Skip to main content

الفَصلُ الخامِس عشَر الضَّرباتُ، المُعجِزات، ومَبادِئُ الإنقاذ

سَوفَ نُرَكِّزُ الآنَ على قِصَّةِ الإِنقاذِ والتَّحرير التي نَجِدُها في سفرِ الخُرُوج. وكما أشرنا سابِقاً، كَلِمَةُ إنقاذ أو تحرير هي مُرادِفٌ لِكَلِمَةِ خلاص. فعندما ننظرُ في سفرِ الخُرُوجِ إلى مَوضُوعِ الإنقاذ، وإلى الخلاصِ الذي إختَبَرَهُ شعبُ اللهِ آنذاك، نَرى قُوَّةَ الله. هذا لأنَّهُ لا يُوجَدُ ما يُسمَّى خلاصاً، لا ماضِياً ولا حاضِراً، بِدُونِ قُوَّةِ اللهِ. في سفرِ الخُرُوج، سوفَ ترَونَ قُوَّةَ اللهِ مُستَعلَنَةً بطريقَةٍ فَريدَةٍ، بدءاً معَ الضَّرباتِ العَشر. 


الضَّرَبَاتِ

إنَّ رِسالَةَ الضَّرَباتِ العَشر هي صُورَةٌ عن حقيقَةٍ شامِلَةٍ يُعلِّمُها الكتابُ المُقدَّسُ من سفرِ التَّكوين إلى سفرِ الرُّؤيا. يُعَبَّرُ عن هذه الحقيقة في إنجيل يُوحنَّا 4: 4 كالتَّالِي: "لأنَّ الذي فيكُم أعظَمُ منَ الذي في العالم." هذا هُوَ التَّطبيقُ التَّعبُّدِيُّ لرِسالَةِ الضَّرَباتِ العَشر.

في خُرُوج 5: 1، قدَّمَ مُوسى وهارون طلَبَهُم الأوَّل أمامَ فرعون بإطلاقِ سراحِ شعبِ إسرائيل القَديم. ولكنَّ فرعون إكتَفَى بأن يسخَرَ بهما. لقد كانَ هذا الطَّلَبُ مُضحِكاً بالنِّسبَةِ لفِرعون. فأَيُّ دافِعٍ كانَ يُمكِنُ أن يجعَلَهُ يُطلِقُ سراحَ الشَّعب؟ السببُ الذي أعطياهُ لم يعنِ بِصراحَةٍ أيَّ شَيءٍ لِفِرعَون: "إلهُ العِبرانِيِّين إلتَقانا؛ لهذا، دَعنا نَذهَبُ، لأنَّ هذا ما قالَ لنا اللهُ أن نَقُولَهُ لكَ." (1)

في هذه القِصَّة، نرى أيضاً ما يُمكِنُ تَسمِيَتُهُ "مبادِئ الإنقاذ" من سُلطَةِ الخَطِيَّةِ أو الشَّرّ. فكما طَلَبَ مُوسَى إنقاذَ شَعبِ اللهِ، ورفضَ فرعون أن يُطلِقَ سراحَهُم، إبتدأت الضَّرباتُ تَحِلُّ بِفرعون وبِشعبِهِ ولم تَكِفّ. بالنَّهايَةِ، كانَت هذه الضَّرباتُ مُقنِعَةً جدَّاً. وهكذا إبتدَأَ فرعون يخضَعُ تدريجيَّاً لسُلطَةِ الله. ولكن بينما كانَ يعمَلُ هذا، لاحِظُوا الحِوار بينَ مُوسى وفِرعون. يعتَقِدُ الكَثيرُونَ أنَّ مُوسى هُوَ صُورَةٌ عن مُنقِذِنا، يسُوع المسيح، وأنَّ فرعون هُوَ صُورَةٌ عنِ الشِّيطان، الذي يُجَسِّدُ الشَّرّ. إذا فَهِمنا التَّجاذُباتِ التي كانت تحدُثُ بينَ مُوسى وفرعون، بإمكانِنا أن نفهَمَ التَّجاذُباتِ التي تحدُثُ بينَ المسيح والشَّيطانِ اليوم، خلالَ عمليَّةِ إنقاذِنا أو خلاصِنا.

مَثَلاً، لاحِظُوا ما يَقُولُهُ فرعون في خُرُوج 8: 25 بعدَ أن طلبَ مُوسى منهُ أن يسمَحَ لبَني إسرائيل بأن يخرُجُوا ليُقدِّمُوا ذَبيحَةً للرَّبِّ إلهِهِم. "بإمكانِكُم أن تذبَحُوا للرَّبِّ إلهِكُم في مِصر فقط. إيَّاكُم أن تترُكُوا مِصر."

بعدَ بِضعِ ضَرباتٍ، وافَقَ فرعون مُجَدَّداً أن يدعَ الشَّعبَ يذهَبُ ليُقَدِّمُوا ذبائحهم، ولكنَّهُ أصَرَّ على أن يُقدِّمُوا تنازُلاً: "أنا أُطلِقُكُم لتَذبَحُوا للرَّبِّ إلهِكُم في البَرِّيَّةِ. ولكن لا تَذهَبُوا بَعيداً." (تكوين 8: 28). هذه أيضاً صُورَةٌ عن الطريقة التي تأتي بها الضُّغُوطاتُ على المُؤمنِ الجَديد. "حسناً، إذا أردتَ أن تَكُونَ مُؤمِناً بالمَسيح، بإمكانِكَ أن تعمَلَ ذلكَ، ولكن أرجُو أن لا تُصبِحَ واحِداً من هؤُلاء المُؤمنينَ المُتَعصِّبِين. أقصُدُ، أرجُو أن لا تذهَبَ بَعيداً في طريقِكَ في حياةِ الإيمان، وأرجُو أن لا تأخُذَ الإيمانَ على محمَلِ الجَدِّ كثيراً."

في خُرُوج 10: 8- 10، وبعدَ المَزيد منَ الضَّرباتِ، تنازَلَ فرعونُ بالمزيد. "حسناً، بإمكانِكُم أن تَذهَبُوا، ولكن لا يُمكِنُكُم أن تأخُذُوا أولادَكُم. أُترُكُوا أولادَكُم في مِصر." عندما يَجِدُ الشَّيطانُ أنَّهُ لا يستطيعُ أن يجعلَنا نُساوِم على إيمانِنا، سيُحاوِلُ أن يحصَلَ على أولادِنا. يُدهِشُنا أن نرى كم منَ النَّاسِ أقبَلُوا إلى الإيمان "وتركُوا أولادَهُم وراءَهُم في مِصر."

وبعدَ المَزيدِ منَ الضَّرَبَاتِ، قالَ فرعون، "بإمكانِكُم أن تَذهَبُوا، ولكن أترُكُوا قُطعانَكُم وغَنَمَكُم وبَقَرَكُم وراءَكُم." خُروج 10: 24). يُشبِهُ هذا قيامَ الشَّيطانِ بالهَمسِ في آذانِنا أنَّهُ يمكِنُنا أن نُؤمِنَ بالمسيح، ولكن يُمكِنُنا أن نترُكَ مالَنا بَعيداً عنِ سُلطَةِ المسيح.

أعتَقِدُ أنَّ هذه هي ستراتيجيَّةُ الشَّيطان، التي ترونَها مُجسَّدَةً هُنا في شَخصِ فرعون. فمبدَأُ الإنقاذِ الأوَّل هُوَ: إيَّاكُم ثُمَّ إياكُم أن تُقدِّمُوا أيّ تنازُلٍ للشَّيطان. ولا تَدعُو الشِّرِّيرَ يُجَرِّبُكُم بالبَقاءِ في مِصر (أي في العالم)، وأن تَكُونُوا خامِلينَ في إيمانِكُم، تارِكينَ أولادَكُم وراءَكُم في مِصر، أو تاركِينَ ثَروَتَكُم في مِصر. 


المُعجِزاتُ

ولكن إن كُنتُم مُتَوَرِّطِينَ أصلاً في الخَطيَّة، فما هُوَ الطريقُ للخُرُوجِ منها؟ يُخبِرُنا سفرُ الخُرُوج بأنَّنا لكَي نستطيعَ التحرُّرَ من قُيُودِ وطُغيانِ الخَطيَّة، نحتاجُ إلى مُعجِزَة. نرى صُورَةً عن نَوعِ المُعجِزاتِ التي نحتاجُ أن نراها مُصَوَّرَةً في الفِصح، وفي عُبُورِ البَحرِ الأحمَر. هذه المُعجِزاتُ تُمَثِّلُ إنقاذَ بني إسرائيل النِّهائِيّ من فرعون.

الضَّربَةُ الأخيرةُ كانت غَضَب اللهِ الذي أدَّى إلى مَوتِ كُلِّ بِكرٍ في مصر. وبينما كانَ شَعبُ اللهِ المُختار يُلاحِظُونَ حَدَثَ العُبُورِ أو الفِصح، عبرَ عنهُم غَضَبُ اللهِ ولم يُصِبْهُم بِشَيء. يُظهِرُ يسُوعُ العلاقَةَ بينَ هذا العُبُور، أو الفِصح، وبينَ خلاصِنا، عندما يَقُولُ لرُسُلِهِ أنَّ مَوتَهُ على الصَّليبِ كانَ تحقيقاً لِكُلِّ ما كانَ مُصَوَّراً في الفِصحِ أو العُبُور (لُوقا 22: 16).

خلالَ الحِوارِ بَينَ مُوسى وفرعَون، تَعلَمُونَ أنَّ فِرعَون لم يَكُنْ يَرغَبُ بأن يدعَ بني إسرائيلَ يرحَلُون. وهكذا إستَمَرَّ فرعونُ بِتَغييرِ رأيِهِ. فكانَ يَقُولُ، "يُمكِنُكُم أن تَذهَبُوا،" ولكن عندما كانت تُرفَعُ عنهُ الضَّربَةُ، كانَ يُغَيِّرُ رأيَهُ ويقُولُ، "لا يُمكِنُكُم أن ترحَلُوا." حتَّى بعدَ أن أطلَقَ سراحَهُم، غَيَّرَ فرعونُ رأيَهُ مرَّةً أُخرى. وعندما وقفَ شعبُ اللهِ أمامَ البَحرِ الأحمَر، جمعَ فرعَون جيشَهُ، وبدا وكأنَّهُ كانَ مُصَمِّماً على ذَبحِ شعبِ اللهِ. وهكذا إحتاجُ شَعبُ اللهِ آنذاكَ إلى مُعجِزَةٍ أُخرى.

فقامَ مُوسى بِعَمَلِ ما طلَبَهُ منهُ اللهُ، وجميعُنا يعرِفُ بَقِيَّةَ القِصَّة. وهكذا إنشَقَّت مياهُ البَحرِ الأحمَر إلى نَدَّين، ومشَى بَنُو إسرائيلَ بينَ شِقَّي المياه على أرضٍ يابِسَة. وعندما حاوَلَ المِصريُّونَ اللحاقَ بِبَني إسرائيل، إنهارَت عليهِم جُدرانُ المِياهِ وغرِقَ جَيشُ فرعون. (خروج 14: 21- 28).

عندما تنظُرُونَ إلى مُعجِزاتِ العهدِ القَديم، عليكُم أن تُقَرِّرُوا ما إذا كُنتُم تُؤمِنُونَ بما هُوَ خارِق لِلطَّبيعَةِ أم لا. أنا أُؤمِنُ بهذهِ المُعجزِة تماماً كما هِيَ مَوصُوفَةٌ حَرفِيَّاً في نَصِّ الكتابِ المُقدَّس. وأنا أُؤمِنُ أنَّها حدَثَت بِكُلِّ حذافِيرِها. وأعتَقِدُ أنَّ هذه القِصَّة تُمَثِّلُ خلاصنا. يتطلَّبُ خلاصُنا مُعجِزَةً منَ الله. هذا ما تُصَوِّرُهُ لنا مُعجِزَةُ عُبُورِ البَحرِ الأحمَر.

وسُرعانَ ما عبرَ بنُو إسرائيل البَحرَ الأحمَر وأصبَحُوا في وسطِ البَرِّيَّة، حتَّى واجَهُوا مُشكِلَةً كَبيرة. ماذا كانَ سيأكُلُ هذا الشَّعبُ وسيشرَبُ في وسطِ بَرِّيَّةٍ قاحِلَة؟ لقد كانَ عَددُ الشَّعبِ يتراوَحُ ما بينَ مَليُونَي إلى ثلاثَة ملايين نسمَة، وكانُوا يحتاجُونَ إلى الطَّعامِ والشَّرَاب. لم تَكُن لدَى مُوسى أيَّة فكرة عمَّا يُمكِنُهُ أن يعمَلَ بهذا الخُصُوص، أمَّا اللهُ فكانَ يعلَمُ ماذا سيفعَلُ.

وهكذا جاءَ اللهُ ولَبَّى إحتِياجاتِ الشَّعبِ بمُعجِزَةٍ أُخرى. فذاتَ صَباحٍ، عندما إستَفاقَ الشَّعبُ من نَومِهِ، كانت تُوجَدُ طبقَةٌ بيضاء تُغَطِّي المَحَلَّة. فقالُوا، "ما هذا؟" والذي يعني بالعِبريَّة، "مَنَّا؟" ومنذُ ذلكَ الحين، أصبحَ المَنُّ ينزِلُ كُلَّ يَومٍ ليُغَطِّي المَحَلَّة.

ومنَ الواضِحِ أنَّ هذا الغِذاء الذي وفَّرَهُ اللهُ لِبَني إسرائيل، قد سَدَّ كُلَّ إحتياجاتِهم الغِذائِيَّة، لأنَّهُم عاشُوا على هذا المَنّ لمُدَّةِ أربَعِينَ سنَةً. هذا التَّدبيرُ بالنِّعمَةِ الإلهيَّة يُشيرُ إلى مُعجِزَةٍ أُخرى نحتاجُها أنا وأنت، ألا وَهِيَ الدَّعم والتَّغذِيَة الرُّوحيَّة. فمن هُوَ أو ما هُوَ مَصدَرُ دَعمِكَ وتَغذِيَتِكَ؟ وهل تَضَعُ ثِقَتَكَ بإقتِصادِ وطنِكَ، أم بقُدُراتِكَ الشَّخصِيَّة على الحُصُولِ على إحتِياجاتِكَ؟ إنَّ المصدرَ الحقيقيَّ لما نحتاجُهُ هُوَ اللهُ. فعندما ننظُرُ إليهِ، يُعطينا ما نحتاجُهُ في الوقتِ المُناسِب. كانَ على الشَّعبِ أن يجمَعُوا هذا المَنّ كُلَّ يَومٍ، الأمرُ الذي يَرمُزُ إلى تعليمِ يسُوع أنَّنا عندَما نُصَلِّي، علينا أن نطلُبَ من أبينا السَّماوِيّ، "أعطِنا خُبزَنا كفافَنا اليوم." فقبلَ كُلِّ وجبَةِ طَعامٍ نتناوَلُها، عندما نشكُرُ اللهَ على طعامِنا، نعتَرِفُ بِذلكَ أنَّ اللهَ هُوَ مَصدَرُ غِذائِنا ومَصدَرُ كُلّ ما نحتاجهُ. إنَّ تَوفيرَ اللهِ لِبَني إسرائيل خلالَ الأربَعين سنَةً منَ التَّيَهانِ في البَرِّيَّة يُذَكِّرُنا بحَقِيقَةِ تدبِيرِ اللهِ. 


إنقاذُنا

في سِفرِ الخُرُوج، نكتَشِفُ أيضاً أساسَ خلاصِنا وأهمَّ شَكلٍ من أشكالِ عبادَتِنا. إنَّ السِّرَّ الكامِنَ في قَلبِ إنقاذِ بني إسرائيل أصبَحَ السِّرَّ الكامِنَ في قَلبِ خلاصِنا. فشَعبُ اللهِ أُوصِيَ بتقديمِ حملٍ وبِرَشِّ دَمَهُ على أعلى وجانِبَي عتَبَةِ بابِ بُيُوتِهم. وهذه صُورَةٌ عن صَليبِ المسيح، الذي يجعَلُ غضَبَ اللهِ يعبُرُ عنا ويتجاوَزُنا. فيَسُوعُ، حمَلُ الله، قد ضُحِّيَ بهِ من أجلِنا، ودَمُهُ هُوَ الذي يُخَلِّصُنا. كانَ يسُوعُ المسيحُ حملَ اللهِ المُصَوَّر في حملِ الفِصح.

صَلاتي هي أنَّكَ بينَما تقرأُ سفرَ الخُرُوج، أن ترى أنَّ المُعجِزاتِ التي أنقَذَتِ بني إسرائيلَ هي صُورَةٌ عن المُعجِزاتِ نفسِها التي تُخَلِّصُني وتُخَلِّصُكَ أنتَ اليوم.

  • عدد الزيارات: 8527