Skip to main content

الفصل الثاني عشر: يسوع المسيح: فادي البشرية الوحيد

لقد أشرنا مراراً وتكراراً أثناء دراستنا لأسفار العهد الجديد وكذلك في تعليم الكتاب المقدس المذاعة أسبوعياً على برامجنا وأخيراً في هذه الدراسات الكتابية عن عقيدة الكفّارة إلى أن الإنسان أصبح, بعد السقوط في الخطية, في حالة العجز التام في حياته الروحية وأصبح غريباً عن أمور الله وانضمّ إلى جبهة المعارضة بالنسبة إلى الله تعالى اسمه. يدعو الكتاب المقدس هذه الحالة الروحية المحزنة التي نجد الإنسان فيها بالموت في الخطايا والذنوب. إلا أن الله لم يسمح للإنسان بأن يهبط إلى درجة سفلى وسحيقة التي للإنسان أن يصل إليها (نظراً لسلبية الخطية ولطبيعتها التخريبية), بل ساعد الله تعالى الإنسان بصورة عامة أو يمكننا تسميته بالنعمة العامة. وهكذا أصبح بمقدور الإنسان أن يقوم بأعمال تُعتَبر في حدّ ذاتها صالحة نسبياً. فنرى العديدين من بني البشر – وإن لم يكونوا قد وصلوا إلى اختيار الإنقاذ من الشر – يُظهرون بعض المودّة في علاقاتهم العائلية وضمن المجتمع.

لكن ما تقدّم لا يعني مطلقاً أنه صار بمقدور الإنسان أن يفي مطاليب العدل الإلهي أو أن يقوم بانتشال نفسه من وهدة الهلاك التي سقط فيها, إذ أنه يبقى مدفوعاً بدافع محبة الذات عندما يقوم بعمل تلك الأعمال التي ندعوها صالحة نسبياً. فالإنسان إذن هو بحاجة ماسة إلى مُنقِذ ومُخلّص وفادي, وليس فقط لمن يعطيه نصيحة أو مثالاً صالحاً للسلوك الصائب. فيما أن الإنسان هو "ميتٌ" روحياً فهو إذن بحاجة إلى أن يصير حيّاً روحياً أو أن يولد من جديد أو أن يتجدد ليستطيع أن يحيا كما يطلب الله من جميع مخلوقاته العاقلة.

إن البشرية بحاجة إلى فادي ومنقذ ومُحرر ومُخلّص. ولكن من هو ذلك الذي يقوم بفداء البشرية وبإنقاذها وتحريرها وتخليصها؟ أين هو ذلك الشخص؟ عندما نسأل هكذا أسئلة علينا أن نتذكر جواب الله تعالى في الكتاب المقدس, فهذا الجواب قد صار جزءاً لا يتجزأ من تاريخ البشرية. نعم إن فادي البشرية هو المسيح يسوع وهو وحده قادر بأن يفي مطاليب العدل الإلهي وأن ينوب عن البشرية الخاطئة في آن واحد. لقد تجسّد الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس (أي أخذ طبيعتنا البشرية) فصار الوسيط بين الله والإنسان. وكان يتمتع في شخصيته أو في أقنومه بقيمة غير محدودة وبعظمة لا نهائية ولذلك فإن قيمة عمله الكفّاري على الصليب كانت أيضاً قيمة غير محدودة. ولم يوجد أحد في الوجود بأسره قادراً على أن يقوم بعمل المسيح الفدائي.

ويمكننا القول أن الكتاب المقدس بأسره من سفر التكوين إلى سفر الرؤيا هو وحي الله عمّا قام به من أجل إنقاذ وفداء الإنسان. ونحن لا نكون مغالين مطلقاً إن دعونا الكتاب بتاريخ الفداء. فعندما نبدأ بقراءة صفحاته نرى أن الله يخبرنا فيها عن خليقة الإنسان وسقوطه في الخطية وحالته بعد السقوط ورحمة الله تعالى التي أوقفت تنفيذ العقاب بصورة تامة. ويخبرن تاريخ الفداء بصورة خاصة عن الاستعداد الطويل لقدوم المسيح يسوع في أيام النظام القديم (في أيام ما قبل الميلاد) وأخيراً عن قدوم المسيح في ملء الزمن (أي في الوقت المحدد له من قبل لله) والعمل الخلاصي الجبار الذي قام به وبموته على الصليب وبقيامته من الأموات وبصعوده إلى السماء وعن رجوعه إلى العالم في اليوم الأخير لدينونة الأحياء والأموات.

وعندما نتكلم عن إنجاز عمل الفداء بواسطة موت الفادي المسيح علينا أن نذكر أنه له المجد لم يمت موتاً اعتيادياً. فطريقة موت المسيح أظهرت بأن العدل الإلهي قد أوفي حقّه لأن الذي أخذ على عاتقه إنقاذ البشرية الخاطئة كان عليه أن يموت عنها وأن يحتمل عقاب الخطية ألا وهو الموت. فلنفرض مثلاً أن المسيح مات نتيجة لحادث ما أو بسبب داء ألم به أو نظراً للشيخوخة, لما كان بوسعه إذ ذاك أن يُرضي العدل الإلهي. ونحن نعلم تماماً من الإنجيل أن المسيح قُبِضَ عليه كمجرم وأنه جِيءَ به إلى المحاكمة واشتُكي عليه وعومل بفظاظة وإرهاب وحُكِمَ عليه رسمياً بالموت وصُلِبَ ومات وهو في مُقتبل عمره. كل ذلك حدث للمسيح البار, لماذا؟ لأنه كان يُكفّر عنّا وعن خطايانا نحن بني البشر. إنه كبديل عنا تألم وناب عن أيضاً في موته. وكما كانت الذبيحة في أيام النظام القديم تحمِلُ (رمزياً) خطية مقدّمها, هكذا أيضاً حمل المسيح يسوع خطايانا ومات عنا نيابياً وبدلياً وكفّارياً. ولذلك يستطيع الرسول بولس أن يقول (ويجب علينا نحن أن نقول معه – إن كنا قد آمنّا بالمسيح المصلوب - ):

"مع المسيح صُلِبتُ فأحيا, لا أنا, بل المسيح يحيا فيّ". (الرسالة إلى غلاطية 2: 20).

على يسـوع الفادي

 

ألقـي خطيــتي

بـه لنا تحــريـر

 

من صـك لعنـةِ

يغسل ذاك الفـادي

 

جميـع أدرانــي

وإن تكن آثــامي

 

كالقرمز القانــي

يسـوع فادي نفسي

 

طبيـب أسـقامي

جميـع ما أحويــه

 

من جـوده السامي

عليه ألقـي حِملـي

 

وكـل أحـزانـي

لأنــه في ضِيقـي

 

مولاي نجّــــاني

نفسي بذاك الفـادي

 

تنجـو من الغــمِّ

لأنـــه يحميهــا

 

من غائـل الإثــمِ

عمّانوئيـل ربّـــي

 

ذاك اسـمه عزيـزُ

كعُرف طــيبٍ ذاك

 

كالذهـب الإبـريزُ

يا ليتني كالفــادي

 

في الحلـم والحـبِّ

يا ليتني وديـــعٌ

 

مماثـــلاً ربّـي

يا ليتني مـع ربّـي

 

مع زمـرة الأطهار

مرتّـلاً تســبيحاً

 

لـه مـدى الأدهار

  • عدد الزيارات: 4245