Skip to main content

الفَصلُ الحادي والعِشرُون الإنتِصارُ على المَوت

(1كُورنثُوس 15: 46- 58)

كانَ لدى الكُورنثُوسيِّين سُؤالَين عن قيامَةِ المُؤمنِين، وهُما: كيفَ سيُقامُ الأموات، وبأيِّ جَسَدٍ يأتُون؟ يُجيبُ بُولُس قائِلاً: "يُوجَدُ جسمٌ حيوانِيّ ويُوجَدُ جِسمٌ رُوحانِيّ... لكن ليسَ الرُّوحانِيُّ أولاً، بل الحَيَوانِيّ، وبعدَ ذلكَ الرُّوحانِي. الإنسانُ الأَوَّلُ من الأرضِ تُرابِيٌّ. الإنسانُ الثَّاني من الرَّبُّ من السماء. كما هُوَ التُّرابِيُّ هكذا التُّرابِيُّون أيضاً. وكما هُوَ السماوِيُّ هكذا السَّماوِيُّونَ أيضاً. وكما لَبِسنا صُورَةَ التُّرابِيُّ سَنَلبَسُ أيضاً صُورَةَ السَّماوِيّ." (1كُورنثُوس 15: 47- 49).

كتبَ بُولُس يقُولُ أنَّنا خُلِقنا لنَعيشَ في عالَمَين، وليسَ في واحِدٍ فحَسب. فلقد أخذنا جسداً مادِّيَّاً لكي نَعيشَ على الأرض. في قَلبِ إصحاحِ القيامَةِ هذا، يُخبِرُنا بُولُس أنَّ خالِقَنا صَمَّمنا أيضاً عندما خلقَنا، لنَعيشَ في السماء. فإلهُنا سوفَ يمنَحُنا يوماً ما جسداً رُوحانيَّاً، سيُؤهِّلُنا لنَعيشَ في السماءِ إلى الأبد.

لِكَي نَعيشَ في هذا البُعدِ السماوِيِّ الثاني، علينا أن نختَبِرَ مُعجِزةَ الموتِ والقِيامة. يُخبِرنا بُولُس أنَّ هُناكَ أمرانِ ينبَغي أن يتحقَّقا في مُعجِزَةِ المَوتِ والقِيامَة. فجَسَدُنا القابِلُ للفَساد ينبَغي أن يختَبِرَ مُعجِزَةً تجعَلُ منهُ غيرَ قابِلٍ للفَساد. وروحُنا المائِتة ينبَغي أن تختَبِرَ مُعجِزةً تجعَلُ منها خالِدَةً. وعندما يُصبِحُ جسدُنا غَيرَ قابِلٍ للفَساد، ورُوحُنا خالِدة بواسطَةِ مُعجِزةِ القيامة، سنكُونُ حاضِرينَ لِنَعيشَ في السماءِ معَ اللهِ والمسيح، إلى الأبد!


الحياةُ في بُعْدَين

هل سبقَ وراقَبتَ طَيران ذلكَ النَّوع من الحشرات الطائِرة التي نُسمِّيها خَيَّاطَةً أو يعسُوباً، وكيفَ تستخدِمُ جناحَيها لتطيرَ من زهرَةٍ إلى أُخرى؟ أحياناً تُحَلِّقُ كطائِرَةِ الهيليكُوبتر المِروَحِيَّة، وكأنَّها مُعَلَّقَةٌ في الفضاء. وبإمكانِ هذه الحشرة الطائِرة أن تُحلِّقَ هكذا طوالَ النهار. هذه المخلُوقاتُ المُدهِشة هي من مُعجِزاتِ الطَّيران، لأنَّ لديها مجمُوعتانِ من الأجنِحة التي تُبقيها طائِرَةً بدُونِ توقُّف. تقضي هذه الحشرَةُ الطائِرة أوَّل أربَع سنوات من وُجُودِها في جسمٍ في أعماقِ المياه. وخلالِ السنواتِ الأُولى من حياتِها، إذا أخذتَ هذه الحشرة التي كانت تعيشُ تحتَ الماء إلى مُختَبَرٍ للفَحص، ستجدُ أنَّ هذه الحشرة المائِيَّة مُزَوَّدَة بجِهازَينِ تنَفُّسِيَّين. فلديها جهازٌ تنَفُّسِيٌّ يُمَكِّنُها من إرتِشافِ المياه عبرَ جسمها الطويل والضَّيِّق لتستخرِجَ الأُوكسيجين من الماء، كما تفعَلُ بَقيَّةُ الكائناتِ التي تعيشُ تحتَ الماء. ولكنَّكَ ستكتَشِفُ أيضاً أنَّ هذه الحشرة المدهِشة تتمتَّعُ بجهازٍ تنَفُّسِيٍّ آخر، سيُؤهِّلُها يوماً ما أن تتنفَّسَ الهواء عندما ستدخُلُ المجالَ الثاني من حياتِها في الهواء.

فبعدَ أن يَصِلُ وُجُود اليُعسُوب تحتَ الماء إلى نهايتِهِ، ترتَفِعُ حشرَةُ اليُعسُوب إلى أعلى المياه، وتخرُجُ إلى اليابِسة، فتُنشِّفُ أجنِحَتَها تحتَ الشمس، وتفرُدُ هاتَين المجمُوعَتين المُدهِشَتَين من الأجنِحة، وتبدَأُ بِعَيشِ البُعدِ الثاني من وُجُودِها. إنَّ اليُعسُوب أو الخَيَّاطة مُصَمَّمَةٌ بِوُضُوحٍ من الله لتَعيشَ حياتِها في بُعدَين أو مجالَينِ.

في إصحاحِ القِيامَةِ الرَّائِع هذا، يُخبِرُنا بُولُس أنَّ لَدَينا هذا القاسَمِ المُشتَرَكِ معَ هذه الحشرة الطائِرة: الخيَّاطة أو اليُعسُوب. فبِحَسَبِ بُولُس الرَّسُول، نحنُ أيضاً صُمِّمنا من قِبَلِ اللهِ لنُوجدَ في مَجَالَين. فاللهُ يمنحُنا جسداً أرضِيَّاً لنعيشَ حياتَنا هُنا على الأرض، وسوفَ يمنَحُنا اللهُ جسداً سماوِيَّاً سيُؤهِّلُنا لِنَعيشَ إلى الأبد في البُعدِ الثَّاني الأبدِي من حياتِنا المُخطَّط لها في السماء من قِبَلِ العِنايَةِ الإلهيَّة.

لِنَفتَرِض أنَّنا سنقُومُ بدراسَةٍ مِخبَرِيَّة على مُؤمِنٍ مُتَجَدِّدٍ، سنكتَشفُ أنَّ المُؤمِنَ المولُودَ من جديد، هُوَ مثل اليُعسُوب أو الخيَّاطة، مُزَوَّدٌ بجِهازَي حياتَين. فكُلُّ مُؤمِنٍ حَقيقيٍّ مُجهَّزٌ بجسدٍ أرضِي، أو بِجهازِ حياةٍ يُمَكِّنُ المُؤمن أن يعيشَ البُعدَ الأوَّلَ في حياتِه. وسوفَ نكتَشِفُ أيضاً أنَّ كُلَّ مُؤمِنٍ حَقيقيٍّ مُجَهَّزٌ بما يُسمِّيهِ بُولُس "الخَليقَة الجديدة،" أو "الإنسان الجديد"، أو "الإنسان الدَّاخِليّ." بحَسَبِ بُولُس، هذا العملُ العجائِبي للخَلقِ بالرُّوحِ القُدُس، تماماً مثل الجهاز التنفُّسِي الإضافِيّ لليُعسُوب، يستَبِقُ الجسدَ الرُّوحي الذي سيُعطيهِ اللهُ لكُلِّ المُؤمنين، والذي سيُؤهِّلُهُم أن يحيُوا إلى الأبدِ في السماء.

إنَّ حشرَةَ اليُعسُوب هي مُعجِزَةٌ في الطَّيران في المجالِ الثَّاني من حياتِها. فعِندَما يقُومُ المُؤمِنُونَ بطريقَةٍ خارِقَةٍ للطَّبِيعة، وعندما يُعطيكَ اللهُ ويُعطيني جسداً رُوحيَّاً يُؤهِّلُنا لعيشِ البُعيدِ الأبدي الثَّاني من حياتِنا، تصوَّرُوا كيفَ سنكُونُ!

قُرابَةَ نهايَةِ العهدِ الجديد، وفي رسالَةِ يُوحنَّا الرسُول الأُولى، يتأمَّلُ هذا القائدُ الشيخُ في كنيسةِ العهدِ الجديد، في من وماذا نحنُ كمُؤمنين، ومن وماذا سنَكُون. ويُخبِرُنا أنَّ ما سنَكُونُهُ لم يُعلَنْ بعد، ولكنَّهُ سوفَ يَكُونُ مُدهِشاً أكثَرَ من أيِّ شيءٍ بإمكانِنا أن نتخَيَّلَهُ، لأنَّنا في السماء، سوفَ نكُونُ تماماً كما هُوَ المسيحُ الحيُّ المُقامُ اليوم (1يُوحنَّا 3: 1 و2).

عندما يَصِلُ بُولُس إلى العدد 50، يبدأُ بخاتِمتِهِ المُثيرة لإصحاحِ القيامَةِ العظيم هذا. كتبَ يقُولُ: "فأقُولُ هذا أيُّها الإخوَة إنَّ لَحماً ودَماً لا يَقدِرانِ أن يَرِثا ملكُوتَ الله. ولا يَرِثُ الفَسادُ عدَمَ الفَساد." إنَّ هذا لَتَصريحٌ عَميق. فماذا يُشبِهُ المجالُ السماوِيُّ؟ يُخبِرُنا بُولُس أنَّنا لن يكُونَ لدينا أجسادٌ سماوِيَّةٌ هُناك، لأنَّ ملكوتَ الله غَيرُ قابِلٍ للفَساد، أمَّا أجسادُنا فقابِلَةٌ لِلفَساد.

يُتابِعُ بُولُس في الأعداد 51 و52: "هُوَّذا سِرٌّ أقُولُهُ لكُم. لا نَرقُدُ كُلُّنا [أي لن نمُوتَ كُلُّنا، لأنَّهُ سيبقَى أشخاصٌ أحياء عندَ رُجوعِ المسيح]، ولَكِنَّنا كُلَّنا نتغَيَّر. في لَحظَة في طَرفَةِ عَينٍ عندَ البُوقِ الأخير. فإنَّهُ سيُبَوَّقُ فيُقامُ الأمواتُ عديمي فَساد ونحنُ نتغَيَّر."

يُعطينا هذا مُجدَّداً تعليماً عن الأُمُورِ المُستَقبَلِيَّة. فلقد علَّمَنا الرَّسُولُ بُولُس عمَّا نُسمِّيهِ "إختِطاف الكَنيسة." كتبَ بُولُس أنَّ يسُوعَ المَسيحَ سيأتي ويأخُذُ كنيستَهُ من هذا العالم. وعندما سيحدُثُ هذا، سيقُومُ الأمواتُ في المسيح (1تسالونيكي 4: 13- 18).

وعندما قالَ بُولُس، "في لحظَة، في طَرفَةِ عَين،" هُوَ يُعلِّمُ أنَّنا إن كُنَّا أحياءَ عندَما سيأتي المسيحُ، فينبَغي أن نتغيَّرَ كُلِّيَّاً، في لَحَظةٍ، إستِعداداً للحياةِ في السماء. الكَلماتُ اليُونانيَّةُ المُستَخدَمَةُ حرفِيَّاً هُنا هي: "في ذَرَّةٍ." وهذا يعني أقصَر جُزء مُمكِن من الوقت. التطبيقُ العَصريُّ يُمكِنُ أن يعني أنَّنا سنتحوَّلُ إلى ذَرَّاتٍ.

النُّقطَةُ هي أنَّهُ ينبَغي أن نتغيَّرَ كُلِّيَّاً بالمَوتِ والقِيامة، لأنَّ لحماً ودَماً لا يَدخُلانِ ملكُوتَ الله. بِبَساطَة، ليسَ بإمكانِنا أن نأخُذَ جسدَنا القابِل للفَساد إلى السماء غير القابِلة لِلفَساد. هذا ما يقُولُهُ بُولُس بِفَصاحَةٍ في العدد 53: "لأنَّ هذا الفاسِدَ لا بُدَّ أن يَلبَسَ عدَمَ فسادٍ وهذا المائِتُ يلبَسُ عدَمَ مَوت."

ثُمَّ يَستَنتِجُ في العدد 54: "ومتى لَبِسَ هذا الفاسِدُ عدَمَ فساد ولَبِسَ هذا المائِتُ عدمَ موتٍ فيحينئذٍ تَصيرُ الكلِمَةُ المَكتُوبَةُ إبتُلِعَ المَوتُ إلى غلَبَةٍ." بِكلماتٍ أُخرى، تحقَّقت مُعجِزَةُ القِيامَةِ وغُلِبَ الموتُ. تعني كلمة قيامة حرفِيَّاً، "الإنتِصارُ على الموت."

لا أحد يفهَمُ الإنجيلَ بالفِعل ويُؤمِنُ بهِ إختِبارِيَّاً، يُمكِنُ أن يخافَ المَوت. فمن خلالِ هذا التَّغييرِ الكامِل والشامِل الذي سنختَبِرُهُ عندما سيرجِعُ الرَّبُّ ثانِيَةً، سوفَ ننتَصِرُ على مُشكِلَةِ المَوت. وسوفَ تنتَزِعُ القِيامَةُ شوكَةَ الموت. فبالنسبَةِ لنا، القَبرُ هُوَ إنتِصارٌ. وموتُنا الحَرفِيّ وقِيامَتُنا الحَرفِيَّة سوفَ تنتَزعُ شوكَةَ الخطيَّةِ وسُلطَةَ النَّامُوس الذي يَدينُنا.

فلا عجَبَ أنَّ يقُولَ بُولُس مُتَعجِّباً: "ولكن شُكراً لله الذي يُعطينا الغَلَبَة بِرَبِّنا يسُوع المسيح." (57) وكالمُعتاد، هُناكَ خاتِمَةٌ لمَنطِقِ بُولس المُوحى بهِ، والذي ينبَغي أن نضعَهُ في قُلُوبِنا. وبما أنَّ كُلَّ هذه الأمُور صحيحَة، كتبَ بُولُس يَقُول: "إذاً يا إخوَتي الأحِبَّاء كُونُوا راسِخِينَ غَيرَ مُتَزعزِعِينَ مُكثِرينَ في عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ عالِمِينَ أنَّ تعبَكُم ليسَ باطِلاً في الرَّبّ." (1كُورنثُوس 15: 58)

  • عدد الزيارات: 6395