Skip to main content

الفَصلُ الثَّانِي "في حِصادِهِ"

أَوَدُّ الآنَ أن أنظُرَ إلى الأعدادِ التي تَصِفُ الطريقة التي بِها تمَّ التَّجاوُبُ بها معَ هذه المُقابَلَة معَ المرأةِ السَّامِريَّة، من قِبَل يسُوع ومن قِبَلِ تلاميذِهِ (يُوحَنَّا 4: 27- 42) نقرَأُ إبتداءً منَ العدد 27، "وعندَ ذلكَ جاءَ تلاميذُهُ وكانُوا يتعجَّبُونَ أنَّهُ يتكلَّمُ مع إمرأَة. ولكنْ لم يَقُلْ أحَدٌ ماذا تطلُبُ أو لِماذا تتكلَّمُ معَهَا. فتَرَكَتِ المرأَةُ جرَّتَها ومَضَتْ إلى المَدينة وقالَت لِلنَّاس: هَلُمُّوا أنظُرُوا إنساناً قالَ لي كُلَّ ما فعَلتُ. أَلَعَلَّ هذا هُوَ المسيح. فَخَرَجُوا منَ المَدينَةِ وأتَوا إليهِ.

"وفي أثناءِ ذلكَ سألَهُ تلاميذُهُ قائِلينَ يا مُعَلِّمُ كُلْ. فقالَ لهُم أنا لي طَعامٌ لِآكُلَ لَستُم تعرِفُونَهُ أنتُم. فقالَ التلاميذُ بعضُهم لِبَعض أَلَعَلَّ أحداً أتاهُ بِشَيءٍ ليأكُلَ. قالَ لهُم يسُوعُ طعامي أن أَعمَلَ مشيئَةَ الذي أرسَلَني وأُتَمِّمَ عملَهُ. أما تقُولُونَ إنَّهُ يكُونُ أربَعَةُ أشهُرٍ ثُمَّ يأتي الحصاد. ها أنا أقُولُ لكُم إرفعُوا أعيُنَكُم وانظُرُوا الحُقُولَ إنَّها قدِ إبيَضَّت للحصاد. والحاصِدُ يأخُذُ أجرَةً ويجمَعُ ثمراً للحياةِ الأبديَّة، لكَي يفرَحَ الزَّارِعُ والحاصِدُ معاً. لأنَّهُ في هذا يصدُقُ القَولُ إنَّ واحِداً يزرَعُ وآخرُ يحصُدُ. أنا أرسَلتُكُم لِتَحصُدُوا ما لم تتعبُوا فيهِ. آخرُونَ تَعِبُوا وأنتُم قد دخلتُم على تعبِهم.

"فآمَنَ بهِ من تِلكَ المدينَةِ كَثيرُونَ من السَّامِريِّين بِسَبَبِ كلامِ المرأة التي كانت تشهَدُ أنَّهُ قالَ لي كُلَّ ما فعَلتُ. فلمَّا جاءَ إليهِ السامِريُّون سألُوهُ أن يمكُثَ عندَهُم. فمكَثَ هُناكَ يومَين. فآمنَ بهِ أكثَرُ جداً بسببِ كلامِهِ. وقالُوا للمرأَةِ إنَّنا لسنا بعدُ بِسببِ كلامِكِ نُؤمِنُ. لأنَّنا نحنُ قد سَمِعنا ونَعلَمُ أنَّ هذا هُوَ بالحقيقَة المسيحُ مُخلِّصُ العالم."

عندما رجعَ التلاميذُ إلى يسُوعَ من رحلتِهم الصغيرة لكَي يحصَلُوا على الطَّعام، تعجَّبُوا عندما رأَوهُ يتكلَّمُ معَ إمرَأَة، خاصَّةً إمرأَةً سامِريَّةً، ولم يتجرَّأْ أحدٌ أن يسأَلَهُ، "ماذا تَفعَلُ؟" أو "لماذا تتكلَّمُ معَها؟" لدينا هُنا مِثالٌ عن كيفَ كانَ يسُوعُ يتمتَّعُ بالتمييزِ الكامِل، عندما إلتقى في مُقابَلاتٍ خاصَّة معَ أشخاصٍ مثل نيقُوديمُوس ومعَ المرأة السامريَّة.

لاحِظُوا تمييزَ يسُوع، وتمييزَ الرُّسُل. ماذا رأى الرُّسُلُ؟ إمرأَةً سامِريَّةً؛ كانَ هذا كُلّ ما رأَوهُ. لقد رأوا إمرأَةً جاهِلَةً، خاطِئةً، ذاتَ سُمعَةٍ سَيِّئة. ولكن ماذا رَأَى يسُوعُ؟ رأى إمرَأَةً عطشَى؛ رأى يسُوعُ إمرَأَةً كانت مُستَعِدَّةً أن تقبَلَ إختِبار الولادة الجديدة. رأى يسُوعُ إمرأةً كانَ بإستطاعَتِها أن تُخبِرَ كُلَّ السامِرَةِ عنهُ، بعدَ أن يكُونَ قدِ إجتازَها.

عندما طلَبَ التلاميذُ من يسُوعَ أن يأكُلَ، قدَّمَ هذه التصريحات العظيمة، "لي طَعامٌ لآكُلَ لستُم تعلَمُونَهُ أنتُم." فأخذَ التلاميذُ كلامَهُ على محمَلِ الجدِّ بالمعنى الحَرفِي، وظَنُّوا أنَّ أحدَهُم جاءَهُ بِشَيءٍ ليأكُلَ. فتابَعَ يسُوعُ تصريحَهُ العَظيم قائِلاً، "طَعامي أن أعمَلَ مَشيئَةَ الذي أرسَلَني وأُتَمِّمَ عمَلَهُ."

في إنجيلِ يُوحَنَّا، نجدُ يسُوعَ رجُلاً ذا رِسالَة، وهُوَ يعرفُ رسالتَهُ. لاحِظوا كم كانَ يُشيرُ إلى الأعمال التي أرادَهُ الآبُ أن يعمَلَها. ففي الإصحاحِ التاسِع والعدد الرابِع يقُول: "ينبَغي أن أعملَ أعمالَ الذي أرسَلَني ما دامَ نهارٌ. يأتي ليلٌ حِينَ لا يستطيعُ أحدٌ أن يعمَلَ." وهُنا نجدُهُ يقُول، "طعامي أن أعمَلَ مَشيئَةَ الذي أرسَلَني وأُتَمِّمَ عملَهُ." (4: 34)

في بُستانِ جُثسَيمانِي، عندما كانَ يسُوعُ يُشارِفُ على نهايَةَ حياتِهِ على الأرض، وبعدَ أن كانَ مُنشَغِلاً بعملِ الأعمال التي أرادَهُ الآبُ أن يُتمِّمَها، صلَّى تلكَ الصلاة التي جعلَتْ عرقَهُ يتصبَّبُ دَماً على الأرض. قالَ، "أنا مَجَّدتُكَ على الأرض. العمل الذي أعطَيتَني لأعمَلَ قد أَكمَلتُهُ." (17: 4) وعندما حقَّقَ خلاصَنا على الصَّليب، نقرَأُ في يُوحنَّا 19: 30 أنَّ كَلِماتِهِ الأخيرة على الصليب كانت صَرخَةً عظيمَةً، "قد أُكمِل!"

إنَّ التصريحات الإرساليَّة هذه التي صرَّحَ بها ربُّنا يسُوع، ينبَغي أن تُشجِّعَنا لكَي نُنهِيَ يوميَّاً الأعمال التي أعطانا إيَّها أبانا ومُخَلِّصُنا لنعمَلَ، بحسبِ إرادَتِهما لحياتِنا. أعمَقُ تصريحٍ قدَّمَهُ يسُوعُ عن ديناميكيَّةِ التبشير والخِدمة المُعطاة لنا كتلاميذِهِ، نجدُهُ في الأعداد التي تَلِي لِقاءَهُ الحَيويّ معَ المرأَةِ السَّامِريَّة عندَ بِئرِ يعقُوب، عندما إجتازَ السَّامِرَة. 


الزَّرعُ والحَصاد

وَصَلَت بنا دِراسَتُنا لإنجيلِ يُوحَنَّا إلى المكانِ حَيثُ أنهَى يسُوعُ مُقابَلَتَهُ معَ المرأةِ السَّامِريَّة، التي وُلِدَت من جديد نتيجَةً لهذهِ المُقابَلة. وما نَجِدُهُ أمامَنا هُوَ تَصريحٌ عظيمٌ عن الخدمة التي إليها يُوجِّهُنا الربُّ يسُوع المسيح (يُوحَنَّا 4: 35- 42). فلقد وجَّهَ يسُوعُ المرأَةَ السَّامِريَّةَ إلى تلكَ الخدمة، ثُمَّ وجَّهَ رُسُلَهُ الذين كانَ يُعَلِّمُهُم، إلى تلكَ الخدمة، بمُشارَكَتِهِم بالمُعجِزة التي أتَت بالسَّامِريَّةِ إلى الإرتِواءِ بالمياهِ الحَيَّة.

وكالكَثيريِنَ في وسطِ حضارَتِهِم، كانَ هؤُلاء الرَّجال الذين سافَرُوا معَ يسُوعَ في رحلاتِهِ، كانُوا يتعاطُونَ الزِّراعَةَ، إذ أنَّهُم كانُوا يزرَعُونَ ما يكفِي لإطعامِ عائِلاتِهِم. بهذا المعنى كانُوا جميعُهم مُزارِعِين. هذا يعني أنَّ هؤُلاء الرِّجال فَهِمُوا بِوُضُوحٍ وسُهُولَةٍ عندما إستَخدَمَ يسُوعُ صُوراً مجازِيَّةً، مثل المُزارع الذي زرعَ البِذارَ في أنواعٍ مُختَلِفَةٍ منَ التُّربَة، كما جاءَ في مثلِ الزَّارِع. ولقد فهَمُوا بِسُهُولَةٍ ما قالَهُ يسُوعُ عنِ الأشواكِ والزِّوانِ في حُقُولِهِم، في مثلِهِ عنِ الحِنطَةِ والزوان.

يبدُو أنَّهُم كانُوا يتكلَّمُونَ عن حقيقَةِ أنَّهُ في غُضُونِ أربَعَةِ أشهُرٍ، كانَ سيأتي الحصاد، وكم كانَ مُهِمَّاً لهُم أن يَكُونُوا في المنزِلِ وقتَ الحصاد. أنا مُتَيَقِّنٌ أنَّ يسُوعَ كانَ يُشِيرُ إلى مُحادَثَتِهِم عن هذه المَواضِيع، عندما قالَ لهُم ما جوهَرُ معناهُ، "أما تَقُولُونَ إنَّهُ يَكُونُ أربَعَةُ أشهُرٍ ثُمَّ يأتي الحصاد. ها أنا أقُولُ لكُم إرفَعُوا أعيُنَكُم وانظُرُوا الحُقُولَ إنَّها قدِ إبيضَّت للحصاد."

يُعتَبَرُ هذا التَّصريح واحِداً من أعظَمِ التَّحريضات التي أعطاها يسُوع، "إرفَعُوا أعيُنَكُم وانظُرُوا الحُقُولَ أنَّها قَدِ إبيَضَّت لِلحَصاد." ما هُوَ الذي دَفَعَهُ ليَقُولَ مثلَ هذا الأمر؟ لقد كانَ قد إنتَهَى للتَّوِّ من المُقابَلَةِ معَ المرأَةِ السَّامِريَّة. فعندَما إلتَقَى يسُوعُ والرُّسُل بهذه المرأَة عندَ البِئرِ في السَّامِرَة، كُلُّ ما رآهُ الرُّسُل كانَ إمرأَةً سامِريَّةً خاطِئَة. فكانَ يسُوعُ يَقُولُ ما معناهُ، "إرفَعُوا أعيُنَكُم قبلَ أن تنظُرُوا إلى أشخاصٍ مثلَها. اللهُ سوفَ يمنَحُكُم التَّمييز إذا رَفعتُم أعيُنَكُم قبلَ أن تنظُرُوا إلى النَّاس. ويصدُقُ هذا بشكلٍ خاصٍّ عندَما تنظُرُونَ إلى النَّاسِ نظرَةً فوقِيَّةً. أنظُرُوا إلى النَّاس كما ينظُرُ اللهُ إليهِم." هذا هُوَ جوهَرُ ما كانَ يَقُولُهُ يسُوعُ في هذه الأعدادِ الرَّائِعة من إنجيلِ يُوحَنَّا.

أعطَانا إرمِيا سَبَبَاً يتوجَّبُ علينا من أجلِهِ أن نَقُومَ بهذا الأمر، عندما قال، "القَلبُ أخدَعُ من كُلِّ شَيءٍ، وهُوَ نَجيسٌ من يَعرِفُهُ؟" وهُوَ يُجيبُ على هذا السُّؤال بقَولِهِ بِطَريقةٍ مُسهَبَة أنَّ اللهَ وحدَهُ يعرِفُ القَلبَ الإنسانِي (إرميا 17: 9، 10).

أنا راعي كنيسة منذُ عام 1956. ولم أستَمِرَّ في خِدمَتي القُسُوسيَّة طَويلاً، حتَّى سَلَّمتُ معَ إرميا، أنَّني لم أعرِفْ قَلبِي بالتَّمام ولا قُلُوبَ الذين كُنتُ أخدِمُهُم. وفي جَهلِي، غالِباً ما كُنتُ أقُولُ، "لن تلتَقِيَ أبداً بأشخاصٍ لا تَستَطيعُ أن تُحِبَّهُم، إذا كُنتَ تفهَمُهُم." ولم يمضِ وقتٌ طَويلٌ قبلَ أن ألتَقِيَ بعضَ الأشخاص الذين ظَنَنتُ أنَّني كُنتُ أفهَمُهُم جَيِّداً، ولكن صَعُبَ عليَّ محَبَّتُهُم. وأنا أشكُرُ اللهَ أنَّني في سنواتِ خِدمَتي المُبَكِّرَة كراعي كنيسة، علَّمَني الرَّبُّ أن أرفَعَ عَينَيَّ قبلَ أن أَنظُرَ إلى النَّاس. ولقد حقَّقتُ الإكتِشافَ العَظيم، أنَّنا إذا رَفَعنا أعيُنَنا ونَظَرنا إلى فَوق قبلَ أن ننظُرَ حَولَنا، سنرى أشخاصاً مثل السَّامِريَّة بالطريقَةِ التي رآها بها يسُوع، بدلَ أن نراها بالطريقَةِ التي رآها بها الرُّسُل.

بعضُهُم يطرَحُ السُّؤال، "هَل ينظُرُ يسُوعُ بِمَحَبَّةٍ إلى خُطاةٍ إقتَرَفُوا جرائِمَ مُرَوِّعَة وسَبَّبُوا لنا أذىً كبيراً؟" الجوابُ على هذا السُّؤال يأتينا مُغَلَّفاً بكلمَةٍ كِتابِيَّةٍ جميلة: "الرَّحمَة." هذه الكَلِمَة تُوجَدُ 366 مرَّةً في الكتابِ المُقدَّس، مرَّةً لِكُلِّ يَوم من أيَّامِ السَّنَة، بالإضافَةِ إلى يَومٍ إضافِيٍّ لِسَنَةِ الكَبيس.

يا لِهذه الرَّحمَة؟ الرَّحمَةُ هي مَحَبَّةُ الله غير المَشرُوطَة. فالرَّحمَةُ هي تِلكَ الصِّفَةُ من صِفاتِ اللهِ التي تحجُبُ عنَّا ما نستَحِقُّهُ. ونعمَةُ اللهِ هي تلكَ الصِّفَة من صِفاتِ اللهِ التي تمنَحُ وتُدَبِّرُ وتُغدِقُ علينا كُلَّ أنواعِ البَرَكاتِ التي لا نَستَحِقُّها. فنِعمَةُ اللهِ هي عمَلُ اللهِ داخِلَكُم، بِدُونِ أيِّ تدخُّلٍ منكُم. ونِعمَةُ اللهِ هي محبَّةُ اللهِ المَمنُوحَة لكُم. وكَلِمَةُ "رحمة" هي الكلمَةُ الكِتابِيَّةُ التي تَصِفُ الطريقَةَ التي بها يَحجُبُ اللهُ عنَّا ما نَستَحِقُّهُ. الرَّحمَةُ تَصِفُ لنا كيفَ يُحِبُّ اللهُ. الرَّحمَةُ هي بِبَساطَةٍ الكلمة الكِتابِيَّة التي تُخبِرُنا أنَّ محبَّةَ اللهِ هي محبَّةٌ غيرُ مَشرُوطَة.

يُذَكِّرُنا يسُوعُ أنَّ "اللهَ يُشرِقُ شمسَهُ على الأشرارِ والصَّالِحِينَ، ويُمطِرُ على الأبرارِ والظَّالِمين." (متَّى 5: 45). لقد كان يُذَكِّرُنا بِبَساطَةٍ أنَّ اللهَ يُحِبُّ بِدُونِ شُرُوط. كتبَ داوُد أنَّ بِرَّ ورحمَةَ اللهِ (أي محبَّتَهُ غير المَشرُوطة) تَبِعانَهُ كُلَّ أيَّامِ حياتِهِ (مزمُور 23: 6).

سَمِعتُ مرَّةً قاضِياً، كانَ قد خَدَمَ كَقاضٍ لأكثَرِ من خمسَةِ عُقُود، سَمِعتُهُ يَقُولُ أنَّ مُعظَمَ النَّاسِ الذين مَثَلُوا أمامَ محكَمَتِهِ، لم يَكُونُوا مُهتَمِّينَ بالعدالَةِ لأنَّهُم كانُوا مُذنِبُونَ –وكانُوا يعلَمُونَ أنَّهُم مُذنِبُون. ولكنَّهُم كانُوا مُهتَمِّينَ بالرَّحمَةِ. آخر مرَّة سَمِعتُ وعظاً من قَسِّيسٍ رائِع شكَّلَ مِثالاً ونمُوذَجاً في الخدمَةِ بالنِّسبَةِ لي، كانَ عمرُهُ حوالَي 81 سنةً. كانت جُملَتُهُ الإفتِتاحِيَّة: "أنا شَيخٌ طاعِنٌ في السِّنّ، وبَينَما أُحَضِّرُ نفسِي لِلَّقاءِ معَ الرَّبّ، أجِدُ نَفسِي مُهتَمَّاً بمَفهُومٍ واحِد: رحمَةَ الله!"

فَلَولا رحمة اللهِ لما كانَ لأيٍّ منَّا خلاصٌ. لذلكَ علينا أن نشكُرَ اللهَ على رَحمَتِهِ وعلى الحقيقَةِ المُبَارَكَة أنَّ الله ينظُرُ إلى الخُطاةِ بمحبَّةٍ غير مشرُوطَة. فإذا رَفعَنا أعيُننا قبل أن ننظُرَ إلى النَّاس، لن نَرَ أبداً أيَّ شَخصٍ لا نَستَطيعُ محبَّتُهُ، إن كُنَّا في إتِّحادٍ معَ المسيح، ومعَ محبَّةِ اللهِ.

هذا التَّحرِيضُ العَظيمُ الذي نَسمَعُهُ من يَسُوع، هُوَ جوابُهُ على إختبارِ الولادَةِ الجديدة لهذه المرأة السَّامِريَّة. يَقُولُ المسيحُ لرُسُلِهِ بكلامٍ أو بآخر، "أنتُم دائماً تتكلَّمُونَ عنِ الحصاد. ألستُم تعلَمُونَ أنَّ الحصادَ يحصُلُ كُلَّ يَوم؟ إرفَعُوا أَعيُنَكُم، وانظُرُوا إلى النَّاسِ، وسوفَ ترَونَ أنَّهُم مثلُ ثِمارٍ نضَجَت أكثَرَ من اللازِم، وهي أكثَرُ من حاضِرَةٍ للحَصاد."

وكما كانت هذه المرأَةُ عطشَى وأكثَرَ من مُستَعِدَّةٍ لمياهِ الحياة، يُوجَدُ الكَثيرُ منَ النَّاسِ اليَوم الذين هُم مُستَعِدُّونَ بإنتِظارِ أن يأتِيَ بعضُ خُدَّامِ المسيحِ ليَحصُدُوهُم. فإذا رفعَنا أعيُنَنا بِبَساطَةٍ قبلَ أن ننظُرَ إلى النَّاس، سوفَ نكتَشِفُ أنَّ كَلِمات يسُوع هذهِ هي حقيقيَّةٌ دينامِيكيَّاً اليوم بمقدارِ ما كانت حقيقيَّةً بِقُربِ بِئرِ السَّامِرَة منذُ ألفَي عام.

أتَساءَلُ ما إذا سبَقَ وآمَنَ أحدٌ ما بِسَبَبِ كَلِمَةِ شهادَتِِكَ عمَّا أصبحَ المسيحُ يَعني لكَ؟ فهلَ سبَقَ لكَ ووجدتَ المياهَ الحيَّة؟ وهل رَوَى ظَمَأَكَ؟ إن كانَ قد فعلَ ذلكَ، تَذَكَّرْ أنَّهاخُطَّةُ الرَّبِّ أن شُربَكَ للمياهِ الحيَّةِ ينبَغي أن يُصبِحَ فيكَ يُنبُوعَ مياهٍ حَيَّةٍ يشرَبُ منها الآخرُونَ ويَرتَوُون. هل أصبحَ البَعضُ يُؤمِنُونَ عندما يَرَونَكَ لم تَعُدْ بِحاجِةٍ "لِجِرارِكَ؟"

أيضاً لاحِظِ التَّالِي: بَعدَ أن جاءَ رِجالُ السَّامِرَةِ إلى المَسيح، بِسَبَبِ كَلِمَةِ المرأة، قالُوا: "لسنا بَعدُ بِسَبَبِ كلامِكِ نُؤمِنُ. بل لأنَّنا قَد سَمِعنا ونعلَمُ (وهذه كلَمِةٌ تعني أن نعرِفَ بالإختِبارِ وبالعلاقَة) أنَّ هذا هُوَ بالحقيقة المسيح، مُخَلِّص العالم."

عندَما نتمتَّعُ بإمتِيازِ الحَصاد، منَ الأهَمِّيَّةِ بِمَكانٍ أن نَقُودَ النَّاسَ إلى المسيح وليسَ إلى نُفُوسِنا. فهَدَفُنا ينبَغي أن يَكُونَ أن يَتَمكَّنُوا منَ القَولِ أنَّهُ لَم يَعُدِ المُهِمُّ كَلِمَةُ شهادَتِنا لهُم. وعلينا أن نُصَلِّيَ بِلَجاجَةٍ لكَي نَسمَعَهُم يَقُولُونَ جوهَرَ ما قالَهُ رجالُ السَّامِرَةِ لهذه المرأة السَّامِريَّة: لأنَّنا نحنُ قد سَمِعنا ونَعلَمُ (بالإختبارِ والعلاقَةِ) أنَّ هذا هُوَ المسيحُ، مخَلِّصُ العالم ومُخَلِّصُنا الشَّخصِيّ."

ما قالَهُ رجالُ السَّامِرَةِ أيضاً يُعَزِّزُ حُجَّةَ يُوحَنَّا الرَّئيسيَّة المُنظَّمَة كما نراها في إنجيلِهِ. تَذَكَّرُوا أنَّ هدَفَ يُوحَنَّا لكِتابَةِ هذا الإنجيل هُوَ أن يُقنِعَنا أنَّ يسُوعَ هُوَ المسيح، المَسيَّا، إبن الله. فيُوحَنَّا يُريدُنا أن نُؤمِنَ بِحُجَّتهِ المُنظَّمَة، لأنَّ إيمانَنا يفتَحُ أمامَنا البابَ للمياهِ الحَيَّة – أي الحياةَ الأبديَّة لنا (يُوحَنَّا 20: 30، 31).

ويُعَلِّمُ يسُوعُ أيضاً قائِلاً، "والحاصِدُ يأخُذُ أُجرَةً، ويجمَعُ ثمراً للحياةِ الأبديَّة، لِكَي يفرَحَ الحاصِدُ والزَّارِعُ معاً." بِحَسَبِ قولِ يسُوع، عندما نتمتَّعُ بإختِبارِ كَونِنا الوسيلة التي من خلالِها يختَبِرُ شَخصٌ آخر أعظَمَ إختِبارَينِ في الحياة، نأخُذُ أُجرَةً. هذه الأُجرَة لن تُدفَعَ بالمالِ نقداً، ولكن ستَكُونُ هُناكَ أُجرَةٌ! وستَكُونُ أعظَمَ أُجرَةٍ يُمكِنُ لإنسانٍ أن يتقاضاها: أن نعلَمَ أنَّ حياتَنا كانت نافِعَةً لأمرٍ أبديّ؛ وأن نعلَمَ أنَّ حياتَنا صَنَعَت تغييراً أبديَّاً في حياةِ الشَّخصِ الذي إلتَقَيناهُ في طَريقِنا، وأنَّنا قَبلَ أن ننظُرَ إليهِ، رفَعنا أعيُنَنا إلى فَوق؛ وكَونَنا أصبَحنا بالنِّسبَةِ لهذا الشَّخص الأداةَ البَشَريَّةَ لأَعظَمِ إختِبارَينِ في الحَياة، هُوَ أكثَرُ أُجرَةٍ مُرضِيَةٍ ومُفرِحَة يُمكِنُ لإنسانٍ أن يُحَصِّلَها في هذا العالم.

كَيفَ تشعُرُ حيالَ الشَّخصِ الذي قادَكَ لِتَتَعَرَّفَ على المسيح؟ وكيفَ يشعرُ النَّاسُ الذين قُدتَهُم للمسيحِ حيالَكَ؟ تأمَّلْ بهذا لبُرهَةٍ، وانظُرْ إن كُنتَ لا تَجِدُ معنَىً في هذا الكلمات، "الذي يأخُذُ أُجرَةً يجمَعُ ثمراً لِلحَياةِ الأبديَّة." فكيفَ يُمكِنُكَ أن تُؤَثِّرَ على نَوعِيَّةِ حياتِكَ الأبديَّة، بالطريقَةِ التي تقضي بها هذه الحياة؟ إحدَى الطُّرُقِ لذلكَ هي، "رابِحُ النُّفُوسِ حَكيم." (أمثال 11: 30)

قالَ الرَّبُّ في لُوقا الإصحاح السَّادِس عشَر، أنَّهُ منَ المُمكِنِ لنا أن نَصنَعَ أصدِقاءَ ينتَظِرُونَنا في المَظالِّ الأبديَّة. فبِحَسَبِ يسُوع، هؤُلاء الأصدِقاء سيقبَلُونَنا في الحالَةِ الأبديَّةِ وسيَقُولُون، "ما كُنَّا سنُوجَدُ في هذه المظالِّ الأبديَّةِ لو لم تَكُونُوا أنُتم الأداةَ البَشَريَّةَ لِخلاصِنا." هذا يُعطِي بالتأكيد هدَفاً ومعنىً وتعريفاً وإتِّجاهاً للحياةِ البَشَريَّة، أليسَ كذلكَ؟ فماذا كانَ بإمكانِكُم أن تعمَلُوا لإعطاءِ المَزيدِ منَ القَصدِ والمعنى لِحياتِكُم ولحياةِ الآخرين، غيرَ أن تُشارِكُوا الأخبارَ السَّارَّةَ القائِلَة أنَّهُ بإمكانِكُم أن تقبَلُوا الرَّحمَةَ والنَّعمَة؟

عندما شَكَرَ الرَّسُولُ بُولُس الفِيلبِّيِّين على دَعمِ خدمَتِهِ، الأمرُ الذي أدَّى إلى خلاصِ المئاتِ منَ الأُمُم وقيادَتِهِم للمسيح، أخبَرَ كَنيستَهُ المُفَضَّلَة أنَّهُ لم يَطمَعْ بعطاياهُم، بل رَغِبَ بأن يَفِيضَ الثَّمَرُ لِحِسابِهِم في الأبديَّة. هذا ما كانَ يسُوعُ يُعَلِّمُهُ، في الإصحاحِ السَّادِسِ عشَر من إنجيلِ لُوقا، حيثُ أعطى مَثَلَهُ العميق عنِ وَكيلِ الظُّلم. فنحنُ لا نَستطيعُ أن نأخُذَ المالَ معَنا، ولكِنَّنا نستطيعُ أن نشتَرِيَ حُصَصاً أو أسهُماً في السَّماء، بِحَسَبِ قولِ يسُوع وبُولُس.

يُخبِرُنا يسُوعُ أنَّهُ عندما تُعطَى هذه الأُجرة ويُجمَعُ الثَّمَرُ للأبديَّة، سيفَرَحُ الزَّارِعُ والحاصِدُ معاً: لأنَّهُ في خدمَةِ قيادَةِ النَّاس إلى المياهِ الحَيَّة، واحِدٌ يزرَعُ وآخر يحصُدُ.

بينَما تتأمَّلُ بهذه الصُّورَةِ المجازيَّة، إسألْ نفسَكَ: من قادَكَ لِلمَسيح؟ من قادَكَ إلى الإيمان؟ قد يخطُرُ شخصٌ ما على بالِكَ. ولكن بالحقيقَة، هل كانَ الأمرُ يتعلَّقُ بإنسانٍ واحِدٍ، بِبرنامَجٍ إذاعِيٍّ على الرَّاديو سبقَ وأصغَيتَ إليهِ، أو بنَبذَةٍ منَ الإنجيل سبقَ وقرَأتَها، أم أنَّ القَضِيَّة كانَت تسلسُلاً منَ الأشخاصِ  الذين زرعُوا بُذُور حَقيقَةِ الإنجيل في حياتِكَ، قبلَ أن يأتِيَ خادِمُ الرَّبِّ إلى حياتِكَ ويحصِدَ خلاصَكَ بِوقتٍ طَويل؟

وهل يُمكِنُ أنَّ اللهَ إستَخدَمَ أحدَ والِدَيك، أو جدَّتَكَ، جدَّكَ، صديقَكَ، جارَكَ، مُعلِّمَكَ في مدرَسَةِ الأحد، أو راعي كنيسة تَقِيٍّ، ليزرعَ كَلِمَةَ اللهِ في حياتِكَ؟ إذا فكَّرتَ بهذا الأمر، قد تُدرِكُ أنَّ أشخاصاً مُتَعدِّدِينَ ومُتنوِّعين قد زرَعُوا بُذُوراً في قَلبِكَ، إلى أن جاءَ شخصٌ يَوماً ما ووَصلَ بِكَ إلى إتِّخاذِ قرارِ الإيمان. وهكذا يَكُونُ هذا الشَّخص هُوَ الذي حصدَ خلاصَكَ. فالشَّخصُ الذي ننظُرُ إليهِ كرابِحِ النُّفُوس، أو صانِعِ التَّلاميذ، هُوَ الحاصِدُ في تعليمِ يسُوع هذا.

في كُلِّ مَرَّةٍ يقُومُ أحدُهُم "بِقيادَةِ شَخصٍ ما لِلرِّبّ،" كما نُعَبِّرُ عن ذلكَ، أو يقُومُ بإختِبارِ الحصادِ هذا، يُدرِكُ هذا الشَّخصُ أنَّ واحِداً يزرَعُ وآخَر يحصُدُ. كانَ يسُوعُ يُدَرِّبُ هؤلاء التَّلاميذ ليُصبِحُوا حصَّادِينَ، ولكنَّهُ قالَ، "أنا أرسَلتُكُم لِتَحصُدُوا ما لم تتعَبُوا فيهِ؛ آخَرُونَ تَعِبُوا، وأنتُم قد دخلتُم على تَعَبِهِم."

عندما تتمتَّعُ بفَرَحِ الحَصاد، وعندما تتمتَّعُ بِفَرَحِ الإتيانِ بِشَخصٍ آخر للإيمان، تُدرِكُ أنَّهُ لأمرٌ رائِعٌ أن تَكُونَ الأداةَ البَشَريَّةَ لِولادَةٍ جديدة! لَرُبَّما أنتَ راعي كنيسة، أو مُبَشِّر، أو مُعَلِّم أو مُؤمِنُ تُقَدِّمُ الإنجيلَ للنَّاسِ بِشَكلٍ فَردِيّ. فأَعظَمُ إختِبارٍ يُمكِنُ أن تختَبِرَهُ في الحياةِ هُوَ إختِبارُكَ الشَّخصِيّ للولادَةِ الثَّانِيَة. وعندما تُقدِّمُ الإنجيلَ لأحدٍ ما، سواءٌ أكانَ ذلكَ فَرداً فرداً أم في إطارِ مجمُوعَةٍ منَ الأفراد، وعندما يُولَدُونَ ثانِيَةً، بالنِّسبَةِ لكَ هذا هُوَ ثاني أعظم إختِبار في الحياة.

ولكن تَذَكَّرْ التَّالِي: أنَّكَ في كُلِّ وقتٍ تحصُدُ فيهِ، لا بُدَّ أن يَكُونَ أحدٌ آخر قد زرَعَ. كتبَ بُولُس يَقُولُ أنَّهُ في الأبديَّةِ سنعرِفُ بِشكلٍ كامِل كما يعرِفُنا اللهُ (1كُورنثُوس 13: 12). وعندَما نعرِفُ، حتَّى كما يَعرِفُنا اللهُ، سوفَ نتعلَّمُ أنَّ كَثيرِينَ زرَعُوا لِكَي نحصُدَ نحنُ. وعندما نحصُدُ، آخرُونَ يَكُونُونَ قد تَعِبُوا ونحنُ قد دَخَلنا على تَعَبِهِم الذي إستَمَرَّ عبرَ مراحِلَ طويلَة منَ الزَّرعِ بأمانَةٍ من قِبَلِ شُهُودٍ أُمَناء سبقُوا وزَرَعُوا، لكَي نخَتَبِرَ نحنُ بهجَةَ الحصاد.

بالإختِصار، في هذه المُقابَلة وهذا التَّجاوُب معَ هذه المُقابَلة، هل ترَونَ الأجوِبَة على الأسئِلَة المِفتاحِيَّة التي تُوضِحُ حَقَّ الإنجيلِ لنا؟ نَذْكُرُ مُجَدَّداً هذه الأسئِلة: "من هُوَ يسُوع؟ ما هُوَ الإيمانُ؟ وما هِيَ الحياةُ؟"

من هُوَ يسُوع؟ إنَّهُ ماءُ الحياة. يسُوعُ هُوَ المسيح، الذي يُكَلِّمُ قَلبَكَ. إنَّهُ المَسيَّا.

وما هُوَ الإيمانُ؟ الإيمانُ هُوَ التَّوبَةُ، كما قالَ يسُوعُ للسَّامِريَّة، "إذهَبِي إدعِي زوجَكَ." ومثل أُولئكَ الرِّجالُ السَّامِريُّونَ والرُّسُل الذين عندَما إلتَقُوا يسُوعَ لأوَّلِ مرَّةٍ، كانَ يعني الإيمانُ بالنِّسبَةِ لهُم أن يأتُوا ويَلتَقُوا بالمسيح. الإيمانُ هُوَ السُّؤال: "لو كُنتَ تَعرِفُ الذي تتكلَّمُ معَهُ عندما تُصَلِّي، لأيِّ أمرٍ كُنتَ سَتُصَلِّي؟" الإيمانُ هُوَ أن تترُكَ جَرَّتَكَ، رَمزَ عَطَشِكَ، وأن تستَبدِلَ مِياهَ المسيحِ الحيَّة بدلَ عوارِضِ عطَشكَ الرُّوحِيّ.

وما هِيَ الحياةُ؟ الحَياةُ هِيَ إرواءُ عطَشِكَ. الحياةُ هي المياهُ الحيَّة. الحياةُ هي أعظَمُ إختِبارَينِ في الحياة: إختِبارُكَ الشَّخصِيّ للوِلادَةِ الجديدة، ومن ثَمَّ أن تُصبِحَ أنتَ الأداةَ البَشَريَّةَ التي من خلالِها يُولَدُ الآخرونَ ثانِيَةً. 


الإيمانُ يُؤَدِّي إلى الرُّؤية

يُختَمُ الإصحاحُ الرَّابِعُ من إنجيلِ يُوحَنَّا معَ قِصَّةِ مُعجِزَةٍ أُخرى، أو بُرهانٍ عجائِبيٍّ آخر، الذي يُتابِعُ منطِقَ تفكيرِ الرَّسُول يُوحَنَّا. تابَعَ يسُوعُ رِحلَتَهُ منَ اليَهُودِيَّةِ إلى الجَليل، بعدَ خِدمَتِهِ المُثمرَة في السَّامِرَة، من خلالِ المرأَةِ التي إلتَقَى بها عندَ بِئرِ يعقُوب. ورجعَ إلى قانا الجَليل، حيثُ حوَّلَ الماءَ خمراً. وبما أنَّ النَّاصِرَة لم تَكُنْ بَعيدةً عن قاناَ، فهذا يعني أنَّهُ كانَ راجِعاً إلى منزِلِهِ. تركَ الجليلَ لأن "لا نَبِيٌّ بل كرامَةٍ إلا في وطنِهِ." (مرقُس 6: 4) لقد أُعلِنَت مُعجِزَةُ قانا بأنَّها مُعجِزَةَ المسيحِ الأُولى، والآن على طريقِ العَودة، أرادَ أن يُنجِزَ مُعجِزَةً ثانِيَة يُسَجِّلُها الرَّسُول يُوحَنَّا.

كانَ يُوجَدُ رَجُلٌ نَبيلٌ في كفرناحُوم – حرفِيَّاً من رِجالِ المَلِك – كانَ لديهِ إبنٌ يُعانِي من حُمَّى رهيبَة وصلَتْ بهِ ليُشارِفَ على المَوت. فتركَ والِدُهُ المغمُومُ إبنَهُ مَطرُوحاً على فِراشِ المَوت، وسافَرَ حوالي ثلاثِينَ كيلُومتراً إلى قانا، لأنَّهُ سَمِعَ أنَّ يسُوعَ هُناكَ. ويُقدِّمُ هذا الوالِدُ مِثالاً جميلاً عن جوابٍ آخر على السُّؤال، "ما هُوَ الإيمانُ؟"

لقد عَرَفَ إلى أينَ ينبَغي أن يذهَبَ عندما يُعانِي من مُشكِلَة. ذهبَ إلى يسُوع عندما إعتَرَضتْهُ مُشكِلَةٌ لا يَقوى على حَلِّها. وكانَ جادَّاً عندما ذهبَ إلى يسُوع حامِلاً لهُ هذه المُشكِلة. فتركَ إبنَهُ مطروحاً على فراشِ المَوت، ليذهَبَ إلى يسُوعَ بِمُشكِلَتِهِ. ما هُوَ الأمرُ الذي سيَجعَلُنا أنا وأنتَ مُستَعدِّين أن نترُكَ إبناً على فِراشِ المَوتِ لكَي نذهَبَ إلى يسُوع؟ لقد كانَ هذا الوالِدُ جادَّاً جِدَّاً بأخذِ مُشكِلَتِهِ إلى يسُوع. لقد كانَ مُستَعِدَّاً أن يترُكَ إبنَهُ على فِراشِ المَوت، لأنَّهُ آمنَ أنَّ يسُوعَ كانَ يُمَثِّلُ الرَّجاءَ الوحيد لإبنِهِ المائِت.

لقد كانَ مُقتَنِعاً أنَّهُ كانَ عليهِ أن يُقنِعَ يسُوعَ بأن يأتِيَ إلى كفرناحُوم لِكَي يشفِيَ إبنَهُ المائِت. ولكِنَّهُ أصبَحَ بالحقيقَةِ مِثالاً للإيمان عندما تمَّت مُقابَلَتُهُ معَ يسُوع. يبدُو وَقْعُ كَلِماتِ يسُوع بارِدَاً وقاسِيَاً نوعاً ما عندما قالَ، "لا تُؤمِنُونَ إن لم تَرَوا آياتٍ وعجائبَ." اللُّغَةُ الأصليَّةُ تُساعِدُنا لنَفهَمَ أنَّ هذه الكلمات لم تُوجَّهْ إلى هذا الوالِد شَخصِيَّاً، بل إلى طبقَةِ النُّبلاء بِشكلٍ عامّ. فالعِبارَةُ هي بِصيغَةِ الجمع، أيّ أنتُم جميعاً.

لقد كانَ يسُوعُ يمتَحِنُ إيمانَ هذا الوالِد عندما أعلَنَ قائِلاً: "إذهَبْ راجِعاً. إبنُكَ حَيٌّ!" ولم يعتَرِضِ الوالِدُ ولم يُلِحّ على يسُوع بأن يأتِيَ معَهُ. بل فعلَ بِبَساطَةٍ ما أمرَهُ بهِ يسُوع. وُجهَةُ النَّظَر العِلمانِيَّة للإيمانِ هي أنَّ "الرُّؤية تسمَحَ لنا أن نُؤمِن." رُوحُ هذه النَّظرَة للإيمان تَقُولُ، "سوفَ أُؤمِنُ بهذا عندما أراهُ بِأُمِّ العَين." ولكنَّ الكتابَ المُقدَّس يُعَلِّمُ بإستِمرار أنَّ الإيمانَ يسمَحُ لنا أو يَقُودُنا إلى أن نرى الأشياءَ تحدُثُ. أعلَنَ داوُد قائِلاً: "[لكُنتُ قد إستسَلمتُ لِلفَشَل] لولا أنَّني آمنتُ بأن أرى جُودَ الرَّبِّ في أرضِ الأحياء." (مزمُور 27: 13).

لقد عرَفَ هذا الوالِدُ إلى أينَ ينبَغي أن يذهَبَ عندما تعتَرضُهُ مُشكِلَةٌ مُستَعصِيَة. ذهبَ إلى يسُوع حامِلاً لهُ مُشكلتَهُ. وكانَ جادَّاً بِشأنِ الإتيانِ بمُشكِلَتِهِ إلى يسُوع. ولقد آمنَ بما رآهُ عندما ذهبَ إلى يسُوع حامِلاً مُشكِلَتَهُ. وعندما كانَ على طَريقِهِ إلى المَنزِل – طاعَةً لما قالَهُ لهُ يسوعُ أن يفعَلَهُ – رأى ما آمنَ بهِ عندما ذهبَ إلى يسُوع. فإلتَقاهُ خُدَّامُهُ وقالُوا لهُ، "إبنُكَ حَيٌّ!" كانت هذه الكلمات هي نفسُها التي قالَهَا يسُوعُ لهذا الوالِدِ المفجُوع. فآمنَ عندَها هُوَ وكُلُّ بيتِهِ بالرَّبّ.

هل تعلَمُ أينَ ينبَغي أن تذهَبَ عندما تَكُونُ لدَيكَ مُشكِلَة؟ هل تذهَبُ إلى يسُوع عندما تَكُونُ لَدَيكَ مُشكِلَةٌ لا تَستَطيعُ حَلَّها؟ وهل أنتَ جادٌّ حيالَ الذَّهابِ إلى يسُوع بِمُشكِلَتِكَ؟ وهل تُؤمِنُ بما تراهُ عندما تذهَبُ إلى يسُوع حامِلاً مُشكِلَتَكَ؟ إن كانَ الجوابُ على هذه الأسئِلَة بالإيجاب، فكما حدَثَ معَ هذا الوالِدِ، سوفَ ترى ما آمنتَ بهِ عندما ذهبتَ إلى يسُوع حامِلاً مُشكِلَتَكَ التي لا تقوى على حَلِّها. فلَيسَتِ الرُّؤيَةُ هي التي تُؤدِّي إلى الإيمان. بل الإيمانُ هُوَ الذي يَقُودُ إلى الرُّؤية. وكما فعلَ داوُد وهذا الوالِدُ المَفجُوع، آمِنْ بأن تَرَى جُودَ الرَّبِّ في إختبارِ حياتِكَ.

  • عدد الزيارات: 8446