Skip to main content

الإصحاح الحادي والعشرون: جواب أيوب لصوفر

هنا يجد أيوب نفسه أمام سر لا يستطيع كشفه: لماذا يضرب الله العادل الإنسان الذي يطلب رضاه؟ ولماذا من جهة أخرى وعلى عكس كلام أليفاز وبلدد وصوفر، يُنجح الأشرار في عملهم على الأرض؟ إنهم يسبّون الله قائلين: "ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسر" (ع14). وبالرغم من ذلك لا يعاقبون. (ع7-15، ملاخي3: 18).

إن سكوت الله وعدم مبالاته ظاهرياً بتصرفات الأشرار هي لغز لكثيرين من المؤمنين(مزمور50: 21). هذه المشكلة الخطيرة كانت سبب عذاب لاساف التقي في (مزمور73) حيث يقول: "حقاً قد زكّيت قلبي باطلاً وغسلت بالنقاوة يديّ. وكنت مصاباً اليوم كله وتأدبت كل صباح" أي ما الفائدة من تزكية قلبي إن كان التأديب يقع عليّ كل صباح. إن للأشرار نصيباً أحسن مني.

ولكن لنقرأ (ع17) من هذا المزمور "...وانتبهت إلى آخرتهم" ليتنا لا نحسد أهل العالم، لأن الله لا ينطق بحكمه قبل القبر. إن المباينة هائلة بين هذه النهاية الرهيبة التي تنتظر غير المؤمنين وبين المستقبل المجيد الذي ذخره الرب لمفدييه المحبوبين(يوحنا14: 3،17: 24، رومية8: 17و18).

بينما يتجه عطفنا صوب أيوب إزاء المعاملة التي يلقاها من أصحابه، فإن في ردوده لدليلاً واضحاً على كفايته في الدفاع عن نفسه، على الأقل فيما يتصل بالناس. وإننا لنراه يواجه كل متكلم من ذات بضاعته، ويسكته. وفي رده على صوفر لا يزال عنيد الروح، يجاوب نقّاشه بأسلوب قاطع.

وهذا الرد ينقسم، مثل خطاب صوفر، إلى سبعة أجزاء:

(ع1: 6) الجدية التي يتسم بها رد أيوب الذي يتصل بالله

(ع7-16) نجاح الأشرار.

(ع17-21) الدينونة لا تظهر إلا في أولادهم.

(ع22-26) تشكيلة من اختبارات الأشرار.

(ع27-31) اتهامه لأصحابه.

(ع32،33) النهاية في الموت.

(ع34) الخاتمة.


(ع1: 6) الجدية التي يتسم بها رد أيوب الذي يتصل بالله.

يستهل أيوب ردّه سائلاً - في القليل- أن يستمع إليه أصحابه استماعهم يحل محل التعزية التي يأبونها عليه. وبعد ذلك ليواصلوا عنفهم. هو عن نفسه قد كشف عن انتظار حكم صحيح من جانب الإنسان، ولو كان هذا هو كل رجائه لحقّ له ذلك، وهذا يتضمن أنه رجع إلى الله، الأمر الذي هو في ذاته دليل على الإيمان الكامن في أغوار قلبه. لكن مصاعبه لم تتلاشى، فإن أصحابه قد يدهشون ويعجبون لأنه يرتاع في الكلام هما هو يزمع أن يضعه قدامهم، مما ينبغي كثيراً من الدعاوى التي عرضها صوفر بأسلوبه الذكي. ونلاحظ هنا أن هذا الاستهلال الفخم قد خلا من نغمة التذمر والشكوى. وهم إنما يعرض مشكلته على أصحابه، فإن كانوا رجالاً فليفهموا موقفه.

ويجيب أيوب على أقوال صوفر "اسمعوا قولي سمعاً" لقد كان أمراً مرفّها أعظم ترفيه للرجل المسكين المجرّب بأن يتكلم معبراً عما في نفسه. لقد فشل فشلاً كاملاً في كسب عطفهم ولكنه مع ذلك كان يفضل أن يتكلم بصراحة ولم يكن يجد أية صعوبة في مواجهة كل ما كانوا يثيرونه من حجج ونظريات.

"وليكن هذا تعزيتكم. احتملوني وأنا أتكلم....وبعد كلامي استهزؤوا" لقد كانت هذه كلمة شديدة، ولكنها لم تكن أكثر مما يستحقونه "أما أنا فهل شكواي من إنسان (أو لإنسان)". إنه في وسط هذا الحزن كله لم ينس أيوب قط أنه يتعامل مع الله، وإن أمره مع الله، وهذه هي التقوى الصحيحة.

"وإن كانت فلماذا لا تضيق روحي". أي أنه غير قادر على فهم الأمر وهذا هو سر الضيق والتعب.

"تفرّسوا فيّ وتعجبوا وضعوا اليد على الفم. عندما أتذكر ارتاع وأخذتُ بشرى (أي تملكت جسدي قشعريرة)..وما الذي كان يجعله هكذا خائفاً مرتعداً؟ السبب أنه هو أيضاً كان ينظر إلى الناحية المضادة تماماً لناحية صوفر. وكلاهما خطأ. إن صوفر كان يحصر نظره بصفة خاصة في بعض حالات معينة، فيها يتعامل الله قضائياً مع أناس من الأشرار البارزين.

وهناك مثل هذه الحالات من وقت إلى آخر. إنسان مثلاً يدعو باسم الله باطلاً ويقسم قسماً خبيثاً لإحقاق الكذب. ربما سرقة أو أية جناية أخرى. فيقع ذلك الإنسان مغشياً عليه ويموت غير أن هذا في الواقع شيء نادر الوقوع جداً ولا يحدث إلا لظروف ومناسبات خاصة. فهناك آخرون يقسمون ويحلفون كذباً ومع ذلك ينجون بأموالهم ويحتفظون بها لأنفسهم ويحاولون أن يظلوا في أعين الناس محترمين مكرمين، ولكنهم في الوقت نفسه يذخرون لأنفسهم غضباً ليوم الغضب. فما الذي جعل أيوب يرتعد هكذا لمّا رأى الشر ناجحاً؟ كما يقول هنا متسائلاً: "لماذا تحيا الأشرار" وكأنه يقول: إني أستطيع أن افهم الأمر إلى هذا القدر. أستطيع أن افهم تماماً أن الله يحطّم الأشرار. فذلك وحده ما يستحقونه. ولكن لا يمثل الواقع فالغالبية الساحقة منهم لا تبدو ناجحة مستمتعة في شرها في الوقت الحاضر.


(ع7-16) نجاح الأشرار.

"لماذا تحيا الأشرار، ويشيخون، نعم ويتجبرون قوة. نسلهم قائم أمامهم معهم وذريتهم في أعينهم" فلم يكن الأمر مجرد حلم يطير أو طيف يطرد كما ادعى صوفر، شيء يعبر فلا يعود يوجد. كلا بل بالعكس في نظر أيوب.

"بيوتهم آمنة من الخوف". وكم من بيوت رجال أتقياء يقتحمها اللصوص. وكم من بيوت رجال أتقياء تُحرق وتنهار فوق رؤوسهم وقد يكون بجوارهم رجال أشرار من أحط نوع ولكنهم لا يقعون في مثل هذه المتاعب أطلاقاً!.

ولكن هناك النهاية الرهيبة التي تنتظرهم، اليقظة الفجائية المرعبة التي يحدثنا عنها ذلك الرجل الغني "الذي رفع عينيه في الهاوية وهو في العذاب". أه إن هذا الشيء خطير، ولكن ما من أحد كان يمكنه أن يرفع عنه الستار سوى رب الخليقة. ما من أحد غير الرب كان يمكن أن يرسم هذه الصورة، وما من أحد كان يمكنه أن يتحدث عنها بعلم اليقين وتوكيد قبل مجيء الرب. ولنلاحظ أن هذا ليس وصف ما سيكون عليه الحال بعد القيامة. بل هذا ما يتم فعلاً بعد الموت مباشرة ولم يكن ذلك الإنسان رجلاً شريراً كما كان يبدو في أعين اليهود، لم يكن رجلاً سكيراً أو لصاً أو سارقاً أو أي شيء من هذا النوع. كان رجلاً محترماً في الهيئة الاجتماعية. وكل ما هنالك أنه كان إنسانا عائشاً لنفسه وفي العذاب لا نسمعه يلعن أو يهزأ، بل نراه يعترف بأبيه إبراهيم في وسط عذاباته، والرب هو الذي يصف لنا ذلك. وهو قلق مهتم بأنفس إخوته الخمسة، ويريد إنقاذهم من العذاب. وبالإجمال كان الرجل من النوع الذي يحتل في تقدير الناس مكاناً محترماً، ولكنه كان عديم الإيمان. عديم التوبة، لا صلة له بالله ولا ينتظر المسيّا. كان قانعاً بالاستمتاع بثروته أما اليعازر المسكين فيكفيه في نظره ما تقدمه له الكلاب من عناية.

"بيوتهم آمنة من الخوف وليس عليهم عصا الله". ولكن العصا سيأتي دورها. "ثورهم يلقّح ولا يخطئ. بقرتهم تنتج ولا تسقط" كل شيء ناجح.

"يسرحون مثل الغنم رضعهم، وأطفالهم ترقص" كل شيء منتعش ومبتسم. "يحملون الدف والعود ويطربون بصوت المزمار". والحق إنه لشيء خطير أن نجد هذا كله لدى الناس الأشرار الناسين الله لكن انظر ماذا بعد ذلك. "يقضون أيامهم بالخير في لحظة يهبطون إلى الهاوية. فيقولون لله ابعد عنا".

إن أقوال أيوب أخطر وأصدق بكثير مما حاول صوفر أن يصورها بعباراته العنيفة. "وبمعرفة طرقك لا نُسر، من هو القدير حتى نعبده وماذا ننتفع أن التمسناه" وليس المقصود أنهم يقولون ذلك بأفواههم للنا ولكن ذلك ما يقوله سلوكهم لله.

ومن ثم فهناك قوة عظيمة في القول الذي نقرأه في مكان آخر "قال الجاهل في قلبه ليس اله" لربما لم ينطق هذا الجاهل بمثل هذا القول ولو مرة واحدة في حياته "ليس اله" ولكن ذلك ما يقوله قلبه. والله يقرأ لغة القلب. والعبد الشرير يقول في قلبه "سيدي يبطئ قدومه" ولربما كرز ونادى بما يسميه "المجيء الثاني". نقول ربما وعظ به بلسانه ولكن ذلك ما كان يقوله قلبه. فلم يكن في الحقيقة منتظراً المسيح على الإطلاق، بل كان مسروراً أن يرى باقياً بعيداً. ولم تخطر على باله قط صلاة مثل هذه "تعال أيها الرب يسوع" والواقع أنه لأمر خطير للغاية كيف يعرف  الرب الأفكار وكيف يقرأ القلوب ولذلك كان من الأهمية بمكان أن ندين ذواتنا ونتطلع إلى الرب لكي يكون المسيح نفسه أمامنا باستمرار حتى نمتلئ بفكره ونتصرف بمحبته وننقاد بروحه الذي يعطي القوة والنعمة اللازمة للذين يتطلعون إلى المسيح.

"هوذا ليس في يدهم خيرهم. لتبعد عني مشورة الأشرار". كان أيوب ابعد عن أولئك الناس الأشرار من أصحابه الثلاثة فمن المحتمل جداً أن هؤلاء الأصحاب الثلاثة كانوا يحبون أن يكونوا على وفاق مع الناس الناجحين في هذه الحياة، فإن ذلك في الواقع شركاً عاماً يتعرض الكثيرون للانزلاق إليه؟ إن قلوبنا مدعوة لأن تنشغل بالأمور التي يقدرها المسيح وأن تكون مع أولئك الذين يحبون المسيح. ليس معنى هذا أن قلوبنا لا تتجه بالحنان والعطف إلى أردأ الناس واشرهم. هذا واجبنا بلا شك وبكل يقين. ولكن حبنا للمؤمنين مختلف عن ذلك كل الاختلاف. إنه حب المؤمن لعائلة الله، وهو حب أسمى بكثير من المحبة المتعلقة بالروابط الطبيعية الجسدية. نعم، إن عائلة الله اقرب إلينا. وهم كذلك طوال الأبدية، ونحن يسعدنا أن نسير في هذا الإيمان ونحبهم من الآن.

وأيوب ينظر إلى الجانب الآخر إلى حالة نجاح الأشرار، وفي مقدرة تشبه مقدرة صوفر يذّكره بأن الأشرار كثيراً ما ينجحون ولا من يردعهم يشيخون، أي تطول أعمارهم، ويتجبرون قوة. من حولهم تنمو أسرهم وتزدهر، وكل محيطهم آمن وليس عليهم عصا الله. قطعانهم وبقرهم في تكاثر، أولادهم، بعكس هذا المتكلم الثاكل، يقفزون حول الدار مثل قطيع من الحملان، ومن الدار يرن صوت العود والمزمار. كل أيامهم في نجاح حتى تجئ النهاية، حتى ولو قال هؤلاء الناس لله "ابعد عنا وبمعرفة طرقك لا نسرّ" ونظير فرعون يتساءلون "من هو القدير حتى نعبده وماذا ننتفع إن التمسناه" وبينما يصف أيوب هذا التحدي الدنس لله، التحدي الذي يقول عليه الزمن دون توبيخ، فإننا نراه حريصاً على إظهار مجانبته لمثل هذا الفجور "هوذا ليس بيدهم خيرهم" أي أن كل ما بين أيديهم إنما هو من الله وليس من عندهم. "لتبعد عني مشورة الأشرار"(ع16). كل هذا حق، ويؤيد التعليم الذي نستقيه من (مزمور73)، حيث نرى قديساً تحت التدريب نظير أيوب.


(ع17-21) الدينونة لا تظهر إلا في أولادهم.

"كم ينطفئ سراج الأشرار". هنا يشير أيوب إلى الناحية اللامعة التي كان الأصحاب الثلاثة يتفنون بها في حياة الأشرار والتي كانوا يتطلعون إليها دون سواها، ولكن لمع سراج في حياة الأشرار أحياناً فكم من مرة ينطفئ بغتة ذلك السراج بل وكم من مرة "يأتي عليهم بوارهم" أو دمارهم! فهناك حالات كثيرة من هذا النوع. ولقد عرف أيوب الكثير منها ورآه بعينه، بحيث أنها لا تحتمل المناقشة أو الجدل.

ونحن نرى من هذا أن ما كان يؤكده صوفر والآخرون لا يمثل في الواقع إلا نصف الحق. ونصف الحق لا يقدّس أطلاقاً. فالنصف الذي نتركه قد يفوق في الأهمية، أو في القليل قد يساوي في الأهمية النصف الذي تذكره. وهنا الفرق بين أيوب وأصحابه. فأيوب مع كل ما فيه من نقص. كان متمسكاً بالحق وكان ينظر إلى الحق بقلب أكبر وبضمير أكثر تدرباً.

فهناك قوم ينطقون بالمواعظ في كلامهم، ولكن ذلك لا يصدر عن قلوبهم، فهم ينطقون بأقوال صحيحة حسب أفكار الناس فقط، ولكنها ليست لغة الإيمان على الإطلاق. أما لغة الإيمان حقاً رغم كل ما خالطها من نقص. لنسمعه يقول عن الأشرار. "يكون كالتين قدام الريح وكالعاصفة التي تسرقها الزوبعة. الله يخزن إثمه لبنيه. ليجازه فيعلم، لتنظر عيناه هلاكه". وهنا يعترف أيوب بأن المجازاة قد تأخذ مجراها في العائلة "ومن حمة القدير(أي غضب القدير) يشرب. فما هي مسرته في بيته بعده، وقد تعين عدة شهوره". ومعنى ذلك أن الأنانية ومحبة الذات هي هدف وغرض جميع أولئك الأشرار الذين ينجحون في العالم، حتى أن أولادهم وفلذات أكبادهم لا يعتبرون غرضاً يمكن مقارنته بعدد شهورهم التي يعيشونها على الأرض فهذا هو كل ما يبتغونه أن يعيشوا في هذه الدنيا لطول مدة ممكنة.

وفي هذا الجزء يسلم أيوب بأنه لابد من استعلان خطية الأشرار، لكن غالباً ما لا يتم فيهم بل في بنيهم، وماذا يعنيهم من أمر بنيهم بعدهم؟(ع22). وهو يواجه صوفر بما يناقض كلامه حين يذكره بأنه "ما اقل ما ينطفئ سراج الأشرار"(ع17). ما أندر أن تقع عليهم الكارثة أو يصيبهم البوار. ومع أنه صحيح ما يقرره المرنم من أن الأشرار "كالعصافة التي تذريها الريح" فأنه أيوب يذكّر سامعيه بأن هذا قلما يحدث في الحياة الحاضرة، إذ هو محتفظ به للدينونة. ومن (العددين19، 20) نفهم حقيقتين: أحداهما أن الله يخزّن إثم الأشرار للبنين "يفتقد ذنوب الإباء في الأبناء". لكن من الجهة الأخرى فإن الشرير سيرى أخيراً نتيجة شره ولو تأخر اليوم.


 (ع22-26) تشكيلة من اختبارات الأشرار.

"الله يعلّم معرفة؟" الآن يتجه أيوب إلى الله ليبرره في أحكامه "وهو يقضي العالمين. هذا يموت....". إن أيوب ينظر إلى الناحيتين. لقد أشار صوفر إلى الحق باعتباره ذا حدين، ولكنه مجرد كلام لم يحاول صوفر أن يطبقه عملياً على الإطلاق كان عنده قولاً مأثوراً. مجرد حكمة أو آية ذهبية – دون أن يكون المعبّر الحقيقي عن شعوره وحياته. أما أيوب فكان له الحق في الباطن "هذا يموت في عين كماله. كله مطمئن وساكن".

أحواضه ملآنة لبناً ومخ عظامه طرئ. وذلك يموت بنفس مرة ولم يذق خيراً كلاهما يضطجعان معاً في التراب والدود يغشاهما، والعالم اللاهي يذهب إلى جنازتهما مشيعاً إياهما إلى  مقرهما الأخير وهو يظن أن كليهما بخير وأن الأمر سيان مع الاثنين لا فرق بين هذا وذاك. وهم يرجون أن كل واحد سيذهب إلى السماء ما لم يكن شريراً جداً – شريراً فاضحاً! ولكن ما هي الدينونة بحسب الله؟

الدينونة بحسب الله هي أنه إذا كان قد مات لأجل الجميع فالجميع إذاً ماتوا. أي كانوا أمواتاً. هذه هي حالة الإنسان. فلا سؤال إطلاقاً بشأن حالتهم أو نهايتهم هناك. الأمر معروف وثابت ومقرر وهو مات لأجل الجميع جميع البشر. فجميعهم بلا عذر. وموت المسيح يضعهم إذا لم يؤمنوا في حالة أردأ مما لو كان المسيح لم يأت إطلاقاً ولم يمت إطلاقاً. وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء. آه، هنا الفرق – كي يعيش الأحياء فيما بعد لا لأنفسهم. ذلك ما كانوا يفعلونه جميعاً قبل الإيمان، كانوا يعيشون لأنفسهم. فالأموات – الأموات روحياً – لا يعيشون إلا لأنفسهم. قد يكون حياً في الصيت أو المجد العالي، وقد يكون سعياً وراء مديح الناس أو ثناء العالم وهذا كله معناه إنهم يعيشون لأنفسهم وليس له.

ولكن المؤمن، يعيش لذاك الذي مات لأجلنا وقام. لا يقال للجميع. إن قيامة ربنا يسوع المسيح هي العربون بأنه له المجد سيكون الديان لجميع الذين لا يؤمنون.

والقيامة للمؤمن هي العلامة من قبل الله بأن خطاياه قد محيت جميعها، فإن ذاك الذي اخذ على عاتقه مسؤولية خطايانا قد نزل إلى القبر، والله أقامه ليبرهن لنا على أن خطايانا قد انتهت. وذلك للمؤمنين فقط وليس لأحد غيرهم. وماذا عن الآخرين؟.

الإنسان المقام هو الذي سيدين الجميع. ذلك ما أعلنه الرسول للاثينيين لم يكن الاثينييون مؤمنين، ولذلك فإن الرسول لا يشير إلى أحد منهم باعتباره مبرراً. ولكنه يخبرهم بأن قيامة الرب هي البرهان والعربون الذي يقدمه الله للتدليل على أنه سيدين جميع المسكونة بذلك الرجل أو الإنسان الذي أقامه من الأموات. والشيء الذي يجعل الأمر خطيراً غلى هذا الحد هو آن الإنسان هو الذي وضع الرب يسوع له المجد في القبر. الإنسان هو الذي قتله. والله هو الذي أقامه. وذلك الإنسان أو الرجل المقام سيدينهم جميعاً- جميع من لا يوجدون أحياء- جميع المسكونة إن المقصود هنا ليس دينونة العرش العظيم الأبيض بل دينونة الرب للمسكونة عندما يأتي ثانية في سحائب السماء وهو لا يتكلم هنا عن مجيئه لأخذ جميع الذين للمسيح، بل عن مجيئه لإجراء الدينونة على جميع الذين ليسوا للمسيح.

والواقع كما يستطرد أيوب، إن اختبارات الأشرار تتغاير، ثم يتساءل: من ذا الذي يحاكم الله بسبب هذه المعاملات المتغايرة؟ فواحد يموت في هدوء في إبان نجاحه الوفير، كما يقول المرنم "ليس في موتهم شدائد" ويقطع آخر في تعاسة وشقاء. كلاهما يصلان في القبر إلى نهاية مشتركة. وإذا الأمر هكذا فلا يليق بأصحابه أن يقرروا، كقاعدة ثابتة، أن القضاء في هذه الحياة هو برهان على الخطية، والنجاح دليل على البر: كلٍ في دوره ومع أنه لم يصل إلى حل مشكلته فقد استطاع في القليل أن يجادل أصحابه ويستحثهم "ألّا يحكموا في شيء قبل الوقت".


(ع27-31) إفهامه لأصحابه.

هوذا قد علمت أفكاركم والنيات التي بها تظلمونني "هنا يشير أيوب إلى خطئهم الناتج عن ضيق نظرتهم والى عدم اللياقة في سوء الظن وافتراض وجود الشر دون أن يكون هناك أي أساس لذلك. نعم. فنحن مطالبون أن نعيش وفقاً لما نعلم، وأن نتكلم عندما نعلم فعلاً. أما حيث لا نعلم فعلينا أن ننظر إلى الله.

"لأنكم تقولون أين بيت العاتي وأين خيمة الساكن الأشرار أفلم تسألوا عابري السبيل ولم تفطنوا لدلائلهم، أنه ليوم البوار (أو الهلاك) يمسك الشرير، ليوم السخط يقادون" وذلك هو سبب تركهم يمرحون الآن.. "ليوم السخط (أو الغضب) يقادون". ما في ذلك شك. وبهذه العبارة يصور أيوب هذا الحق الخطير تصويراً يدعو إلى الإعجاب. إن أصحابه كانوا ينظرون جميعاً إلى الوقت الحاضر باعتباره البرهان القاطع على فكر الله من نحو الناس.

فإذا كان يعتبرنا سالكين حسناً فيكون نصيبنا النجاح والفلاح. وإذا وقعنا في متاعب وحلّت بنا التجارب فذلك أننا أناس أردياء. تلك كانت نظريتهم وهي خاطئة وفاسدة من أساسها.

فأيوب يعلن غرضهم الذي كانوا يهدفون إليه، ولئن لم يشيروا إليه سوى عام، وهو أن أيوب مثّل على سلامة ما يذهبون إليه في مجادلاتهم. وهاهو -بلسان الحال-  ما انتهى إليه، ويا شؤم ما انتهى! وأنت ترى كيف يخفون تلميحاتهم في صورة تساؤل جريء. ألم نتعلم من مشاهدات الناس في كل مكان أن الأشرار "ممسكون" "ليوم البوار" (أي الهلاك)! وهم من العناء وقوة الخطر الذي يستحقونه: وهذا كما ترى المألوف – مع الأسف.


(ع32، 33) النهاية في الموت.

على أنه بالموت فقط نهاية قاطعة لنجاح كثيرين من الفجار: حتى عند دفنهم تصاحبهم الفخفخة الظاهرية والمظاهر الغنية، يدفنون بكل كرامة يمكن أن تحصّل لهم ثروتهم، وعلى المدافن التي تأوي أجسادهم الموارية حراسة قوية. وبهذا المعنى يكون مدر قبره حلواً لكبريائه، ضريحه الفخم يعلن أنه كان إنساناً عظيماً.


(ع34) الخاتمة.

وهكذا يختم أيوب رداً مستوفى لكل ما أبداه أصحابه من تهكمات صلفاء. وما كل "تعزياتهم" سوى هراء، وردودهم متجردة من الإخلاص الذي ينبئ عن جدية الباحث وراء الحقيقة.

ها قد وصلنا إلى نهاية المجموعة الثانية من الجدل. ولقد لاحظنا فيها كما قلنا لمحات من إيمان أيوب، ولو كان يغشاها قدر من التشكيك في الله. ومن الناحية الأخرى نرى أصحابه وقد وصلوا إلى غاية قدراتهم، ولو أنهم سيبذلون جهداً آخر. وبوجه عام نستطيع أن نقول أن هناك قدراً من التطور، والميزة فيه بيد أيوب. ومع ذلك فقد بقي اللغز عاصٍ عن الحل لماذا يضايق الله البار؟" وكان على أيوب أن يتعلم الرد، لكن ليس من الناس بل من الله ذاته.


معاني الكلمات الصعبة للإصحاح الحادي والعشرون

ص               ع           الكلمة                                  معناها

21      :       6          بَشرى                    البشرة ظاهرة جلد الإنسان

21      :     10            يلقح                   ينتج أو يولد

21      :     18        عصافة                  التبن الناعم

21      :    24          مخ                      المادة النخاعية داخل العظام

21      :   29         دلائل                   المرشد دليل. وجمعه دلائل.

  • عدد الزيارات: 18053