Skip to main content

الفصل الخامس عشر: حياة المسيح الخالية من الخطية

يُعلّمنا كتاب الله المقدس أن المسيح يسوع المخلّص والفادي عاش هذه الحياة بالمحبة الكاملة وبالخدمة الخالية من محبة الذات. وهذا أمر هام جداً ونحن نتكلم عن كفّارة المسيح لأننا كنا قد رأينا سابقاً أن السيد له المجد قام بالتكفير عنا بواسطة عمله الكفّاري وذلك كان له طابعين: الطاعة الإيجابية والسلبية. آلام وموت المسيح يُشكّلان طاعته السلبية بينم تُشكّل حياة المسيح الكاملة طاعته الإيجابية. وهذه بعض الآيات الكتابية التي تذكر موضوع خُلو حياة المسيح من الخطايا:

كتب الرسول بطرس في رسالته الأولى إلى أهل الإيمان قائلاً:

"فإن المسيح أيضاً تألم لأجلنا تاركاً لنا مثالاً لكي تتبعوا خطواته. الذي لم يفعل خطية ولا وجد في فمه مكر, الذي إذ شُتم لم يكن يشتم عوضاً, وإذ تألم لم يكن يُهدد بل كان يُسلّم لمن يقضي بالعدل. الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر, الذي بجلدته شُفيتم. لأنكم كنتم كخراف ضالة لكنكم رجعتم الآن إلى راعي نفوسكم وأسقفها". (2: 21 – 25).

وكتب صاحب الرسالة إلى العبرانيين قائلاً عن المسيح يسوع وعن كهنوته الذي كان يفوق كهنوت الناموس الموسوي عظمة ومجداً قائلاً:

"لأنه كان يليق بن رئيس كهنة مثل هذا: قدوس بلا شر ولا دنس قد انفصل عن الخطاة, وصار أعلى من السموات. الذي ليس له اضطرار كل يوم مثل رؤساء الكهنة أن يقدّم ذبائح أولاً عن خطايا نفسه ثم عن خطايا الشعب, لأنه فعل هذا مرة واحدة إذ قدّم نفسه". (7: 26 و27).

وقال السيد المسيح لليهود الذين كانوا يعاندونه: "متى رفعتم ابن الإنسان فحينئذ تفهمون أني أنا هو ولست أفعل شيئاً من نفسي, بل أتكلم بهذا كما علّمني أبي. والذي أرسلني هو معي ولم يتركني الآب وحدي لأني في كل حين أفعل ما يرضيه". (الإنجيل حسب يوحنا 8: 28 و29).

واستطرد السيد المسيح قائلاً: "وأما أما فلأني أقول الحق لستم تؤمنون بي! من منكم يُبكتني على خطية؟ فإن كنت أقول الحق فلماذا لستم تؤمنون بي؟ الذي من الله يسمع كلام الله, لذلك أنتم لستم تسمعون: لأنكم لستم من الله!" (الإنجيل حسب يوحنا 8: 45 – 47).

وحتى الشياطين كانت تُقر وتعترف بأن المسيح كان بدون خطية. فعندما طرد السيد المسيح الأرواح النجسة من رجل كان مسكوناً من قِبَلِها, كتب الطبيب لوقا صاحب الإنجيل المعروف باسمه وقال:

"وكان في المجمع رجل به روح شيطان نجس. فصرخ بصوت عظيم قائلاً: أه ما لنا ولك يا يسوع الناصري؟ أتيت لتُهلكنا! أنا أعرفك من أنت: قدوس الله". (الإنجيل حسب لوقا 4: 33 و34).

وعندما كان السيد المسيح على الصليب قائلاً: "يا أبتاه اغفر لهم!" ولكنه له المجد لم يصلِّ مطلقاً بكلمات كهذه: أُغفر لي – ونحن نعلم أن أعظم القدّيسين لدى اقتراب ساعة الموت يسكبون أنفسهم أمام الله معترفين بخطاياهم وراغبين من الله أن يملأ قلوبهم بالسلام الناتج عن المعرفة الأكيدة بأن خطاياهم قد غُفرت نظراً لاستحقاقات المسيح المصلوب والمُقام من الأموات. ولكننا عندما نأتي إلى فحص حياة المسيح المخلّص نراه له المجد لا يعترف ولا مرة واحدة بخطية ولا يُقدّم ذبيحة لأجل نفسه في الهيكل. وهكذا عندما دنت ساعة موته الكفّاري على الصليب لم يوجد أي ظل من السحاب بينه وبين الله الآب إلا عندما أخذ على ذاته نتائج الخطية نيابة عن البشر.

وهكذا نظراً لحياة المسيح الطاهرة والكاملة حصل لشعبه المؤمن به بِراً إيجابياً الذي يُحسب لهم ويضمن لهم أيضاً دخول السماء. وكل ما قام به المسيح من آلام ومن إطاعته الإيجابية لله كل هذه الأمور تُعتبر بأنها قد صارت لأجلهم. في المسيح أنجز المؤمنون الطاعة (أي الطاعة الكاملة للشريعة الإلهية) وفيه أيضاً احتملوا العقاب لأجل خطاياهم. وبكلمة مختصرة ينظر المؤمنون إلى طاعة المسيح السلبية كسبب إنقاذهم من الجحيم وإلى طاعته الإيجابية كسبب دخولهم إلى السماء.

ولابد لنا الآن من الكلام عن كيفية الاستفادة من عمل المسيح الكفّاري الذي تم على الصليب. وكنا قد ذكرنا مراراً وتكراراً (أي في مطبوعاتنا كما في برامجنا الإذاعية) أن عمل المسيح الكفّاري هو لصالح شعبه أي المؤمنين به. ومن المهم جداً أن نذكر بهذا الصدد أنه لا يوجد في الإنسان أي أساس لاستحقاق ما قام به السيد المسيح بل كل ما قام به السيد له المجد كان من دافع محبته لنا وهو يمنحنا إياه نظراً لنعمته الفيّاضة والمجانية.

علّم الرسول العظيم بولس في أيامه أننا مُخَلَّصون لا لأننا أبرار في ذواتنا بل نظراً لبِر المسيح الذي يُحسب لنا. فقد كتب منتقداً بني جنسه من اليهود الذين "كانوا يجهلون بر الله – أي طريقة الله لتبرير الإنسان الخاطئ – ويطلبون أن يثبتوا بِرّ أنفسهم, فلم يخضعوا لبِر الله." (الرسالة إلى رومية 10: 3).

وكتب الرسول إلى أهل الإيمان في مدينة فيلبي المكدونية أنه كان راغباً في خسارة كل شيء لكي يتمكن من أن أُوجد فيه – أي في السيد المسيح – وليس لي بِرّي الذي من الناموس, بل الذي بإيمان المسيح البِرّ الذي من الله بالإيمان". (الرسالة إلى فيلبي 3: 9).

وكتب الرسول قائلاً: "لأنه – أي الله _ جعل الذي لم يعرف خطية, خطية لأجلنا, لنصبر نحن بر الله فيه". (الرسالة الثانية إلى كورنثوس 5: 21). وهذا يعني أن إثمنا وعقابنا قد نُقلا إلى المسيح كما نُقل بره وطهارته إلى حسابنا نحن. وكل هذه الأمور الباهرة جرت لا لأن المؤمنين يستحقون أي شيء, بل نظراً لنعمة الله أي لعطيته المجانية التي لم يكسبها أي إنسان بمجهوداته الخاصة.

  • عدد الزيارات: 3550