Skip to main content

الفصل الثالث: طبيعة المسيح وسجاياه - ما قاله أعداء المسيح

الصفحة 4 من 5: ما قاله أعداء المسيح

3-ما قاله أعداء المسيح:

عندما نتأمّل فيما يفكر به أعداء المسيح عنه، نرى أنفسنا في موقف أسلم، ولا يمكن أن يقف منه هؤلاء الأعداء، موقف التأييد والتعضيد، فقد ذكرت عنهم الأناجيل أنهم "صاروا.... يراقبونه" (مرقس 3: 2) وحاولوا أن يصطادوه بكلمة (مرقس 12: 13) ومن المسلم به بأنه إذا تعذر، كسب المناقشة بالحجة والبرهان، نزل الخصوم إلى مستوى التهجم على صعيد شخصي، ومما يكسر القلب، إن آفة الحقد الشخصي، والغايات النفسانية، قد لوثت سجلات الكنيسة اليوم... تلك كانت حالة أعداء المسيح، الذين دحرهم بقوة منطقه، وصدق حجته، ولذلك لجأوا إلى وسائل أخرى لبث سمومهم.

وإنه لجدير بنا أن نتأمل في انتقاداتهم بكل تدقيق وعناية، وقد سجل مرقس في إنجيله (2: 1- 3: 6) أربعة هجمات هي:

1) إن يسوع جدَّف عندما غفر خطايا إنسان مفلوج وظنوا هذا تعدياً وافتئاتاً على حقوق الله، وقالوا إن هذه تجاديف، ولكن قولهم هذا، يسير المشكلة الرئيسية ألا وهي، إن كان يسوع إلهاُ حقاً، فإن غفران الخطايا من عمله واختصاصه.

2) اتهموه ثانية بمعاشرة الأشرار من العشارين والخطاة، فقد أكل وشرب معهم، واتكأ مع الزناة والزواني، كما ادعوا، الأمر الذي لا يخطر إطلاقاً على بال أي فريسي، بل بالحري يسارع، لكي يبتعد عن مثل هذا القوم، معتبراً نفسه باراً بهذا العمل، كما أن الفريسي لم ينظر أبداً بعين الاعتبار أو التقدير، إلى نعمة يسوع المتفاضلة وحنانه، إذ مع كونه "منفصلاً عن الخطاة" اكتسب لنفسه هذا اللقب "محب للعشارين والخطاة".

3) اتهموه ثالثة بأنّ دينه كان سطحياً، فلا يصوم كالفريسيين وتلاميذ يوحنا المعمدان، لكنه كان إنساناً أكولاً وشريّب خمر، جاء يأكل ويشرب (متى 11: 19) وإن مثل هذه التهمة لا تستحق الرد أو الاهتمام، ويزيدنا فخراً أن يمتلئ يسوع فرحاً، ولا مجال للشك في أنه كان مثال الدقة والعناية بشؤون دينه.

4) أما التهمة الرابعة فهي أنه كسر السبت فقد شفى المرضى في يوم السبت، ومشى بين الزروع مع تلاميذه في يوم سبت، وقطف التلاميذ سنابل وأكلوا، فاعتبره الفريسيون بمثابة عمل- حصاد ودرس- وهو ممنوع منعاً باتاً بحسب تقليدهم، ولن يرتاب من يدرس الكتاب بدقة وعناية، في أن يسوع كان مثال الاحترام الكلي لناموس الله، وكان طائعاً له... وعند احتدام المناقشة، كان يحتكم يسوع إلى الناموس... وقد أكد لهم أيضا ًأن الله صنع السبت لأجل الإنسان لا الإنسان لأجل السبت، وهو "رب السبت" له الحق والسيادة، ويستطيع أن يفسر الشريعة الإلهية تفسيراً صحيحاً.

ونلاحظ أن هذه التهم إما تافهة، أو أن لا أساس لها من الصحة، حتى أنه في وقت المحاكمة، لم تكن هناك تهمة معينة ضد المسيح، يستحق عليها الموت، فاستأجر أعداءه شهود زور ضده، ولم تتفق شهادتهم... وزد على ذلك فإن الاتهام الذي دبروه ضده، لم يكن أدبيَّاً بل سياسياً.... ولمَّا وقف الجليلي "المتهم" ليسمع الحكم أمام الجموع الحاشدة، صدر الحكم ببراءته مرة بعد الأخرى، وقد حاول بيلاطس محاولات كثيرة، تدل على جبنه وحقارته، لكي يتخلص من إصدار الحكم، وفعلاً غسل يديه وصرَّح علانية، أنه "بريء من دم هذا البار" (متى 27: 24) ولعل هذه العبارة، جاءت نتيجة طبيعية، لتأثره من رسالة زوجته التي بعثت تقول له: "إياك وذاك البار" (متى 27: 19) ولمّا أرسله إلى هيرودس، لم يجد فيه أية علّة (لوقا 23: 15) وها هو يهوذا الخائن، الذي لم يقدر أن يقاوم توبيخ ضميره، فأرجع الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة وقال: "... قد أخطأت إذ أسلمت دماً بريئاً" (متى 27: 3، 4) وقد شهد ليسوع أيضاً، اللص التائب وهو على الصليب وانتهر رفيقه المصلوب الثالث، لإهانته يسوع وقال: "وأمّا هذا فلم يفعل شيئاً ليس في محلّه" (لوقا 23: 41) كما جاءت شهادة قائد المئة، مطابقة للحق، عندما شاهد المسيح يتألم ويموت، صرخ قائلاً: "بالحقيقة كان هذا الإنسان باراً" (لوقا 23: 47).

تقديرنا الشخصي للمسيح
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10268