الفَصلُ الأوَّل "مَواقِفُ المَجيء إلى الرَّبّ"
مُحتَوى المَوعِظَة على الجَبَل
(متَّى 5: 3- 6)
كرَزَ يسُوعُ بهذا المَوعِظَة على تَلَّةِ جَبَلٍ في الجَليل، حيثُ تحدَّى الذين يدَّعُونَ بأنَّهُم تلاميذَهُ، لكي يَقِفُوا ستراتيجيَّاً بينَ محبَّةِ اللهِ وبينَ ألم النَّاس المُعَذَّبِينَ في العالم. لقد تحدَّى يسُوعُ تلاميذَهُ ليُشارِكُوا مَعَهُ بِكَونِهِم قنواتٍ لنَقلِ محَبَّتِهِ. ولقد ختَمَ يسُوعُ عِظَتَهُ بدعوَةٍ مَهُوبَةٍ للإلتِزام. ثُمَّ عَيَّنَ إثنَي عشَرَ رَجُلاً منَ الذين سَمِعُوا عِظَتَهُ، ليَكُونُوا "رُسُلَهُ" أو "مُرسَليه." عاشَ هَؤُلاء الرُّسُول وماتُوا لأجلِ يسُوع، وهُم يُتَلمِذُونَ لهُ شُعُوباً حولَ العالم.
الآن وقد تأمَّلنا معاً بخَلفِيَّةِ المَوعِظَةِ على الجَبَل، أصبَحنا مُستَعِدِّينَ لنَنظُرَ إلى مُحتَوى هذه العِظَة العَظيمة. نقرأُ: "فَفَتَحَ فاهُ وعَلَّمَهُم قائِلاً. طُوبَى لِلمَساكِينِ بالرُّوح. لأنَّ لَهُم مَلَكُوت السَّماوات. طُوبَى لِلحَزَانى لأنَّهُم يتعزَّون. طُوبَى لِلُودَعاءِ لأنَّهُم يَرِثُونَ الأرض. طُوبَى لِلجِياعِ والعِطاشِ إلى البِرّ لأنَّهُم يُشبَعُون." (متَّى 5: 2- 6)
يبدَأُ يسُوعُ بتعليمِ تلاميذهِ ثمانِيَة مَواقِف – تُسَمَّى، "التَّطويبات،" أو "المَواقِف المُبارَكَة،" لأنَّ كُلَّ مَوقِفٍ منها يبدَأُ بِكَلِمَة "طُوبَى." يَعِدُ يسُوعُ هُنا بأن يُبارِكَ كُلَّ تلميذٍ يتَحَلَّى بهذه المَواقِف. تعني كلمة "طُوبَى": "يا لَسَعادَتِهِ،" أو "يا لإزدِهارِهِ الرُّوحِيّ،" أو، "يا لِلنِّعمَة التي يعيشُ فيها." يحتَوِي كُلُّ مَوقِفٍ أيضاً على وَعدٍ يَصِفُ الشَّكلَ الذي فيهِ ستأتي هذه البَركة إلى حياةِ ذلكَ التَّلميذ.
هذه المَواقِف الثَّمانِية المُبارَكَة تُبرِزُ لنا ذهنِيَّةَ تلميذِ يسُوع، وكيفَ ينبَغي أن يُفَكِّر. الإطارُ الذي فيهِ يُعَلِّمُ يسُوعُ هذه المواقِف، يُعلِنُ أنَّ هذه النَّظرَة للحَياة ستجعَلُ من تلاميذِهِ جُزءاً منَ حَلِّ وجوابِ يسُوع لكُلِّ الألَم المَوجُود في هذا العالم، والذي تمثَّلَ بتلكَ الجُمُوع القابِعَة عندَ أسفَلِ الجَبَل.
كتلاميذ ليسُوع، عندما نُقَرِّرُ أنَّنا نُريدُ أن نَكُونَ جُزءاً من الحَلِّ، وأن لا نَكُونَ بعدَ الآنِ جُزءاً منَ المُشكِلَة، أوَّلُ أمرٍ علينا القَيامُ بِهِ هُوَ أن ندرُسَ هذه المَواقِف، إلى أن نفهَمَها ومن ثَمَّ أن نلتَزِمَ بالعَيشِ بِحَسَبِها كُلَّ يَومٍ من أيَّامِ حَياتِنا. تَذَكَّر – كما تَعَلَّمنا من خَلفِيَّةِ هذه المَوعِظَة – أنَّ التَّطويبات هي العِظَة الفِعليَّة. وما تبقَّى من هذا التَّعليم هُوَ تطبيقُ هذه المَوعِظَة أو تطبيقُ هذه المَواقِف.
سوفَ يُعَلِّمُ يسُوعُ لاحِقاً في هذه العِظَة أنَّ المَواقِفَ الصَّحيحة هي الفَرقُ بينَ الحَياةِ المُمتَلِئَة بالنُّور (الطَّهارَة، الحَقّ، والسَّعادة)، وبينَ الحياة المُمتَلِئة بالظُّلمَة، أو بالحُزن (متَّى 6: 22، 23) ويُضيفُ بالتَّعليقِ أنَّهُ عندَما تمتَلِئُ حياتُنا بالظُّلمَةِ، بسببِ كَونِ المواقِف الخاطِئة تَسُودُ حياتَنا، قد تُصبِحُ حياتُنا مُظِلَمَةً جدَّاً جدَّاً، وحُزنُنا كبيراً جدَّاً جِدَّاً.
بإمكانِنا أن نُضيفَ أنَّهُ عندما يَقُومُ أشخاصٌ أمثل أدُولف هتلر، جُوزيف ستالين، وأمثالُهُما منَ القادَةِ الأشرار، عندما يَقومُونَ بإبادَةِ النَّاس، إنطلاقاً من ذهنِيَّتِهِم المَغلُوطة، فإنَّ هذا سيُدخِلُ ظُلمَةً حالِكَةً إلى حياةِ الملايين منَ النَّاس. لهذا كرزَ يسُوعُ وطبَّقَ في خُلوَتِهِ الأُولى ما يُمكِنُنا تَسمِيَتُهُ، "فَحصُ الرَّأس،" أو بالإنكليزيَّة، A Check Up from the Neck Up.
- عدد الزيارات: 12213