Skip to main content

نبوة دانيال النبي

الفصل الثاني

المسيح في سحب السماء

 النبوة: "كنت أرى في رؤى الليل وإذا مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه. فأعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة. سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته ما لا ينقرض” (دانيال 7: 13و 14).

الإتمام: "ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم". "فإذ لنا رئيس كهنة عظيم قد اجتاز السموات يسوع ابن الله فلنتمسك بالإقرار". "كما أن الآب له حياة في ذاته كذلك أعطى الابن أيضاً أن تكون له حياة في ذاته. وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان” (أعمال 1: 9وعب 4: 14 ويوحنا 5: 26و 27).

التعليق: ستستمر مملكة المسيح على الرغم من كل قوات الظلمة. فلتهج الأمم وليغضب الشعوب كما يشاءون ولكن كان الرب سيمسح ملكه على صهيون جبل قدسه على رغم الجميع (مزمور 2). فرؤيا دانيال قد انبأت عن ذات ما سبق نبوخذنصر فرآه عن الحجر الذي قطع بغير يدين وسحق التمثال ونما إلى أن صار جبلاً كبيراً. فنحن نرى في رؤيا دانيال روح الإنجيل الصريح أكثر مما نرى في حلم نبوخذنصر. نرى أمامنا في هذه النبوة:

أولاً: إن المسيح دعي "ابن الإنسان" لأنه صار في شبه جسد الخطية ووُجد في الهيئة كإنسان وصار وسيطاً بين الله والناس. نعم إنه في النبوة "مثل ابن إنسان" ولكنه في الحقيقة "ابن الله". فكلمة "ابن الإنسان" تفيد الإعلان عن لاهوته بملء معنى الكلمة بدليل قوله عن نفسه: “وأعطاه سلطاناً أن يدين أيضاً لأنه ابن الإنسان” (يوحنا 5: 27). فهو هو الذي رآه دانيال في رؤياه النبوية أنه قد أعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً ليعبده الجميع.

ثانياً: جاء في النبوة أنه أتى مع سحب السماء إشارة إلى صعوده إلى السماء بعد إتمام الفداء لأن التلاميذ شهدوا أنه "ارتفع وهم ينظرون وأخذته سحابة عن أعينهم” (أعمال 1: 9). ففي النبوة وإتمامها معاً نرى أن المسيح له المجد جعل السحابة مركبته التي أقلّته منتصراً إلى المجد الأعلى فاجتاز بها السموات إلى أن أتى إلى القديم الأيام فقال له: "إسألني فأعطيك الأمم ميراثاً لك وأقاصي الأرض ملكاً لك" (مزمور 2: 8) "اجلس عن يميني حتى أضع اعداءك موطئاً لقدميك” (مزمور 110: 1). فمملكة المسيح من فوق لا من أسفل لأنه هو "الرب من السماء".

ثالثاً: "أعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً": لقد أخذته السحابة عن أعين التلاميذ فوجب علينا أن نسأل: إلى أين ذهب؟ ولكن أجابتنا النبوة على سؤالنا "مع سحب السماء مثل ابن إنسان أتى وجاء إلى القديم الأيام فقربوه قدامه فأعطي سلطاناً ومجداً الخ" وأجابنا المسيح نفسه في قوله لتلاميذه: “إني أصعد إلى ابي وأبيكم” (يوحنا 20: 17) وبهاتين الإجابتين انكشف الحجاب فظهر سر قوله المجيد: "يسوع وهو عالم أن الآب قد دفع كل شيء إلى يديه وأنه من عند الله خرج وإلى الله يمضي” (يو 13: 3) وتظهر هذه النبوة إن الآب قرّبه إليه كمحام وشفيع لأجلنا حتى يمكننا أن نتقدم به إلى الله (راجع إرمياء 30: 21). وهذا التقريب المذكور في النبوة دلّنا على أن الآب قبل ذبيحته التي قدمها ورضي عنها وسر بكل ما عمله: “لذلك رفّعه الله أيضاً وأعطاه اسماً فوق كل اسم لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض ومن تحت الأرض” (فيليبي 2: 9و10).

رابعاً: نرى في هذه النبوة أن المسيح "ابن الإنسان" أعطي سلطاناً ومجداً وملكوتاً فدفع كل سلطان إليه كل ما في السماء وما على الأرض وكل ذي جسد (يوحنا 17: 2و5).

وحيث أن دانيال سبق ورأى هذا فقد تعزى هو ورفقاؤه الأتقياء لأنه رأى أن سلطان العالم يزول ولا يبقى إلا سلطان المسيح الذي هو "مثل ابن الإنسان" "لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة... ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح رب لمجد الله الآب” (في 2: 10و11).

وليس لأحد أن يعطي هذه العطايا إلا الآب القدوس الذي وصف في آخر الصلاة الربانية بأن له "الملك والقوة والمجد إلى الأبد". فمملكة فادينا- الذي تألم ومات وقبر وقام ودخل إلى مجده (لوقا 24: 26)- قد تنبىء عنها بأنها مملكة عامة يأتي إليها كل أنواع البشر وأصنافهم "لتتعبد له كل الشعوب والأمم والألسنة" وليتم وعد الله القائل: "اجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك" ولا بد أن تصير كل الممالك له. ومملكة فادينا أبدية "سلطانه ما لن يزول" فلا يخلفه فيه أحد "وملكوته ما لا ينقرض" وأبواب الجحيم لن تقوى على كنيسته وستبقى وتنتصر انتصارها التام في الأزمنة الأبدية التي لا نهاية لها.

السبعون أسبوعاً

النبوة: "سبعون اسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدي ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين. فاعلم وافهم أنه من خروج الأمر لتجديد أورشليم وبنائها إلى المسيح الرئيس سبعة أسابيع واثنان وستون أسبوعاً يعود ويبنى سوق وخليج في ضيق الإزمنة. وبعد اثنين وستين أسبوعاً يقطع المسيح وليس له وشعب رئيس آت يخرب المدينة والقدس وانتهاؤه بغمارة وإلى النهاية حرب وخرب قضي بها. ويثبّت عهداً مع كثيرين في اسبوع واحد وفي وسط الأسبوع يبطّل الذبيحة والتقدمة وعلى جناح الأرجاس مخرّب حتى يتم” (دانيال 9: 24 - 27).

الإتمام: "وفي شهر نيسان في السنة العشرين لأرتحشستا الملك كانت خمر أمامه فحملت الخمر وأعطيت الملك... وقلت للملك... كيف لا يكمد وجهي والمدينة بيت مقابر آبائي خراب وأبوابها قد أكلتها النار؟ فقال لي الملك ماذا طالب أنت؟ فصليت إلى إله السماء. وقلت للملك إذا سرّ الملك وإذا أحسن عبدك أمامك ترسلني إلى يهوذا إلى مدينة قبور آبائي فأبنيها... فحسن لدى الملك وأرسلني... فجئت إلى أورشليم” (نحميا 2: 1- 11 قابل متى 26: 28).

التعليق: لقد شهدت جميع التآريخ العامة أن أرتحشستا مَلك سنة 474 قبل المسيح. فالسنة العشرون من ملكه هي سنة 454 قبل المسيح يضاف إليها 30 سنة عاشها المسيح قبل ابتدائه في الخدمة الجهارية فتصير الجملة 483 سنة هي 69 أسبوع نبوة. وبعد ثلاث سنوات ونصف أي في وسط الأسبوع أبطل المسيح الذبيحة والتقدمة بصليبه. وبعد ثلاث سنوات ونصف أخرى من تاريخ موته وقيامته ابتدأ الأمم يدخلون المسيحية أفواجاً لأن دم المسيح سفك عن كثيرين من الأمم. فإذا أضفنا أسبوع النبوة الأخير إلى التسعة والستين أسبوعاً فيكون مجموعها سبعين أسبوعاً نبوية حسب نص النبوة بالتمام. إن دانيال تنبأ بأنه بعد خروج الأمر بتجديد أورشليم بمدة 490 سنة يأتي المسيح ويموت وتخرب أورشليم والهيكل وأمة اليهود تكابد قصاصاً مخيفاً غير محدود. والأمر معلوم أنه في آخر هذه المدة (أي 490 سنة) ظهر يسوع الناصري حسبما تنبأ عنه دانيال وغيره من الأنبياء وأُسلم إلى الموت كخاطىء وجماهير كثيرة صاروا تلاميذه. والديانة المسيحية قامت في العالم وتغلبت وبعد وقت وجيز خربت أورشليم والهيكل. وحالة اليهود إلى هذا اليوم هي تفسير باهر وعجيب لهذه النبوة.

فهِم دانيال من نبوة إرميا أن شعب إسرائيل سيظل في السبي مدة 70 سنة فصلى إلى الله معترفاً بخطايا شعبه وسأل فأجابه الله حين تقدمة المساء برد بني إسرائيل ليس من بابل فقط بل من الخطية إلى الله أيضاً وأخبره بما جاء في هذه النبوة تفصيلاً. وها هي خلاصتها التاريخية للسبعين أسبوعاً نبوياً أو الـ490 سنة.

عـدد الســنيــن إيضاح عدد
صدر الأمر بالبناء سنة 20 من ملك ارتحشتا فكانت مدة البناء 49 سنة وهي سبعة أسابيع نبوية 7
من تاريخ انتهاء البناء إلى أن صار عمر المسيح 30 سنة 434 سنة وهي62 أسبوع نبوة 62
من ابتداء خدمة المسيح إلى موته صلباً وقيامته 2/ 31 وهي وسط الأسبوع 2/1
من قيامة المسيح وصعوده إلى ابتداء دخول الأمم المسيحية 2/31 وهي نهاية الأسبوع 2/1
  490 سنة   70 أسبوعاً

وهذا رأي واحد من آراء كثيرة في هذه النبوة لا محل لذكرها كلها الآن حباً بالاختصار.

نعم إن الأنبياء سبقوا فتكلموا عن مجيء المسيح قدوس القدوسين لخلاص العالم ولكنهم لم يتعدوا القول: "يأتي- سيأتي" فقط. وأما دانيال فقد انفرج بتحديد وقت مجيئه. نعم إن كثيرين من إسرائيل لم يعرفوا تماماً السنة التي سيولد فيها المسيح ومع ذلك كان الوقت معروفاً نوعاً بسبب وجود هذه النبوة. لذلك كان سمعان الشيخ منتظراً، وكانت حنة النبية منتظرة، وكان كثيرون منتظرين، (لوقا 2: 25- 38). ومن تعيين نبوة دانيال كان الناس في أورشليم يظنون أثناء خدمة المسيح الجهارية أن ملكوت الله أوشك أن يظهر في الحال. وكان انتظار اليهود على نوعين: فمنهم من كانوا ينتظرون أن المسيح سيأتي مخلصاً وفادياً ومصالحاً لشعبه مع الله، ومنهم ينتظرون أن المسيح سيأتي ملكاً أرضياً عظيماً ذا جنود لا تحصى وأملاك وأموال لا تستقصى ليحارب الرومانيين ويجليهم ويحرر إسرائيل كأمة أرضية. فالنوع الأول الذي هو من حزب سمعان الشيخ وحنة النبية إنما هو حزب الحقيقة لأن المسيح لم يأتِ في مجيئه الأول إلا وديعاً ومتواضع القلب. 

  • عدد الزيارات: 5958