Skip to main content

الفَصلُ الثَّالِث "سُلحُفاةٌ فَوقَ جِدارِ السِّياج" - ملحُ الأرض

الصفحة 2 من 5: ملحُ الأرض

ملحُ الأرض

بهذه الإستِعاراتِ الأربَع يبدَأُ يسُوعُ القسمَ التَّطبيقيّ من هذه العِظَة العَظيمة. الإستِعارَةُ الأُولى هي أنَّ التِّلميذَ الذي يتحلَّى بهذه المَواقِف هُوَ ملحُ الأرض. يَقُولُ النَّصُّ حَرفيَّاً في اللُّغَةِ الأصليَّة: "أنتُم وأنتُم وحدَكُم ملحُ الأرض."

إحدَى التَّفسيرات والتَّطبيقات لهذه الإستِعارَة، مَبنِيَّةٌ على حقيقَةِ أنَّهُ في أيَّامِ يسُوع لم يَكُنْ هُناكَ بَرَّادات. فالطَّريقَةُ الوَحيدَةُ التي إستِطاعَ النَّاسُ بها أن يحفَظُوا الأسماكَ واللُّحُوم منَ الفَساد، كانت بِفَركِها بالمَلح. وهكذا كانَ يسُوعُ يُطلِقُ تصريحاً عن تلاميذِهِ وعنِ العالم، قائِلاً أنَّ العالَمَ يفسُدُ كاللَّحمِ الفاسِد، وأنَّ تلاميذَهُ كانُوا الملحَ الذي إحتاجَهُ العالَمُ ليحفَظَ نفسَهُ منَ الفَساد الأخلاقِي. الطَّريقَةُ الوَحيدَةُ التي إستطاعَ بها تلاميذُهُ كانت أن "يُفرَكَ" أُولئِكَ التِّلاميذُ بأهلِ هذا العالم. تأثيرُ "ملح" الشَّخصيَّة المسيحيَّة سوفَ يحفَظُ العالَمَ عندها منَ الفَسادِ الأخلاقِيّ.

تفسيرٌ وتَطبيقٌ آخر لما قصَدَهُ يسُوعُ عندما إستَخدَمَ إستِعارَة "ملح الأرض"، مَبنِيٌّ على حَقيقَة كَونِ كلمة "أُجرَة" تَشتَقُّ أصلاً من كلمَتَي "أُجرَة مِلح." تَرجِعُ هاتان ِالكَلِمتانِ إلى أيَّامِ الأمبراطُوريَّةِ الرُّومانِيَّة. عرفَ الرُّومانُ أنَّهُ لا يُوجَدُ كائِنٌ حَيٌّ يقوى على العَيشِ بِدُونِ مِلح. لهذا حَرِصُوا على إبقاءِ ملح العالم تحتَ سيطَرَتِهِم. وكانُوا يدفَعُونَ أُجرَةَ العبيدِ بمُكَعَّباتٍ منَ المِلح.

وهكذا كانَ يسُوعُ يَقُولُ لتلاميذِهِ، "هؤُلاء النَّاس القابِعُونَ عندَ أسفَلِ الجَبَل، ليسَ لدَيهِم حياة. فإذا فَهِمتُم، آمنتُم، وطَبَّقتُم ما أبرزتُهُ لكُم من خلالِ هذه المواقِف الثَّمانِيَة الجميلة، عندَها سيَكُونُ لديكُم حياةٌ، وسَتَكُونُونَ المصدَر الذي منهُ سيَجِدُ النَّاسُ الحياةَ وسيُحافِظُونَ عليها ويستَخرِجُونَ منها الأفضَل. لِهذا، أنتُم الفُرصَةُ الوحيدَةُ التي سيحظَى بها هؤُلاء النَّاس ليَكتَشِفُوا الحياة."

وكما في كُلِّ إستِعاراتِ يسُوع المُوحى بها، تكثُرُ التَّطبيقاتُ العميقَة بينما تتأمَّلُونَ وتتفكَّرُونَ بها. فالمِلحُ يجعَلُ النَّاسَ يعطَشُونَ، والتِّلميذُ يجعَلُ النَّاسَ الدُّنيَوِيِّين يعطَشُونَ لما سبقَ وإكتَشَفَهُ هُو في المسيح. المِلحُ يزيدُ الألمَ عندَما يُوضَعُ في داخِلِ الجُروحِ المَفتُوحَة في حياةِ الخُطاة. بالطَّريقَةِ نفسِها، حياةُ تلميذ يسُوع تُثيرُ الألمَ عندما تُعاشُ كامِلَةً مُقَدَّسَةً إلى جانِبِ حياةِ الإنسانِ الخاطِئ. المِلحُ لهُ مفعُولٌ تطهيريٌّ تنظيفيّ، ولهُ عامِلٌ شِفائِيٌّ أيضاً، والتِّلميذُ الذي يَعيشُ التَّطويبات التي علَّمَها يسُوعُ لديهِ تلكَ التَّأثيرات الإيجابيَّة على حياةِ أُولئِكَ الذينَ يلتقيهِم ويتعرَّفُ بهِم في حياتِهِ.

ما هِي الحضَارَة؟ الحَضارَةُ هي كَلِمَةٌ تعني، "بهذه الطَّريقَة نعمَلُ الأُمُور." جاءَ يسُوعُ إلى العالم ليُغَيِّرَ الحَضارَةَ وليُعلِنَ الثَّورَةَ داخلَ الحضَارَة. ستراتيجيَّتُهُ المُتَعَمَّدَة كانت تغيير قُلُوبِ النَّاس ومن ثَمَّ إرسالِهِم إلى الحضاَرَةِ لإحداثِ ثورَةٍ داخِلها. هذه الإصحاحاتُ الثَّلاثَةُ من كلمةِ الله، تُسَجِّلُ تعليمَ يسُوع الذي قُصَدَ ويُقصَدُ بهِ اليَومَ أن يُحدِثَ ثَورَةً في العالم. هذه السَّتراتيجيَّة واضِحَةٌ إذا فَهِمنا ما قَصَدَهُ يسُوعُ عندما قالَ لتلاميذِهِ ما مَعناهُ: "أنتُم وأنتُم وحدَكُم ملحُ الأرض."

أحياناً يعيشُ المُؤمِنُونَ في نَوعٍ منَ الحِصن، يختَبِئُونَ فيهِ ليَهرُبُوا منَ العلاقاتِ معَ غَيرِ المُؤمنين. لا يُمكِنُ أن يَكُونَ لنا مفعُولُ وتأثيرُ الملح على أهلِ هذا العالم، إن بَقينا مُتَحَصِّنينَ داخِلَ "المملَحة." فقط عندَما تَكُونُ لدينا علاقاتٍ معَ أهلِ هذا العالَم سنتمكَّنُ من أن نُرِيَهُم مواقِفَ تلميذِ المسيح، بينما يُعطينا اللهُ النِّعمَةَ لنَعيشَ هذه المَواقِف.

عندَما صَلَّى يسُوعُ لأجلِ رُسُلِهِ، طلبَ منَ الآبِ السَّماوِيّ أن لا يأخُذَهُم من هذا العالم (يُوحَنَّا 17: 5) هُناكَ طريقَةٌ واحِدَةٌ على الأقَلّ ينشُرُ بها رَبُّنا المِلحَ في مُحيطِنا، هي الحقيقَةُ التي لا مَفَرَّ مِنها أنَّهُ علينا أن نعمَلَ لنُعيلَ أفرادَ عائِلاتِنا. هذا يُعطينا علاقاتٍ معَ النَّاسِ الضَّالِّين، الذين يتوجَّبُ علينا أن نُؤَثِّرَ عليهِم بمواقِفِنا المُتمثِّلَة بالمسيح. ولقد أكمَلَ يسُوعُ هذا أيضاً عبرَ تاريخِ الكنيسة من خلالِ الإضطِّهاد.

سَمِعتُ أحد قادَة الإرسالِيَّات يَقُولُ في مُواجَهَةٍ للمُرسَلينَ الذين كانُوا يعيشُونَ في ذهنِيَّةِ "الحِصن" في بَلدٍ مُعَيَّن، "المُرسَلُونَ يُشبِهُونَ الزِّبل. عندما يُكَوَّمُونَ فوقَ بعضِهِم البَعض، يُنتِجُونَ رائِحَةً كريهة. وعندَما يُنشَرُونَ على وَجهِ الأرض، يُصبِحُونَ نافِعين."

بِنعمَةِ الله، هل أنتَ ملحُ الأرض؟ وهل مُعجِزَةُ مَنحِ المسيحِ لكَ هذه المَواقِف، تُحدِثُ ثَورَةً داخِلَ النَّاس الذين تلتَقي بهِم؟ إن كُنتَ تَعتَرِفُ بِكَونِكَ تلميذاً ليسُوع المسيح، ولكنَّ هذه المُعجِزة لم تتحقَّقْ بعد في حياتِكَ، فلدَيكَ تحذِيرٌ جدِّيٌّ هُنا، هُوَ أنَّكَ بِحَسَبِ قَولِ يسُوع، لا تنفَعُ لِشَيء‍، بل ستُطرَحُ مثل الملح الفاسِد خارِجاً، لتُداسَ منَ النَّاس. يُعتَبَرُ هذا القَول من أقسَى الأقوال التي صَرَّحَ بها يسُوع.

هاتانِ الإستِعارَتانِ عن المِلح والنُّور، تَعنيِانِ أيضاً أنَّ تلاميذَ يسُوع قد تَغَيَّرُوا. فَفَركُ اللَّحمِ باللَّحمِ لن يحفَظَهُ مِنَ الفَساد. التِّلميذُ المُمَلَّحُ ينبَغي أن يَكُونَ مُختَلِفاً عنِ النَّاس الذين يُؤَثِّرُ فيهم. تطبيقٌ آخرَ لهذه الإستِعارَة هُوَ أنَّ التِّلميذَ المُمَلَّح يجعَلُ الآخرينَ يعطَشُونَ لما هُم وما لهُم في المسيح. فلِكَي يَكُونَ لنا هذا التَّأثيرُ المُغَيِّرُ على النَّاس، ينبَغي أن نتغَيَّرَ وأن نَكُونَ مُختَلِفين. ويسُوعُ سوفَ يطرَحُ على تلاميذِهِ السُّؤالَ التَّالي في نهايَةِ الإصحاح، قائِلاً ما معناهُ، "ما هُوَ المُختَلِفُ فيكُم عنِ الآخرين؟" (متَّى 5: 47) تطويباتُ يسُوع تُظهِرُ ذلكَ الإختِلاف وتُوفِّرُ جواباً على سُؤال يسُوع.

نُورُ العالَم
الصفحة
  • عدد الزيارات: 10067