Skip to main content

الفَصلُ السابِع عشَر ما هُوَ الإنجيلُ؟

(1كُورنثُوس 15: 1- 4)

لِنَفتَرِضْ أنَّني أعطَيتُكَ أيُّها القارِئُ العزيز، قلماً وورقَةً، وطَلَبتُ منكَ أن تكتُبَ جوابَكَ على هذا السُّؤال: "ما هُوَ الإنجيل؟" تصوَّرْ أنَّني طَلَبتُ منكَ أن تُرفِقَ جوابَكَ على سُؤالِي ببعضِ الإقتباسات من أعدادِ الكِتابِ المقدَّس. كيفَ كُنتَ ستُجيبُ على سُؤالي؟

كلَّفَ يسُوعُ تلاميذَهُ ورُسُلَهُ بأن يُعلِنُوا إنجيلَهُ لكُلِّ خَليقَةٍ وأُمَّةٍ على الأرض (مَرقُس 16: 15). إذا أخَذنا مأمُوريَّتَهُ العُظمَى جَدِّياً، علينا أن نبدَأَ طاعَتَنا لهذه المأمُوريَّة المُعطاة للكنيسة، بالتأكُّدِ من كَونِنا نعرِفُ ما هُوَ الإنجيلُ.

بِحَسَبِ بُولُس الرَّسُول، هذا الإنجيل يتألَّفُ من حقيقَتين عن يسُوع المسيح. كتبَ بُولُس يقُولُ "وأُعَرِّفُكُم أَيُّها الإخوَة بالإنجيلِ...أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا حسبَ الكُتُب... وأنَّهُ قامَ في اليومِ الثَّالِث حسبَ الكُتُب." (1كُورنثُوس 15: 1، 3، 4). هذا هُوَ الجوابُ الصحيحُ على السؤال، "ما هُوَ الإنجيلُ؟" بدأَ بُولُس هذه الرِّسالة بإخبارِ الكُورنثُوسيِّين أنَّهُ عندما جاءَ إلى كُورنثُوس، كانَ مُصمِّماً على أن لا يعرِفَ شيئاً بينَهُم إلا يسُوع المَسيح وإيَّاهُ مَصلُوباً (2: 1، 2). ولقد ختمَ هذه الرِّسالة بتَذكِيرِهم أنَّهُ كرزَ بالمَسيح مَصلُوباً ومُقاماً.

هل سبقَ وإكتَشَفتَ أنَّهُ بالنسبَةِ لكُتَّابِ الأناجيل الأربَعة، إحتفالُ القيامَةِ هُوَ أكثَرُ أهمِّيَّةً من الميلاد؟ فعندما كتبَ يُوحَنَّا الرَّسُول إنجيلَهُ، خصَّصَ حوالي نصف إصحاحاتِهِ للسَّنَوات الثلاث والثلاثِين التي عاشَها يسُوعُ على الأرض، والنِّصف الآخر من إصحاحاتِهِ خصَّصَها للأُسبُوعِ الأخير الذي عاشَهُ يسُوع. ومن بَين تسعٍ وثمانِينَ إصحاحاً تُشكِّلُ الأناجيل الأربَعة، أربَعَةُ إصحاحاتٍ منها تُغَطِّي ولادة المسيح والسنوات الثلاثِين الأُولى من حياتِهِ، بينَما سبعَةٌ وعِشرُونَ إصحاحاً تُغَطِّي الأُسبُوع الأَخير الذي عاشَهُ يسُوع. لماذا يحظى هذا الأُسبُوع الأخيرُ من حياةِ يسُوع بهذا القدر من الأهمِّيَّة،  ولماذا يُعتَبَرُ الفصحُ أهمَّ جداً من الميلاد، بالنسبَةِ لكُتَّابِ سيرَةِ حياة يسُوع المسيح المُوحى بها، أي الأناجيل؟

الجوابُ الصَّريحُ على هذه الأسئِلة هُوَ أنَّهُ خِلالَ هذا الأُسبُوعِ الواحِد، ماتَ يسُوعُ وقامَ من المَوت  من أجلِ خلاصِنا. الجَوابُ غيرُ الواضِحِ هُوَ أنَّهُ خِلالَ هذا الأسبُوعِ الواحِد، بَرهَنَ يسُوعُ المَسيحُ الحَياةَ الأبَديَّةَ، التي هي الإطار أو وُجهَة النَّظَر التي من خلالِها جَميعُ أُولئكَ الذين يُؤمِنُون بالإنجيل ينبَغي أن ينظُروا إلى الحَياةِ والمَوت، ويُؤَسِّسُوا أولويَّاتِهم لِعَيشِ حياتِهم في هذا العالم.

في الإصحاحِ الخامِس عشَر من كُورنثُوس الأُولى، وبعدَ التصريحِ بِوُضُوحٍ بأنَّ الإنجيلَ هُوَ موتُ وقِيامَةُ يسُوع المسيح، ركَّزَ بُولُسُ كأَشِعَّةِ اللايزَر على تلكَ الحَقيقَة الثَّانِيَة في الإنجيل – قِيامَةُ يسُوع المَسيح. لقد كتبَ ثمانِيَةً وخَمسينَ عدداً مُوحىً بهِ، مُظهِراً بطريقَةٍ تعبُّدِيَّةٍ عمليَّة، ما ينبغِي أن تَعنيَهُ قيامَةُ يسُوع المسيح لكَ ولي. في هذا الإصحاحِ العظيم من العهدِ الجَديد، يرفَعُ بُولُس الرَّسُول السِّتارَ عن القَبر، ويُظهِرُ لنا أنَّ هُناكَ حياةٌ بعدَ المَوت، وحياةٌ بعدَ القَبر.

في كُلِّ يومِ أحدٍ يجتَمِعُ فيهِ أتباعُ يسُوع المسيح معاً ليَعبُدُوهُ، يحتَفِلُونَ بتلكَ الحقيقة الثَّانِيَة من حقائِقِ الإنجيل – أنَّ يسُوعَ المسيح قامَ من الموت. هل سبقَ وتساءَلتَ لماذا غيَّرَ الرُّسُلُ، الذين كانُوا جميعاً يهُوداً، يومَ عبادَتِهم من اليوم السابِع (السبتِ) إلى اليومِ الأوَّلِ في الأُسبُوع، أي يوم الأحد؟ إذا قرأتَ بِتَمَعُّنٍ، سوف ترى أنَّهُم لا يَدعُونَ أبداً الأحد "بالسبت". فاليومُ الأوَّلُ من الأُسبُوع يُسَمَّى "يوم الرَّبّ" من قِبَلِ الرُّسُل، لأنَّ هذا هُوَ اليومُ الذي قامَ فيهِ يسُوعُ من الموت. فكُلُّ يومِ أحدٍ تجتَمِعُ فيهِ الكنيسةُ للعبادَة، هُوَ إحتِفالٌ بقيامَةِ يسُوع المسيح، لأنَّهُ في اليومِ الأوَّل من الأُسبُوع، أعلنَ يسُوعُ وبرهَنَ القِيمَةَ المُطلَقة للقِيامَةِ والحياةِ الأبديَّة.

في تُحفَةِ بُولُس عن القِيامة، جوهَرُ هذه الرِّسالة هُوَ أنَّ قيامَةَ يسُوع  المسيح هي نُبُوَّةٌ، بُرهانٌ، نمُوذَجٌ وصُورَةٌ مُسبَقة عن المُعجِزة المَهُوبَة، أنَّهُ عندَ مجيءِ يسُوع المسيح ثانِيَةً، سيكُونُ هُناكَ قيامَةٌ خارِقَةٌ للطَّبِيعة لكُلِّ المُؤمنين، الأحياء والأموات. بِحَسَبِ بُولُس، هذه المُعجزة العظيمة قد تبرهَنت بدُونِ أدنى شَكّ، وتُنُبِّئَ وأُعلِنَ عنها بقِيامَةِ يسُوع المسيح.

لقد ماتَ يسُوعُ وقامَ من الموتِ من أجلِ خلاصِنا. الأخبارُ السَّارَّةُ (الإنجيلُ) هي أنَّهُ عندما ماتَ يسُوعُ على الصليب، وضعَ اللهُ على إبنهِ الحبيب الوحيد كُلَّ العِقاب الذي إستحَقَّيناهُ نحنُ البَِشَر بسببِ خطايانا. بهذه الطريقة، مارَسَ اللهُ وأرضى عدالتَهُ الكامِلة. ولقد عبَّرَ اللهُ أيضاً عن محبَّتِهِ الكامِلة، عندما ماتَ يسُوعُ على الصليب. يُشيرُ يُوحنَّا الرَّسُول إلى الصليبِ ويقُولُ، "في هذا هي المحبَّة. ليسَ أنَّنا نحنُ أحبَبنا الله، بل أنَّهُ هُوَ أَحَبَّنا وأرسَلَ إبنَهُ ليمُوتَ كفَّارةً عن خطايانا، وليسَ عن خطايانا فقط، بل وعن خَطايا العالم أيضاً." (1يُوحَنَّا 2: 1، 2).

عندما تضَعُ إيمانَكَ بِمَوتِ المَسيح نيابَةً عنكَ، وتَثِقُ بهِ شخصيَّاً ليكُونَ مُخَلِّصَكَ، تكُونُ قد دَخَلتَ إلى الخلاص الذي من أجلِ تحقيقِهِ ماتَ المسيحُ وقامَ (إشعياء 53؛ 2كُورنثُوس 5: 21؛ 1بُطرُس 2: 24).

الكلمة اليُونانِيَّة المُتَرجَمَة "إعتِراف"، هي كلمةٌ مُركَّبَةٌ من كلمتَينِ يُونانِيَّتَين هُما: "قَولُ المِثْل." فأن تعتَرِفَ يعني حرفِيَّاً أن "تقُولَ المِثل" أو أن تُوافِقَ معَ الله. هذا هُوَ المعنى الذي يحضُّنا بهِ العهدُ الجديدُ على الإعتِراف بيسُوع المسيح (1يُوحنَّا 4: 1- 6). بَينَما تنظُرُ إلى معنى مَوت وقِيامَة يسُوع المسيح، أُشجِّعُكَ أن تقُولَ المِثل، وأن تُوافِقَ معَ الله على معنى مَوتِ يسوع المسيح.

يُرينا النِّبِيُّ إشعياءُ كيفَ نعتَرِفُ أنَّ يسُوعَ المسيح ماتَ من أجلِ خطايانا. كتبَ إشعياءُ قائِلاً: "كُلُّنا كَغَنَمٍ ضَلَلنا، مِلنا كُلُّ واحدٍ إلى طريقِهِ. والرَّبُّ وضعَ عليهِ إثمَ جَميعِنا." (إشعياء 53: 6).

يبدَأُ هذا العددُ وينتَهِي بنفسِ الكلمة، وهِي "كُل أو جَميع." أوَّلُ "كُلّ" من هذا العدد تُشيرُ إلى الأخبارِ السَّيِّئة، أنَّ كُلَّ شخصٍ منَّا قد شَرَدَ بعيداً بحسبِ طريقِهِ الخاصَّة. فعندما تتأمَّلُ بكلمة "كُلّ" الأُولى من هذا العدد، هل تعتَبِرُ أنَّها تشمَلُكَ أنتَ أيضاً؟

وكلمة "جميعنا" الأخيرة في هذا العدد هي الأخبارُ السَّارَّة أنَّ الله وضعَ على يسُوع المسيح آثامَنا وخطايانا نحنُ جميعاً. هل تُؤمِنُ بأنَّكَ مَشمُولٌ بهذه "الجَميع" الأخيرة من هذا العدد؟ عندما تَشمَلُ نفسَكَ، بالإيمانِ، بهاتين الكلمتَين: "كُلُّنا وجميعُنا" من هذا العدد العظيم من سفرِ إشعياء، تكُونُ تعتَرِفُ بالقِيمَةِ الأبديَّةِ أنَّ يسُوعَ ماتَ من أجلِ خطايانا.


إصحاحُ القِيامَةِ في الكتابِ المقدَّس

يتكلَّمُ الإصحاحُ الخامِس عشرَ من كُورنثُوس الأُولى بجُملتِهِ عن القِيامة. في هذا الإصحاح، يُظهِرُ لنا بُولُس الرَّسُول أنَّ القِيامَة – وليسَ فقط قيامَة المسيح، بل أيضاً قِيامة المُؤمنين الأموات – هي جزءٌ لا يتجزَّأُ من الإنجيل الذي كرزَ بهِ بُولُس عندما جاءَ إلى كُورنثُوس. لهذا يبدَأُ هذا الإصحاح بالقَول، "وأُعَرِّفُكُم أيُّها الإخوة بالإنجيلِ الذي بَشَّرتُكُم بهِ وقَبِلتُمُوهُ وتَقُومُونَ فيهِ. وبهِ أيضاً تَخلُصُون إن كُنتُم تذكُرُونَ أَيُّ كلامٍ بَشَّرتُكُم بهِ إلا إذا كُنتُم قد أمنتُم عبَثاً. (1كُورنثُوس 15: 1- 2).

ثُمَّ يُركِّزُ بُولُس على الإنجيل الذي كرزَ بهِ: "فإنَّني سَلَّمتُ إليكُم في الأوَّل ما قَبِلتُهُ أنا أيضاً أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا حسبَ الكُتُب. وأنَّهُ دُفِنَ وأنَّهُ قامَ  في اليومِ الثَّالِث حسبَ الكُتُب." (1كُورنثُوس 15: 3، 4)

الإنجيلُ هُوَ بالواقِع حقيقَتان: موتُ يسوع المسيح وقيامَةُ يَسُوع المسيح. يَعتَقِدُ الكَثيرُونَ أنَّ الإنجيلَ هُوَ فقط حقيقَةٌ واحِدة – أنَّ المسيحَ ماتَ من أجلِ خطايانا. موتُ يسُوع المسيح، عندما نضَعُ إيمانَنا بهِ، يعني الغُفران، ولكنَّ قيامَةَ يسُوع المسيح، عندما نضَعُ إيمانَنا بهذه الحقيقة الثانِيَة العظيمة من حقائِقِ الإنجيل، تعني الشَّرِكة معَ المسيح، الذي يستطيعُ أن يُعطِيَنا بالنِّعمة أن نكُونَ ونعمَلَ كُلَّ الأشياء التي دعانا لنَكُونَها ونعمَلَها.  هاتَانِ الحقيقتان تُشَكِّلانِ الإنجيل.

ويُتابِعُ بُولُس عبرَ ثمانِيَةٍ وخمسينَ عدداً ليُناقِشُ هذه الحقيقة الثَّانِيَة من حقائِقِ الإنجيل، أي قيامَةُ يسُوع المسيح. لَرُبَّما هذا بِسبب كونِ الكُورنثُوسيِّين قد عبَّرُوا في رسالةٍ أرسَلُوا لهُ عن أسئِلةٍ وشكُوكٍ حيالَ القِيامة. قد تكُونُ فكرَةُ القِيامَةِ بكامِلِها مُشكِلَةً عقلِيَّةً لأولئكَ اليُونانِيِّين المُتفلسِفِينَ والمُتَحذلِقِينَ عقليَّاً.

هذا الإصحاحُ يتكلَّمُ بالدرجَةِ الأُولى عنِ القِيامَة، ولكنَّهُ يبدَأُ معَ تصريحٍ واضِحٍ ومُحَدَّد عمَّا هُوَ الإنجيل. فهل تفهَمُ ما هُوَ الإنجيل؟ قد لا تكُونُ تابِعاً للمسيح، لأنَّكَ لم تسمَعِ الإنجيلَ من قَبل. الأعدادُ الأربَعة الأُولى من هذا الإنجيل تُعطي كُلَّ إنسانٍ فكرةً واضِحةً عمَّا هُوَ الإنجيل، الذي يعني بالحقيقة "الأخبار السارَّة." لقد ماتَ يسُوع المسيح على الصليب، ليسَ فقط من أجلِ خطايا العالم، بل أيضاً من أجلِ خطاياي وخطاياك.

قد تَظُنُّ، بينَما تُفكِّرُ في إمكانِيَّةِ الإيمانِ بيسُوع، أنَّكَ لن تستطيعَ أبداً أن تعيشَ كما دُعِيَ وتعلَّمَ أتباعُ المسيحِ أن يعيشُوا. أنتَ فعلاً على صَواب. لن تتمكَّنَ من العَيشِ بهذه الطريقة، بدُونِ القُوَّة الديناميكيَّة للمسيحِ القائم من الموت والذي يحيا فيكَ. لهذا تحتاجُ أن تفهَمَ أنَّ الحقيقَةَ الثانِيَة عن الإنجيل هي قيامَةُ يسُوع المسيح. هذا يعني أنَّهُ حَيٌّ، حَقِيقيٌّ، وبإمكانِكَ أن تتمتَّعَ بعلاقَةٍ معَهُ، تلكَ العلاقة التي ستمنَحُكَ النِّعمة لتَحيا بالطريقة التي يتوجَّبُ على تلميذِ المسيح أن يحيا بِها.

إن كُنتَ لم تُؤمِنْ بعد بالمسيح، هل ستُؤمِنُ بالإنجيلِ الآن؟ إن كُنتَ ستَفعَلُ ذلكَ، عندها ستختَبِرُ الخلاص. وعندما تختَبِرُ الخلاص، تعالَ معي إلى راحَةِ هذا الإصحاحِ الرِّائع، وانظُرْ ماذا يُمكِنُ ان تعنِيَهُ لكَ أخبارُ القيامَةِ السَّارَّةُ – سواءٌ الآن أم عندما تُواجِهُ حقيقَةَ مَوتِكَ، التي لا مَفَرَّ منها على الإطلاق.

  • عدد الزيارات: 7548