Skip to main content

التغلّب على الأخطار - تمجيد الذات

الصفحة 3 من 4: تمجيد الذات

تمجيد الذات

والخطر الثاني المميت الذي يتعرّض له القائد هو الكبرياء. قال بولس "ولا طلبنا مجداً من الناس لا منكم ولا من غيركم مع أننا قادرون أن نكون في وقار كرسل المسيح" (1 تسالونيكي 2: 6). فبعد أن تبرأ بولس من الطمع (الآية 5) نجده يتبرأ الآن من تمجيد الذات والسعي في طلب الإكرام والمركز.

هذا أيضاً فخٌ خبيث وقد يقع فيه الإنسان بشكل طبيعي دون أن يلاحظ ذلك. فلو كنت أحد المتكلمين في مؤتمر، أو كنت القائد لفريق، فقد تحدث أشياء تجعلك تبدو شخصاً فوق العادة. وجدت نفسي مرة في وضع كهذا. "هذا لروي. إنه يترأس إحدى حلقات الدراسة في المؤتمر". "تعال يا لروي نتحدث قليلاً، فهنا أصدقاء يرغبون في التحدث إليك". "يا لروي، ما رأيك لو جلست معنا على المنبر لاستقبال الأخوة وتوجيه الصلاة". "يا لروي، تعال معنا إلى حفلة غداء خاصّة، إنها أكثر هدوءاً وراحة من غرفة الطعام مع المؤتمرين العاديين".

مؤخراً حضرت مؤتمراً حيث جرى معي أشياء كهذه. وجدت نفسي أنزلق في فخ الإصغاء لعبارات التعظيم والتَّلذُّذ بها. استمر ذلك حتى اليوم التالي، ثم شعرت بأن الروح القدس يتكلّم معي مباشرة وشخصياً، وذلك من خلال كلمة الله. لقد كنت أقرأ في إنجيل مرقس، وفجأة بدت أمامي الآيات كما لو كانت لافتة مضاءة بأنوار ساطعة. "وقال لهم في تعليمه، تحرزوا من الكتبة الذين يرغبون المشي بالطيالسة، والتحيات في الأسواق. والمجالس الأولى في المجامع، والمتكآت الأولى في الولائم. الذين يأكلون بيوت الأرامل ولعلّةٍ يُطيلون الصلوات. هؤلاء يأخذون دينونة أعظم" (مرقس 12: 38- 40). 

شعرت كأن الرب يقول لي: "هل تحب كل هذه والتي تجعلك تشعر بأنك ذو أهمية؟"

"نعم يا رب".

"هل تحب الصعود إلى المنبر والظهور بين ذوي الشهرة والأهمية؟"

"نعم يا رب".

"هل تحب تحيات الناس التي تغذّي أنانيتك؟"

"نعم يا رب".

بعد أن أعدت قراءة الكلمات في الآيات المذكورة عدة مرات شعرت بالندم. خررت على ركبتيَّ واعترفت بخطاياي وتصالحت مع الرب وقد شعرت بمواساته وغفرانه. شكراً لله من أجل الوعد: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهّرنا من كل إثم" (1 يوحنا 1: 9).

لقد كان غفران الله كاملاً حتى أني بدأت أسخر من نفسي بخصوص ما مضى. لقد بدا كل شيء في منتهى الحماقة والبلاهة عندما أظهره لي الروح القدس بوضوح. وعندما كنت أدخل إلى القاعة في الأيام التالية للمؤتمر كنت أذكر نفسي وأنا أضحك "حسناً أيها الأبله، لا تتصرّف كالكتبة". وإني متأكد من أن بعض الذين رأوني كانوا يتساءلون عن سبب ضحكي. وأما أنا فكنت أعرف ذلك. لقد كنت أعجب من حُمق من يعمل جاهداً للحصول على مجد تافه، بينما كنت أستمتع بالاقتراب إلى الله، اقتراب يتجدَّد ويقوى.

يحسن بالقائد أن لا يقلّل من قيمة الخطر الذي حذّر منه بولس الرسول عندما قال "ولا نكن مُعجبين" (غلاطية 5: 26). لقد حدث مع بولس ما يمثّل لنا مدى خشيته من عبادة الناس. لقد استخدم الله برنابا وبولس كثيراً في مدينة لسترة حتى أن الناس قالوا فيما بينهم "إن الآلهة تشبّهوا بالناس ونزلوا إلينا" (أعمال 14: 11). وعندما لاحظ الرسولان أن الناس كانوا على وشك تقديم ذبيحة لهما كما لو كانا إلهين "مزَّقا ثيابهما واندفعا إلى الجمع صارخين وقائلين: أيها الرجال، لماذا تفعلون هذا؟ نحن أيضاً بشرٌ تحت آلام مثلكم، نبشّركم أن ترجعوا عن هذه الأباطيل إلى الإله الحي الذي خلق السماء والأرض والبحر وكل ما فيها" (أعمال 14: 14- 15).

واجه الرسولان في الواقع خطرين في لسترة. كان الأول تقديم الناس لهما العبادة والحمد، وكان الثاني الغضب والاضطهاد من الناس أنفسهم. "ثم أتى يهود من أنطاكية وأيقونية وأقنعوا الجموع فرجموا بولس وجرّوه خارج المدينة ظانين أنه قد مات" (أعمال 14: 19). من الواضح أن الخطر الأول كان الأكبر والأعظم، لأن الرسولين لم يمزّقا ثيابهما عندما حاول الشعب رجمهما بالحجارة، ولكنهما فعلا ذلك عندما حاول البعض تأليههما. فقد خاف بولس وبرنابا تمجيد الجماهير أكثر من خوفهما من الاضطهاد، وكانا فعلاً على حق.

سمعت أخيراً أحد القادة المسيحيين يحكي عن خبث التكبّر في حياته عندما أتى رئيس الإرسالية العام ومعه المدير المباشر، لزيارته في منطقته. فقد أحس بميل للظهور بروحانية عالية. فمثلاً لو أنه كان يقرأ إحدى مجلات الأخبار وحضر رئيساه فإنه كان يخفي مجلة الأخبار ويفتح الكتاب المقدس كي يبدو رجلاً روحياً. إن ذلك يجعله يأمل أن يحظى بتقرير ممتاز. كان يحب أن يعود رئيساه من الزيارة وهما يتغنّيان بحمده. لكن كلمة الله تأمرنا أن نعمل "لا بخدمة العين كمن يرضي الناس، بل كعبيد المسيح عاملين مشيئة الله من القلب" (أفسس 6: 6).

يبدو الناس معرضين خصوصاً لخطيئة السعي لتمجيد نفوسهم في ثلاثة مجالات يشتمل كلٌ منها على شيء حسن في ذاته. المجال الأول هو في عطائنا. يحاول أحد القسس مثلاً أن يكسب وكنيسته شهرة عن طريق ميزانية التبشير الضخمة التي قرروها. كما أن مدرِّساً في مدرسة الأحد يحاول التفوّق في عمل صفّه على الصفوف الأخرى في المدرسة لكي يظهر هذا التفوّق في تقرير الكنيسة ويراه الجميع. وقد يتبرّع أحدهم بسخاء ملحوظ لكي يظهر اسمه على لائحة التبرعات أو لكي ينتبه أحد القادة إلى ذلك فيرسل له مذكرة خاصة يثني بها عليه.

قال يسوع: "احترزوا من أن تصنعوا صدقتكم قدام الناس لكي ينظروكم. وإلا فليس لكم أجر عند أبيكم الذي في السموات. فمتى صنعت صدقة فلا تصوِّت قدامك بالبوق كما يفعل المراؤون في المجامع وفي الأزقة لكي يمجدوا من الناس. الحق أقول لكم أنهم قد استوفوا أجرهم. وأما أنت فمتى صنعت صدقة فلا تعرّف شمالك ما تفعل يمينك لكي تكون صدقتك في الخفاء. فأبوك الذي يرى في الخفاء هو يجازيك علانية" (متى 6: 1- 4).

أما المجال الثاني الذي ينبغي فيه على القائد أن يحرص على دوافعه فهو في إنتاجه للرب. إن التقارير الطائفية السنوية التي تتحدث عن نجاح بعض رعاة الكنائس في "زيادة عدد الأعضاء" يمكن أن تكون تقارير مؤذية. فإن الراعي الذي أجاد، يجد نفسه آملاً بأن -حضرة الرئيس- سوف يرى الإحصاءات وتتكون لديه الفكرة. لنذكر هنا أمرين: الأول – أن الله هو الذي يضم المؤمنين إلى الكنيسة "وكان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون" (أعمال 2: 47). ثانياً – أن التكبّر يؤدي إلى السقوط. وقد سقط داود في الخطيئة عندما عدَّ الشعب. كان يظن أن ذلك سيجلب له السرور فجلب له الحزن. "فجعل الرب وبأ في إسرائيل فسقط من إسرائيل سبعون ألف رجل" (1 أيام 21: 14).

لقد أرسلنا الرب لنعمل في حقله. ولذا فهو ينتظر منا أن نجتهد في إيصال الرسالة لكي نأتي بكثيرين إلى الملكوت. والأكثر هو الأحسن. إن الله يُسرّ عندما تُستخدم جهودنا بمؤازرة روح الله فيمتلئ الملكوت بالمؤمنين ويزداد عدد التلاميذ. لكن علينا أن نتأكد من أن عملنا هذا هو "كما للرب ليس للناس".

أما المجال الثالث الذي نتعرَّض فيه للتكبر فهو في خدمتنا للمسيح. قال بولس:

"اخدم الرب بكل تواضع" (أعمال 20: 19). كان يخدم الله لا الناس. من السهل أن نقع في خطية التظاهر بالعمل والجهاد بإخلاص عندما نكون في حضرة شخص ذي أهمية وسيثني علينا ويخبر الآخرين عما رآه، لكن نقعد ولا نعمل شيئاً ذا أهمية عندما لا يرانا إلا الناس العاديون.

تشكّل زوجتي لي تحدّياً دائماً من هذه الناحية، إنها مثال ممتاز في كيفية تحضيرها لمائدة الطعام. تحضّر المائدة لنا نحن العائلة تماماً كما تحضّرها لو كان لدينا ضيوف. فقد يتناول معنا الطعام أحد المرسلين أو أحد القادة المسيحيين. إن وجود هؤلاء معنا لا يغيّر من طريقة زوجتي شيئاً. فهي تتبّع الطريقة الأصولية في إعداد المائدة دون أي تغيير، إن كان من جهة الألوان المختلفة أو الملحقات أو من جهة الأواني والأدوات المستعملة. إنها تحضّر المائدة دائماً كما للرب (لا لتكون قدوة لغيرها بل عن قناعة شخصية).

الشعور بالفشل
الصفحة
  • عدد الزيارات: 11691