Skip to main content

الفَصلُ الأوَّل "مَواقِفُ المَجيء إلى الرَّبّ" - الجِياعُ والعِطاشُ إلى البِرّ

الصفحة 6 من 6: الجِياعُ والعِطاشُ إلى البِرّ

الجِياعُ والعِطاشُ إلى البِرّ

المَوقِفُ الرَّابِعُ المُبارَك هُوَ: "طُوبى لِلجِياعِ والعِطاشِ إلى البِرّ لأنَّهُم يُشبَعُون." (متَّى 5: 6) عندَما نَكُونُ وُدَعاء، أو بكلامٍ آخر عندما يَكُونُ يسُوعُ رَبَّنا ونُسَلِّمُ حياتَنا لسيطَرَتِهِ، يُعلِّمُ يسُوعُ أنَّهُ ينبَغي علينا عندَها أن نَجُوعَ ونعطَشَ للبِرّ.

الآن نرى نمُوذَجاً يظهَرُ، أنَّ التَّطويبات تأتي إثنين إثنين، أو زوجينِ زوجين. فنحنُ نحزَن ُعندما نتعلَّمُ كيفَ نَكُونُ مساكين بالرُّوح، وعندما نُصبِحُ وُدعاء نجُوعُ ونعطَشُ للبِرّ. البِرُّ هُوَ بِبَساطَةٍ الإستِقامة، أو عمَلُ ما هُوَ مُستَقيم. أن نَجُوعَ ونعطَشَ للبِرّ يعني أن نَجُوعَ ونعطَشَ لمعرِفَةِ الصَّواب – خاصَّةً أن نعرِفَ ما هُوَ مُستَقيمٌ أو صَوابٌ بالنِّسبَةِ لنا.

سُرعانَ ما أصبَحَ بُولُس وَديعاً على طَريقِ دِمَشق، أصبَحَ يُريدُ أن يعرِفَ ما هُوَ صَوابٌ ومُستَقيمٌ بالنِّسبَةِ لَهُ. عندما نادَى يَسُوعَ قائِلاً، "يا رَب، ماذا تُريدُ مِنِّي أن أفعَلَ؟" لم يَكُن يُقدِّمُ لنا مِثالاً عن الوداعَةِ فحَسب. بل وكانَ أيضاً يُقدِّمُ إيضاحاً عمَّا يعنيهِ أن يكُونَ لدَينا جُوعٌ وعَطَشٌ للبِرّ.

إنَّ تَفسيرَ الإستِنكار أو الغَضَب البارّ المُقدَّس الذي أظهَرَهُ يسُوعُ، والذي نقرأُ عنهُ في الأناجيل، هُوَ أنَّ ما كانَ رِجالُ الدِّين يعمَلُونَهُ في هَيكَلِ اللهِ، كانَ مُناقِضاً لما هُوَ صوابٌ ومُستَقيم. لاحِظُوا غَيرَةَ يسُوعُ لعَملِ مَشيئَةِ أبيهِ السَّماوِيّ. ثُمَّ لاحِظُوا أنَّ الغَيرَةَ لِعَمَلِ ما هُوَ صَوابٌ، تتضمَّنُ غيرَةً لمُواجَهةِ وتصحيحِ ما هُوَ مُعوَجٌّ بِوُضُوح.

في هذه المَوعِظَة على الجَبَل، لاحِظُوا تشديدَ يسُوع على الأهمِيَّةِ الحَيويَّةِ للبِرّ: فالتَّطويبَةُ الأخيرَةُ هي، "طُوبَى لِلمَطرُودِين من أجلِ البِرّ، لأنَّ لَهُم مَلَكُوت السَّماوات." (متَّى 5: 10) إثنانِ من التَّطويباتِ الثَّمانِي تتكَلَّمانِ عنِ البِرّ والإستِقامَة. وسيُعلِّمُ يسُوعُ لاحِقاً في هذا الإصحاح قائِلاً: "فإنِّي أقُولُ لكُم إنَّكُم إن لم يَزِدْ بِرُّكُم على الكَتَبَةِ والفَرِّيسيِّين لن تدخُلُوا ملكُوتَ السَّماوات." (متَّى 5: 20) أيضاً في بِدايَةِ الإصحاحِ السَّادِس، علَّمَ يسُوعُ قائِلاً: "إحتَرِزُوا من أن تصنَعُوا صَدَقَتَكُم قُدَّامَ النَّاس لِكَي ينظُرُوكُم. وإلا فَلَيسَ لكُم أجرٌ عندَ أبيكُم الذي في السَّماواتِ." (متَّى 6: 1) في النِّصفِ الثَّانِي من الإصحاحِ السَّادِس، علَّمَ يسُوعُ عن القِيَم. ووَصَلَ في خاتِمَةِ تعليمِهِ عنِ القِيَم، عندما نصَحَ بالقِيمَةِ ذاتِ الأولوَيَّة قبلَ كُلِّ رَفيقاتِها منَ القِيم الأُخرى: "أطلُبُوا أوَّلاً ملَكُوتَ اللهِ وبِرَّهُ..." (متَّى 6: 33)

الوعدُ الذي يُرافِقُ هذه التَّطويبَة هي أنَّ التِّلميذَ سيمتَلِئُ حتَّى الفَيض منَ البرِّ الذي إليهِ يجُوعُ ويعطَشُ. تُشيرُ اللُّغَةُ اليُونانِيَّةُ الأصليَّة إلى أنَّ التِّلميذَ سوفَ يمتَلئُ بالبِرِّ إلى دَرَجَةِ التُّخمَة أو الإختِناق. هذا يعني أيضاً أنَّهُ سيمتَلِئُ إلى التَّمامِ برُوحِ اللهِ القُدُّوس البارّ، وسوفَ يمتَلئُ بجُوعٍ وعَطَشٍ لمَعرِفَةِ ما يُريدُهُ اللهُ أن يعمَلَ.

لاحِظُوا أنَّ التَّطويبَةَ هُنا ليست "طُوبَى للجِياعِ والعِطاشِ إلى السَّعادَةِ لأنَّهُم سيفرَحُون." وليسَت، "طُوبَى لِلجياعِ والعِطاشِ إلى المِلءِ أو الكَمال." وليسَت، "طُوبَى للجِياعِ والعِطاشِ إلى الإزدِهار، لأنَّهُم سيزدَهِرُونَ." ليسَ هذا ما نَجِدُ بهِ وعداً هُنا. بل التَّطويبَةُ هي، "طُوبَى للجِياعِ والعِطاشِ إلى البِرّ." والوَعدُ هُوَ أنَّهُم سيُشبَعُونَ منَ البِرِّ أو الإستِقامَةِ، ومنَ الغَيرَةِ لعمَلِ المُستَقيم في عَينَي الرَّبّ.

مشاهِيرُ الأبطالِ الذين حارَبُوا الظُّلمَ – كأُولئكَ الذين حقَّقُوا إلغاءَ الرَّقيق والعُبُودِيَّة – كانُوا تلاميذَ مُخلِصينَ ليَسُوع المسيح. معَ الجُوعِ والعَطَشِ لما كانَ مُستَقيماً، كانَ لديهم أيضاً غَيرَةٌ لمُهاجَمَةِ ما هُوَ مُعوَجّ وغَير مُستَقيم. أُولئِكَ الذين يربَحُونَ جائزَةَ نُوبل للسَّلام، أمثال مارتن لُوثر كنغ ونلسُون مانديلاَّ، أظهَروا جُوعَهُم وعَطَشَهُم للبِرّ، بصرخَتِهم المُسالِمَة ضدَّ الظُّلمِ و التَّمييزِ العُنصُرِيّ. إذا تتبَّعتُم آثارَ كلمة "بِرّ" عبرَ الكتابِ المُقدَّس، ستَرَونَ أنَّ يسُوعَ كانَ مُنسَجِماً معَ كلمةِ اللهِ عندما شدَّدَ على مَفهُوم كَونِ التَّلميذ المُمتَلئ بالبِرّ يُواجِهُ الإثم أو عدم البرّ وعدَم الإستِقامَة.

أحدُ الأعدادِ المُفضَّلَة عندي عنِ البِر هُو: "إذبَحُوا ذَبائِحَ البِرِّ وتَوَكَّلُوا على الرَّبّ." (مزمُور 4: 5). فالمُرَنِّمُ لم يَكُنْ قادِراً على النَّوم، لأنَّهُ كانَ رَجُلاً رُوحِيَّاً، ولكنَّهُ عَمِلَ ما هُوَ لِمصلَحَتِهِ وليسَ ما هُوَ مُستَقيم. فقَرَّرَ أن يُقَدِّمَ ما يلزَمُ منَ الذَّبائِحِ والتَّضحِيات ليعمَلَ ما هُوَ مُستَقيم. عندَها وعندَها فقط إختَبَرَ السَّلام، ونامَ بأمانٍ. كانَ دافِعُهُ لهذا القَرار أنَّهُ علِمَ أنَّهُ مُحاطٌ بأشخاصٍ كانُوا يبحَثُونَ عن شَيءٍ صالِحٍ ومُستَقيم. كانُوا يبحَثُونَ عن شَخصٍ يعمَلُ المُستَقيمَ بدَلَ أن يعملَ مصلحَتَهُ.

بينما يُشَدِّدُ يسُوعُ على الكَمال والبِرّ الشَّخصِيَّين الذي ينبَغي أن يتحلَّى بهما تلاميذُهُ، يُصَرِّحُ أنَّ أحد أسباب كَون هؤُلاء النَّاس عندَ سَفحِ الجَبل بُؤساء وحزانى، هُوَ أنَّهُم كانُوا يعمَلُونَ ما يعمَلُه النَّاسُ جميعاً. أي أنَّهُم كانُوا يعمَلُونَ مصلَحتَهُم، وما هُوَ نافِعٌ لهُم، بدَلَ أن يعمَلُوا ما هُوَ مُستَقيم.

عددٌ آخر ينبَغي أن أُشيرَ إليهِ، من بينِ العشرات منَ الأعدادِ عن البِرّ، يُعلِنُ أنَّ شعبَ اللهِ "يُدعَونَ أشجارَ البِرِّ غَرسَ الرَّبِّ لِلتَّمجيد." (إشعياء 61: 3)

إنَّها خُطَّةُ اللهِ – ولهذا فهي ستراتيجيَّةُ يسُوع في هذه الخُلَوة – أن يُجَنِّدَ تلاميذَ سيَكُونُونَ قنواتِ بِرٍّ، عِندَما يرجِعُونَ إلى تلكَ الجُمُوع منَ النَّاسِ القابِعينَ عندما أسفَلِ الجَبل، الذي يُمَثِّلُونَ الهالِكينَ في هذا العالم. خُطَّتُهُ هي أنَّهُ ينبَغي أن يُغرَسَ التَّلاميذُ في هذا العالم كأشجارٍ منَ البِرِّ لمَجدِ الله.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 11926