Skip to main content

المُقدِّمَة "الخُلوَة المَسيحيَّة الأُولى" - خَلفِيَّة المَوعِظَة على الجَبَل

الصفحة 2 من 2: خَلفِيَّة المَوعِظَة على الجَبَل

خَلفِيَّة المَوعِظَة على الجَبَل

منَ المُهِمِّ أن نرى الإطارَ أو الخَلفِيَّة، قبلَ أن نتأمَّلَ بمُحتَوى هذه المَوعِظَة العَظيمة. نَجِدُ وصفَ متَّى للإطارِ الذي فيهِ أُلقِيَت هذه العِظة، عندما نقرَأُ: "وكانَ يسُوعُ يَطُوفُ كُلَّ الجَليل يُعَلِّمُ في مجامِعِهِم ويَكرِزُ بِبِشارَةِ المَلَكُوت ويَشفِي كُلَّ مَرَضٍ وكُلَّ ضَعفٍ في الشَّعب. فذاعَ خَبَرُهُ في جَميعِ سُورية. فأحضَرُوا إليهِ جَميعَ السُّقماءِ المُصابِينَ بأمراضٍ وأوجاعٍ مُختَلِفَة، والمَجانِينَ والمَصرُوعِينَ والمَفلُوجِينَ فشَفاهُم. فتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثيرَةٌ منَ الجَليل والعَشرِ المُدُن وأُورشَليم واليَهُوديَّة ومن عبرِ الأُردُنّ."

"ولمَّا رأى الجُمُوع صَعِدَ إلى الجَبَل. فَلمَّا جَلَسَ تقدَّمَ إليهِ تلاميذُهُ. ففَتَحَ فاهُ وعَلَّمَهُم قائِلاً..." (متَّى 4: 23- 5:1)

ثُمَّ نقرَأُ الإصحاحاتِ الخامِس، السَّادِس، والسَّابِع من إنجيلِ متَّى، التي تُسَجِّلُ هذا التَّعليم العَميق الذي قدَّمَهُ يسُوعُ في ذلكَ الإطار. فهل تَقدُرُ حقَّ القَدرِ الإطارَ الذي قُدِّمَ فيهِ هذا التَّعليم؟ أنا أُسَمِّيهِ "الخُلوَة المسيحيَّة الأُولى." لم تَكُنْ هذه عِظَة كما نُفَكِّرُ عنِ العِظاتِ اليَوم، بل كانت تعليماً أُعطِيَ من قِبَلِ يسُوع، في إطارِ ما نُسمِّيهِ اليَوم خُلوَةً أو مُؤتَمَراً على رأسِ جَبل.

عندما أنهى يسُوعُ سنواتهِ الثَّلاث منَ خدمَتِهِ العَلَنِيَّة، قضى ساعاتِهِ الأخيرة المُتَبَقِّيَة لهُ، في عُلِّيَّةٍ معَ الرُّسُلِ الذين إختارَهُم ودَرَّبَهُم، قبلَ أن يَتِمَّ إلقاءُ القَبضِ عليهِ وقبلَ أن يمُوتَ على الصَّليب. ولقد قدَّمَ يسُوعُ لتلاميذِهِ أطوَلَ خُطبَةٍ أو عِظَةٍ مُدَوَّنَةٍ لهُ في ذلكَ الإطار. أنا أُسَمِّي هذه العِظَة "الخُلوة المسيحيَّة الأخيرة" التي تمتَّعَ بها يسُوعَ معَ تلاميذِهِ. (يُوحَنَّا 13- 16).

إقتَبَستُ سابِقاً وصفَ متَّى للخَلفِيَّةِ أو الإطار الذي قُدِّمَت فيهِ هذه الخُلوَة المسيحيَّة الأُولى. كانَ يسُوعُ يشفِي كُلَّ أنواعِ الأمرَاضِ بينَ الشَّعب الذين تحلَّقُوا حولَ سُفُوحِ جبلِ الجَليل. بِحَسَبِ متَّى، "...جَميعَ السُّقماءِ المُصابِينَ بأمراضٍ وأوجاعٍ مُختَلِفَة، والمَجانِينَ والمَصرُوعِينَ والمَفلُوجِينَ فشَفاهُم." (متَّى 4: 24)

نقرَأُ أنَّ أُولئِكَ الذين تحلَّقُوا حولَ بحرِ الجَليل، كانُوا قد جاؤُوا "منَ العَشرِ المُدُن وأُورشَليم واليَهُودِيَّة ومن عبر الأُردُنّ." (متَّى 4: 25) تطلَّبَ الأمرُ حوالي أربَعَة أيَّام ليجتازُوا المسافَةَ من عَبرِ الأُردُنّ إلى الجليل، حيثُ كانَ يسُوعُ يشفي المَرضَى.

في حضارَتنا اليَوم، نعهَدُ بمثلِ هذه المشاكِل للمُؤَسَّسات: المرَضى والذين يحتَضِرُون، المُصابُونَ بأمراضٍ عقليَّة، الشُّيُوخ والمُحارِبُونَ القُدامَى، الذين جميعُهُم يغيبُونَ عن أنظارِنا وإهتمامِنا في مُعظَمِ الأحيان. عندما نظَّمَ يسُوعُ هذه الخُلوَة، تمثَّلَت كُلُّ أنواعِ المشاكِل التي ذَكَرتُها في وسطِ الجُمُوع الذين تحلَّقُوا حولَ بَحرِ الجليل.

إذا كُنتَ تحصَلُ على شهاداتٍ أو تحضُرُ دَوراتٍ تدريبيَّة، عن كيفَ يُمكِنُ أن تَكُونَ مُديراً تنفيذِيَّاً فَعَّالاً، سوفَ يُطلَبُ مِنكَ أن تتعلَّمَ كيفَ تُحَلِّل، تُنَظِّم، تُفَوِّض، تُشرِف وتُعانِي.

لم يختَرْ يسُوعُ أن يُقَدِّمَ الشِّفاءَ لِكُلِّ هذه الجُمُوع. بل دَعا بعضَ تلاميذِهِ ليلتَقُوا معَهُ على مُستَوىً أعلى، قُربَ قِمَمِ التِّلالِ التي كانت ترتَفِعُ من بَحرِ الجَليل (مرقُس 3: 13) "ثُمَّ صَعِدَ إلى الجَبَلِ ودعَا الذين أرادَهُم فَذَهَبُوا إليهِ." أدَّى هذا إلى قَسمِ الجَمعِ إلى مجمُوعَتَين: عندَ أسفَلِ الجَبَل، كانَ أُولئِكَ الذين كانُوا جُزءاً منَ المُشكِلَة. وعلى مُستَوىً أعلى منَ الجَبَلِ، معَ يسُوع، كانَ أُولئِكَ الذين أرادُوا أن يَكُونُوا جُزءاً من حَلِّ يسُوع لكُلِّ تلكَ المشاكِل القابِعَة عندما أسفَلِ الجَبَل.

أدرَكَ يسُوعُ أنَّهُ بما أنَّهُ قَبِلَ بمحدُودِيَّاتِ الجسمِ البَشَريّ، والوقتِ القَصير الذي حَظِيَ بهِ هُنا على الأرض، لم يَكُنْ بإمكانِهِ البَتَّةَ أن يَجِدَ حَلاً لِكُلِّ هذه المشاكِل بِنَفسِهِ. لذلكَ "حَلَّلَ"، أو "فَصَّلَ"، رُغمَ أنَّنا نعلَمُ أنَّهُ كانَ في خُطَّتِهِ منذُ البَدءِ أن يستَخدِمَ البَشَرَ الضُّعفاءَ كجُزءٍ من خُطَّتِهِ الكُبرَى. ثُمَّ نَظَّمَ الخُلوَةَ المسيحيَّةَ الأُولى. يكتُبُ مرقُس قائِلاً أنَّ يسُوعَ دَعا شَخصِيَّاً أُولئِكَ الذين حضَرُوا هذه الخُلوَة، "ليَكُونُوا معَهُ ولِيُرسِلَهُم لِيَكرِزُوا." (مَرقُس 3: 13، 14).

منَ الطَّريقة التي نظَّمَ بها يسُوعُ هذه الخُلوَة، كانَ التَّحَدِّي الذي قدَّمَهُ هُوَ التَّالي: "هل أنتُم جُزءٌ منَ المُشكِلَة أم منَ الحَل؟" كانت ستراتيجيَّةُ يسُوع أن يُظهِرَ لأُولئِكَ الذينَ حضَرُوا خُلوَتَهُ، كيفَ يُمكِنُهُم أن يَكُونُوا جُزءاً من الحَلِّ لِكُلِّ مشاكِلِ الحياةِ تلكَ، التي تمثَّلَت بأُولئِكَ الذين كانُوا يقبَعُونَ عندَ أسفَلِ الجَبَل.

لقد لمَّحَ يُوحَنَّا إلى خلفِيَّةِ هذه الخُلوَة. كتبَ يقُولُ أنَّهُ عندما كانت الجُمُوعُ الكثيرَة تُقبِلُ إلى يسُوعَ طالِبَةً الشِّفاء، جلسَ يسُوعَ على جَبَلٍ معَ تلاميذِهِ (يُوحَنَّا 6: 1- 3). كتبَ يُوحَنَّا إنجيلَهُ بعدَ عَشَراتِ السِّنين من تاريخِ كتابَةِ إنجيلَي متَّى ومَرقُس. ولَرُبَّما كانَ مُطَّلِعاً على ما سبقَ وكتَبَهُ متَّى، ولكن كانت لدَيهِ أولوِيَّاتٌ أُخرى، فلم يُقدِّمْ أيَّة تفاصيل عن خلفِيَّةِ أو قَرينَةِ هذه العِظة أو الخطبة. متَّى هُوَ الذي أعطَى مُعظَمَ التَّفاصيل عن قَرينَة ومُحتَوى المَوعِظَةِ على الجَبَل.

يُلَخِّصُ أحَدُ المُفَسِّرينَ الإطار الذي فيهِ أُعطِيَت هذه العِظَة، بإخبارِنا أنَّ يسُوعَ يُقدِّمُ ثلاثَةَ حقائِق عميقَة خلالَ إعدادهِ لإطارِ هذه العِظَة العظيمة. فَعِندما دعا يسُوعُ تلاميذَهُ من وَسَطِ الجُمُوع، ليَكُونُوا جُزءاً من حَلِّهِ، نرى الأزَمَة المُتَعَلِّقَة بِصَيرُورَةِ الإنسان مسيحيَّاً. فالتَّطويباتُ الثَّمانِي هي العِظَة، وهِيَ تَصِفُ شخصيَّة الإنسان الذي يصيرُ مسيحيَّاً. الإستِعاراتُ الأَربَع، التي تَلي التَّطويبات، وما تبقَّى من هذا التَّعليم في متَّى 5، 6، و7، تُمَثِّلُ التَّحَدِّي الذي يُواجِهُهُ المُؤمِن عندما يُؤَثِّرُ على الحضارَةِ الوثَنِيَّة.

بِهذهِ المُقَدِّمَة المُوجَزَة، أُصَلِّي أن نتمكَّنَ معاً من أن نَصِلَ إلى كلِمَةِ اللهِ، وأن ندَعَ كَلِمَةَ اللهِ تَصِلُ إلينا. أدعُوكُم لتدرُسُوا هذه المَوعِظَة على الجَبَل، لأنَّني مُتَيَقِّنٌ بأنَّها ستُغَيِّرُ حياتَكُم، كما غَيَّرَت حياةَ أُولئِكَ الذين سَمِعُوها عندما ألقاها يسُوع لأوَّلِ مرَّة، فخرَجُوا من حضرَتِهِ ليقلِبُوا العالَمَ رأساً على عَقِب.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 7688