Skip to main content

الفَصلُ الحادِي عشَر "نظامُ الكَنيسة"

(1كُورنثُوس 5: 1- 5)

بعدَ أن خصَّصَ بُولُس أربَعَةَ إصحاحاتٍ من هذه الرِّسالة لمُشكِلَة الإنشِقاقات في كَنيسةِ كُورنثُوس، عندما وصلَ إلى الإصحاحِ الخامِس، تعامَلَ معَ مُشكِلَةٍ أُخرى. كانَ من المعروف في الكنائس المَنزِليَّة في كُورنثُوس، أنَّهُ كانَت تُوجَدُ خَطِيَّة لاأخلاقِيَّة بينَهم. وبالتحديد، كانَ هُناكَ رجُلٌ على علاقَةٍ معَ زَوجَةِ أبيهِ. فكتبَ بُولُس يقُولُ، "أفأنتُم مُنتَفِخُونَ وبِالحَريّ لَم تنُوحُوا حتَّى يُرفَعَ من وَسَطِكُم الذي فعلَ هذا الفِعل؟" (2) الطريقةُ التي يُعالِجُ بها بُولُس هذه المُشكِلة الثانِيَة بينَ الكُورنثُوسيِّين، تُقدِّمُ لنا نمُوذجاً كِتابِيَّاً عمَّا نُسمِّيهِ اليوم بالتأديبِ الكَنَسِيّ.


الدافِع وراءَ التأديبِ الكَنَسيّ

إنَّ الدافِع الكامِن وراءَ التأديبِ الكَنَسيّ هُوَ نفسُ دافِعِ الوالِدِين عندما يُؤدِّبُونَ أولادَهم – المحبَّة، والرَّجاء أنَّ الشخصَ المُشاكِسَ سيرجِعُ في النَّهايَةِ إلى رُشدِهِ وسوفَ يُعادُ إعتِبارُهُ ويخلُصُ بالمعنى الحَرفِيّ للكَلِمة. إنَّ نَصيحَةَ بُولُس الرسُول المُوحاة لأهلِ كُورنثُوس هي: "عليكُم أن لا تَتَجاهَلُوا الخَطِيَّة في الكَنيسة. وعليكم أن تُواجِهُوا الخَطيَّة وأن تُطالِبوا بإسترجاع المُؤمن الشارِد."

بالإضافَةِ إلى محبَّتِنا للمُؤمنينَ الساقِطين، الدَّافِعُ الذي ينبَغي أن يكُونَ وراءَ التأديبِ الكَنَسِي ينبَغي أن يكُونَ مُجذَّرَاً في حقيقَةِ أنَّهُ بمعنَىً ما، جميعُنا نحتاجُ أن نكُونَ قادِرينَ أن نقُولَ للشخصِ الذي يُحاوِلُ أن يعرِفَ عن يسُوع المسيح: "إن كُنتَ تُريدُ أن تعرِفَ ماذا يعني أن تكُونَ تلميذاً ليسُوع المسيح مولوداً من جديد، تعالَ وعِشْ معي في مَنزِلِي لِبِضعَةِ أشهُرٍ." بنِعمَةِ الله، علينا أن نكُونَ حاضِرينَ وقادِرينَ أن نُقدِّمَ هكذا دَعوة مملووءَة بالتحدِّي للخُطاة الذين يبحَثُونَ عنِ الحَقّ. هذا هُوَ نوعُ شهادَةِ الحياةِ الديناميكيَّة التي نشرَتِ الإنجيل في أرجاءِ العالَمِ الرُّومانِيّ في القُرونِ الأُولى من تاريخِ الكنيسة.

دعا يسُوعُ تلاميذَهُ الإثني عشر ليَعِيشُوا معَهُ لمُدَّةِ ثلاثِ سنوات. ولقد غيَّرَ هذا الإختِبارُ حياةَ الرُّسُل إلى الأبد. بهذه الطريقة نفسِها، المَقصُود أن تكُونَ الكَنيسة مِثالاً في العالم – "سراجٌ على منارَة"، كما وصفها يسُوع. في إطارِ هذه الصُّورة المجازِيَّة، قالَ يسُوع، "فليُضِئْ نُورُكُم هكذا قُدَّامَ النَّاس، لكَي يرَوا أعمالَكُم الحَسَنة ويُمَجِّدوا أباكُم الذي في السماوات." (متَّى 5: 16)

إنَّ النماذِج الفرديَّة والجَماعِيَّة التي تُقدِّمُها الكنيسة لهذا العالم، هي قَلبُ الإنجيل الذي تُعلِنُهُ الكَنيسَةُ في هذا العالم. وبما أنَّ الشِّيطانَ يعرِف أنَّ هذا حقيقة، فإنَّ ستراتيجيَّتَهُ هي مُهاجَمة هذه النماذِج. لهذا هُناكَ دائماً مُشكِلة معَ اللاأخلاقيَّة في جسدِ المسيح، خاصَّةً بينَ القادَة أو النماذِج. فالشرِّيرُ يُريدُ أن يُجرِّدَ القادَة من كونِهم مِثالاً أو نمُوذَجاً، لأنَّ فشلَهُم الأخلاقِي والرُّوحِيّ سوفَ يُؤثِّرُ سَلبيَّاً على عددٍ كَبيرٍ من النَّاس.

كيفَ ينبَغي أن نتعامَلَ معَ الخطايا اللاأخلاقيَّة بينَ المُؤمنين؟ هذا الإصحاح من رِسالَةِ بُولُس إلى أهلِ كُورنثُوس هُوَ واحِدٌ من أكثرِ الأجوِبَة أهمِّيَّةً التي يُقدِّمُها العهدُ الجديدُ على هذا السُّؤال. بِالنسبَةِ لِبُولُس، إذا تورَّطَ رَجُلٌ في خطِيَّةٍ جِنسيَّة، ينبَغي أن يُواجِهَهُ المُؤمِنُونَ في الكنيسة، وأن يضعوهُ تحتَ التأديبِ الكَنَسِيّ. إنَّ الهدَفَ من هذه المُواجَهة هُوَ أن يعتَرِفَ هذا الرَّجُل بخَطِيَّتِهِ ويَترُكَها. والأخبارُ السارَّةُ هي أنَّ اللهَ سوفَ يغفِرُ لهُ خطاياهُ. (1يُوحنَّا 1: 9)  وبعدَ ذلكَ يتِمُّ إرجاعُهُ وإعادَةُ إعتِبارِهِ (غلاطية 6: 1)

من المُهِم أن نُلاحِظَ أنَّهُ في كَنيسةِ كُورنثُوس، لم تكُنِ الخَطِيَّةُ مُجرَّدَ أمرٍ من الماضي. بل كانت لا تزالُ مُستَمرَّةً عندما كتبَ لهُم بُولُس هذه الرِّسالة. والأسوأ من ذلكَ، أنَّها كانت معرُوفَةً علانِيَةً، ولا سِيَّما عندَ الذي أخبَرُوا بُولُس بهذه المُشكِلة. يبدو أنَّ الجميعَ عرفُوا بأمرِ هذه الخطيَّة، ولكن لم يفعَلْ أحدٌ شيئاً تجاهَها.

هُنا نجدُ نصيحَةَ بُولُس حيالَ هذه المُشكِلة:

"فإنِّي أنا كأنِّي غائِبٌ بالجَسَد ولكن حاضِرٌ بالرُّوح قد حَكَمتُ كأنِّي حاضِرٌ في الذي فعلَ هذا هكذا. بإسمِ رَبِّنا يسُوع المسيح إذ أنتُم ورُوحي مُجتَمِعُونَ معَ قُوَّةِ رَبِّنا يسُوع المَسيح. أن يُسلَّمَ هذا للشَّيطان لهلاك الجسد لكَي تخلُصَ الرُّوحُ في يومِ الرِّب يسُوع." (1كُورنثُوس 5: 3- 5)


ستراتيجيَّة التأديبِ الكَنَسيّ

الجزءُ الأخِيرُ من نصائِح بُولُس يكشِفُ عن ستراتيجيَّةِ الرَّسُول، التي هي الخلاصُ الحاضِرُ والمُستَقبَلُ للإنسانِ الخاطِئ، والذي ينبَغي أن يخلُصَ من خَطاياهُ. ويتوجَّبُ على الكنيسة أن تُحاوِلَ إسترجاعَ الأخ الذي ضلَّ طريقَهُ. عندما أتبعَ بُولُس رِسالتَهُ بِرسالَةٍ أُخرى للكُورنثُوسيِّين، أعطى توجيهاتٍ للكنيسة بأن تَعُودَ وتقبَلَ عودَة هذا الرَّجل إلى شَركِةِ الكنيسة. (2كُورنثُوس 2: 4- 8)

قادَةُ النِّظام في الكنيسة

إنَّ طَبيعَةَ نظام الكنيسة العامّ تقُودُ بعضَ المُفسِّرين للإعتِقادِ بأنَّ هذا الرَّجُل الذي كانَ مُتَوَرِّطاً بالخَطيَّة، لرُبَّما كانَ قائداً في كَنيسةِ كُورنثُوس. في رَسَائِلِهِ الرَّعَويَّة، علَّمَ بُولُس تيمُوثاوُس قائِلاً، "الذين يُخطِئُونَ وَبِّخْهُم أمامَ الجميع لكَي يكُونَ عندَ الباقِينَ خَوفٌ. أُناشِدُكَ أمامَ الله والرَّبِّ يسُوع المسيح والمَلائِكة المُختَارِين أن تحفَظَ هذا بِدُونِ غَرَضٍ ولا تعمَلْ شَيئاً بمُحاباة." (1تيمُوثاوُس 5: 19- 20) عندما نُقارِنُ هذه النَّصِيحة التي كتبها بُولُس لتيمُوثاوُس معَ التوصِيَةِ بالتأديبِ الكَنَسيّ في الإصحاحِ الخامِس من كُورنثُوس الأُولى، نستنتِجُ أنَّ الرَّجُلَ المقصُود لرُبَّما كانَ قائِداً في كنيسةِ كُورنثُوس.

بعدَ أن وبَّخَ هؤلاء المُؤمِنين في الإصحاحِ الرَّابِع بسببِ حُكمِهِم عليهِ، وبعدَ أن علَّمَهُم أن لا يحكُمُوا على شَيءٍ إلى أن يأتيَ الرَّبُ، يُوبِّخُهُم في هذا الإصحاح على عدَمِ حُكمِهِم على هذا الأخ. فلا بُولُس ولا يسُوع لم يُعلِّما أنَّهُ لا ينبَغي علينا أن نحكُمَ على أيِّ شَيءٍ أو أيٍّ كان. علَّمَ يسُوعُ أنَّهُ علينا أن نحكُمَ على أنفُسِنا، قبلَ أن نحكُمَ على الآخرين (متَّى 7: 1- 5). علَّمَ بُولُس أنَّهُ علينا أن لا نحكُمَ على دوافِعِ الآخرين، لأنَّنا لا نعرِفُ حتَّى دوافِعَ قُلُوبِنا نحنُ.

في هذا الإصحاح، يُخبِرُنا بُولُس أنَّهُ علينا أن نحكُمَ ونُؤدِّبَ أُولئكَ الأشخاص الذي يُخطِئُونَ داخِلَ الكنيسة، خاصَّةً القادَة. هذا لا يَعنِي أنَّهُ إذا أخطَأَ قائِدٌ رُوحِيٌّ سوفَ يفقُدُ خلاصَهُ، أو أنَّهُ ينبَغِي طَردُهُ من الكَنيسة. الخَطيَّة الوَحيدة التي من أجلِها ينبَغي طرد الشخص من الكنيسة هِي تلكَ الخَطيَّة التي تستَمِرُّ رُغمَ المُواجَهة، بدُونِ إعتِرافٍ ولا توبة.

  • عدد الزيارات: 7472