Skip to main content

الدرس الخامس عشر: الآب القادر على كل شيء

يجدر بنا ألا ننظر إلى عقيدة سلطة الله المطلقة على كل شيء كمجرد إيمان عقلي شبه فلسفي عن الله وعن سلطته اللامحدودة في الكون، بل علينا أن نذهب إلى كلمة الله لرؤية الثمار التي يجب أن تَنتج عن هذه العقيدة في حياة معتنقيها. وهنا نشير إلى مبدأ هام في الكتاب والذي تكلم عنه موسى النبي بهذا الشكل في سفر التثنية:

" السرائر للرب إلهنا والمعلنات لنا ولبنينا إلى البد لِنَعمل بجميع كلمات هذه الشريعة" (29: 29) وهذا يعني أن كل ما يوحي به الله في كتابه المقدس إنما هو عقيدة ولكنها ليست عقيدة مجردة أو بدون علاقة بالحياة بل أن كل عقيدة موحى بها هي عقيدة حياة وعمل. ولذلك لن نذهب إلى التأمل في بقية أقسام القانون الإيمان قبل أن نرى التطبيق العملي والحياتي لعقيدة كون الله الآب قادرا على كل شيء.

كمؤمن أَقدر قبل كل شيء أن أقول أنّ إيماني بالله الآب القادر على كل شيء يُمكنني من وضع كل ثقتي فيه ولا يسمح لي مطلقا بأن أشك في اعتنائه الدائم بي أو بإعطائي كل ما أحتاجه لجسدي ولروحي. وكذلك يمكنني هذا الاعتقاد بان أؤمن إيمانا تاما بأن الله يجعل جميع الأمور تعمل معا لخيري، لأنه يقدر أن يقوم بهذا الأمر لكونه قادرا على كل شيء ويرغب في القيام بذلك لأنه آب آمين على مواعده. قال السيد المسيح لتلاميذه:

" مِن أجل هذا أقول لكم، لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون ولا لأجسادكم بما تلبسون. فإن الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس. تأملوا الغرباء فإنها لا تزرع ولا تحصد وليس لها مخزن ولا هرى والله يقوتها، فكم أنتم بالحري أفضل من الطيور. ومن منكم إذا اهتم يقدر أن يزيد على عمره لحظة واحدة؟ فإن كنتم لا تقدرون على الشيء الأصغر فلماذا تهتمون بالأمور الأخرى؟" (الإنجيل حسب لوقا 12: 22- 26).

وقال أيضا الرب يسوع: " أم أي إنسان منكم يسأله ابنه خُبْزا فيعطيه حجرا؟ أو يسأله سمكة فيعطيه حية؟ فإذا كنتم، وأنتم أشرار، تعرفون أن تعرفون أن تعطوا أولادكم عطايا صالحة، فكم بالحري أبوكم الذي في السموات يَهِبُ خيرات للذين يسألونه" (الإنجيل حسب متى 7: 9-11).

وتكلم الرسول بولس عن هذا الموضوع في رسالته إلى أهل فيلبي:" وسيملأ إلهي كل احتياجكم بحسب غناه في المجد في المسيح يسوع " (4: 19).

وكذلك قال الرسول في رسالته إلى أهل رومية عن قوة الله وعملها لصالح المؤمنين:

" ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معا للخير للذين يُحبون الله الذين هم مَدعوون حسب قصده" (8: 28) وطبعا هذه الأشياء التي يتكلم عنها الرسول إنما تعمل حسب مشيئة الله المختصة بكل مؤمن ومؤمنة.

وعندما جاء أخوة يوسف إلى أخيهم بعد وفات والدهم يعقوب قالوا له:

" أبوك أوصى قبل موته قائلا: هكذا تقولون ليوسف: آه أصفح عن ذنب أخوتك وخطيتهم فإنهم صنعوا بك شرا، فالآن اصفح عن ذنب عبيد إله أبيك. فبكى يوسف حين كلموه. وأتى أخوته أيضا ووقعوا أمامه وقالوا: ها نحن عبيدك. فقال لهم يوسف: لا تخافوا: لأنه هل أنا مكان الله؟ أنتم قَصَدتم لي شرا، أما الله فقصد بي خيرا لكي يفعل كما اليوم، لِيُحْيي شعبا كثيرا" (التكوين 50: 16- 20).

يكشف الله إذا عن ذاته كآب ضابط للكل وقادر على كل شيء وذلك ليس فقط من ناحية نظرية بل عملية. وبالنسبة لكل مؤمن ومؤمنة تصبح هذه العقيدة من أهم العقائد العملية التي تُكيف حياتهما. ومن المؤسف جدا أننا لا نحيا حسب التعزية العظيمة التي تَكمن في هذا التعليم الكتابي إذ أن بقايا الخطية فينا وميلنا الشرير نحو الشك بكلمة الله وبمواعيده يحرمنا من العيش بصورة تامة على هذا اليقين الكتابي. ولكنه يتوجب علينا كمؤمنين أن نثابر مجاهدين على الطريق الإيمان وأن نُخضعَ جميع أفكارنا ونظرياتنا لحقائق الكلمة الإلهية الموحى بها.

وهذه بعض الأسئلة التي يقدر كل مؤمن ومؤمنة بأن يطرحها على أنفسهما:

1- هل قَبِلتَ الحياة التي وهبني إياها الله؟

2- هل قبلت بامتنان والديَّ وأهلي كما هم وهل أشكر الله من أجلهم؟

3- هل قبلت بامتنان الزمان والبيئة والمحيط التي ولدتُ فيها؟

4- ما هو موقفي من مواهب الله التي مُنحتُ إياها؟ هل أقبلها منه بامتنان؟

5- هل أؤمن إيمانا تاما بأن الله يعطيني اليوم كل ما أنا بحاجة إليه؟

6- هل أومن إيمانا تاما بأن الله تعالى سيعطيني أيضا في المستقبل كل ما أنا بحاجة غليه حسب حكمته؟

ما هي أجوبتي لهذه الأسئلة؟ هل أقدر أن أجيب عليها بشكل إيجابي وأقول نعم: أنا بنعمة الله قابل بامتنان كل مواهب الله ولست أخبئ ضمن حياتي أية ثورة أو امتعاض على موقف الله مني؟ فإن كنت لا أستطيع أن أقبل الحياة التي أتمتع بها كما أنا حاصل عليها من يد الله فإنني أكون في نفس الوقت منكرا لعقيدة الله الآب الضابط الكل والقادر على كل شيء، منكرا إياها من الناحية العملية إذ أنني أرفض تطبيقاتها ضمن نطاق حياتي.

إلا يجدر بي كمؤمن أن أتخلى بصورة تامة عن مخاوفي وقلقي بخصوص حياتي؟ هل يمكنني لأبي السماوي بأن يتخلى عني بعد أن أعطاني الحياة الأبدية؟ عل ينكر الله ذاته؟ هل يُغيِّر مواعيده؟ بما أن الآب هو قادر على كل شيء وأنه ليست هناك قوة عمياء تُسيِّر أمور هذا الكون فلماذا العيش وكأن حياتي هي تحت رحمة قوى غير خاضعة لسلطة الله المطلقة؟

عليَّ كمؤمن أن أطرح جانبا كل نظرية فلسفية تُغاير تعاليم الكتاب وأن أتيقن بأنه ليس هناك تعايش بين إيمان حي بالله القادر على كل شيء والاعتقاد بالحظ أو بالنصيب أو القدر أو أية قوة عمياء حتمية تعمل من تلقاء ذاتها ضد بني البشر وخارج نطاق قوة الله الآب.

  • عدد الزيارات: 4877