Skip to main content

الفصلُ الثالِث بيانُ المَسيَّا

بالحَقيقَةِ يُوجدُ مَقطَعَانِ يمنحانِنا فَهماً لإنجيلِ لُوقا. سبقَ وذكرتُ الأوَّل (لُوقا 19: 10). لقد أعطانا يسُوعُ المقطعَ الثاني عندما ذهبَ إلى المجمَعِ في قريتِهِ الناصِرة، وقرأَ من سفرِ النبيِّ إشعياء (4: 18). إذا قارنتَ هذين المَقطَعين، سوفَ ترى أنَّهما كِليهما يُوضِحانِ قصدَ يسوع من مجيئه.

إذا وضعنا هذا المقطع في إطارِهِ، فإنَّ العدد الأوَّل يُصوِّرُ لنا مُخلِّص العالم، تماماً كما كانَ يفعَلُ في زمانِهِ، يطلُبُ ويُخلِّصُ ما قد هَلَك (19: 10). ولكن عندما يُوضَعُ المقطَعُ الثاني في إطارِهِ، يُقدِّمُ لنا "بياناً للمسيَّا." (4: 18). إنَّ هذا البَيان هُوَ أكثَرُ تصريحٍ شامِل ليسُوع الذي يُظهِرُ فيهِ لماذا جاءَ وماذا كانَ يعمَلُ في عالمِنا. يُسمَّى أحياناً "بيان الناصِرَة،" لأنَّهُ أُعلِنَ في بلدتِهِ، وعندَ بدايَةِ خدمتِهِ العلنية التي إستمرَّت ثلاثَ سنوات.


إعلانُ البَيان

"وجاءَ إلى الناصِرة حيثُ كانَ قد تربَّى. ودخلَ المجمَع حسبَ عادَتِهِ يوم السبت، وقامَ ليقرَأ. فدُفِعَ إليهُ سفرُ إشعياء النبيّ. ولمَّا فتحَ السفرَ وجدَ الموضِعَ الذي كانَ مكتوباً فيهِ: رُوحُ الرَّبِّ عليَّ لأنَّهُ مسحني لأُبشِّرَ المساكِين أرسَلني لأشفِيَ المُنكَسِري القُلوب لأُنادِيَ للمأسُورينَ بالإطلاق وللعُميِ بالبَصَر، وأُرسِلَ المُنسَحِقينَ في الحُرِّيَّة... ثُمَّ طوى السفرَ وسلَّمَهُ إلى الخادِم وجَلَس. وجميعُ الذين في المجمَع كانَت عُيُونُهم شاخِصَةً إليهِ. فابتدَأَ يقُولُ لهُم إنَّهُ اليوم قد تمَّ هذا المكتُوب في مسامِعِكُم." (لُوقا 4: 16- 21).

كثيرونَ من قادَةِ العالم بدأوا رسالتَهُم بكِتابَةِ بيانٍ أعلنُوا فيهِ الأجوِبَةَ والحُلول التي أعلنوا أنَّهُم سيُقدِّمُونَها لمشاكِلِ الناس في هذا العالم. عندما نسمَعُ يسُوعُ يبدَأُ خدمتَهُ العلنيَّة لثلاثِ سنوات بإعلانِ بيانِ الناصِرَة، علينا أن نُدرِكَ أنَّنا نُصغي إلى أعظَمِ بيانٍ عرفَهُ العالَمُ على الإطلاق. هذا لا يَصِحُّ فقط بسبب كونِ مُحتَوى البيان مُوحَىً بهِ وبكونِهِ َتتميم النُّبُوَّة. لأنَّ بيان الناصِرة هو أعظَمُ بيانٍ عرفَهُ هذا العالمُ على الإطلاق، لأنَّهُ طُبِّقَ بشكلٍ كامِل من قِبَلِ الشخص الذي أعلَنَهُ.

علينا أيضاً أن نُدرِكَ أنَّ يسُوعَ كانَ يُعلِنُ بيانَ الكنيسةِ اليوم، بالطريقَةِ التي أخبرنا فيها لُوقا عن بدءِ خدمتِه. إنَّ بيانَ الناصِرة لا يُرينا فقط ماذا كانَ يعمَلُ يسُوع عندما عاشَ حياتَهُ هُنا في الجسد، بل أيضاً يُرينا ما يرغَبُ هُوَ أن يعمَلَهُ اليوم من خِلالِ أُولئكَ الذينَ يُسمُّونَ أنفُسَهُم "جسد المَسيح."

كانَ لإحدى الحركات في العالم عددٌ قليلٌ جداً من الأعضاء لِعدَّةِ سنوات، لسنواتٍ طويلَة بعدَ أن كُتِبَ بيانُها. ثُمَّ قامَ أحدُ أعضائِها بكتابَةِ نبذَةٍ صغيرَةٍ كان عُنوانُها، "ماذاينبَغي أن يُعمَلَ؟" وكانَ زخمُ هذه النبذَة الصغيرة هُوَ، ماذا ينبَغي أن يُعمَلَ من قِبَلِ أُولئكَ الذينَ يُؤمِنُونَ بالبيان؟ لقد حرَّكت هذه النبذَة الملايين من الناس في هذه الحركة.

إنَّ حياةَ وتعاليم يسُوع المسيح هي بيانُ تِلميذ يسُوع المسيح. فالأتباعُ الحقيقيُّونَ ليسُوع المسيح يُؤمِنونَ أنَّ المسيحَ الحَيَّ المُقام لديهِ الحُلولُ الوحيدَةُ لحاجاتِ ومشاكِلِ الناس في هذا العالم. إنَّ هذا الإعلان عن الهدف من قِبَلِ يسُوع في بدايَةِ خدمتِهِ هو بيانُهُ المُختَصَرُ الذي لا يُخبِرُنا فقط بما قصدَ أن يفعَلَهُ. فإنَّ هذا التصريح عن رسالتِهِ يُخبِرُنا ماذا ينبَغي أن يُعمَلَ من قِبَلِ كُلِّ تِلميذٍ للمسيح في هذا العالمِ اليوم.

إنَّ هذا التصريح المُختَصَر والشامِل في آنٍ عن أهدافِ رسالةِ يسُوع، سيُظهِرُ الخُطوط العريضة لإنجيلِ لُوقا. فبينما ندرُسُ معاً إنجيلَ لُوقا، سأُظهِرُ لكُم كيفَ أعلَن يسُوعُ بيانَهُ عندما قرأَ من درجِ سفرِ إشعياء في الناصِرة، ثُمَّ برهنَ لرجالِ الدين في زمانِهِ أنَّ لديهِ السلطة ليُطبِّقَ بيانَهُ. يُتابِعُ إنجيلُ لُوقا ليُريَنا كيفَ مارسَ يسُوعُ البيان الذي أعلنَهُ وبرهنَهُ. وفي النِّهايَة، سأُريكُم كيفَ سيَرسِمُ لُوقا صُورَةً ليسُوع، داعِياً ومُتَحَدِّياً الآخرينَ، بمن فيهم أنا وأنت، لكي نُصبِحَ شُركاء معَهُ في تطبيقِ بيانِهِ ورسالتِهِ في هذا العالم.

الطريقَةُ التي يُقدِّمُ بها لُوقا قصَّةَ حياة يسُوع تُعطِينا تعريفاً جوهَريَّاً آخرَ عمَّا يعنيهِ كَونُ الإنسان تِلميذاً ليسُوع المسيح. إنَّهُ يُظهِرُ لنا ماذا ينبَغي أن يُعمَلَ في كنيسةِ يسُوع المسيح في العالمِ اليوم.

طالما فكَّرتُ أنَّهُ من الرائع أن يقرَأَ تلميذُ يسُوع بيانَنا المسيحي، ومن ثمَّ يكتُبُ نبذَةً بِعُنوان، "ماذا ينبَغي على تلميذٍ يُؤمِنُ ببيان يسُوع أن يعمَلَ؟" لقد لاحظتُ أنَّهُ لا يستطيعُ تِلميذٌ واحِدٌ ليسُوع أن يكتُبَ هذا البَيان بمُفرَدِهِ، لأنَّ اللهَ رتَّبَ إرادتَهُ لِحياتِنا كأفراد، وإعلانُهُ لهذه الإرادة، بطريقَةٍ تُوجِبُ علينا جميعاً أن نمثُلَ أمامَهُ، كما فعلَ بُولُس على طريقِ دِمشق، ونسأل، "يا رَبّ، ماذا تُريدُ منِّي أن أفعَلَ؟" (أعمال 9: 6)

إن لم تكُنْ تابعاً ليسوع، أُصلِّي أن يُساعِدَكَ هذا الكُتَيِّب على التعرُّفِ إلى ذلكَ الذي إختَرقَ الإنسانِيَّةَ بطريقَةٍ شخصيَّة، وبَرهَنَ أنَّهُ الإلهُ الموعُود بهِ والذي يُريدُ أن يلمُسَ حياتَكَ أيضاً. إن كُنتَ تِلميذاً ليسُوع المسيح، أُصَلِّي أن تُريَكَ هذه الدِّراسة لإنجيلِ لُوقا ماذا يُريدُكَ أن تفعَلَ. وأرجو أنَّ يسمَعُ كُلُّ واحِدٍ منَّا الصوتَ الهادِئَ الخفيف لربِّنا الحيّ المُقام، والذي يجعلُنا نعرِفُ ماذا يُريدُنا أن نعمَلَ عندما نُصبِحُ شُركاءَ معَهُ وعندما يُطبِّقُ بيانَهُ فينا ومن خِلالِ جسدِنا اليوم.


بَيانُ المسيَّا المُبَرهَن

كانَ يسُوعُ يشفي ويُعلِّمُ في بَيتٍ في كفرناحُوم. فجاءَ القادَةُ الدينيُّون، الذين أُطلِقَ عليهِم إسم "مُعلِّمي النَّامُوس،" جاؤوا بعدَ رحلةٍ طويلةٍ من أورشليم إلى الجليل، ليستعلِموا عن مُعجِزةِ يسُوع التي لا تُنقَض بشفائهِ الأبرص. يُقدِّمُ هذا لنا الإطار الذي فيهِ برهَن يسُوعُ البيانَ الذي أعلنَهُ في الناصِرة. فلقد حقَّقَ مُعجِزَةً شفائِيَّةً أُخرى في هذا الإطار، والتي كانت "لكي تعلموا أنَّ لإبنِ الإنسانِ سُلطانٌ على الأرضِ أن يغفِرَ الخطايا!" (لُوقا 5: 17- 26)

بينما كانَ يسُوعُ يُعلِّمُ، قامَ أربعةُ رجالٍ بِفتحِ فجوَةٍ في سقفِ ذلكَ المنزِل، وأنزَلوا منها بواسطةِ الحبال صديقَهم المفلوج واضِعينَ إيَّاهُ على سريرٍ، ومدَّدوهُ أمامَ يسُوع. بالنسبَةِ ليسُوع، لم يكُن يعتَبِرُ هكذا تصرُّف وكأنَّهُ مُقاطَعة لتعليمِه، بل فُرصَة سانحة. فاستخدَمَ يسُوعُ هذه الفُرصَة السانِحة لكَي يُبرهِن بيانَهُ عندما قالَ للرجُل الماثِل أمامَهُ، "مغفُورَةٌ لكَ خطاياك." فصُدِمَ رجالُ الدِّين وتساءَلوا، "من يغفِر خطايا إلا الله وحدَهُ؟"

فأجابَهُم بسُؤال: "أيُّما أيسَر أن يُقالَ مغفُورَةٌ لكَ خطاياك. أم أن يُقالَ قُم وامشِ؟ ولكن لكَي تعلمُوا أنَّ لإبنِ الإنسانِ سُلطاناً على الأرضِ أن يغفِرَ الخطايا قالَ لِلمَفلُوج لكَ أقُول قُم واحمِلْ فِراشَكَ واذهَبْ إلى بيتِكَ. ففي الحال قامَ أمامَهُم وحملَ ما كانَ مُضطَجِعاً عليهِ ومضى إلى بيتِهِ وهُوَ يُمجِّدُ الله." (5: 23 – 25)

عندما أخبَرَ يسوعُ الرجُلَ أن خطاياهُ قد غُفِرَت، لربَّما أخذَ ضُيُوفُ الشرفِ هؤلاء يتساءَلون فيما بينَهم، "حتَّى الآن لم نرى منكَ إلا كلاماً." وبالطبعِ كانَ يسُوعُ يُوافِقُ معَ هؤلاء اللاهُوتيِّين أنَّ اللهَ وحدَهُ يغفِرُ الخطايا. فمن خِلالِ هذه المُعجِزة برهَنَ لهُم أنَّهُ هُوَ الله معنا، وأنَّهُ كانَ لديهِ نفسُ السلطان أن يغفِرَ الخطايا على الأرض كما أن للهِ سُلطانٌ أن يغفِرَ الخطايا في السماء. وهكذا برهَنَ أنَّ لديهِ القُوَّة والسُّلطَة ليُطبِّقَ بيانَهُ.


بيانُ الناصِرة المُطبَّق

أعلنَ يسُوعُ أنَّ روحَ اللهِ مسحَهُ لهدَف. "رُوحُ اللهِ مسحني لأُبَشِّرَ المساكِين." لم يكُن يُشيرُ بالمساكين إلى الفُقراء إقتِصادِيَّاً في هذا المقطع، بل إلى الفُقراء والمساكين رُوحيَّاً، أولئكَ الذين لم يسبِقْ لهُم أن يسمَعُوا بأخبارِ الخلاص السارَّة. لقد كانُوا مساكين بمعنى أنَّهُم كانُوا رُوحيَّاً عُميان، مُقيَّدين، ومكسُوري القُلوب.

لقد كانَ العُميانُ المساكِين بالرُّوح أُولئكَ الذين لم يعرِفُوا يمينَهُم من شمالِهم، والذين كانُوا كَخِرافٍ لا راعي لها (متى 9: 36). لقد كانُوا عُمياناً رُوحيَّاً. فكانَ هدَفُ رسالتِهِ أن يكرزَ بالإنجيل ويُعلِّمَ بهدَف أن يفتحَ أعيُنَ هؤلاء العُميان رُوحيَّاً. لقد إستخدمَ تعليمَهُ في عظاتٍ، أمثالٍ، مُقابَلات، وأعمال لكَي يمنحَ البَصَرَ للعُميان رُوحيَّاً.

وجَّهُ يٍسُوعُ أخبارَهُ السارَّة إلى أُولئكَ الذين كانُوا مُقيَّدِين. لقد أُرسِلَ "ليُنادِيَ للمَأسُورينَ بالإطلاق." بِكلماتٍ أُخرى، لكي يُحرِّرَ المُقيَّدِين (لُوقا 4: 18). لاحِظوا في كُلِّ الأناجيل أنَّهُ لم يَجِد شخصاً لم يكُن حُرَّاً ويتركُهُ في عُبوديَّتِه. إنَّ هذه الظاهِرَة تُوضَّحُ لنا بِشكلٍ جَميلٍ في حالَةِ المرأة التي ربطَها الشيطانُ لمُدَّةِ ثمانِيَةِ عشرَ عاماً وحَرَّرَها يسُوع (لُوقا 13: 16). لقد أوضَحَ أيضاً هدفَ رسالتِهِ في حِوارٍٍ عدائيّ أقامَهُ معَ القادَةِ الدينيِّين (يُوحنَّا 5 – 8: 30- 35).

وصفَ يسُوعُ صُعوبات الحياة بالعَواصِف. لقد أعلَنَ أنَّ العواصِفَ تأتي إلى حياتِنا جميعاً. وعندما تتهدَّدُ هذه العواصِفُ الناس، يترنَّحُ البعضُ منهُم، والبعضُ الآخر يتداعى ويسقُط. الذين وصفَهُم يسُوعُ وإشعياءُ بأنَّهُم مجروحينَ ومكسُوري القُلوب هُمَ أولئكَ الذين سقطوا أمامَ العواصِف التي ضربتهُم. إنَّ عطفَ يسُوع على هؤلاء المكسُوري القُلوب هو واحِدٌ من أكثَر نواحِي حياتِهِ وخِدمتِهِ تأثيراً. وكطبيبِ شفوق، شدَّدَ لُوقا على ضمير يسُوع الإجتِماعي وعلى عطفِِهِ على المكسُوري القُلوب في هذا العالم.

هل أنتَ أعمَى رُوحيَّاً؟ وهل تشعُرُ بالسُّقُوط إلى درجةِ أنَّكَ لم تعُد تعرِف بأيِّ إتِّجاهٍ عليكَ أن تمشِي؟ هل أنتَ حُرٌّ؟ وهل تعمَلُ ما تُريدُ أن تعمَلَهُ أو ما أنتَ مُرغَمٌ على عملِه؟ هل أنتَ مُستعبَدٌ للخطيَّة، أو لعادَةٍ ما ولا تستطيعُ أن تعمَلَ شيئاً إلا تلكَ الأُمور التي تُقيِّدُكَ؟ هل أنتَ مكسُورٌ ومجروح ومسحُوق، وغيرَ قادِرٍ أن تجدَ الشفاءَ لكسرِكَ؟

إن كانَ جوابُكَ بالإيجاب على أيٍّ من هذه الأسئِلة التي ذكرناها، يُقدِّمُ لُوقا قصَّةَ حياةِ يسُوع بطريقَةٍ تُظهِرُ لنا وتُخبِرنا أنَّنا أنا وأنتَ هم الأشخاص الذين جاءَ يسُوعُ من أجلِهم إلى هذا العالم. لقد جاءَ ليمنحَكَ البَصر بدلَ العمى الذي تُعاني منهُ، وليُعطِيَكَ الحُرِّية من قُيُودِكَ، ويشفِيَكَ من كَسرِكَ. لهذا عليكَ أن تتَّخِذَ القَرار بقُبُولِ المَسيح الذي تلتَقيهِ في إنجيلِ لُوقا. إتَّخِذْ الإلتِزام بإتِّباعِهِ كتلميذٍ لهُ، وهُوَ سيُنجِحُكَ في جميعِ طُرُقِكَ.

  • عدد الزيارات: 9084