Skip to main content

الفَصلُ العِشرُون الجسدُ الرُّوحِيُّ

(1كُورنثُوس 15: 23- 46)

في هذه الأعداد، يُخبِرُنا بُولُس بأنَّهُ يُوجدُ ترتيبٌ للقِيامَةِ. "ولكنَّ كُلَّ واحِدٍ في رُتبَتِهِ" كما قالَ. إن كُنتَ قد درستَ مجيءَ يسُوع المَسيح ثانِيَةً، تعرِفُ أنَّهُ عندما يأتي المسيحُ ثانِيَةً، سوفَ يأخُذُ من هذا العالم أُولئكَ الذين هُم في المسيح. نقرأُ أنَّ "الأموات في المسيح سيقُومُونَ أوَّلاً." (1تسالونيكي 4: 16) المُؤمنُون، الذي يكُونُونَ أحياءَ عندَما يأتي، سيتغيَّرَونُ جذريَّاً إستعداداً للحالَةِ الأبديَّة. سوفَ ننظُرُ إلى هذا بشكلٍ أعمَق فيما بعد. ولكن هُنا في العدد 24، كتبَ بُولُس يقُول، "وبعدَ ذلكَ النِّهايَة متى سَلَّمَ المُلكَ للهِ الآب متى أبطَلَ كُلَّ رِياسِةٍ وكُلَّ سُلطانٍ وكُلَّ قُوَّةٍ."

في العدد 30، يطرَحُ بُولُس السُّؤال،"ولماذا نُخاطِرُ نحنُ في كُلِّ سَاعَةٍ. إنِّي بإفتِخارِكُم الذي لي في المسيحِ يسُوع رَبِّنا أمُوتُ كُلَّ يَوم. إن كُنتُ كإنسانٍ قد حارَبتُ وُحُوشاً في أفسُس فما المَنفعَةُ لي. إن كانَ الأمواتُ لا يقُومُون فَلنَأكُل ونَشرَب لأنَّنا غداً نَمُوت." بِمعنىً ما، إنَّهُ يُتابِعُ القَول هُنا ما قالَهُ في العدد 19:"إن كانَ لنا في هذه الحياةِ فقط رجاءٌ في المسيح، فإنَّنا أَشقَى جَميعِ النَّاس."

في العدد 33، يُوبِّخُ الكُورنثُوسيِّين بإقتباسِهِ من مثَلٍ يُونانِيّ:"لا تَضِلُّوا، العِشرة الرَّدِيَّة تُفسِدُ الأخلاق الجَيِّدة." فهُوَ يقتَرِحُ هُنا أنَّ المُؤمِنين الكُورنثُوسِيِّين قد أُفسِدُوا بِفِعلِ الحضارَةِ اليُونانِيَّةِ المُحِيطَةِ بهم. كتبَ يقُولُ في العدد 34، "إصحُوا لِلبِرِّ ولا تُخطِئوا لأنَّ قَوماً ليسَت لهُم مَعرِفَةٌ بالله. أقُولُ ذلكَ لِتَخجيلِكُم."

إنَّ بُولُس يتحدَّى المُؤمنينَ الكُورنثُوسيِّين بالعَودة إلى قِيَمِ أتباع يسوع المسيح، وإلى أيِّ مدى ينبَغي تقدير قيمة القيامة. إنَّهُ يُرَكِّزُ هُنا على القِيمة الأبديَّة عندَ المُؤمن. يقُولُ ما معناهُ، بما أنَّكُم سمَحتُم أن تُفسَدَ أخلاقُكم بالحضارَةِ التي أنتُم جزءٌ منها، يُوجدُ بالحقيقَةِ أشخاصٌ في مَدينَةِ كُورنثُوس لا يعرِفُونَ الله. لذلكَ ينبَغي أن تخجَلُوا من أنفُسِكُم!"

أعتَقِدُ أنَّ هذه هي كلماتٌ مَهُوبَّة ينبَغي أن تتحدَّانا جميعاً لنتعقَّلَ ونسترجِعَ قيَمَ الناس الذين يُؤمِنُونَ بالإنجيل. كتبَ بُولُس إلى أهلِ رُومية أنَّهُ إن كُنَّا نُريدُ أن نكتَشِفَ ونعمَلَ مشيئةَ اللهِ في حياتِنا، إحدى الخُطوات التي ينصَحُنا بإتِّخاذِها هي "لا تُشاكِلُوا هذا الدَّهر." (رُومية 12: 1، 2). لقد علَّمَ يسُوعُ أنَّهُ علينا أن نَكُونَ نُورَ العالم ومِلحَ الأرض (متَّى 5: 13- 16). هاتانِ الإستِعارتانِ تعنِيانِ أنَّهُ علينا أن نَثُورَ ونُؤثِّرَ على حضارَتنا، لكي لا نتأثَّرَ بالحضارَةِ التي فيها نعيشُ. يُعلِّمُ بُولُس هذا الأمر نفسَهُ في هذه الأعداد.

في العدد 35، يبدَأُ بُولُس بالوُصُول لما أَعتَبِرُهُ لُبَّ وجوهَرَ إصحاحَ القيامَةِ العظيم. وهُوَ الآن يُجيبُ على سُؤالَين طُرِحا من قِبَلِ الكُورنثِيِّين: "كيفَ يقُومُ الأمواتُ، وبِأَيِّ جسدٍ يأتُون؟" هذان سُؤالانِ واضِحانِ يُطرَحانِ على أيِّ من يُفَكِّرُ حقيقَةً بقَضِيَّةِ قيامَةِ المُؤمنين. فكيفَ تحدُثُ؟ وأيُّ نَوعٍ من الجسد سيكُونُ لدى الذين سيقُومُونَ من الموت؟

للإجابَةِ على هذه الأسئِلة المُتَعَلِّقَة بالقِيامة، يستخدِمُ بُولُس إيضاحَ بذرَةٍ مزرُوعةٍ في الأرض. وهذا إيضاحٌ جميلٌ لما أُسمِّيهِ منطِقُ بُولُس الرَّسُول المُوحى بهِ. كما ترون، كانَ يقُولُ المُؤمنُونَ الكُورنثُوسيُّونَ، كونَهُم عقلانِيِّين: "نحنُ لا نُؤمِنُ بالقِيامَةِ لأنَّنا لا نفهَمُها." أعتَقِدُ أنَّ بُولُس يُجادِلُ قائلاً، "إسمَعُوا! أنتُم تُؤمِنُونَ بعدَّةٍ أشياء لا تفهَمُونَها. فأنتُم تضعُونَ بذرَةً في الأرضِ، وعندما تمُوتُ هذه البِذرَةُ وتَتَوقَّفُ عن كَونِها بذرَةً، يُعطيها اللهُ جسداً آخر. قد يكُونُ هذا الجسدُ زنبَقَةَ الفِصحِ الجميلة مثلاً. فحتَّى ولو لم تفهَمُوا هذه المُعجِزة، لكنَّكُم تُؤمِنُونَ بها."

في تلكَ الأيَّام، كانَ الكثيرُ من الناسِ يزرَعُونَ النباتات لكي يُطعِمُوا عائلاتِهم. وكانُوا يُضَحُّونَ بالكَثير لكي يغرِسُوا بساتِينَهُم، لأنَّهُم آمنُوا أنَّ هذه البُذُور التي زرعُوها ستُنتِجُ خُضاراً وثِماراً. لهذا شدَّدَ كُلٌّ من يسُوع وكُتَّابُ وأنبِياءُ العهدِ القديم على إستعارَةِ الزرعِ والحصاد. يُجادِلُ بُولُس قائِلاً أنَّهُم يُظهِرُونَ من خِلالِ حقُولِهم المزرُوعة، أنَّهُم يُؤمِنُونَ بمُعجِزَةِ الزَّرعِ والحصاد، رُغمَ أنَّهُم لم يَفهَمُوا كيفَ تُصبِحُ البِذرَةُ زهرَةً أو ثمرة.

يقُولُ بُولُس أنَّ الجسدَ الإنسانِي هُوَ تماماً مثل تلكَ البِذرة. فالجسدُ، بِحَسَبِ هذا السِّيناريو المُوحى، لا يُدفَنُ، بل يُزرَعُ. ويستنتِجُ بُولُس قائِلاً: "هكذا أيضاً قيامَةُ الأموات. يُزرَعُ في فَسادٍ ويُقامُ في عَدَمِ فساد. يُزرَعُ في هَوانٍ ويُقامُ في مَجدٍ. يُزرَعُ في ضَعفٍ ويُقامُ في قُوَّةٍ. يُزرَعُ جِسماً حَيوانِيَّاً ويُقامُ جِسماً رُوحانِيَّاً. يُوجَدُ جِسمٌ حَيوانِيٌّ ويُوجَدُ جِسمٌ رُوحانِيٌّ." (1كُورنثُوس 15: 42- 44).

هذا وصفٌ جَميلٌ لما هي القيامَة. تُعلِّمُنا الأسفارُ المُقدَّسة أنَّ الإنسانَ مُؤلَّفٌ على الأَقَلّ من جُزئَين. لديهِ الجزء الجسديّ، الملمُوس، المادِيّ، الذي يُمكِنُكَ رُؤيتَهُ. ولديهِ الجزءُ الرُّوحِيُّ منهُ، الذي ليسَ بإستِطاعَتِكَ رُؤيتَهُ. الجزءُ الجَسَدِيُّ من الإنسان، عندما يمُوتُ، يفسُدُ، ويُزرَعُ في التُّرابِ بِفسادٍ. ولكن، كما تَكُفُّ البِذرَةُ عن كونِها بذرَةً لكي تُنتِجَ زنبَقَةَ الفِصح، فلِكَي تتحضَّرَ أجسادُنا للحالَةِ الأبديَّة، ينبَغي أن يجتازَ جسدُنا الفاسِدُ عبرَ مُعجِزَةٍ تجعَلُ من هذا الجسد غيرَ قابِلٍ للفَساد. عندما يُزرَعُ الجَسَدُ، يُزرَعُ في هَوانٍ، ولكنَّهُ سوفَ يُقامُ في مَجدٍ. الجسدُ يكُونُ في ذُروَةِ الضَّعفِ عندما يمُوتُ، وهكذا يُزرَعُ في ضَعفٍ. ولكن عندما يُقامُ، سوفَ يُقامُ في قُوَّةٍ ومجد.

ثُمَّ يَصِلُ بُولُس إلى تعليمٍ عظيم. "يُزرَعُ جِسماً حيوانِيَّاً، ويُقامُ جسماً رُوحانِيَّاً." (44) جسمٌ رُوحانِيٌّ؟ ماذا يُمكِنُ أن يكُونَ هذا الجسم الرُّوحانِيّ؟ أعتَقِدُ أنَّ يُوحَنَّا يُخبِرُنا أنَّ طَبيعَةَ أجسادِنا المُقامَة لا تزالُ غيرُ مُعلَنٍ عنها. كتب يقُول: "لم يُظهَرْ بعدُ ماذا سنَكُون. ولكن نعلَمُ أنَّهُ إذا أُظهِرَ نَكُونُ مثلَهُ لأنَّنا سنراهُ كما هُوَ." (1يُوحنَّا 3: 2)

هل سيكُونُ جسدُ قيامَتِنا تماماً مثل جسد قيامَة يسُوع؟ في 1يُوحنَّا: 1، يُشدِّدُ يُوحنَّا على حقيقَةِ كونِهِ رأى ولمسَ جسدَ يسُوع القائِم من الموت. ولكن، عندما وصلَ إلى إصحاحِهِ الثَّالِث، كتبَ يَقُولُ أنَّ جسدَ قيامَتِنا سيكُونُ في شكلٍ لم يُعلَنْ عنهُ بعد.

ولكن في إصحاحِ القِيامَةِ العظيم هذا، لدينا التعليم الرَّائع لبُولُس: يُوجدٌ جسمٌ حيوانِيٌّ ويُوجَدُ جسمٌ رُوحانِيٌّ. ثُمَّ يُتابِعُ القول، "لكن ليسَ الرُّوحَانِيُّ أوَّلاً بل الحيوانِيُّ، وبعدَ ذلكَ الرُّوحانِيُّ." (1كُورنثُوس 15: 46)

بينما تُتابِعُ دراسةَ هذا الإصحاح، تأمَّلَ بالتالي: ماذا يعنيهِ بُولُس عندما يكتُبُ قائِلاً أنَّ لدينا جسدٌ حيوانِيٌّ، ومن خلالِ مُعجِزَةِ القِيامة، سيُعطينا اللهُ جسداً رُوحانِيَّاً؟

  • عدد الزيارات: 2985