Skip to main content

تقديم الناشر

إن جل غرضنا من إعادة نشر هذا المصنف هو تمجيد الله أبينا وتعظيم ربنا يسوع المسيح، المعلن لنا كالحياة الأبدية التي أظهرت لنا من عند الآب. ولا جدال في عظم الفائدة التي يتحصل عليها القديسون أولاد الله الأعزاء والمحببون من تعلم هذا الحق الرسولي الثمين كما نطق به يوحنا، والذي يستعرضه الشارح هنا بشكل تفصيلي ودقيق جداً.

وهذا المصنف يتضمن عشرين محاضرة ألقاها المرحوم وليم كيلي في شرح الرسائل الثلاث ليوحنا الرسول. هذه الرسائل التي اتخذت طابعاً خاصاً بين كتابات أسفار العهد الجديد. وقد رأى الروح القدس الذي أوحى للرسول بهذه الأقوال أن يستعرض أمام عائلة الله بجملتها، الحياة الأبدية كما أعلنت لنا في ابن الله المتجسد، من جهة طبيعتها وخصائصها في الله نفسه وبالتالي في أولاد الله الذين صار لهم أيضاً التمتع والشركة بتلك الطبيعة والصفات "الأبدية" مما يجعلنا أن نقول أن لنا شركة مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح.

لقد تناول الرسول بولس موضوع "الحياة الأبدية" ولكن من منطلق آخر، وكما هو متبع عند بولس إذ يأتي بالخاطئ من تحت دينونة الله وهو ميتاً بذنوبه وخطاياه ليدخل به أولاً إلى مذبح المحرقة – أي الصليب، حيث الدم والموت ليجد التبرير والحياة وبذلك يمكنه أن يقترب إلى حضرة الله عينها. وهكذا ينال الميت الحياة الأبدية. أما يوحنا فيتتبع أسلوباً آخر ليرينا الله – تبارك اسمه - في نشاط محبته المطلق وهو يتحرك نحو الإنسان وفي اتجاهه ليهبه الحياة الأبدية.

والموضوع الذي يتناوله يوحنا جد خطير، فهو رسول عاين وشهد، رأى وسمع ولمس ولذلك تكلم عن الحياة الأبدية "التي كانت عند الآب وأظهرت لنا". هذه الحياة التي رآها الرسول في أكمل وأعمق وأقوى صورة لها، وهي بعينها ممنوحة لكل واحد من أولاد الله لكي يمتلكها. هذه الحياة هي التي تتيح لنا أن ندخل في الشركة مع الآب ومع ابنه وكذلك مع بعضنا البعض، ونتيجة لذلك نتمتع بالفرح الكامل.

نقول إن المسيحية اليوم لم تترك فقط تعليم بولس أي تعليم الجسد الواحد، ولكنها تركت أيضاً تعليم يوحنا المختص بالحياة الأبدية. واكتفت في أحسن حالاتها أن تنادي بالتجديد أو الولادة الثانية وأعطت للحياة الأبدية معنى دخول السماء فقط. وتهاون المؤمنون في معرفة الحق المختص بالحياة الأبدية سواء كان في استعلانه في المسيح أو سواء في امتلاكهم لتلك الحياة وإظهارهم لها. فأين تمتع المؤمنون بالمسيح كالحياة الأبدية؟ ثم أين قوة هذه الحياة فيهم وطبيعتها وصفاتها؟. إننا نحتاج إلى إدراك هذا التعليم وقوة تطبيقه للشركة مع الآب والابن والشركة بعضنا مع بعض.

وينتقل الرسول من الامتياز إلى المسئولية الملقاة على المؤمنين، من الآب كامتياز لنا إلى الله كدائرة مسئولية أمامه باعتباره النور الكامل والقداسة "فالله نور وليس فيه ظلمة البتة" ويستعرض الخطية وعدم اتفاقها مع النور الذي دعينا إليه. غير أننا لا نستطيع أن ندعي بأننا لم نخطئ، فالطبيعة الساقطة في داخلنا، أما إذا أخطأنا فدم يسوع المسيح ابنه يطهرنا من كل خطية وهذه فاعلية الدم للتطهير لاستحضارنا أمامه، كما أن الرب يسوع شفيع لنا لاسترداد شركتنا معه، إذ هو كفارة لأجلنا ولأجل العالم كله على وجه الإجمال.

لا أستطيع أن أتناول كل النقاط التي أوضحها الرسول في رسائله، وأترك للقارئ العزيز أن يقرأ بنفسه ما قاله الشارح المدقق في هذه النقط جميعها.

ما أجمل وأبرك تلك الحقائق الثمينة التي نطق بها الروح القدس لتعليمنا. ونحن في أمس الاحتياج إلى تعلم هذه المبادئ الإلهية خاصة في أزمنة خراب المسيحية والتي تصيّر للنفس كالبلسم الشافي لها إزاء الأيام الصعبة والقاسية التي تتحدى إيماننا ورجاءنا.

والواقع أن هذه المصنف الذي ألقاه "وليم كيلي" كمحاضرات وهو من روائع الأدب المسيحي الراقي الذي حوى من بلاغة الخطاب وقوة البيان وعمق المعنى وسهولة الألفاظ مع ما فيه من حق راسخ جميل. ولاشك أن صاحبه معروف بكتاباته ومؤلفاته الكثيرة التي تعلمنا بواسطتها حقائق مجيدة. فهو عطية من عطايا الله لكنيسته في القرن الماضي. كما تميز بمهارة واضحة في تركيبه اللغوي للجمل التي كانت تنساب من فمه وكأنها عقد لؤلؤ جميل متراصة البنيان.

إننا نشجع الأحداث والشباب على قراءة هذا المصنف الجميل الذي يضم هذه الكنوز الثمينة. وألا يستثقلون هضم حقائق المكتوب بحجة المشغولية وضيق الوقت، بل لتكن لهم الأسنان القادرة على تعاطي الحق بإدراك واضح لكي يجتر عليها كلما خلدنا إلى الراحة.

إننا نثق في أبي ربنا يسوع المسيح الذي يصاحب هذه الكلمات بتأثيرات عميقة في قلوب القديسين فتصبح قوة روحية أدبية تؤازر شعب الله وهو يترنح في طريق البرية قاصداً المجد الأبدي في المسيح يسوع. له المجد في كنيسته في المسيح يسوع. آمين.

ثروت فؤاد


 

كلمة افتتاحية للمؤلف

ليعذرني القارئ المسيحي إن افتتحت هذا الكتاب بكلمة قد تكون شخصية، فإني أشعر في قرارة نفسي بأنه لا يوجد على وجه البسيطة من يدين بالشكر العميق لله والحمد المستديم لاسمه الكريم من أجل هذه الرسائل الإلهية المباركة أكثر من عبده الذي يتشرف بتقديم هذه الخطابات التفسيرية لها، فإن الرسالة الأولى منها كانت سبب بركة عظمى لنفسي منذ أكثر من ستين سنة خلت. كنت قد تجددت ورجعت لله قبل ذلك بدون أي واسطة بشرية ولكنني كنت لا أزال أرزح تحت عبء ثقيل من الشعور بالخطية الساكنة فيّ، وإذا بصديق مسيحي يقدم لي شهادة الله الواردة في 1 يوحنا 5: 9و 10 باعتبارها جواب الله الشافي على جميع الأسئلة التي كانت ترهقني آنئذ وقد استخدمها الروح القدس لإعطائي منذ تلك اللحظة الراحة الكاملة في ابن الله وعمله الكفاري.

ومن ذلك الوقت وأنا أجد مسرة عظمى أولاً في التعلم ثم بعد ذلك، كمعلم، في تعليم المسيحيين الآخرين بحسب مقياسي الضعيف. فإن الغالبية العظمى من المؤمنين الذين أعرفهم يجدون مشقة خاصة في استيعاب هذا الجزء الثمين من كلمة الله والتمتع به التمتع الواجب كما هو حقهم في طريق تغربهم عن الرب، ولم يكن السبب في ذلك أية صعوبة في اللغة، لأن لغتها من أبسط ما يكون، ولكن لقصر إدراكهم الروحي من جهة ولعمق الحق المتكلم عن جلال المخلص الشخصي وملء نعمته تجاه أولاد الله من الجهة الأخرى. ومن هنا كان بطؤهم في إدراك ما تطالعنا به هذه الرسائل من حق جليل وبالتالي في التمتع بالشركة السامية العجيبة مع الآب ومع ابنه يسوع المسيح التي يدعو إليها الرسول.

وبعد سنوات عديدة قضيتها في التجول في الخدمة وفي أسفار كثيرة في معظم أنحاء بريطانيا وفي الخارج أيضاً محاولاً بنعمة الله مساعدة النفوس في البحث بصفة خاصة في هذه الرسائل بنعمة الروح القدس وإرشاده، قد شاء الرب الآن، وهذا يملأ قلبي بفيض من الشكر، أن أبعث بهذا الكتاب لإخوتي المسيحيين رغم الشعور بما فيه من عجز وقصور ولكن الذي يفرح ويشجع ويعزى هو أن ذاك الذي أوحى بكلمته المكتوبة قادر أن يرشد إلى الحق جميع الذين يتوكلون عليه ويلتمسونه من بين يديه. فيا ليت القارئ العزيز يعتمد على المحبة الإلهية في المسيح وبذلك يكون فرحة كاملاً لأن هذا بالذات هو الغرض مما كتبه يوحنا.

 

لندن في 20 أبريل سنة 1905

وليم كيلي

  • عدد الزيارات: 7207