Skip to main content

الفَصلُ الخامِس عشَر سفرُ الرُّؤيا

في الأعدادِ الإفتِتاحِيَّة من سِفرِ الرُّؤيا، نقرَأُ أنَّ الرَّسُولَ يُوحنَّا كانَ على جَزيرَةِ بطمُس بسببِ إيمانِه. وإذا قارَنَّا كلمةَ اللهِ معَ التقليد، نستنتِجُ أنَّ يُوحنَّا نُفِيَ إلى هذه الجزيرة النائِية. يختَلِفُ المُفسِّرُونَ حولَ ما إذا كانَ هُناكَ بمُفرَدِهِ، أم إذا كانَ كعبدٍ محكُومٍ بالأشغالِ الشَّاقَّة. ولكنَّهُ عندما كانَ هُناك، إختَبَرَ رُؤيا من يسُوع المسيح. إنَّ كلمة "رُؤيا" تأتي من الكلمة اليُونانِيَّة  Apocalypsesالتي تعني "رفع السِّتار."


لُغَةُ المُخلِّص الرَّمزِيَّة

لقد أُعطِيَت هذه الرُّؤيا ليُوحنَّا بلُغَةٍ رمزِيَّة، أو "بِلُغَةِ الإشارات." كانَ لدى اليَهُود "لُغَةَ إشارات" كِتابِيَّة جميلة، ونرَى لُغةَ الإشارات هذه مُبَيَّنَةً في سفرِ الرُّؤيا. سوفَ تتذكَّرُونَ أن كلمة "إشارة" أو علامَة، هي واحدَةٌ من الكلماتِ المُفضَّلَة عند يُوحنَّا (يُوحنَّا 20: 30، 31؛ 2: 11؛ 21: 25). في سفرِ الرُّؤيا، هذه الرُّمُوزُ أو الإشارات هي علاماتٌ كِتابِيَّة. وسوفَ تجدُونَها في أماكِنَ أُخرى في الكتابِ المقدَّس، وإذا وجدتمُوها في تلكَ الأماكِن الأُخرى في الكتابِ المقدَّس وفهِمتُم ماذا تعنيهِ هُناك، فإنَّ هذا سيُساعِدُكُم على فهمِ ما تعنيهِ في سفرِ الرُّؤيا.

بينما تدرُسُونَ سِفرَ الرُّؤيا، نَظِّمُوا لأنفُسِكُم لائحَةً بيانِيَّةً. وبما أنَّكُم سوفَ تحتاجُونَ للكَثيرِ من الصَّفَحات لهذه اللائِحَة البَيانِيَّة، أنصَحُكُم بأن تُخصِّصُوا كرَّاساً يحتَوي على عدَّةِ صفحات. أُرسُمُوا خُطُوطاً عموديَّةً على هذه اللائحة البَيانِيَّة، ممَّا يخلُقُ عدَّةَ أعمِدة. في العمُودِ الأَوَّل لهذه اللائحة البَيانِيَّة، أُكتُبُوا كلمة "علامات". أَدرِجُوا العَلامات أو الرُّمُوز التي تجدُونَها في هذا السفر في العمُودِ الأوَّل – مثلاً: الحصانُ الأبيَض، بحرُ الزُّجاج، الوُحُوشُ الأربَعة، المنائِرُ السبع، وهكذا. في العمودِ الثاني، ضَعُوا على رأسِ هذا العمود "إعلاناتٌ شخصيَّة." أُطلُبُوا من الرُّوحِ القُدُس أن يكشِفَ السِّتار لكُم ويُريَكُم ماذا تعني العلامات. ضَعُوا إعلاناتِكُم الشخصيَّة في العمودِ الثاني.

وفي أعلى العَمودِ الثالِث، أُكتُبُوا: "شواهِد كِتابِيَّة،" واذكُرُوا أينَ تَرِدُ هذه العلامَةُ المُحدَّدَةُ في أماكِنَ أُخرى في الكتابِ المقدَّس. وإن كانَ لديكُم بعضُ كُتُبِ التفاسير الجيِّدة للكتابِ المقدَّس، أكُتُبُوا في العمُودِ التالي ماذا تَقُولُ هذه التفاسير عن معنى العلامات.

ثُمَّ، في العمُودِ الأخير من هذه اللائحة البَيانِيَّة، ضَعُوا إستنتاجَكُم النِّهائِيّ. إذا قُمتُم بهذه المُهمَّة بشكلٍ كامِل، فسيكُونُ لديكُم كرَّاساً مُؤلَّفاً من 150 صفحة عن سفرِ الرُّؤيا. 


مَفاتِيحُ تفُكُّ ألغازَ سِفرِ الرُّؤيا

عندما تُقدِّرُونَ لُغَةَ الرُّموز الجميلة للرُّؤيا المُعطاة ليُوحنَّا، ستُدرِكُونَ أن هذا السفر وكأنَّهُ مكتُوبٌ من اللهِ مُباشَرَةً لِشعبِ الله بِلُغَةِ الشيفرة. وكما في كُلِّ لُغَةٍ مُشفَّرَة، فلكَي تفهَمُوا هذه الرِّسالة المُشفَّرَة، ينبَغي أن تكُونَ لديكُم المفاتيح التي تفُكُّ الشيفرة.


المِفتاحُ الأوَّل

المِفتاحُ الأوَّلُ هُوَ الرُّوحُ القُدُس. ليسَ بإمكانِكُم أن تفهَمُوا الأُمُورَ الرُّوحِيَّة بدُونِ الرُّوحِ القُدُس. وهذا يَصِحُّ بشكلٍ خاص على سفرِ الرُّؤيا. لقد أخبَرَ يسُوعُ الرُّسُلَ أنَّهُ كانَ يُعطيهم الرُّوحَ القُدُس، الذي دعاهُ المُعزِّي، وهُوَ يُخبِرُهُم بأُمُورٍ آتِيَة.


المِفتاحُ الثاني

المِفتاحُ الثاني لهذه الرِّسالة المُشفَّرَة هوَ أنَّ هذه الرُّمُوز، أو العلامات، هي رُمُوزٌ كِتَابِيَّة. فإن كُنتَ يهُوديَّاً، مُتآلِفاً معَ العهدِ القديم، فإنَّ هذه العلامات لن تكُونَ غريبَةً عليكَ. مثلاً، في الإصحاحِ الرابِع، ينفَتِحُ بابٌ في السماء وتجدُ شخصاً يجلِسُ على عرش. وهُوَ يُشبِهُ حجَرَ اليَشبَ والعَقيق، وقوسُ قُزَحٍ حولَ العَرشِ في المَنظَرِ شبه الزُّمُرُّد.

اليَهُوديُّ سيعرِفُ أنَّهُ في خُروج الإصحاح 28، كانَ على رئيس الكهنة أن يلبَسَ صدريَّةً مُرصَّعَةً بالجواهِرِ والحجارَةِ الكريمة، واحِدَةً عن كُلِّ سِبط. الحجَرُ الكَريمُ الأوَّلُ كانَ عقيقاً أحمَر، وكانَ يرمُزُ إلى بِكر أسباط إسرائيل – أي سبطُ رأُوبَين. الحجرُ الكَريمُ الأَخيرُ كانَ يَشباً، والذي كانَ يرمُزُ إلى سِبطِ بينامِين. كانَ الزمرُّدُ هُوَ الحجَرُ الكريمُ السابِعُ، وكانَ يُشيرُ إلى سبطِ يهُوَّذا. بالعِبريَّة، كانت هذه الأسماءُ تعني شَيئاً. رَأُوبَين يعني، "هُوَّذا إبني" وبِنيامِين يعني، "إبنُ يَمِيني." ويهُوَّذا يعني، "تسبيح." لِهذا، ما ترونَهُ هُنا في لُغَةٍ رَمزِيّ‍َةٍ هُو التالي: عندما ننظُرُ من خِلالِ بابٍ إلى السماء، نجدُ عرشاً والجالِسُ عليهِ يُوصَفُ بهذه الحجارةِ الكريمة التي تقُولُ لنا، "هُوَّذا إبني، إبنُ يَميني! فَسَبِّحُوهُ!"

هُناكَ جُملَةٌ نجدُها عدَّةَ مرَّاتٍ في آخِرِ سفرٍ من أسفارِ الكتابِ المقدَّس: "أنا هُوَ الألفا والأُوميغا." الحَرفُ الأوَّلُ من الأبجديَّةِ اليُونانِيَّةٍ هُوَ ألفا؛ والأخيرُ هُوَ أُوميغا. وهذا ما يُترجَمُ لنا عادَةً "أنا هُوَ البِدايَةُ والنِّهايَةُ." فسيكُونُ لدينا إعلانٌ عنِ الواحِد، يسُوع المسيح؛ الذي هُوَ نفسُهُ البِدايَةُ والنِّهايَةُ.


العِبادَةُ الأبديَّة

في الإصحَاحَين الرابِع والخامِس، تجِدُونَ وقتاً رائعاً من التسبيح والعِبادة يجري في الحالَةِ الأبديَّة، وهذا أمرٌ جَميلٌ جداً. فاللهُ الآبُ يُحوِّلُ مركَزَ العِبادَةِ في السماءِ عن نفسِهِ إلى إبنِهِ، الحَمَل المذبُوح. يقُولُ اللهُ، "أُعبُدُوا إبني. إعبُدُوا إبني لأجلِ ما عَمِلَهُ، وعلى ضوءِ ما كانَهُ، وما هُوَ الآن، وما سيكُونَهُ، أعبُدُوا إبني."

بما أنَّ هذه الرُّمُزو هي رُمُوزٌ كِتَابيَّة، بإمكانِكُم أن ترَوا لماذا وضعَ الأشخاصُ الذين رتَّبُوا أسفارَ الكتاب المقدَّس، لماذا وضعُوا سِفرَ الرّؤيا في آخرِ الآسفار. إنَّ شَرطَ فهمِ سفرِ الرُّؤيا، آخرِ أسفارِ الكتابِ المقدَّس، هُوَ فهمُ الأسفار الخمسة والسِّتِّين الباقِيَة.

هُناكَ رُمُوزٌ كِتَابِيَّةٌ أُخرى أودُّ أن أستَخدِمَها كإيضاحٍ لهذا المِفتاح الهامّ. لاحِظُوا مثلاً في رُؤيا 1: 4، 4: 5، و5: 6 أنَّكُم تَجِدُونَ ذِكراً لِ"سبعةِ أرواحِ الله."

إنَّ الأشخاص الذين يُعلِّقُونَ أهمِّيَّةً كُبرى على معنى الأعداد في الأسفارِ المقدَّسة، يُخبِرُونَنا أنَّ العدد 7 هُوَ عددُ الكَمال. قد يعني هذا أنَّ سبعَةَ أرواحِ اللهِ تُشيرُ إلى روحِ اللهِ المُركَّب، الشامِل، والكامِل، أو إلى تعبيرٍ كامِلٍ عنِ الله. فاللهُ في جوهَرِهِ رُوحِيٌّ. ولكن الكثير من المُفسِّرين يعتَقِدُونَ أنَّ هذه العِبارَة، "سبعة أرواح الله"، تُعيدُنا إلى نُبُوَّةِ إشعياء.

ففي نُبُوَّةِ إشعياء، أعطانا أميرُ الأنبِياءِ نُبُوَّةً مسياوِيَّةً عظيمة، تُظهِرُ سبعَةَ أرواحِ الله. إنَّ نُبُوَّةَ إشعياء قد تحقَّقَت في هذه الرُّؤيا المُعطاة للرَّسُول يُوحنَّا عن سَبعَةِ أرواحِ الله.كتبَ إشعياء يقُول: "ويخرُجُ قَضيبٌ من جِذعِ يَسَّى وينبُتُ غُصنٌ من أُصُولِهِ. ويَحُلُّ عليهِ رُوحُ الرَّبِّ. (1) رُوحُ الحِكمةِ، و (2) الفَهمِ، (3) رُوحُ المَشُورَةِ، و (4) القُوَّة، (5) رُوحُ المَعرِفَةِ و (6) مخافَةِ الرَّب." ويُتابِعُ إشعياء بالقَول عن المَسيَّا أنَّ "لذَّتَهُ تكُونُ في مخافَةِ الرَّب." (إشعياء 11: 1، 2، 3)

يُخبِرُنا إشعياءُ أنَّهُ عندما يأتي المسيَّا، سيكُونُ يسُوعُ المسيحُ التعبيرَ الكامِلَ عن الله، الذي هُوَ بِجَوهَرِهِ رُوحٌ. بِحَسَبِ إشعياء، يسُوعُ المسيح لن يُعبِّرَ فقط عن جَوهَرِ اللهِ السُّبَاعيّ، بل سيُعبِّرُ أيضاً في إنسانِيَّتِهِ عن الحياة المملووءَة والمُقادَة فِعليَّاً بالرُّوح. يُخبِرُنا يُوحنَّا أنَّ نُبُوَّةَ إشعياء تحقَّقَت بمجيءِ المسيح.

ثُمَّ نرى سبع عُيون قائمة أمامَ عرشٍ في السماء. ونُخبَرُ أنَّ هذه العُيُون السَّبع تُشيرُ إلى سبعَةِ أرواحِ الله. ثُمَّ نقرَأُ: "ورَأَيتُ فإذا في وَسَطِ العَرشِ والحَيواناتِ الأربَعة وفي وسطِ الشُّيُوخ خَروفٌ قائِمٌ كأنَّهُ مَذبُوحٌ لهُ سَبعَةُ قُرونٍ وسَبعُ أَعيُنٍ هي سَبعَةُ أرواحِِ الله المُرسَلَة إلى كُلِّ الأرض." (5: 6)

يعتَقِدُ المُفسِّرُونَ أنَّ القُرونَ تُشيرُ إلى القُوَّة، والعُيُون تُشيرُ إلى الحكمة في كلمةِ الله. لهذا، فإنَّ هذا الخَروف القائم كأنَّهُ مذبُوحٌ، هُو تعبيرٌ عن سبعَةِ أرواحِ الله. التعبيرُ السُّباعِيُّ عن رُوحِ الله هُوَ أيضاً تعبيرٌ عن قُوَّةِ الله وحكمة الله الكامِلَتين عندما ذُبِحَ الخروف.

لقد كانَ رُوحُ الرَّبِّ هامَّاً جداً في خدمَةِ يسُوع. كانَ لدى يسُوع رُوح المعرِفة، أي أنَّهُ كانَت لديهِ معرِفة كامِلة بكلمةِ الله. وكانَ لدَيهِ أيضاً رُوحُ الفَهم، أي أنَّهُ كانَ لدَيهِ فهمٌ كامِلٌ للَكِمَةِ وإرادَةِ أبيهِ.

كانَ لدى يسُوع أيضاً رُوحُ الحِكمة، لأنَّهُ عاشَ كلمةَ اللهِ بشكلٍ كامِلٍ، وعلَّمَ الآخرينَ كيفَ يُطبِّقُونَ كلمةَ الله. ثُمَّ روحُ المَشُورَةِ هُوَ جزءٌ من هذا التعبير الكامل عن رُوحِ الله. وبينما كانَ يسُوعُ يُشارِكُ كلمةَ اللهِ وتطبيقَها على حَياةِ الأشخاص الذين إلتقاهُم، كانَ يُظهِرُ رُوحَ المَشُورة. فعندما شارَكَ كلمةَ اللهِ معَ أشخاصٍ، وطبَّقُوا كلمةَ اللهِ على حياتِهم، مسحَ الرُّوحُ القُدُسُ هذه الكلمة بقُوَّةٍ وسُلطان. كانَ هذا عندما عُبِّرَ عن رُوح القُوَّة من خِلالِ يسُوع.

كانَ رُوحُ العِبادَةِ واضِحاً في حياةِ يسُوع. يُخبِرُنا إشعياءُ أنَّ مسرَّةَ المسيح كانت في رُوحِ المخافة. عندما نقرَأُ الأناجيل الأربَعة، نقرَأُ أنَّهُ عندما لم يكُن يسُوعُ يخدُمُ الناس، كانَ يبقَى وحيداً طوالَ الليل،  أو كانَ يقُومُ باكِراً قبلَ طُلُوعِ الفجرِ ليُصلِّي إلى أبيهِ.


بابٌ مفتُوحٌ في السَّماء

في الإصحاحِ الرابِع، والعدد الأوَّل، نقرَأُ أنَّهُ عندما وُجِّهَت الدعوة ليُوحنَّا بالقَول، "إصعَدْ إلى هُنا فأُريَكَ ما لا بُدَّ أن يَصيرَ بعدَ هذا،" كانَ صوتُ البُوقِ هُوَ الذي أرشدَ يُوحنَّا إلى رُؤيا السماء. يعتَقِدُ الكثيرونَ أنَّ هذا هُوَ رمزٌ كِتابِيٌّ يُشيرُ إلى إختِطافِ الكنيسة. يقُولُ الرسُول بُولُس أنَّ إختِطافَ الكنيسة سيُعلَنُ بِصوتِ بُوق. (1تسالونيكي 4: 16؛ 1كُورنثُوس 15: 52)

عندما نظرَ يُوحنَّا عبرَ هذا البابِ المفتُوح في السماء، رأى عرشاً يُعتَبَرُ الرمزَ المَركَزيّ في السماء. وأمامَ هذا العرش في السماء، رأى يُوحنَّا بحرَ زُجاج. في خيمَةِ العِبادة وهيكَلِ سُليمان، كانَت هُناكَ مِرحَضَةٌ حيثُ كانَ الكاهِنُ يُطَهِّرُ نفسَهُ في إقتِرابِهِ التشفُّعي من الله نِيابَةً عن الخاطِئ. كانت الرِّسالَةُ أنَّهُ علينا أن نتطهَّرَ قبلَ أن نقتَرِبَ من اللهِ القُدُّوس. وكانَ الكهنَةُ يقتَرِبُونَ بإستِمرار من الله بالنيابَةِ عن الخُطاة الذين كانُوا بحاجَةٍ دائمَةٍ للغُفران. وفي بحرِ الزُّجاجِ هذا أمامَ العرش، الماءُ مُتجمِّدَةٌ كالبَلُّور، الأمرُ الذي يُشيرُ إلى التطهير الدائمِ والأبديّ.

في الإصحاحِ 5، نرى سفراً مختُوماً بسبعَةِ أختامٍ، وجميعُ أُولئكَ الذين في السماءِ يُحاوِلُونَ أن يجدُوا من يفُكَّ الأختام ويفتَحَ السِّفرَ. ولم يكُنْ أحدٌ مُستَحِقَّاً أو راغِباً بأن يفتَحَ السفرَ. هذا الرمزُ الكِتابِيُّ يُعيدُنا إلى سفرِ راعُوث ومفهوم الوَليّ الفادي. فعندما أرادَ شخصٌ مثل بُوعز أن يفدِيَ إمرأةً مثل راعُوث، كانتَ تُوضَعُ دُيُونُ المرأةِ في سِفرٍ مختُومٍ. ولم يكُن يُسمَحُ لهُ بفكِّ الأختامِ وبالنظرِ إلى السفر إلى أن يُبَرهِنَ أهليَّتَهُ ورَغبَتَهُ بفِدائِها.

إنَّ رِسالَةَ هذا المشهد السماوِيّ هُوَ أنَّ السماءَ مملووءَةٌ بالأشخاص الذين يحتاجُونَ للفِداء، ولكن لم يكُنْ هُناكَ من هُوَ مُؤهَّلٌ أو راغِبٌ بِفدائِهم. فبَكَى يُوحنَّا كثيراً لأنَّهُ لم يكُنْ هُناكَ من فادٍ. ثُمَّ نسمَعُ الأخبارَ السَّارَّة، "لا تبكِ. هُوَّذا قد غَلَبَ الأسدُ الذي من سِبطِ يهُوَّذا أصلُ داوُد ليَفتَحَ السفرَ ويَفُكَّ خُتُومَهُ السَّبعة." إنَّ معنى هذه اللغُة الرمزيَّة هي أنَّ الربَّ يسُوعَ هُوَ مُؤهَّلٌ وراغِبٌ، وهُوَ الذي نجحَ في فِدائِنا. لقد إفتدانا." (5: 5)

عندما فُتِحَ بابٌ في السماءِ، نقرَأُ أنَّهُ كانَ هُناكَ أربَعَةٌ وعِشرونَ عرشاً صغيراً حولَ العرشِ الكبير الذي كانَ في السماء، وعلى هذه العُرُوش الصغيرة كانَ يجلِسُ أربَعَةٌ وعِشرُونَ شيخاً. هؤلاء الشُّيُوخ يُشيرُونَ إلى قيادَةِ شعبِ الله – لَرُبَّما أسباط إسرائيل الإثني عشَر، والإثنَي عشرَ رَسُولاً.


المِفتاحُ الثالِث

المِفتاحُ الثالِثُ، الذي يُساعِدُنا على حَلِّ لُغزِ هذه الرِّسالة المُشفَّرَة من الله لشَعبِِهِ، هُوَ المُهِمَّة التي أُعطِيَت ليُوحنَّا. تُشكِّلُ هذه المُهِمَّةُ مُلخَّصَ الرُّؤيا التي أخذَها يُوحنَّا على جزيرَةِ بطمُس. يُعطينا الإصحاحُ الأوَّل والعدد 19 هذه المُهمَّة وهذا المُلخَّص. لقد طُلِبَ من يُوحنَّا، "أكتُبْ ما رَأَيتَ وما هُوَ كائِنٌ وما هُوَ عَتيدٌ أن يكُونَ بعدَ هذا."

في الإصحاحِ الأوَّل من سفرِ الرُّؤيا، نقرَأُ عن إختِبارِ يُوحنَّا. الذي رآهُ يُوحنَّا في الإصحاحِ الأوّل يُبرِزُ الجزءَ الأوَّلَ من مُهِمَّتِهِ، عندما قِيلَ لهُ أن يكتُبَ ما رأى، وأن يُوجِّهَ هذه الرُّؤيا المكتُوبة إلى الكنائِسِ السبع التي كانت في آسيا الصُّغرى في تِلكَ الأيَّام.

إلتَفَتَ يُوحنَّا ليَنظُرَ، تماماً كما مالَ مُوسَى جانِباً لينظُرَ اللهَ أمامَ العُلَّيقَةِ في البَرِّيَّة. (خُروج 3: 3، 4). لقد إلتَفَتَ يُوحنَّا لِيَنظُرَ الصَّوت الذي تكلَّمَ معَهُ، ولمَّا إلتَفَتَ تكلَّمَ الصَّوتُ معَهُ. لاحِظُوا الأفعال التي إستخدمَها يُوحنَّا ليَصِفَ لنا إختِبارَهُ. "ولمَّا إلتَفتُّ"، يقُول، "رَأَيتُ. فلمَّا رأيتُهُ، سقطَّتُ عندَ رِجلَيهِ كَمَيتٍ." يبدو أنَّ الرمزِيَّة كانَت أنَّ شرطَ الحُصُولِ على إختِبارٍ عميقٍ معَ الله هو بأن نميلَ جانِباً.

لقد كانَ الرسُولُ يُوحنَّا يُكمِلُ الجزءَ الأوَّلَ من مُهِمَّتِهِ عندما سجَّلَ ذلكَ الإختِبار. بعدَ أن أُمِرَ يُوحنَّا "فاكتُبْ ما رأَيتَ،" أُعطِيَت لهُ المعلُومات "أكتُبْ ما هُوَ عَتيدٌ أن يكُونَ." لقد أكمَلَ يُوحنَّا الجزءَ الثَّاني من مُهِمَّتِهِ في الإصحاحِ الثاني والثالِث عندما كتبَ الرسائِل إلى الكنائِس السبع في آسيا الصُّغرى.

بالإختِصار، يُخبِرنا الإصحاحُ الأوَّلُ عن الأُمُورِ التي رآها يُوحنَّا عندما إختَبرَ هذا الإختِبار. الإصحاحَان الثاني والثالِث هُما الجزءُ الثاني من هذه المُهِمَّة، والتي كانت أن يكتُبَ "ما هُوَ كائِن"، أي الأُمُور المَوجُودَة في الكنائِسِ السبع. هذه الكنائِس، أفسُس، سميرنا، برغامُس، ثِياتيرا، ساردس، فيلادلفيا، ولاوُدكيَّة، كانت كنائِس حقيقيَّة.

تذكَّرُوا أنَّهُ في الإصحاحِ الأوَّل من سفرِ الرُّؤيا، رأى يُوحنَّا سبعةَ منائِر من ذَهَب. إن إعلانَهَ ليسُوع المسيح كانَ أنَّ المسيحَ كانَ يتمشَّى في وسطِ هذه المنائِر. ثُمَّ يُخبَرُ يُوحنَّا أنَّ المنائِرَ هي الكنائِس. ويُخبَرُ يُوحنَّا أيضاً أنَّ الذي يقِفُ في وسطِ المنائِر هُوَ المسيح. رُغمَ أنَّ هذه الكنائِس كانَ لديها الكثير من المشاكِل، ولكنَّ المسيحَ الحَيَّ القائِم من الموت يتمشَّى في وسطِها. فمهما كانت هذه الكنائِسُ مُقصِّرَةً عمَّا ينبَغي أن تكُونَهُ بالفِعل، لا تنسُوا التالي: المسيحُ كانَ في وسطِها.

كانت الرِّسالَةُ التي وجَّهَها الرَّبُّ إلى كَنيسةِ أفسُس هي التاليَة: "لقد فقدتُم محبَّتَكُم." إنَّ هذا يُحَيِّرُني، لأنَّ تيمُوثاوُس كانَ المُشرِف على هذه الكنيسة. قالَ بُولُس لكنيسةِ فيلبِّي أنَّهُ كانَ يُرسِلُ تيمُوثاوُس إليهِم لأنَّهُ عرفَ أنَّهُ لم يكُن أحدٌ قادِراً أن يُحِبَّهم كما أحبَّهُم تيمُوثاوُس. لقد كانَ مِحوَرُ حياتِهِ الطبيعي الإهتِمامُ بالآخرين. فالآن، يبدُو وكأنَّ الرِّسالَةَ المُوجَّهَةَ إلى الكنيسة تحتَ إشرافِ تيمُوثاوُس كانَت سُؤالاً من قِبَلِ المسيح المُقام، "ماذا حدَثَ لمحبَّتِكُم؟" إن كُنتَ تشعُرُ أنَّكَ شخصٌ يُمكِنُ أن يُحِبَّ الرَّبُّ الناسَ من خِلالِكَ ، لا تنسَ أنَّهُ من المُمكِن أن تخسَرَ إختِبارَ أن تكُونَ أداةً من خِلالِها يُحِبُّ المسيحُ الناسَ الذين إئتَمَنَكَ على أن تُحِبَّهُم بمحبَّتِهِ.


المِفتاحُ الرَّابِع

الجزءُ الرَّابِع من المُهِمَّةِ المُعطاة ليُوحنَّا يبدأُ في بدايَةِ الإصحاحِ الرَّابِع: "أُكتُب ما هُوَ عَتيدٌ أن يكُونَ بعدَ هذا." الجزءُ الأكبَر من الرُّؤيا مُتعلِّقٌ بالأُمُور التي ستحدُثُ في المُستَقبل.

لكي تُركِّزَ على المِفتاح رقم 4، عليكَ أن تفهَمَ الترتيبِ الزمني للإصحاحات السادِس حتى التاسِع من سفرِ الرُّؤيا. الإصحاحان الرَّابِع والخامِس جميلانِ جداً على صعيدِ اللُّغَةِ الرمزيَّة التي تَصِفُ العبادة التي ستحدُثُ في السماء. ولكن عندما تَصِلُ إلى الإصحاحِ السادِس من سفرِ الرُّؤيا، يتغيَّرُ النمَطُ ويُصبِحُ من الصعبِ جداً فهمَ ما تقرأ.

إنَّ سِلسِلَةَ الأحداث المعرُوفَة بمجيء يسُوع المسيح ثانِيَةً تُغطِّي حقبَةً طويلَةً من الزمن. فهُناكَ الكَثيرُ من الوقتِ الذي يَمُرُّ بينَ بِدايَةِ الحَدَثِ الأوَّل وإلى أن ينتَهيَ الحدَثُ الأخير. إنَّ مِقدار الوقتِ اللازِم لهذه الأحداث يرتَبِطُ تماماً بِكَيفيَّةِ تفسيرِكَ لهذه الأحداث وبِكيفيَّةِ ترتيبِكَ لها زمَنيَّاً. أحد أقصَر الأحداث هُوَ مرحلَة السبع سنوات المعروفة "بالضيقَةِ العُظمى." ولقد وصفَها يسُوعُ في موعِظَتِهِ على جَبَلِ الزَّيتُون. (متَّى 24: 21- 29).

يعتَقدُ الكثيرُ من المُفسِّرينَ أنَّ الضِّيقَةَ العُظمى ستكُونُ حقبَةً من سبعِ سنوات. هذه الضيقة العُظمى هِي ما تصِفُهُ الإصحاحات 6 إلى 19 من سفرِ الرُّؤيا. كُلُّ هذه الإصحاحات، إبتداءً من الإصحاحِ السادِس، عندما تظهَرُ الأحصِنة، وحتَّى مُنتَصَفِ الإصحاحِ التاسِع عشر، تُركِّزُ على حقبَةٍ قصيرَةٍ مُؤلَّفة من سبعِ سنوات، من بينِ كُلِّ هذه الأحداث التي تُسمَّى "مجيء يسُوع المسيح ثانِيَةً."

تُصوَّرُ الضِّيقَةُ العُظمى في هذا الجزء من سفرِ الرُّؤيا كسِلسِلَةٍ من الدينُونات. وبينما أنتَ تقرَأُ إعلانَ يُوحنَّا لهذه الدينُونات، تُفَكُّ سبعَةُ أختام. وفي كُلِّ مرَّةٍ يُفَكُّ ختمٌ، تحدُثُ دينُونَةٌ رهيبَةٌ مُرعِبة. ثُمَّ تَقرَأُ عن الأبواقِ السبعة. وفي كُلِّ مرَّةٍ يُبوَّقُ بكُلٍّ من الأبواقِ السبعة، تجدُ دينُونَةً رهيبة.

تُفَكُّ الأختامُ في الإصحاحِ السادِس، ويُبوَّقُ بالأبواق في الأصحاحَين الثامِن والتاسِع. ثُمَّ، في الإصحاح 16، تقرَأُ عن الجامات السبعة. وتُسكَبُ هذه الجاماتُ، وفي كُلِّ مرَّةٍ يُسكَبُ جامٌ منها، تحدُثُ دينُونَةٌ.

يعتَقدُ البعضُ أنَّ دينونات الأختام والأبواق والجامات هذه، هي دينُوناتٌ مُتعاقِبَة. ويعتَقِدُ آخرونَ أنَّ مرحَلَةً واحِدَةً من الدينُونات يتِمُّ وصفُها بِثلاثِ طُرُقٍ مُختَلِفة. بينَ هذه الدينُونات الثلاث، تجدُ معلُوماتٍ تبدو وكأنَّها تعليقاتٌ إضافِيَّةٌ على الدينُونات. ولكنَّ التعليقاتُ أو التفسيراتُ، في الإصحاحات السابع، والعاشِر إلى الخامِس عشر، والسابِع عشر إلى التاسِع عشر، هي بالطبع ليسَت مُرتَّبَةً بالتسلسُلِ الزَّمَنيّ.


المِفتاحُ الخامِس

المِفتاحُ الخامِسُ الذي يفكُّ ألغازَ رِسالَةِ هذا الإعلان هُوَ: موقِف التواضُع حيالَ ترتيب هذه الأحداث زَمَنيَّاً، كما جاءَت في سفرِ الرُّؤيا. وأنا أنظُرُ بتواضُعٍ كبير إلى الترتيب الزمني الذي أقتَرِحُهُ. بحَسَبِ يسُوع، لا أحد يعرِفُ اليوم، ولا السَّاعَة التي فيها يأتي المُنتَهى – ولا حتَّى الملائكَة، ولا حتَّى إبن الله. الآبُ وحدَهُ يعرِف (متَّى 24: 36). عندما سألَ الرسُلُ والتلاميذُ الأوائِل يسُوعَ عن توقيتِهِ لِرَدِّ المُلك لِشعبِ اللهِ القديم، أجابَ بما معناهُ أنَّهُ ليسَ لهُم أن يعرِفُوا الأزمِنَة والأوقات لهذه الأحداث، لأنَّ الآبَ قرَّرَ أن يحتَفِظَ بهذه الأُمُور لنَفسِه (أعمال 1: 7). ففي هذه الحال، إن كانَت الملائِكَةُ لا تعرِف، وإن كانَ إبنُ اللهِ قد قالَ أنَّهُ لا يعرِف، وإن كانَ الآبُ وحدَهُ يعرِف، فكيفَ يُمكِنُ أن نكُونَ إلا مُتواضِعينَ عندم نُحاوِلُ أن نضعَ معاً ترتيباً زَمَنِيَّاً "للأزِمنة والأوقات" لهذه الأحداث؟

أحد هذه الأحداث هُوَ إختِطافُ الكَنيسة. فبَعدَ أن تُؤخَذَ الكَنيسَةُ من العالم، كما نتوقَّع، ستكُونُ هُناكَ ضِيقَةٌ عُظمَى على الأرض. ثُمَّ يحدُثُ مجيء المسيح ثانِيةً حيثُ يرجِعُ، ليسَ ليأخُذَ كنيستَهُ من العالم، بَل سيأتي معَ كنيستِهِ ليَملِكَ على الأرض. يعتَقدُ البعضُ أنَّ هذا المُلك سيكُونُ مُلكاً حَرفَيَّاً سيدومُ ألفَ سنة. ينقَسِمُ المُؤمِنُونَ حولَ الطريقة التي بها يُفسِّرونَ هذه الأحداث. ومهما كانَ التفسيرُ والترتيبُ الزَّمَنيُّ الذي تتَّبِعُهُ لهذه الأحداث، سيبقَى هُناكَ الكثيرُ من المُؤمنين الذي سيختَلِفُونَ معكَ. فكُنْ مُتَواضِعاً حِيالَ ترتيبِكَ الزَّمَني لهذه الأحداث وحِيالَ تفسيرِكَ لها.


المِفتاح السادِس

إنَّ هدَفَنا من قِراءَةِ سفرِ الرُّؤيا ينبَغي أن يكُونَ العِبادة بدَلَ الفَهم، عندما نقرَأُ هذا السفر. هذا الأمرُ هُوَ غايَةٌ في الأهمِّيَّة. فهُناكَ وعدٌ بالبَركة على كُلِّ من يقرَأُ هذا الكِتاب ويحفَظُ أقوالَهُ (22: 18). هُناكَ عدَّةُ حقائِق تعبُّدِيَّة في هذا السفر – خاصَّةً في الرسائِل المُوجَّهة إلى الكنائِسِ السَّبع – والتي هِي حقائِق تعليميَّة وتأمُّليَّة. هُناكَ الكثيرُ من الحَقائِق التي لا نفهَمُها في سِفرِ الرُّؤيا، ولكنَّنا مُطالَبُونَ بطاعَتِها. يَميلُ بعضُ المُؤمنِين لعِبادَةِ فهمِ هذا السفر بدلَ الله والمسيح المُقام الذي أعطى هذا السفر ليُوحنَّا.

يُشيرُ الرسُولُ المحبُوبُ إلى هذا المِفتاح مرَّتَين قُرابَةَ نهايَةِ هذا السفر. نقرَأُ أنَّ يُوحنَّا سقطَ عند رِجلَي الملاك الذي فسَّرَ لهُ كُلَّ هذه الرُّمُوز وسجدَ لهُ. نحنُ نفهَمُ لماذا فعلَ هذا، ولكنَّ الملاكَ قالَ لهُ، "أُنظُرْ لا تَفعَلْ. أنا عَبدٌ معَكَ ومَعَ إخوَتِكَ الذين عندَهُم شهادَةُ يسُوع" (19: 10، 22: 8).

هذا تصريحٌ واضِحٌ عن القصد من قِراءَةِ سفرِ الرُّؤيا. هذا القصدُ ليسَ أن نفهَمَهُ كُلَّهُ، بل بأن نقرَأَهُ بِنفسِ الطريقة التي نقرَأُ بها إنجيلَ يُوحنَّا – لِكَي نرى يسُوع. وعندها نعبُدُ يسُوعَ الذي نراهُ، ونعبُد الله. دَعْ سفرَ الرُّؤيا يزيدُ حِسَّكَ بالهَيبَةِ والمخافَةِ والِعبادة. وبينما تقرَأُ هذا السفر، إقتَرِبْ من محضَرِ اللهِ.


المِفتاحُ السابِع

المِفتاحُ السَّابِع هُوَ طرح السُّؤال، "لماذا أخبَرنا اللهُ بهذه الأُمُور عن المُستَقبَل؟" كما رأينا عدَّةَ مرَّاتٍ سابِقة، عندما رفعَ اللهُ السِّتارَ وأخبَرَنا شيئاً عن كيفيَّةِ نِهايَةِ العالم، لا بُدَّ أن يكُونَ لديهِ قصدٌ لرَفعِ السِّتار.

يبدُو أنَّ التطبيقَ سيكُونُ كالتالي: "على ضَوءِ حقيقَةِ أنَّ ما أريتُكُم إيَّاهُ خلفَ السِّتار سوفَ يحدُث، أيُّ أُناسٍ يجب أن تكُونُوا في العالَمِ الحاضِر، سالِكينَ في سيرَةٍ مُقدَّسَةٍ وتقوى؟" فاللهُ يُريدُ أن يكُونَ لهُ تأثِيرٌ على حاضِرنا، وعلى حياتِنا اليوميَّة، على ضوءِ كُلِّ ما أعلَنَهُ لنا في سفرِهِ الأخير من الكتاب المقدَّس.


المِفتاحُ الثَّامِنُ

إحذ‍َرُوا من الإستِسلام لتخيُّلاتِكُم وتَمنِّياتِكُم الخاصَّة عندما تنظُرُونَ إلى ما خَلفِ الستار، لتروا ما سيحدُثُ فيما يتعلَّقُ بالحالَةِ الأبديَّة. يُخبِرُنا الكتابُ المقدَّسُ عن الحياة بعدَ القَبر، وذلكَ بواسِطَةِ الرُّمُوز. كَثيرونَ يُفسِّرُونَ هذا النَّوع من الأدَبِ الكتابِيّ على الطريقة التي يُريدُونَ أن تكُونَ الحالَةُ الأبديَّةُ عليها. فحَقيقَةُ هذا الإعلان لا يُمكِن تحدِيدُها بالتمنِّيَّاتِ الشخصيَّة. فإن كُنتُم تُريدُونَ أن تعرِفُوا عنِ الحَياةِ بعدَ هذا العالَم وبعدَ القَبر، عليكُم أن تقرَأُوا هذا السفر بِذهنٍ مَفتُوح.


المِفتاحُ التاسِع

نَجِدُ المِفتاحَ التاسع في الإصحاحَين الرابِع والخامِس. بينما تنظُرُونَ عبرَ البابِ المفتُوحِ في السماء، لاحِظوا أنَّ كُلَّ رمزٍ مذكُورٍ في هذين الإصحاحَين الجميلَين، موصُوفٌ بالنسبَةِ إلى موقِعِهِ من العَرش الذي يُعتَبَرُ المِحوَرَ المَركَزِيَّ في السماء. الخَروفُ قائمٌ في وسطِ العَرش. والعُرُوش الأربَعةُ والعِشرون تُحيطُ بالعَرشِ الأساسيّ. بُرُوقٌ ورُعودٌ تخرُجُ من العَرش. سبعَةُ مصابيح نار مُتَّقِدَة  هي أمامَ العَرش؛ وبحرُ الزُّجاج هُوَ أمامَ العرشِ أيضاً. ويُسمَعُ صَوتُ ملائِكَةٍ كَثيرة حَولَ العَرش.

في الإصحاحَين الرَّابِع والخامِس، تجدُونَ قِدِّيسينَ حَولَ عَرشِ اللهِ وهُم يُرنِّمُونَ ترنيمَةً جديدة. وهذا مشهَدٌ في غايَةِ الجمال. ولكن، تجدُونَ أيضاً خُطاةً يُؤدُّونَ التَّحِيَّةَ للحَمَلِ الجالِسِ على العَرش، ولكنَّهُم لا يُعطَونَ مكاناً أمامَ العرش. علينا أن نستنتِجَ أنَّ الخُطاةَ يُؤدُّونَ التَّحِيَّةَ من الجحيم، لأنَّهُم ليسُوا في السماء. وهذا رَهيبٌ!


المِفتاحُ العاشِر

لاحِظوا أنَّهُ في سفرِ الرُّؤيا، هُناكَ مَسرَحِيَّتان تتوالَى فُصُولُهُما معاً. مَسرَحِيَّةٌ سماوِيَّةٌ تُقدَّمُ في الإصحاحاتِ 4، 5، 19، 20، 21، و22، وفي الوقتِ نفسِه، نجدُ مسرَحِيَّةً أرضيَّة تُقدَّمُ في الإصحاحاتِ 6، 8، 9، 16، 19، و20. الإصحاحان 19 و20 يتوسَّطانِ هاتَين المسرحِيَّتَين، إذ يُقدِّمانِهِما معاً.


المِفتاحُ الحادِي عشَر

هذا هُوَ إعلانُ يسُوع المسيح، وليسَ سفر الإعلانات أو الرُّؤى. إبتِداءً من الإصحاحِ الأوَّل، وحتَّى الإصحاح الحادي والعِشرين، نجدُ إعلاناً مُستَمِرَّاً ليسُوع المسيح. تماماً كمَّا فتَّشتُم عن يسُوع المسيح في إنجيل يُوحنَّا، وحتَّى في العهدِ القديم، فتِّشُوا عن يسُوع المسيح في سفرِ الرُّؤيا. وعندها ستَرَونَ المسيحَ مُعلَناً كمَلِكِ المُلوك وربّ الأرباب.


المِفتاح الثانِي عشَر

أُخبِرَ يُوحنَّا أنَّهُ كانَ سينالُ الإعلانَ عن أُمورٍ لا بُدَّ أن تحدُثَ بعدَ هذا. (4: 1) وبما أنَّ اللهَ القَديرَ هُوَ إلهٌ عادِل، وبما أنَّ هُناكَ الكثير من الظُّلمِ في هذا العالم، ينبَغي أن يكُونَ هُناكَ عدالَةٌ نهائيَّة مثل الدينُونات المَوصُوفَة في سفرِ الرُّؤيا المُعطَى ليُوحنَّا الرسُول.


المِفتاحُ الثالِث عشَر

حتَّى ولَو أنَّهُ كانَ علينا أن نقرَأَ لنعبُدَ بدلَ أن نفهَم، ولكن إقرأُوا سِفرَ الإعلانِ هذا مُدركينَ أنَّ هُناكَ الكثير لتَفهَمُوه. فهُناكَ بَركَةٌ مَوعُودٌ بها إن كُنتُم تقرَأُونَ هذا السفر، وإن كُنتُم تسمَعُونَ رِسالَتَهُ وتُطبِّقُونَها على حياتِكُم. (22: 18)


المِفتاحُ الرَّابِع عشر

بعدَ أن تقرَأُوا هذا السفرَ الأخير من الكتابِ المقدَّس، قارِنُوا هذا السفر بِكُلِّ مقاطِعِهِ الإسكاتُولوجيَّة (أي المُتعلِّقَة بالأُمُور الأخيرة)، معَ كُلِّ المقاطِعِ الأُخرى في كلمةِ الله التي تتكلَّمُ عن الأُمُورِ الأخيرة. جميعُ هذه المقاطِع من كلمةِ الله، إبتداءً من الأنبياء وُصُولاً إلى تعليمِ يسُوع والرُّسُل، سوفَ تتحدَّاكُم بالسؤالِ التالي: "كيفَ أثَّرَ عليكُم ما تعلَّمتُمُوهُ عن الطبيعة المُطلَقة للأشياء، كيفَ أثَّرَ هذا على إيمانِكُم وعلى قِيَمِكُم، بينما تحيُونَ حياتَكُم اليوم؟"

نعرِفُ من هذا الإعلان أنَّ القِدِّيسين الذي يُرنِّمُونَ ترنيمتَهُم الجديدة حَولَ العَرش، سيكُونُونَ من كُلِّ قَبيلةٍ ولِسانٍ وشعبٍ وأُمَّة. عِندَما تُفكِّرُونَ بكيفيَّةِ وُصولِ هَؤُلاء إلى أمامِ العرش، كيفَ يُؤثِّرُ هذا على وُجهَةِ نظَرِكُم حولَ مأمُوريَّةِ يسُوع المسيح العُظمى، وحولَ عملِ الرَّبّ الذي يبنِي كنيستَهُ حولَ العالَمِ اليوم؟

إنَّ كَلِمَةَ اللهِ تبدَأُ معَ سُؤالِ اللهِ للإنسان، "أينَ أنتَ؟" ويُختَتَمُ الكتابُ المقدَّسُ وهُوَ يُوجِّهُ لنا السُّؤالَ التالي: أينَ ستكُونُ عندما ستتحقَّقُ كُلُّ هذه الأحداث التي يَصِفُها سفرُ إعلان يسُوع المسيح؟ بالواقِع، هُناكَ إمكانِيَّتانِ فقط. فسوفَ تكُونُ إمَّا في السماءِ معَ القدِّيسين، تُرنِّمُ حولَ العرش، أو ستكُونُ معَ الخُطاةِ تُؤدِّي التحيَّةَ للخَروفِ من الجحيم. فمكانُ وُجُودِكَ آنذاك سيُحدَّدُ بطبيعَةِ موقِعِكَ ونوعِ تجاوُبِكَ معَ إنجيلِ المسيح الآن.

عبرَ قُرونٍ طَويلَة من تاريخِ الكنيسة، تعرَّفَ الملايينُ من الناس على الإيمانِ بالمسيح من مُجرَّدِ قراءتِهم للسفرِ الأخير في الكتابِ المقدَّس. إن لم تَكُن قد آمنتَ بعد بيسُوع المسيح ليكُونَ مُخلِّصَكَ، وإن لم تُتَوِّجْهُ على حياتِكَ ليكُونَ ملكَ الملُوك ورَبَّ الأرباب، فصلاتي أن تُحرِّكَكَ هذه الدراسةُ المُوجَزَةُ لِسفرِ الرُّؤيا لتَتَّخِذَ هذه القرارات التي تُحدِّدُ نوعيَّةَ مصيركَ الأبدي.

  • عدد الزيارات: 26786