Skip to main content

الفصلُ الخامِس "أعظَم عِظة من عِظاتِ يسُوع"

لقد ألقَى يسُوعُ عِدَّةَ عظاتٍ عظِيمَة. بطَريقَةٍ ما، كانت أعظَمُ عِظاتِهِ المَوعِظة على الجَبل. فالمَوعِظَةُ على الجَبَل هي مُلخَّصٌ للتعليمِ الأخلاقي في الكتابِ المُقدَّس بكامِله. وهي أيضاً مُلخَّصٌ لتعليمِ يسوع عن الأخلاقِ والعلاقات. عندما نتأمَّلُ في الإطار الذي أُعطِيَ فيهِ هذا التعليم، نُدرِكُ أنَّهُ لم يكُنْ عِظَةً نمُوذَجِيَّة كما نظُنُّ بالعِظاتِ اليوم.


الإطارُ الذي قُدِّمَت فيهِ العِظة

من المُهم أن ننظُرَ إلى الإطار قبلَ أن نتأمَّلَ في مُحتَوى هذه العظة العظيمة التي ألقاها يسوع. إحدَى قَواعِد دَرس الكِتاب المُقدَّس هي أن نُحاوِلَ باستمرار أن ننظُرَ إلى المقاطِع في إطارِ القرينة التي قُدِّمَت فيها. إن كَلِمة "قرينة" تعني "مع النَّصّ." من المُهمِّ دائِماً أن نرى ماذا يأتي معَ النَّصّ الذي ندرُسُهُ، ماذا يأتي قبلَهُ، أو ماذا كانَ يحدُثُ في الزمَن الذي أُعطِيَ فيهِ التعليم، وماذا يأتي بعدَ التعليم أو الحَدَث الذي ندرُسُهُ في مقطَعٍ في الكِتابِ المقدَّس. إنَّ القَرينَة ستُساعِدُنا على تفسيرِ النَّصّ الذي ندرُسُهُ.

في نِهايَةِ الإصحاحِ الرابِع من إنجيلِ متَّى، نرى وصفَ متى لإطارِ أو لِقرينَةِ هذا التعليم. نقرَأُ أنَّ يسوعَ كانَ يشفي المرضى الذي قطعُوا المسافات الطويلة، قادِمينَ من عِدَّةِ مُدُنٍ وقُرى مُجاوِرة، لكي يحصُلوا على الشِّفاء. (متى 4: 23 – 5: 1)

عندما كانَ يسوعُ يشفِي الجمُوع الذين تجمَّعُوا على ضِفافِ بحرِ الجَليل، دعا البعض من تلاميذِهِ لكَي يُلاقُوهُ على تلَّةٍ أعلى بينَ التلالِ المُتصاعِدَة قُربَ بحرِ الجَليل (مرقُس 3: 13). إنَّ هذه الدعوة قَسَمتِ الجمعَ إلى قِسمَين؛ في أسفَلِ الجَبل كانَ هُناكَ الأشخاص الذين يُشكِّلُونَ جُزءاً من المُشكِلة. وفي قِمَّةِ الجَبل حيثُ كانَ يسوع، كانَ هُناكَ أُولئكَ الذي أرادُوا على الأقلّ أن يكُونُوا جُزءاً من الحَلِّ والجَواب. الإصحاحاتُ الخامِس، السادِس، والسابِع من إنجيلِ متَّى تُسجِّلُ العظةَ العظيمة التي ألقها يسُوعُ هُناك.

أنا أُسمِّي قرينَة هذا التعليم العظيم، "الخُلوة المسيحيَّة الأُولى." عندما نظَّمَ يسوعُ هذه الخُلوة، كانَ التحدِّي الذي ألقاهُ هُو، "هل أنتَ جزءٌ من المُشكِلَة أم أنَّكَ تُريدُ أن تكُونَ جُزءاً من الحَلّ؟" في الخُلوة، جنَّدَ يسوعُ تلاميذَ ليكُونُوا جُزءاً من حَلِّهِ وجوابِهِ لأولئكَ الذين لا يزالونَ جزءاً من المُشكِلة. كانَ يسُوعُ يخدُمُ الجمُوعَ ومرضاهُم، وعرفَ أنَّهُ كإنسانٍ واحِد بالجَسد، لن يكُونَ بإمكانِهِ أن يحُلَّ مشاكِلَ هؤُلاء جميعاً، رُغمَ أنَّهُ كانَ الله في جسد إنساني، أي أنَّهُ كانَ إبنَ الله. فحلَّلَ، ثُمَّ نظَّمَ الخُلوَةَ المسيحيَّةَ الأُولى. بالنسبَةِ لمرقُس، كانَ الحُضُورُ في هذه الخُلوة التي عُقِدَت على مُستَوىً أعلى، كانَ الحُضور فيها محدُوداً بناءً على دعواتٍ خاصَّة. (مرقُس 3: 13). نقرأُ في الإصحاحِ السابِع أنَّ يسوعَ ختمَ هذه الخُلوة بدعوَة مَهُوبَة. أنا مُقتَنِعٌ أنَّهُ عندما أعطى يسُوعُ هذه الدعوَة، لم يتجاوَب معَهُ إلا إثنا عشَر رجُلاً. وأنا أبني قناعَتي هذه على أساس أنَّهُ بعدَ نـزول يسوع عن رأسِ الجبل بِوقتٍ قصير، كلَّفَ تلاميذَهُ الإثني عشر بالمُهمَّة الإرساليَّة. أعتَقِدُ أنَّ يسُوعَ كانَ يُجنِّدُ رُسُلَهُ الإثني عشر في الخُلوَةِ المَسيحيَّةِ الأُولى.


مُحتَوى العِظة

بدأَ يسُوعُ عِظَتَهُ بتعليمِ تلاميذِهِ بعضَ المواقِف الجميلة (وتُسمَّى التطويبات)، والتي ستجعَلُ منهُم جزءاً من حَلِّهِ للمشاكِل المَوجُودة على سفحِ الجَبل (متى 5: 3- 12). إنَّ هذه المواقِف أو الفضائل الثمانِيَة تُبرزُ طريقَةَ تفكير تلميذِ يسوع. بِحَسَبِ يسوع، الطريقة التي بِها نرى الأُمُور يُمكِنُ أن تُشكِّلَ الفَرق بَينَ حَياةٍ مِلؤُها النُّور وأُخرى ملؤُها الظُّلمة (متى 6: 22، 23).


التطويبات: مُلاحظاتٌ عامَّة

تُشكِّلُ التطويبات الثمانِيَة قَلبَ العِظة، وكُلُّ ما تبقَّى يُشكِّلُ تطبيقَ العظة. إنَّ أفضَلَ المُعلِّمينَ والوُعَّاظ يصرفُونَ القليلَ من الوقت في تقديمِهم للحقيقة التي يُريدُونَ تعليمَها، وجزءاً كبيراً من الوقت في توضيحِ وتطبيقِ هذه الحقيقة. في هذه العِظة، إتِّبعَ يسُوعُ هذا النموذج كونَهُ صرفَ القليلَ من وقتِهِ في تقديمِ الحقيقة التي علَّمَها، "التطويبات"، وصرف مُعظم وقتِهِ في توضِيحِ وتطبيقِ هذه التطويبات.

إنَّ قرينَةَ هذه العظة تُقدِّمُ لنا الأزمة الناتِجة عن صَيرُورَةِ الإنسان تابِعاً للمسيح، أو مسيحيَّاً. المواقِفُ الجَميلة تُظهِرُ كيفَ ينبَغي أن تكونَ شخصيَّةُ المسيحيّ الحقيقي. إنَّ الصُّورَ المجازِيَّة الأربَع التي تتبَعُ التطويبات – المِلح، النُّور، المدينة، والسِّراج – تَصِفُ التحدِّي الذي يبرُزُ عندما يُؤثِّرُ المسيحيُّ على الحضارَةِ العِلمانِيَّة. القَضِيَّةُ الجَوهَريَّةُ هي، "هل أنتَ جزءٌ من المُشكِلة، أم أنَّكَ جزءٌ من حَلِّ يسوع؟ هل أنتَ واحِدٌ من أجوبتِهِ أم أنَّكَ لا تزالُ تطرَحُ الأسئِلة؟"

هُناكَ "خطٌّ رُوحِيٌّ وَهمِيٌّ فاصِلٌ" بينَ التطويبَتين الرابِعة والخامِسة. عبرَ الكِتابِ المقدَّس هُناكَ نمُوذَجٌ يبرُزُ عندما يُجنِّدُ اللهُ قادَةً لعمَلِهِ. هؤُلاء القادَة لديهم ما نُسمِّيهِ "إختِباراتُ المجيء" إلى حضرةِ الله، و"إختِباراتُ الذهاب" من حضرةِ الله. عادَةً يكُونُ لديهم مجيءٌ مُؤثِّرٌ إلى حضرَةِ الله قبلَ أن يكُونَ لديهم ذهابٌ مُثمِرٌ من أجلِ الله. وهُم عادَةً ما يكُونُونَ عابِدين للهِ قبلَ أن يكُونُوا عامِلينَ من أجلِ الله. التطويباتُ الأربَع الأُولى تُمثِّلُ مواقِفَ الذين تمرَّسُوا في المجِيءٍ إلى الله، والتطويباتُ الأربَع الأخيرة تُبرِزُ المواقِفَ التي نحتاجُ أن نتعلَّمَها لِكَي نذهَبَ من أجلِ الله.

إنَّ المَوهِبَةَ يُمكِن أن تُطوَّرَ في الوِحدَة، ولكنَّ الشخصيَّةَ ينبَغي أن تُطوَّرَ في تيَّار الإنسانيَّة، أي بينما نكُونُ في علاقَةٍ معَ النَّاس. التطويباتُ الأربَع الأُولى تُطوَّرُ على قِمَّةِ الجَبل، أو في ما سيصِفُهُ يسُوعُ فيما بعد "إختِبارات المخدَع" معَ الله (متى 6: 6). بإمكانِنا أن نتعلَّمَ وأن نُعلِّمَ التطويبات الأربَع الأُولى في علاقتِنا الفرديَّة معَ الله، ولكنَّ التطويبات الأربَع الأخيرة ينبَغي أن تُتَعلَّمَ وأن تُطوَّرَ في علاقاتِنا معَ النَّاس.

تُقسَمُ التطويباتُ أيضاً إلى أربَعَةِ مجمُوعاتٍ من التطويبات المُزدَوِجَة: المساكينُ في الرُّوح الذين يَئِنُّون؛ الوُدعاء الذي يجُوعُون ويعطَشُونَ من أجلِ البِرّ؛ الرُّحَماء الذين يتمتَّعُونَ بِقَلبٍ نقِيٍّ، وصانِعي السلام الذين يُضطَّهَدُون. إنَّ كُلاً من هذه التطويبات المُزدوجة تُبرِزُ بصيرةً رُوحيَّةً يحتاجُ تلميذُ المسيح أن يتعلَّمَها قبلَ أن يُصبِحَ جزءاً من حلِّ المسيح ومن جوابِهِ.

التطويبتان الأُولى والثانِيَة تُعلِّمُ التلاميذ أن يقُولُوا: "ليسَتِ القضيَّةُ ما أستطيعُ أنا أن أعمَل، بل ما يستطيعُ هُوَ أن يعمَل،" أو "بِدُونِهِ لا أستطيعُ أن أعمَلَ شيئاً." التطويبتان التاليتان تُخرجُ الإعتِرافَ التالي من فمِ التلميذ: "ليسَ المُهِمُّ ما أُريدُهُ أنا، بل ما يُريدُهُ الرَّبُّ." الزوجُ الثالِثُ من التطويبات تُمثِّلانِ هذا السِّر الرُّوحي: "ليسَ المُهِمُّ من أو ما أنا، بل من وما هُوَ الرَّب." الزوجُ الرابِعُ من التطويبات تشهدانِ لنتائجِ هذه التطويبات والإعتِرافات: "لم يكُنِ المُهِمُّ ما عَمِلتُهُ أنا، بل ما عَمِلَهُ الرَّبُّ."

أخيراً، التطويباتُ هي مِثل تسلُّق الجَبَل. الأُولى تأخُذُنا في رِحلَةٍ قصيرَةٍ نحوَ الجبل، الثانِيَة تأخذُنا أبعد من الأُولى، والوداعَةُ تأخُذُنا إلى ثلاثة أرباع الطريق إلى الجبل، وجوعُنا وعَطَشُنا إلى البِرّ يصِلانِ بِنا إلى قِمَّةِ الجَبل. إنَّ هذه التطويبات "التسلُّقيَّة" هي تطويباتُ المجيء إلى محضَرِ الله.

كُلُّ خُلوة تصِلُ إلى نِهايتِها، وأولئكَ الذينَ يحضُرُونَها عليهِم أن يترُكُوا القِمَّةَ في النَّهايَة. إن تطويبات الذهاب تُحدِرُنا من أعلى الجبَل إلى أسفَل. عندما يمتَلِئُ تِلميذٌ بِبِرِّ الله، كيفَ يبدو؟ هل يبدُو مثل الفرِّيسيّ النامُوسي المملُوء بالبِرّ الذاتي؟ كَلا، فنحنُ نقرَأُ أنَّهُ سيكُونُ رحيماً، وذا قَلبٍ نَقِيّ. وصيرُورتُهُ رحيماً وذا قَلبٍ نَقِيّ تبدأُ بإحدارِهِ من قِمَّةِ الجبل إلى أسفل، ليكُونَ حَلَّ الله لمشاكِلِ الجُموع المُحتاجة. عندما يكُونُ التلميذُ صانِعَ سلام، ويُضطَّهَدُ من أجلِ ذلكَ، نعرِفُ أنَّهُ يَقِفُ عندَ أسفَلَ الجَبَل حيثُ تسودُ المشاكِل.


"طُوبَى للمَساكِينِ بالرُّوح."

أن نكُونَ مَساكِين بالرُّوح هو الموقِفُ الصحيحُ تجاهَ نُفُوسِنا. هذا المَوقِف هو إدراكنا أنَّنا لن نَكُونَ أبداً حلَّ الله إن كُنَّا بِمَعزَلٍ عنِ الله. علينا أن نكُونَ مُواطِنينَ عندَ المَلِك، الذي هُوَ نفسُهُ الحَلّ. هذا هوَ الموقِفُ الأوَّل الذي ينبَغي أن نتَحَلَّى بهِ إن كُنَّا نُريدُ أن نكون جزءاً من حَلِّ الله لحاجة البَشر، كما أرادَ المسيحُ أن يعمَلَ من خِلالِ تلاميذِه. بكَلِمَةٍ واحدَة، إنَّ حالَة النِّعمَة المَوصُوفَة "بالمساكين بالرُّوح" هي "التواضُع."


"طُوبَى لِلحَزَانَى."

المَوقِفُ الثاني الجَميل هُو، "طُوبَى لِلحَزَانَى." (متى 5: 4) التفسيرُ والتطبيقُ المبدَئِيّ لهذه الطُوبَى الثانِيَة هُوَ أنَّنا لن نَكُونَ أبداً حَلَّ وجَواب يسُوع لكُلِّ مُعاناةِ الجُمُوع عند سَفحِ الجَبَل، إن لم نتألَّم ونُعانِي نحنُ بأنفُسِنا. تفسِيرٌ وتطبيقٌ آخر لِهذه الطُوبَى هو أنَّنا نحزَنُ عندما نعرِفُ أنَّنا مَساكِين بالرُّوح، أو أنَّنا لا نستطيعُ أن نعمَلَ شيئاً بِدُونِه.


"طُوبَى للوُدَعاء."

الوَداعَةُ هي لَرُبَّما واحِدَةٌ من أكثَرِ المفاهِيم التي يُساءُ فهمُها في الكتابِ المقدَّس. فهِيَ لا تعني الضَّعف، ولكن الترويض. تَصوَّر حِصاناً بَرِّيَّاً جبَّاراً ولكنَّهُ غَيرُ مُروَّض – أي أنَّهُ حَيَوانٌ لم يسبِق لأحدٍ أن وضعَ رَسغاً بَينَ فَكَّيه، أو لِجاماً على رأسِه، أو سَرجاً على ظهرِه. فكُلُّ قُوَّةِ ذلكَ الحَيوان هي خارِج سيطَرتِنا. ولكن عندما يخضَعُ الحيوانُ في النِّهايَةِ ويقبَلُ الرَّسغَ واللجامَ والسَّرج، عِندَها يُصبِحُ هذا الحَيوانُ مِثالاً للكَلِمة الكِتابِيَّة "وداعَة."

قالَ يسُوعُ أنَّهُ كانَ وَديعاً. وعندما صرَّحَ بِهذا، كانَ يقُولُ الشَّيءَ نفسَهُ كما عندما كانَ يقُولُ تصريحاً آخَر. قالَ مُتَكلِّماً عنِ الآب: "لأنَّي في كُلِّ حِينٍ أفعَلُ ما يُرضِيه." (يُوحنَّا 8: 29). لقد قَبِلَ يسُوعُ بالنِّير، أو بِنظامِ مشيئَةِ أبيهِ. هذا ما جعَلَ منهُ وَديعاً. في هذه الطُّوبَى، يُعلِّمُ يسُوعُ أنَّنا سنكُونَ جزءاً من حَلِّهِ وجوابِهِ في هذا العالَم فقَط عندما نُسلِّم مشيئتَنا لله، ونقبَل ترتيبَ مشيئَتِهِ لِحَياتِنا وخدماتِنا قبلَ رغباتِنا الشخصية.


"طُوبَى لِلجِياعِ والعِطاشِ إلى البِرّ."

هذه الطُوبَى لا تَعني أنَّهُ عَلَينا أن نجُوع ونعطَش من أجلِ السَّعادَة، بَل من أجلِ البِرّ. لاحظِ التشديد في هذه العِظة على حقيقَة أن يكُونَ تلاميذُهُ أبراراً. بالإضافَةِ إلى هذه الطُوبى، يُعلِنُ المسيحُ بركَةً على التلميذِ المُضطَّهَد من أجلِ البِر؛ فأولويَّةُ التِّلميذ ينبَغي أن  تكُونَ البِرّ، وبِرُّ التلاميذ ينبَغي أن يزيدَ على بِرِّ الكتبَة والفَرِّيسيِّين (5: 10،20؛6: 33).


"طُوبَى لِلرُّحَمَاء."

إنَّ كَلِمَة "رَحمة" تعني "محبَّة غَير مَشرُوطة." طُوبَى للمَملُوئينَ من مَحبَّةِ اللهِ آغابِّي". هذه العِبارَة ستكُونُ أفضَلَ تفسيرٍ لهذه الطُّوبى. فإن كُنتَ تُريدُ أن تنـزلَ من عَلَى الجَبل لتَكُونَ جزءاً من الحَلّ لأُولئكَ الذين يتألَّمُونَ عندَ سفحِ الجَبل، عَليكَ أن تمتَلِئَ من محبَّةِ الله. وأن تمتَلِئَ بالبِرّ هو أمرٌ مُوازٍ للإمتِلاء من محبَّةِ الله.


"طُوبَى للأنقِياءِ القَلب."

إن كَلِمَة "أنقِياء" في هذه الطُّوبى هي كَلِمَة يُونانِيَّة منها أخذنا كَلِمة "تطهِير بالتفريغ." وجَوهَرُ هذا المَوقِف هو أنَّهُ عندما يُحِبُّ التلميذُ بمحبَّةِ اللهِ غير المَشرُوطة، فإنَّ كُلَّ الدوافِع الأنانِيَّة سوفَ تُفَرَّغُ وتُطهَّرُ من قَلبِه.


"طُوبى لِصانِعِي السَّلام."

إنَّ صانِعَ السَّلامِ هُوَ مُصالِحٌ. المُشكِلَة الأساسيَّة في أسفَلِ الجَبل هي الإنعِزال عنِ اللهِ. كَثيرٌ من مَشاكِلِ النَّاس تنبَعُ من إبتِعادِهم عن الله وعن أشخاصٍ آخرين في حَياتِهم. لِهذا تحدَّى يسُوعُ تلاميذَهُ في هذه الخُلوة ليَكُونُوا صانِعي سَلام.

بحَسَبِ بُولُس، إنَّ هدَف المُهمَّة أو الرِّسالة المُوكَلة إلى تِلميذِ يسُوع هو رِسالة وخدمة المُصالَحة. عَلينا أن نخرُجَ خارِجاً ونقُول للنَّاس: "اللهُ تصالَحَ معكُم بِواسِطَةِ يسُوع. وكَخادِمٍ للمَسيح، أتوسَّلُ إليكُم أن تتصالَحُوا معَ الله." (2 كُورنثُوس 5: 20).


"طُوبَى للمُضطَّهَدِين."

قد تَظُنُّ أنَّهُ لو كانَ هُناكَ أُناسٌ لديهم هكذا مواقِف جميلة اليوم، لكانَ الجميعُ سيُصفِّقُ لهُم. ولكن الطُّوبَى الثامِنة تُخبِرُنا أنَّ تلاميذَ يسوع المسيح هُم مُضطَّهَدُونَ من أجلِ كُلِّ مواقِفِهم الجميلة.

إنَّ التلاميذَ بِمواقِفِهم هذه، يُواجِهُونَ العالم بِنَمُوذَجٍ عمَّا ينبَغي أن يكوُنُوا عليه. وعندما يختَبِرُ النَّاسُ هذه المُواجَهة، يُمكِنُهُم أن يتُوبُوا عن مواقِفِهم غير المُلائِمة وأن يتعلَّمُوا كيفيَّةَ إكتِسابِ المواقِف المُبارَكة، أو بإمكانِهم أن يُهاجِمُوا التلاميذ ذوي هذه المواقِف الجميلة. لأكثَر من ألفَي عام، كانَ تلاميذُ المسيح يختَبِرُونَ الحَلَّ الثاني.

إنَّ رَسُولَ المُصالَحة يذهَبُ حيثُ يُوجَدُ صِراعٌ أو نـزاع، وهذا غالِباً ما يكُونُ مكانَاً خَطِراً. إنَّ التلاميذَ الحقيقيِّين كانُوا دائماً ولا يزالُون اليوم، يبذُلُونَ حياتَهُم من أجلِ خدمَةِ المُصالَحَة. إنَّ التلاميذَ الأتقِياء بإمكانِهم أيضاً أن يقُوموا بمُهمَّةِ صُنعِ السلام في منازِلِهم، كنائِسِهم، بينَ جيرانِهم، في صُفوفِ مدارِسهم، وفي مراكِز عمَلِهم.

  • عدد الزيارات: 18452