Skip to main content

الفصل التاسع: نتائج خدمة يسوع

أما نتائج عمل يسوع فلا تُظهر تفوُّقه كمعلم فقط بل تبرر تشديده على التعليم أيضاً. حقاً إنه كان المعلم العظيم الذي ليس له مثيل فهو وحده يشغل المرتبة الأولى بين المعلمين ويتفوق على غيره في كل ناحية من نواحي التعليم. فله أتباع أكثر من أي قائد ديني أو عالمي، وتأثير عمله على حياة العالم هو أعظم من تأثير أي قائد آخر. "لم يبالغ بوسي لما قال أن كل حركة تقدمية بين البشر خلال ألف وتسعمئة سنة مضت يرجع أصلها وفضلها إلى يسوع مصدرها الأول".

نلاحظ هنا بعض ما أنجزه يسوع فقط فإن هناك نتائج أخرى كثيرة.

1-رفع قيمة الشخصية

قبل مجيء يسوع لم يكن لبعض الناس أهمية ككائنات بشرية بل حُسِبوا مجرد أجزاء تافهة في جهاز ميكانيكي، خُلِقت لخدمة غيرهم أو لتكون وسائل لبلوغ غايات الآخرين ولم يعتبروا أشخاصاً لهم حقوق وأهمية في أنفسهم. كان هذا الموقف ولا يزال من أعظم مشاكل المدنية. قال هنري كينغ "إن تقديس الشخصية هو المبدأ الأساسي في الأخلاق والدين لأن هذا المبدأ هو المحكّ الأصحّ والأعلى للفرد أو للمدنية، وكان المبدأ الهادي والحاسم في كل تقدم بشري، ومن جهته الروحية هو الإيمان الذي يحافظ على معنى الحياة وقيمتها".

في أيام يسوع كان الكتبة والفريسيون والصدوقيون ينظرون باحتقار إلى العشارين والخطاة معتقدين أنهم هم أفضل وأرفع من أن يعاشروا أشخاصاً من تلك الطبقة المنحطة فانتقدوا يسوع لمخالطته إيّاهم. وكذلك حسبوا الأمم غرباء ووثنيين غير مستحقين بركات الله وخارج نطاق التبشير.

لم يكن يونان الوحيد الذي لم يرد خلاص الآخرين. فإن اليهود كذلك لم يتعاملوا مع السامريين. وكانت النساء خادمات للرجال عليهن أن يغطّين وجوههن ويلتزمْن الصمت في المجالس والاجتماعات وفي بعض الأماكن كان الوالدان يزوجان بناتهما بدون إرادتهن. وكذلك لم تكن للأولاد حقوق فكان يترك الضعفاء منهم ولا سيما البنات للهلاك وفرائس الوحوش. واعتُبِرت بعض الجماعات والأجناس طبقة أقل قيمة من سواها من الطبقات فحُصِرت أعمال أفرادها في الاحتطاب واستقاء الماء فقط.

لكن تعاليم السيد عملت لتغيير هذه المواقف والمشاعر. "اعترف يسوع بقيمة الفرد وشدد عليها أكثر مما فعل أيّ معلم آخر". رفض أن يحكم على المرأة التي أُمسِكَت في زنى وقدم أحد دروسه العظمى للمرأة الساقطة عند البئر. ووضّح الأخوّة الحقيقية لما صور السامري يعين اليهودي الجريح. وكان في تعليمه يرفع المرأة إلى مستوى الرجل فسيّر القوات التي أدت إلى حصول المرأة على حق التصويت والاشتراك في العمل الاجتماعي والحكومة وفي الخدمة في الكنيسة والطائفة. وكذلك وضع الولد في الوسط مثالاً على التواضع وانتهر الذين منعوا الأولاد عن المجيء إليه وأشار إلى خطر إعثار أحد الصغار وهكذا بدأ التأثير الذي جعل الأولاد في محور عجلة الثقافة. واقتاد تعليم يسوع الناس ليدركوا أن ليس عند الله محاباة وأنه يعز الجميع سواء أكانوا "حمراً أو صفراً أو سوداً أو بيضاً" فليس لأحد أن يستعبد آخر أو يستغله. وبيّن في مثل الابن الضالّ اهتمام الله بالأشخاص. وهكذا سبّب تعليم يسوع الاهتمام بالشخصية الذي هو أساس كل معاملة مستقيمة بين الناس. فإنه أعطى الأهمية لا للأشياء بل للأشخاص.

2-غيّر الحياة

قال يسوع أنه جاء "لينادي للمأسورين بالإطلاق" فكان تجديد الحياة لُبّ مهمته – تحرير النفس من عبودية الخطيّة. وكان عمله المحرِّر والمغيِّر يبرز في خدمته. غيَّر يسوع بطرس من شخص متسرّع متقلقل إلى خادم راسخ يعتمد عليه. وغير يوحنا من شاب حادّ الطبع إلى شيخ محبوب. وجعل يعقوب من جبلة الذين استشهدوا لإيمانهم. وكذلك غير متى إلى شخص جديد وجعل بولس المضطهد الرسول العظيم. وأصبح زكا العشار الطماع "أول مسيحي إنساني أعطى نصف أمواله للفقراء ورد أربعة أضعاف ما اغتصبه" وتغيرت امرأة ساقطة إلى مبشرة. وغيَّر الرب كثيرين آخرين وأرسلهم ليخدموا.

وما قيل عن تأثير قوله في الذين علمهم أثناء خدمته الأرضية يصح أيضاً على الذين تأثروا بعد موته من تعاليمه ومن روحه. لقد تبعه على ممر القرون سلسة حية غير منقطعة من التلاميذ المتغيرين الذين صاغوا مصير العالم. هناك أوغسطين الذي تغيَّر من خاطئ طائش إلى مسيحي غيور أثر بواسطة تعليمه وكتاباته على التفكير المسيحي لمدة قرون. وهناك أبيلارد الذي امتلأ من روح المعلم العظيم وبواسطة تعليمه في جامعة باريس جعل المسيحية ديانة مفكرة ومهد الطريق أمام الإصلاح البروتستانتي. ولوثر فهم أفكار المسيحية بوضوح وكان البادئ في الإصلاح كمعلم وكاتب وقائد وهكذا غيّر تاريخ المدنية.

ولا يسمح المجال لذكر كومينيوس قائد التعليم المراوي ورايكس مؤسس حركة المدارس الأحدية وغيرهما ككلارك وواسلي ومودي وكاغاوا وهم أشخاص مغيرون "قهروا ممالك صنعوا برّاً" وغيَّروا مجرى التاريخ فإن حياتهم تبرهن بصورة عملية عن عظمة القوة المتغيرة للمسيح الساكن فينا.

وما فعلوه هم بقيادة الله قد يفعله طلابنا أيضاً وقد يخرج من صفوفنا أشخاص مغيِّرون يباركون العالم. لم يدرك أحد شيوخ كنيسة مشيخية، لما تعهد بتعليم صف في مدرسة الأحد تألف من خمسة صبيان أشقياء أن أحدهم سيصبح طبيباً وآخر رئيس جامعة وغيره والي ولاية وآخر رئيس المجمع المشيخي العام في أميركا وآخر مرسلاً في بلاد غريبة. لكن تعليمه غيَّر حياتهم وأجرى فيهم تأثيراً اتسع إلى العالم كله. وبنعمة الله قد يفعل تعليمنا كذلك. "ليس هناك من حد لما يُنجز حينما يسلِّم المرء نفسه تسليماً تاماً لإرادة الله".

3-أثار الإصلاحات

مع أن يسوع لم يكن مصلحاً اجتماعياً فإن تعليمه ومواقفه الاجتماعية سببت الإصلاحات الأخلاقية العظمى في التاريخ. لأن تعاليمه وهي تتخلل الحياة تكشف شر بعض العادات والمواقف وتشعر الناس بضرورة إلغائها. وهكذا أسس الحركات الإصلاحية العظيمة في المجتمع بطريقة غير مباشرة وهي خير طريقة لإنجاز عمل ما في كثير من الأحوال. ومن هذه الإصلاحات التي يرجع الفضل فيها إلى تعليم يسوع تحرير المرأة والاعتراف بحقوق الأولاد والتشديد على قيمة الشخص رغم لون بشرته ومعتقده وجنسه. وقد تقدمنا تقدماً ملموساً في القضاء على أنظمة الطبقات والروح الضيقة، وفي توحيد شعوب من جميع الطبقات والألوان في أخوية واحدة وقد عملت الحرب العالمية في هذا السبيل رغم طبيعة الحروب فألغت الفوارق وربطت أناساً من فرق مختلفة معاً.

وأدى تعليمه أيضاً إلى إصلاحات معينة فنتج الإصلاح البروتستنتي عن إدراك حقوق الفرد والرغبة في كسر سلطة الكنيسة على الولاية لكي يتحرر الفرد في فكره وعمله بحسب مقتضى ضميره. وكذلك ألغيت العبودية بعد تشديد بعض القواد على التعليم المسيحي عن الحرية الشخصية فتقدمت المدنية إلى حيث لم يبق في طاقة المجتمع أن يحتمل استعباد شخص لآخر.

سنّ قانون منع المسكرات بعد تعليم معلمي المدارس الأحدية ضد المسكرات بجيل كامل، فأدركت الإنسانية الإدراك المزدوج وهو أن ما يضر بالجسد يضر أيضاً بالروح، وأن المجتمع مسؤول عن وضع التجربة أمام مواطنيه. وسيتكون نظام فعّال لحفظ السلام العالمي ليس بواسطة رجال سياسيين يجلسون حول طاولة للمفاوضة بل بواسطة معلمين مسيحيين في كل البلدان يعلِّمون المواطنين في المدارس الأحدية واليومية قداسة الحياة البشرية. لقد أسفرت كل حركة إصلاحية عظيمة عن فعالية تعاليم السيد.

وما صح في الماضي سوف يصح أيضاً في المستقبل. سيرجع قانون منع المسكرات وسيكون فعالاً فقط بعد أن ينمي معلمو الأحد جيلاً مشبعاً من هذا المثال. وسيحدد تعدي الحكومة على حقوق الفرد في الأمور الاقتصادية بعد أن تدرك الرعية الخطر الذي يهدد الحرية فقط. وسيوضع حد لفساد الأخلاق بواسطة تشديد المعلمين على مضار الفساد ولزوم الطهارة. كما قال براين "لا يكون لميثاق اتحاد الأمم قيمة تساوي الورق الذي يكتب عليه إن لم تكن وراءه روح المسيح".

4- حسّن المؤسسات

قبل مجيء يسوع لم يكن للعائلة ما تستحقه من الاحترام ولا سيما خارج نطاق التعليم اليهودي إذ كان للوالدين السلطة المطلقة ولم يكن للأولاد حقوق قط. وكان موسى لقساوة قلوب الناس قد أجاز للرجل أن يطلّق امرأته لأي سبب تقريباً. أما يسوع فلم يعلم هكذا بل حسب الزواج رباطاً لا ينفصم إنما أجاز الطلاق لعلة واحدة وهي عدم الأمانة وحلل الزواج ثانية للبريء. وهكذا رفع العائلة إلى مستوى أعلى جداً من مستواها الأول بواسطة تعليمه. وسترتفع الحياة العائلية إلى هذا المستوى ويقلل الطلاق فقط بعد أن يقود المعلمون المسيحيون الجيل الناشئ لإدراك قداسة العائلة وقداسة تعهد الزواج.

والحكومة اعتبرت سابقاً غاية في نفسها فكانت مؤسسة ذات سلطة كاملة على الرعية. هكذا كانت الحالة في أيام يسوع وكان الحاكم الإمبراطور الروماني القاسي. ولا تزال الحكومة هكذا في البلدان الدكتاتورية حتى في أيامنا نحن وقد ضُحِّي بملايين من البشر لتغيير هذه الفكرة. ورغم عظم التضحية وشدة الكفاح لتخليص البشرية من شرور هذه الفكرة لا تزال بعض الحكومات حتى هذه الساعة تميل بل تحاول أن تضبط كل ناحية من نواحي الحياة.

إن المعلم العظيم لم يعلم هكذا بل قال أن الإنسان لم يجعل لأجل السبت أو أية مؤسسة أخرى، وفضح ربط الكتبة والفريسيين حياة الشعب بقواعد صارمة لا تحتمل. وقد نتج عن تعليمه نمو الديمقراطية في كل العالم (وهي حكم الشعب بالشعب) ويتوقف انتشار هذه الديمقراطية وحفظها المستمران على مدى سيادة تعليم يسوع في حياة البشرية. فالمعلم إذن هو ضابط المجتمع، وتقدم المدنية هو نتيجة لمعركة بين معلمي المدارس.

لقد بيَّن يسوع في مثل الوزنات أن العمل واجب الجميع وقال في مناسبة أخرى أن العامل يستحق أجره. وعلم أن العظمة الحقيقية تُبنَى على الخدمة المقدَّمة للآخرين. وهكذا تكون امتيازات العمال للاشتراك في إدارة الصناعات وفي الربح هي نتيجة تأثير مثال المعلم العظيم المطبق في حقل الصناعة. وهناك عدد من رجالات الصناعة كجان ونماكر ومارشل فيلدوجامس كرافت الذين بنوا حياتهم وعملهم على تعليم السيد وروحه.

5-أشبع الأدب من روحه

لقد تغير أدب العالم تغييراً جوهرياً منذ مجيء المعلم العظيم. وقد ألفت آلاف الكتب عنه وحده. وقد درست كل ناحية من نواحي حياته حتى ناحية طفولته وتربيته، وإنجازاته، وتعاليمه، وأساليبه التعليمية، وموته المكفّر، وتقدم سيادته في العالم، وتأثيره على حقول التفكير المتنوعة، وغيرها. فتكون الكتب والمقالات عنه مكتبة كاملة وقد تبين هذا من جمع أحد الكتاب أسماء الكتب والمقالات المؤلفة عن يسوع فوجدها أكثر من خمسة آلاف.

ولقد اختُرِعَت في بعض اللغات أحرف أبجدية خاصة لكي يعبر بها عن كلمات يسوع في تلك اللغات. ولم يلعب أحد غيره دوراً هاماً واسعاً بمقدار دوره في أدب العالم. وكثيراً ما كانت الكتب عنه رائجة أكثر من أية كتب أخرى، يباع منها نسخ عديدة جداً كل سنة. وتدهش مكانته الأولى في أدب العالم لا سيما حينما نذكر أنه لم يكترث للكتابة ولم يكتب إلا سطراً واحداً وذلك على الرمل! وبالرغم من أنه لم يكتب فإن كلماته تقتبس أكثر من كلمات أي كاتب في تاريخ العالم.

ويظهر تأثيره على الأدب في اقتباس الشعراء كلماته وتلميحهم إلى تعليمه في شعرهم. فإن في اللغة الإنكليزية وغيرها آلافاً من أبيات الشعر عنه وفي دواوين أعاظم الشعراء قصائد كثيرة مفعمة بأفكاره. قال أحدهم "كالندى للزهرة هكذا يسوع المسيح لنفسي".

وكتاب اللاهوت والأخلاق والتاريخ وتاريخ الثقافة وعلم النفس وعلم الاجتماع وكثيرون من المفكرين الكتَّاب في حقول أخرى قد استمدوا الكثير من آرائهم من تعاليمه. وقد اقتبس من كلماته لا الوعاظ والخطباء فقط بل رجال السياسة والمحامون فهؤلاء أيضاً يذكرون تعليمه دعماً لنقاطهم. ولا مبالغة في القول أن تعاليم يسوع قد لونت وأشبعت كتابات المدنية وتفكيرها مدة ألفي سنة. ولا يقدر أي معلم آخر أن يدعي تبوُّء مركز مثل هذا المركز في أدب العالم.

6-أثر على الفنون الجميلة

يعادل تأثير المعلم العظيم على الفنون الجميلة تأثيره على الأدب ولقد طبع على فنون العالم كله سمته التي لن تمحى ولا سيما على الموسيقى. وقد بذل كثير من المؤلفين في كل العالم أيامهم في تأليف التراتيل باسمه كما رفع كثيرون أصواتهم بالتسبيح الكلي له. وقد اختبر الذين تغربوا في بلدان بعيدة الاتصال والتفاهم مع سكان تلك البلدان بواسطة كلمات التراتيل المسيحية وألحانها. وقد ألَّف باخ وهادن رهندل أجمل الأناشيد الروحية الروائية لتسبيح المسيح ورتلت هذه الأناشيد في الكثيدرائيات وأُذيعَت على أمواج الراديو إلى أقاصي الأرض. ولا يمكن تقدير تأثير ترانيم كـ"مثل عظيم رحمتك" و"أحربة أجرت دما رب الورى الحنون".

وكذلك قد استوحيت أعظم الصور من حياة يسوع لتصوير مواقفه أو لتصويره هو ولا سيما صور تسو ورافيال ورمبراندت فقد قضى تسو أغلب أيام حياته في تصوير مشاهد من حياة السيد. وكانت لهذه الصور قيمة تعليمية واسعة لأن الإنسان يستوعب أغلب معرفته بواسطة العين. فمن يدرك مدى التأثير الذي أحدثته أمثال صور "المسيح مع الأولاد" لبلو كهورست و"الصليب" لفان ديك و"الدينونة الأخيرة" لميخائيل أنجيلو. والآن تُبذَل الأموال الطائلة لإعداد الأفلام المتحركة التي تظهر حياة السيد وعمله على الأرض. فلو أخرجت صور المسيح من صور العالم لأضمحلّ فن الرسم وأمسى عقيماً.

ولا يقل تأثير يسوع على هندسة البناء عن تأثيره على الرسم ويصح هذا القول بصورة خاصة على الكثيدرائيات العظيمة وقد استمر هذا التأثير خلال تاريخ المسيحية. ومع أن هيئة أبنية الكنائس قد تغيرت بين عصر وآخر تبعاً لتغيير الفكر عن الكنيسة وعملها فإنها اتصفت في كل العصور بالجمال والفخامة والخدمة. وكانت أجمل رسوم الهندسة المعمارية دائماً تلك التي بنيت لعبادة المسيح. ونخص بالذكر بينها كثيدرائيات ريمس والقديس بطرس ووستمنستر. ويُظهر النحت داخل هذه الكنائس وخارجها تأثيره. لقد استخدمت الكنيسة اللاتينية التماثيل و لا تزال لا سيما مشهد الصلب وفي بعض الكنائس يشاهَد النحت أكثر مما يشاهد في غيرها كمشاهد "الدينونة الأخيرة" في كاثدرائية بورجس في فرنسا.

7-أثار روح الإحسان

بالرغم من أن يسوع لم يملك شيئاً شخصياً ولم ينجح في حث الشاب الغني على التبرع بأمواله ومع أنه حكم على الذين طلبوا الغنى بصرامة فإنه قد نجح نجاحاً عجيباً في إثارة الرغبة في الأغنياء لكي يعطوا من أموالهم لسد حاجات البشر ولنشر ملكوته. قال شاروود ادي "لم يملك يسوع مالاً ولم يقتن عند موته سوى قميص منسوج بغير خياطة. ولم يسجل له طلب شيء إلا شرْبة ماء بارد لم تقدم له. فلم يقتنِ شيئاً ولم يطلب شيئاً وقد أعطى كل شيء...وحكم على الأغنياء... ومع هذا فقد رُمِيَت الثروات عند قدميه وهو الآن أكثر من أي شخص آخر في العالم يرشد ويسود على أسمى صفة الإحسان في سبيل الإنسانية" وحقاً أن الناس قد أعطوا ملايين من الدولارات لسبب مثاله وتعليمه.

لقد حدث هذا العطاء أو الإحسان في القرون الباكرة إذ باع رجال ونساء أغنياء أملاكهم ووزعوا أثمانها أو وزعوها على المحتاجين ونذروا الفقر والطهارة فانسحبوا إلى المغاور والأكواخ والأديرة ليعيشوا حياة البر. وقد حدث مثل هذا أيضاً في السنين الأخيرة إذ تبرع رجال ككارنيغي وروكفلر وهاردن بأموال طائلة لإنشاء المكاتب والمدارس والمستشفيات. فعلوا ذلك لأن روح يسوع حرَّك ضمائرهم فلم يرضوا أن يموتوا وهم متمسكون بهذه الأموال الكثيرة. لقد ألهم الناس في العصور السالفة ولا يزال ولن يزال يلهمهم أن يستخدموا ما لهم لمجدِه هو. وهو وحده قد اقتاد البشرية إلى فهم أنَّ العطاء مغبوط أكثر من الأخذ. وبالنتيجة فإن المجتمع أصبح أغنى والأخلاق أقوى بسبب تعليمه الناس العطاء والإحسان.

وقد نتجت عن روح العطاء التي خلقها السيد المستشفيات ودور النقاهة والمياتم والملاجئ للمسنِّين والعجز والمدارس والكليات المسيحية في بلدان العالم كلها. والمؤسسات الحكومية التي من هذا النوع قد نتجت أيضاً عن الروح المسيحية في بلدان العالم كلها. والمؤسسات الحكومية التيمن هذا النوع قد نتجت أيضاً عن الروح المسيحية إنما بطريقة غير مباشرة. ولا نتجاوز الحق حينما نقول أن كل ما هو غير أناني في حركة الحكومة في سبيل الإسعاف والعناية والأمن قد ألهمه تعليم يسوع بمحبة القريب كالنفس. فإنه حقاً مصدر روح الإنسانية في كل العصور ولقد استفدنا جميعاً من العطاء والإحسان اللذين سببهما هو.

8- دفع إلى الخدمة

يرافق روح العطاء في سبيل الإنسانية الدافع إلى الخدمة الذي يجعل الأفراد يصرفون النظر عن الرفاهية والراحة والربح الأناني لكي يقدموا وقتهم ومواهبهم ونشاطهم لمساعدة الآخرين ولقد ترك البعض كماليات المدنية وخاطروا بصحتهم وحياتهم مدفوعين بمثال يسوع لكي يحملوا رسالته إلى أقاصي الأرض إلى الذين يعيشون في الظلمة والانحطاط. ومن هؤلاء العظماء في الخدمة لفنغستون وجودسون وغرنفيل. ولم يقدم أحد لسقراط أو ابكتيتس أو أبيلارد أو أي معلم عظيم آخر خدمة نظيرها. ونتيجة لخدمتهم "لقد ارتقت القبائل الهمجية وتمدَّن آكلو لحوم البشر واهتدى صيادو الناس إلى الحق وتأسست مدارس وكليات وتغيرت أخلاق الأفراد والشعوب وعاداتهم". فإن الحركة التبشيرية العالمية كلها هي تكرار تأثير المسيح الدافع إلى الخدمة الغير أنانية. ولم تنافس أية جماعة من الناس المرسَلين العظماء من حيث روح التضحية.

وما صح على العمل التبشيري العالمي يصح على خدمات أخرى. كمؤسسة الصليب الأحمر التي تخدم المرضى والمنكوبين في أوقات الأوبئة والطوفان، والجرحى والذين في حالة الاحتضار في وقت الحرب وتعطي الدم، وكل هذا من ثمرات تعليم يسوع وخدمته. وتصدر عنه أيضاً الملاجئ للسّاقطين في مناطق منحطّة في المدن ومراكز العمل الاجتماعي في مناطقها الفقيرة. ويخدم آخرون بروح المسيح في ملاجئ العجز والأيتام وفي مستشفيات للمرضى جسدياً وعقلياً.

من الأمثال النيِّرة بين خُدَّام الإنسانية المدفوعين بروح السيد كلارا بارثون وفرانسس ويلارد وجاين ادمس. وهناك فلاح راقب ابنه الطبيب وهو يخدم المحتاجين بمهارة وعرف أنه لم يربح كثيراً من خدمته فقال يا بني لو كنت قادراً أن أخدم الآخرين مثلك لبذلت كل ما عندي. اذهب أنت واخدم المحتاجين وسأرجع أنا إلى المزرعة فأعولك. وهناك العالم المشهور لويس باستور الذي عند موته تمسك بالصليب وصلى طالباً أن لا تُستعمَل اكتشافاته لضرر الإنسان.

قال شاروود أدي "قد مُنِحَ السيد أقلّ من ثلاث سنوات ليكمل عمله –أكثر من سنة بقليل لخدمة عمومية وسنة في الخلاء لتدريب جماعته الحقيرة. وقد قطع من الحياة في شبابه، بعد الثلاثين بوقت قصير. أما سقراط فقد علّم أربعين سنة وعلّم أفلاطون خمسين وكذلك أرسطو طاليس عاش طويلاً وملأ المكاتب بعلمه. وعاش كل من بوذا وكنفوشيوس سبعين سنة فضلاً عن أن يسوع عاش في وسط شعب مسحوق تحت ظلم القوانين الصارمة، وقد عارضه الكتبة والفريسيون بغيرة وأبغضوه، وأسلمه اليهود وصلبته الأمم. ولم يترك كتاباً ولا نبذة ولا صفحة. ولم يورث أتباعه نظاماً ولا فلسفة أو نظاماً لاهوتياً أو قانوناً. ولم يجند الجيوش ولم يشغل منصباً واحداً ولم يطلب النفوذ بل أدار ظهره إلى القوة والسحر والعجائب السطحية الجذابة للأنظار...ورغم هذا كله غيّر اليهودي المتعصب وجعل ديانته لجميع الشعوب. وأظهر للفيلسوف اليوناني الحقّ الأسمى وأقنع الروماني المتعجرف بوضع الصليب على لوائه بدلاً من النسر ومد يده للقارات العظيمة وغيرها –آسيا وأوروبا الهمجية وإفريقيا المظلمة وأميركا".

ويضيف آخر بقوله "لقد أصبت بالقول أن جميع الجيوش التي زحفت وكل الأساطيل التي بنيت وكل المجالس النيابية التي اجتمعت وكل الملوك الذين حكموا في كل الأزمنة معاً، لم تؤثر على حياة الإنسان على الأرض بقدر ما فعلت هذه الشخصية الوحيدة". فبموجب أي مقياس كان لا يخامرنا أدنى شك في أنه أعظم معلم في العالم. وعلينا أن نتبعه بكل تواضع ونتلمذ جميع الأمم...ونعلمهم أن يحفظوا جميع ما أوصانا به" (متى 28: 19-20).

 

مساعدات للتعليم

التبويب على اللوح

 

1-رفع قيمة الشخصية.

2-غيرالحياة.

3-أثار الإصلاحات.

4-حسن المؤسسات.

5-اشبع الأدب من روحه.

6-أثر على الفنون الجميلة.

7-أثار روح الإحسان.

8-دفع إلى الخدمة.

 

مواضيع للبحث

 

1-كيف غير يسوع الحياة؟

2-اذكر إصلاحات أخرى أتت بها المسيحية.

3-قابل بين العائلة في بلاد مسيحية وبلاد وثنية.

4-اذكر خمس تراتيل عظيمة عن يسوع.

5-اعط نتائج أخرى لتعليم السيد.

 

أسئلة للمراجعة والامتحان

 

1-كيف رفع يسوع قيمة الشخصيّة؟

2-ابحث في تحسينه المؤسسات.

3-اذكر إصلاحات أثارها يسوع.

  • عدد الزيارات: 5905