروح القدس، فهو إذن إغراء من الشيطان للإيقاع بنا، فالباب المفتوح ليس دليلاً دائماً على إرادة الله وقيادته، ونجد في سفر صموئيل الأول 24: 4 حادثة تعيننا على فهم هذا الفكر الجليل، فقد طارد شاول داود أشد المطاردة وفي أثناء مطاردته جاء إلى صير الغنم التي في الطريق، وكان هناك كهف فدخل شاول لكي يغطي رجليه وداود ورجاله كانوا جلوساً في مغابن الكهف .... ونام شاول، نام نوم المتعب المكدود "فقال رجال داود له هوذا اليوم الذي قال لك عنه الرب ما أنا ذا ادفع عدوك ليدك فتفعل به ما يحسن في عينيك فقام داود وقطع طرف جبة شاول سراً" قطع طرف جبة الملك لكنه لم يرض بأن يقتله ويعتلي عرشه، ومع أن الباب فد فتح أمام داود، والظروف بدت مرتبة للتخلص من الملك الذي يطارده، والذي تسبب في هزيمة بلاده وعارها، ومع أن الأغلبية التي مع داود نصحته بأن يقضي عليه، وكان من الممكن أن يعتبر داود أن الباب المفتوح هو دليل قاطع على قيادة الله، وأن يخضع لرأي الأغلبية التي معه، لكن داود كان رجلاً متصلاً بالرب، وكان يتلقى أوامره من الأعالي لا من أصوات أصدقائه أبناء الأرض، ولذا قال لرجاله "حاشا لي من قبل الرب أن أعمل هذا الأمر بسيدي بمسيح الرب فأمد يدي إليه لأنه مسيح الرب هو" 1 صم 24: 6 قال هذا الكلام دون أن يخشى غضب الأغلبية، أو يندم على الفرصة التي أتيحت له للخلاص من عدوه واعتلاء العرش بدلاً عنه. ولذا فقد جاء وقت الرب، ومات شاول منتحراً، واعتلى داود العرش وهو طاهر اليد نظيف الماضي ... فحاذر أن تجري وتدخل من الباب المفتوح إلا إذا وثقت أن الله هو الذي رتبه لك، فقد فتح نبوخذ نصر باب النجاة أمام الفتية الثلاثة، وطلب إليهم أن يسجدوا للتمثال، لكنهم وجدوا أن هذا الباب ضد المكتوب فقالوا للملك "يا نبوخذ نصر لا يلزمنا أن نجيبك عن هذا الأمر" ومن ا لناحية الأخرى نجد يونان يركب السفينة التي وجدها أمامه وهو يطمئن نفسه بالهروب، ولكن سهولة وجود السفينة لم يكن دليلاً على قيادة الله، ولذا قضى في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال حتى تعلم درس الطاعة لصوت الله.

4- الواسطة الرابعة للقيادة الإلهية هي الرؤى السماوية:

نقرأ في سفر أيوب هذه العبارات "لكن الله يتكلم مرة وباثنتين لا يلاحظ الإنسان. في حلم في رؤيا الليل عند سقوط سبات على الناس في النعاس على المضجع حينئذ يكشف آذان الناس ويختم على تأديبهم" أيوب 33: 14 – 16 ونتعلم من هذه الكلمات أن الله يكلم الناس بالرؤى، ويرشدهم بالأحلام، ونرى هذا الحق في ثنايا الكتاب المقدس بشكل ظاهر، فنقرأ عن حلم يعقوب، وأحلام يوسف ابنه، وكذلك نقرأ عن أحلام يوسف رجل مريم العذراء فقد قاده الرب بالأحلام أربع مرات (اقرأ متى 1: 20، متى 2: 13، 19: 22)، وفي سفر أعمال الرسل نقرأ أنه بعد أن منع الروح القدس بولس من الذهاب إلى بثينية "ظهرت لبولس رؤيا في الليل رجل مكدوني قائم يطلب إليه ويقول أعبر إلى مكدونية وأعنا فلما رأى الرؤيا للوقت طلبنا أن نخرج إلى مكدونية متحققين أن الرب قد دهانا لنبشرهم" أعمال 16: 9 و 10، وهكذا قاد الرب خادمه عن طريق رؤيا واضحة، وكذلك إذ أراد السيد أن يقنع بطرس بالذهاب مع رجال كرنيليوس أراه رؤيا سجلها لنا سفر الأعمال في هذه الكلمات "ثم في الغد صعد بطرس على السطح ليصلي نحو الساعة السادسة، فجاع كثيراً واشتهى أن يأكل. وبينما هم يهيئون له وقعت عليه غيبة فرأى السماء مفتوحة وإناء نازلاً عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض وكان فيها كل دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء وصار إليه صوت قم يا بطرس اذبح وكل فقال كلا يا رب لأني لم آكل قط شيئاً دنساً أو نجساً فصار إليه أيضاً صوت ثانية ما طهره الله لا تدنسه أنت وكان هذا على ثلاث مرات ثم ارتفع الإناء إلى السماء" أع 10: 9 – 16، وبواسطة هذه الرؤيا، ذهب بطرس إلى بيت كرنيليوس وكان سبب بركة في بيت ذلك القائد المشتاق على معرفة النور.

على أنه يجدر بنا ونحن نتحدث عن الرؤى الإلهية أن نحترس من الرؤى الزائفة فقد قيل في سفر إشعياء "الكاهن والنبي ... ضلا في الرؤيا" إش 28: 7، وقيل أيضاً في سفر إرمياء "بالكذب يتنبأ الأنبياء بأسمى ... برؤيا كاذبة" إرمياء 14: 14، فإذا كانت بعض الرؤى صادقة فالكثير من الرؤى كاذب زائف، ومحك صدق الرؤيا هو اتفاقها مع كلمة الله، ومع قيادة روحه، فإذا كانت صادقة فهي إذن من الرؤى التي قال عنا حبقوق "لأن الرؤيا بعد إلى الميعاد إن توانت فانتظرها لأنها تأتي أتياناً ولا تتأخر" وإن لم تتفق الرؤى مع كلمة الله وقيادة روحه فهي أضغاث أحلام، منبعثة من العقل الباطن، أو من تعب الأعصاب وكثرة التفكير.

ومع كل ما ذكرناه من وسائط للقيادة الإلهية، نقول أن الله قد يقود أولاده بواسطة الملائكة كما قاد كرنيليوس قائد المئة "فلا تنسوا إضافة الغرباء لأن بها أضاف أناس ملائكة وهم لا يدرون".


نتائج طاعة قيادة الله

ما هي نتائج قيادة الله؟ لنتقدم إلى مقادس الوحي لنراها معاً:

1- النتيجة الأولى هي الألم لمجد الله:

يعتقد الكثيرون أنهم إذا أطاعوا صوت الله، امتلأ طريقهم بالورود وانتفت من حياتهم الآلام؛ وهذا خطأ جسيم فقد يقودنا الرب في إعلان واضح ومع ذلك نتألم آلاماً مبرحة لأجل مجده، ونرى هذا جلياً في حياة بولس الرسول، فقد كانت الرؤيا التي جاءت لبولس وهو في ترواس واضحة صريحة، وقد تحقق هو وزملاؤه أن الرب يدعوهم للذهاب إلى مكدونية، ولكن ما كاد بولس يصل إلى فيلبي التي هي أول مدينة من مقاطعة مكدونية حتى قابلته جارية بها روح عرافة، فأخرج بولس الروح العراف منها، الأمر الذي دفع مواليها أن يجروه مع زميله سيلاً إلى الحكام، وهناك قام الجمع معاً عليهما ومزق الولاة ثيابهما وأمروا أن يضربا بالعصا " فوضعوا عليهما ضربات كثيرة وألقوهما في السجن وأوصوا حافظ السجن أن يحرسهما بضبط وهو إذ أخذ وصية مثل هذه ألقاهما في السجن الداخلي وضبط أرجلهما في المقطرة" أع 6: 19 – 24 وأتخيل حديثاً جرى بين بولس وسيلا في السجن على النحو التالي:

سيلا: هل أنت واثق من أنك رأيت رؤيا يا بولس؟

بولس: بكل يقين.

سيلا: إذن لماذا هذا الألم وهذا العذاب؟.

بولس: لأنه قد وهب لنا لأجل المسيح لا أن نؤمن به فقط بل أيضاً أن نتألم لأجله.

سيلا: إذاً هلم بنا نصلي ونرنم ونجعل من هذا السجن سماء صغيرة.

وهذا هو الشيء الحساس في هذه القصة، فعندما نسير في إرادة الله، ونتألم لأجل مجده، ويتعذب الجسد الخارجي، فإن سلام الله الذي يفوق كل عقل يحفظ قلوبنا وأفكارنا في المسيح، ولذا فنحن نقرأ عن بولس وسيلا أنهما "نحو نصف الليل كانا يصليان ويسبحان الله والمسجونون يسمعونهما" وهذا عكس ما يحدث عندما ننفذ إرادتنا، ونسير في عناد قلوبنا، فإننا نحزن ونكتئب ولا نجد رجاء أو عزاء، كما اختار لوط لنفسه فخسر خسارة كبيرة.

2- النتيجة الثانية هي خلاص النفوس:

في وسط الانتعاش العظيم الذي حدث في السامرة، قال ملاك الرب لفيلبس اذهب في الطريق إلى غزة التي هي برية، وأطاع فيلبس، وهناك كلمه الروح القدس أن يرافق مركبة الوزير الحبشي، فتقدم الخادم الخاضع وكلم الوزير! وماذا كانت نتيجة الطاعة؟ خلص وزير كنداكة ملكة الحبشة، واعتمد بالماء، ومضى في طريقه فرحاً.

وفي فيلبي بعد أن أطاع بولس وسيلا الرؤيا التي ظهرت لبولس تجددت ليديا وبدأت اجتماعاً في بيتها، وبعد آلام السجن التي اجتاز فيها بولس وسيلا خلص الرب بواسطتهما حافظ السجن وجميع بيته، وتأسست هناك كنيسة مباركة كانت من أسخى الكنائس في عصرها.

وكذلك كانت طاعة بطرس في الذهاب لبيت كرنيليوس سبباً في بركة ذلك البيت وامتلاء عدة أشخاص من الروح القدس. فعندما نطيع الصوت الإلهي الذي يدفعنا لزيارة شخص مريض، أو للتحدث برسالة الإنجيل لإنسان معين، أو لإرسال رسالة خاصة لنفس حزينة، لا بد من أن نرى الثمار المباركة بخلاص النفوس التي يقودنا الرب إليها.

3- النتيجة الثالثة هي العيشة في رعاية القدير:

لا يوجد إنسان أطاع صوت الله، وتخلت عنه العناية الإلهية أبداً، فها هو إيليا النبي وهو يعيش في أيام الجوع والجفاف يناديه الرب قائلاً "انطلق من هنا واتجه نحو المشرق واختبئ عند نهر كريث الذي هو مقابل الأردن فتشرب من النهر وقد أمرت الغربان أن تعولك هناك" فلما أطاع النبي صوت إلهه وذهب إلى "هناك" "كانت الغربان تأتي إليه بخبز ولحم صباحاً وبخبز ولحم مساءً وكان يشرب من النهر" أمل 17: 2 – 6، ثم جاء الوقت الذي جف فيه النهر الأرضي، والموارد الإنسانية تجف وتنضب، وعندئذٍ قال الرب لإيليا أن يذهب إلى صرفة التي لصيدون، لأنه هناك أمر امرأة أرملة أن تعوله، فلما ذهب إلى هناك وجد الإعالة الكاملة، فلم يفرغ كوار الدقيق، ولم ينقص كوز الزيت في بيت المرأة التي أضافت رجل الله الأمين المطيع ... وعناية الله ورعايته وتدبيره تحيط بكل ابن من أبنائه، وبكل بنت من بناته، ما دام ذلك الابن وتلك الابنة في مركز قيادته ومشيئته.

فيا نفسي اخضعي لقيادة الله

وارفعي إليه هذه الصلاة

لكني دائماً معك. أمسكت بيدي اليمنى.

برأيك تهديني وبعد إلى مجدك تأخذني" مزمور 73: 23 و 29.

  • عدد الزيارات: 15103