Skip to main content

انتهت الحرب

(أف 2: 11 – 20)

لكم ابتهج العالم حين وضعت الحرب أوزارها بين الهند و باكستان، و بين اليمن الجنوبية واليمن الشمالية.

و لكن فرح الناس حين انتهت مفاوضات السلام الأميركية الفيتنامية بالنجاح وانتهت معها الحرب في فيتنام.

و لكم سيفرح البشر حين تنتهي الحروب في العالم كله بما في ذلك أر لندا و قبرص والشرق الأوسط.

غير أن هذه الحروب لا تنتهي إلى غير رجعة، بل يمكننا القول أنها تغور زمنا لتعود فتظهر من جديد بشكل أو بآخر.

أما الحرب _ بل حرب الحروب _ التي نحن في صددها الآن والتي يبشرنا الرسول بانتهائها و بحلول السلام مكانها فهي الحرب التي اندلعت منذ وجود الإنسان على الأرض، والتي جاء المسيح ليضع حدا لها. أنها الحرب التي فصلتنا عن الله و عن بعضنا بعضا. أنها الحرب التي جعلتنا في حالة اغتراب عن خالقنا وانفسنا. و هذا ما حدا بالمسيح لأن يأتي و يعلن _ بعمله الفريد _ إزالة الفوارق، والفواصل، و يصالح الإنسان مع الله و يجتذب البعيدين بدم صليبه دون تفرقة أو تمييز.

أجل لقد انتهت الحرب، و كان انتهاؤها على الجبهات التالية:

1.انتهت الحرب على جبهة الذات .

أي أن الحرب انتهت مع أنفسنا. نعرف أن الكتاب المقدس و من الاختبار أن الخطية جعلت الإنسان عدوا لنفسه بل أنشأت فيه ما يشبه الحرب الأهلية الداخلية التي تهدد الكيان كله و تفضي به إلى التجزّؤ والتمزق والانتكاس والهزيمة.

هل نستغرب بعد لماذا يستسلم الكثيرون للمخدرات و يغرقون في الجنس والمسكرات إلى أن يصل بهم الأمر إلى اليأس والانتحار؟ أن هؤلاء يفعلون علَّهم يجدون حلاَّ لمشكلتهم أو على الأقل ما ينسيهم ما هم عليه من بؤس و تعب و هم.

لكن بإعلان المسيح انتهاء الحرب أصبح في مقدور المرء أن يصير في سلام مع نفسه، ذلك لأن المسيح يحل الانسجام والتناغم والطمأنينة في الحياة بحيث يجعلها وحدة منتظمة متكاملة.

2.انتهت الحرب على جبهة الآخرين .

هذا هو لب الرسالة التي يشدد عليها بولس الرسول هنا. فالمرء يستطيع أن يكون في سلام مع قريبه و جاره واخيه أيا كان لونه أو جنسه أو جنسيته.

في القرون السابقة لمجيء المسيح كانت العداوات والحواجز بين اليهود والأمم على أشدها. و قد تولدت هذه عن عوامل عدة منها: الجهل والتعصب والكبرياء والخطية. ولكن المسيح جاء ليزيلها بل قد أزالها وازال معها التفرقة والانقسام مقدما للبشر جميعا الغفران والسلام. غير أن المسيح لا يفرض نفسه على أحد بل يتوجب على من يريد أن يعرف سلامه و غفرانه أن يطبق رسالة المسيح على حياته و يعيش بموجبها. أما من لا يفعل فله شأنه، لكنه لا يستطيع أن يلوم أحدا سوى نفسه. قرأت مؤخرا عن رجل دين في قرية يستعمل "ريع" صينية الكنيسة لشراء السلاح. وما هذا في عرفي إلا عكس ما جاء المسيح لاجله. فقد جاء لينهي حربنا مع الآخرين.

3.أخيرا وليس أخرا، انتهت الحرب مع الل ه.

لاحظ الكلمات التي يستخدمها الرسول في المقطع: "غرباء"، "أجنبيون"، "بلا رجاء"، "بلا إله"، ولكن هؤلاء أنفسهم يستطيعون أن يصيروا أولاد الله بالإيمان بالرب يسوع المسيح و عمله الكفاري الفدائي على الصليب.

كل الفضل في هذا يعود لا إلى مفاوضات سلمية ولا إلى اتفاقية لوقف إطلاق النار ولا إلى هدنة، بل إلى محبة الله التي ظهرت في موت ابنه عن البشرية كلها. هذه المحبة هي التي أزالت حائط السياج المتوسط أي العداوة بين الإنسان و نفسه، بين الإنسان واخيه، و بين الإنسان و خالقه. و هي لا تشترط على الإنسان سوى التسليم غير المشروط للرب. فالمسيح عمل ما عليه و على الإنسان أن يعمل ما عليه أيضا، و ذلك بتسليم حياته للرب بالإيمان القلبي. عندها يستطيع أن يقول عن اختبار: انتهت الحرب.

صـــلاة: شكرا لك يا رب على محبتك لنا في المسيح. شكرا لك على إزالة كل الحواجز التي تفرق بيننا و بين أنفسنا و بيننا و بينك. أعط كلا منا أن يسلم نفسه لك بالإيمان دون قيد أو شرط لنختبر سلامك و غفرانك و حياتك الأبدية. باسم المسيح. آمين.

  • عدد الزيارات: 2987