Skip to main content

الأصحاح الأول - عدد 22

الصفحة 13 من 13: عدد 22

فرجعت نعمي وراعوث الموآبية كنتها معها التي رجعت من بلاد موآب، ودخلتا بيت لحم في ابتداء حصاد الشعير. ( ع 22)

ألم يكن هذا ليكفي نعمي لتقتنع بنعمة الله من نحوها أنها دخلت بيت لحم في ابتداء حصاد الشعير؟ إن الشعير هو أول محاصيل السنة (خر 31:9 و32، را 32:2). ثم ينضج بعده القمح. ثم أخيراً الكروم. وكانت الأخبار قد وصلت إليها وهي في بلاد موآب أن الله قد افتقد شعبه ليعطيهم خبزاً، فكان من المنطقي أن تتوقع أن تصل إلى بيت لحم في وقت تجد فيه أن الحصاد قد انتهى، أو على أحسن تقدير قد قارب على الانتهاء. ولكنهما وجدتا أن الحصاد بأكمله مازال أمامهما، كما لو أن الله كان منتظراً رجوعهما ليذبح العجل المسمن. حقاً، ما أطيب إلهنا الذي نعبده.

وبمناسبة ذكر الحصاد أود أن أشير إلى أنه باستثناء عدد 4 فإن كل ذِكر لزمان أي حدث في هذا السفر ارتبط بالحصاد. ونلاحظ أن عدد 4 يتكلم عن التغرب في بلاد موآب، لذلك فالمواقيت هناك عالمية. ولكن حالما نقرأ عن الحياة في بيت لحم نجد أن المواقيت ترتبط بالحصاد. وهذا يذكرنا بما جاء في تثنية 16، إذ قسَّم الله السنة بمواسم الحصاد. ولكن أساس التقسيم هو ذبيحة الفصح. ثم في النهاية، بعد أن يكمل الحصاد ويجمع ويصير معداً للاستخدام تنتهي السنة بعيد المظال. هكذا أيضاً ينتهي سفر راعوث بزواج يتم بعد أن تمت تذرية الحصاد.

وهناك ملاحظة أخرى. في ع22 يقول أن راعوث «رجعت» ويركز الروح القدس على أنها «رجعت» من بلاد موآب. وقد وجد الذين ينكرون الوحي اللفظي لكلمة الله في ذلك فرصة لنقدها. بل وكثيراً ما ركزوا على هذه الكلمة. وبعض الترجمات بالفعل أوردتها «أتت» بدلاً من «رجعت». ولكن اللفظ العبري لا يحتمل سوى هذه الترجمة «رجعت». وهذا في الحقيقة دليل على القيمة النبوية والروحية لأسفار العهد القديم، كما نتعلم من 1كورنثوس 9:9و10. ومن له أبسط دراية بالنبوات الخاصة برجوع إسرائيل يستطيع أن يرى في راعوث صورة للبقية الأمينة من إسرائيل في الأيام الأخيرة، وهي هنا يُرمز إليها بفتاة موآبية ليظهر إلى أي مدى كان ابتعاد إسرائيل. ولكنني أعود فأكرر أن غرضي من هذه التأملات ليس هو المعاني النبوية لهذا السفر.

ما أبعد الفرق بين نعمي وراعوث. ففي نعمي نرى صورة لمؤمن تراجع عن طريق التمسك بالحق. أما راعوث فنرى فيها اختبار «المحبة الأولى». فهي لم تكن لها معرفة كثيرة كنعمي، بل إن ما تعلمته تعلمته من نعمي نفسها. ولكن بساطة الإيمان فيها جعلتها تميز الأمور كما هي بالحقيقة. كان على نعمي أن تتعلم من تيهانها أن «الجسد لا يفيد شيئاً». أما راعوث فقد تعلمت ذلك من خلال معاملات الرب والشركة معه. وسلكت حسب ما أدركته عن هذا الحق، فلم تكن هناك ضرورة لها أن تجتاز تلك التدريبات المريرة التي اجتازت فيها نعمي. كذلك لم تتكلم راعوث كلمة تذمر واحدة، بالرغم من أن وضعها كان أكثر صعوبة من وضع نعمي، ولكن المحبة والإيمان كانا قد ملكا قلبها. ومتى ملكتنا المحبة والإيمان فإنهما يرفعانا فوق الظروف.

سبق أن رأينا من خروج 31:9-33 ، راعوث 23:2 أن الشعير كان هو أول محصول يتم حصاده. وبالارتباط بهذا نستطيع أن نتعلم من لاويين 23 وتثنية 16 دروساً أعمق. فالشعير يحصد في شهر أبيب، الذي معناه "السنابل الخضراء" وهذا هو موعد ذبح الفصح. ذلك لأنه على أساس الحمل المذبوح فقط يكون هناك ثمر للأرض من الله. وبدونه لا تكون هناك بركة من أي نوع للإنسان. وذلك ما نتعلمه مرة أخرى من 2صموئيل 3:21و9. فلابد أن يحدث موت ككفارة للخطية عند بدء حصاد الشعير. وبعد أن يذبح خروف الفصح يأخذون أول حزمة الحصيد إلى الكاهن، الذي «يردد الحزمة أمام الرب للرضا عنكم» (لا 11:23). وفيها نرى صورة للرب يسوع المقام من الأموات. (قارن 2مل 40:4-43)

فلما وصلت نعمي وراعوث إلى بيت لحم كان خروف الفصح قد ذبح لتوِّه، وقد أحضر رجال بيت لحم الأتقياء حزم باكوراتهم إلى الكاهن. وهذا فيه مرة أخرى درس نستخلصه من كونهما دخلتا بيت لحم في ابتداء حصاد الشعير، فنرى أن طابع الحياة في بيت لحم كان هو حياة القيامة المؤسسة على عمل الصليب الكامل.

والآن لنستعرض سريعاً مرة أخرى ما تعلمناه من الأصحاح الأول من هذا السفر. ففي البداية رأينا حالة الكنيسة كما تُرى في كنيسة أفسس، حيث كان كل شيء مرتباً حسناً (رؤ 1:2-7). فرأينا أليمالك "إلهي ملك"، ونعمي "المحبوبة المسِّرة". إلا أن الرب كان له على كنيسة أفسس أنها تركت محبتها الأولى، كما دلت على ذلك الأسماء التي أطلقها أليمالك على ابنيه. ثم في ع3 نجد برغامس التي فيها نرى سكنى الكنيسة حيث كرسي الشيطان. وهكذا مات أليمالك، وانطفأت الشهادة الحقيقية لحقوق الرب المرفوض. وقد نرى في ع4 ثياتيرا، حيث اتحدت الكنيسة بموآب الوثنية اتحاداً كاملاً. ثم في ع5 نجد ساردس التي يقول عنها الرب «لك اسم أنك حي وأنت ميت». ثم من ع6 فما بعده نرى فيلادلفيا، حين رجعت الكنيسة إلى ما كان في البدء. ليس ما كان لها في البدء من مجد، بل في ضعف شديد، شاعرة بأنها أخطأت في انحرافها وراء الذات، هذا ما نراه في نعمي. كما نرى في راعوث المحبة الأولى، والتمييز الفطري لما هو حسب فكر الرب. وقد رجعتا إلى بيت لحم، بيت الخبز، وكان الوقت وقت ابتداء حصاد الشعير، وقت إدراك كمال عمل الصليب، وكذلك القيامة، بل وطابع القيامة الذي للكنيسة كما رأينا في سياق تأملاتنا.

وفي الأصحاحات التالية سوف نرى الطابع الفيلادلفي في الطريقة التي بها أصبحت راعوث في كمال الاتحاد ببوعز.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 25706